اليوم السابع
السبت: 18-1-2014
“نعم” و”تحيا مصر”
وعدتُ أمس أن أخصص كلمة اليوم لتفسير ما وراء عدم الذهاب للصناديق أصلا، لكننى عدلت لأنها خطوة لم تعد مناسبة للحظة الراهنة، فقد كان حماسى موظفا لأساهم فى حفز نفسى والناس للمبادرة بالذهاب، وقد تمَّ ذلك أكثر من توقعاتى ومن مخاوفى، تمَّ بتلقائيه جماهيرية مباشرة كشفت عن جوهر هذا الشعب العظيم “اللى ما لوش حل” كما قلت أمس، وليس نتيجة لدعايات الإعلام التى كانت تصلنى أحيانا مسطحة، وأحيانا فجة ومستفزة حتى خفت أن تثير التوجه إلى عكس ما تقصد، وصلنى أن هذه التلقائية جاءت نابعة من الحرص على الحياة ذاتها، ومن علاقة المصرى بالاستمرار والاستقرار والإبداع، وعلاقته بالأرض، وعلاقته بالنيل، وقبل ذلك وبعد ذلك علاقته بالله سبحانه، الدعوة للذهاب كانت قياسا على دعوة المؤمنين للحياة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ”، وصلتنى هذه الدعوة أنها لكل المؤمنين إلى ما يحييهم: ليكونوا بشرا، لا أقصد بذلك أن يكون هذا الدستور بالذات هو يمثل ذلك، ولكنه وصل للناس أنه بداية دعوة ليعاودوا السعى “لما يحييهم” فى مواجهة ما وصلوا إليه قبيل الاستفتاء (وهو ممتد للأسف فى بؤر هنا وهناك). كان المصريون قد وصلوا إلى أنهم مهددون من الخارج بالتفكيك والاستعمال، ومن الداخل بالتخريب والتشرذم، فماذا تبقى لهم يبرر لهم البقاء فى بيوتهم بعد أن لاحت لهم فرصة بعث جديد، فانطلقوا آملين فى المبادرة بالعودة إلى حمل الأمانة: فخرجوا يقولون “نعم” للحياة، قبل وبعد أى كلام مكتوب وأى شخص معروف، وأى تفسير وصى على دعوة الله سبحانه لما يحييهم، خرجوا يقولون: “كفى هذا، نحن نستأهل أن نحيا كما أراد لنا ربنا”، فهل هناك أجمل ولا أطيب ولا أنبل وأعبد من هذا؟
يا حضرة الإعلام العظيم، الخاص والرسمى، أرجوكم لا تفسدوا هذا المعنى.
هل سمحتم أن تحسنوا قراءة هذه الـ “نعم” فلا تقلبوها أنها مجرد ترجيح لانتخاب شخص مصرى بذاته، فهذا الاحتمال، برغم اعترافى بوجوده فى قاع الوعى عند كثيرين، هو ليس من صالح هذا المصرى الشجاع الطيب، أرجوكم أن تتواضعوا فى التلويح للناس بأن هذه الـ “نعم” هى علامة قرب ظهور “المهدى المنتظر” الذى لم يزعم أنه كذلك، وألا تواصلوا الهجوم على شجب واتهام هذه القلة الشجاعة التى قالت “لا”، فقد تكبدت المشقة، ورفضت المقاطعة، وعندها أسبابها الخاصة لرفضها، وهى أسباب مختلفة عن بعضها البعض، لكنهم جميعا مصريون أيضا والله العظيم ثلاثا، أصابوا أم أخطأوا.