الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / “نصوص” و”ألعاب” من العلاج الجمعى (6)

“نصوص” و”ألعاب” من العلاج الجمعى (6)

نشرة “الإنسان والتطور”

29-6-2010

السنة الثالثة

العدد: 1033

“نصوص” و”ألعاب” من العلاج الجمعى (6)

تقديم:

نبدأ من هذه النشرة مناقشة بعض ملامح العلاج الجمعى من خلال تساؤلات وردت إلينا تعقيبا على الجزء الذى نشرناه من الجلسة قرب نهاية العام المتعاقد عليه للعلاج،(نشرة1-6-2010)، ثم ننتقل إلى الحلقة القادمة إلى اللعبة التى جرت فى هذه الجلسة، وما تلاها، ونأمل أن ننجح فى مقارنتها ببعض المشاركات من الأسوياء سواء المتدربين أو أصدقاء الموقع.

اليوم نخصصه للرد على تساؤلات الصديقة د. أميمة رفعت، وهى المجتهدة المثابرة على فتح آفاق العلاج النفسى بما فى ذلك العلاج الجمعى فى مستشفى الأمراض النفسية بالمعمورة بالاسكندرية، ثم فى عملها الخاص إن شاء الله، وقد سبق أن أشرنا إلى ذلك فى نشرات سابقة.

د. أميمة رفعت

تعقيب على نشرات (نصوص وألعاب من العلاج الجمعى 1، 2، 3 )

د. أميمة رفعت

ـ لاحظت كفاءة الجلسة بالرغم من قلة عدد المشاركين (أربع مريضات ومتدربة)، فهل السبب هوأنه الشهر العاشر من العلاج.

د. يحيى:

الأرجح أن ذلك هو فعلا بسبب قرب إنتهاء السنة (الشهر العاشر)، ولكن هذه ليست بالضرورة هى القاعدة، فقد يستمر الحضور كاملاً أو شبه كامل حتى آخر جلسة، ويمكن أن أراجع ذلك فى العشر سنوات الأخيرة فكلها مسجلة، لكننى أحب أن أضيف إلى ملاحظة “العدد” ملاحظة أخرى عن نوع الذين استمروا هكذا، وقد سبق أن ناقشت كيف أن المرأة (برغم كل ظروفها القاهرة وانشغالاتها وموقف المجتمع هى بصفة عامة، وبغض النظر عن المستوى الثقافى أو المادى أو الاجتماعى هى الأكثر حرصا على العلاج والأكثر قدرة على التغير والنمو (راجع: نشرة1-6-2010).

د. أميمة رفعت

وهل يمكن البداية منذ الجلسة الأولى بعدد صغير دون أن يؤثر ذلك على كفاءة التفاعل بين المشاركين فى الجلسات ؟

د. يحيى:

أعتدنا أن نبدأ بعدد كبير قد يتراوح بين عشر وخمسة عشر، ثم يتناقص تدريجيا، وهذا ما نسميه “الانتقاء الطبيعى”، أى أن المجموعة العلاجية، وهذا العلاج، ينتقى كل منهما من يصلح له كما ينتقيه من يرى تلاؤما معه، ثم تسير الأمور “مفتوحة” لأعضاء جدد، ربما فى الشهور الأربعة الأولى، ثم يقل السماح بذلك تدريجياً.

د. أميمة رفعت

ـ وإذا تخلف واحد أوإثنان فى بداية الجلسات (بعد شهر مثلا) فهل يمكن إحلالهما بآخرين دون أن يؤثر ذلك على تماسك الجلسات ؟

د. يحيى:

طبعا يمكن

والعدد غير محدد إلا بالتقريب من (8 إلى 16) ، ولا يؤثر هذا على تماسك الجلسات عادة (حسب خبرة المعالج)

د. أميمة رفعت

ـ هل يؤثر غياب الأعضاء فى التوازن النفسى للمشاركين وخاصة بعد أن مر كل هذا الوقت وتوطدت العلاقات بين الجميع،

د. يحيى:

لم أفهم ما تقصدين بـ “يقل التوازن”، بالنسبة لخبرتى طوال أربعين عاما (71-2010)، أنا لم ألاحظ أن العدد مهما نقص فى أى وقت أخلّ بالتوازن، ونحن نعتبر المجموعة قائمة إذا زاد العدد عن اثنين أى أننا ملتزمون بالجلسة (90 دقيقة) بمجرد أن يصل العدد إلى ثلاثة، ولو كانوا أطباء بدون مرضى، وهذا لم يحدث أبدأ، إلا أننى أذكر أننا عملنا جلسة كاملة لمريض واحد وطبيبين مع الالتزام بآليات العلاج الجمعى طول الوقت.

د. أميمة رفعت

ألا يؤثر ذلك فى توازن المعالج نفسه ؟ أسأل هذا السؤال لأننى أنا شخصيا كنت أتأثر بغياب أية مريضة من المجموعة حتى وإن إحتفظنا بكرسيها شاغرا، حتى ولو استحضرنا وجودها، كما كنت أجد أحيانا أنه من المفيد التحدث عن هذا الغياب مع بعض المريضات اللاتى تأثرن كثيرا.

د. يحيى:

أظن أنه من الأمانة أن تقرى بما شعرت به نتيجة للغياب، لكن هذا لا يعنى خللا فى التوازن، أنه شعور إنسانى بسيط يعلن حرص المعالج على فرص علاج مرضاه، وايضا يطمئنه إلى كفاءة هذا العلاج الذى يتبناه، وإلى أنه –المعالج- مرغوب فيه ايضا، لكن مرة أخرى – هذا لا يدل على خلل فى التوازن،

 أما احتفاظك بكرسى الغائب وكأنه يشغله، فهذا طيب إلا أنه قد لا يكفى أن نتحدث عنه غائبا، فإذا أتيحت الفرصة، وكان ذلك مناسبا يمكن أن نتحدث “معه”، وكأنه معنا فعلا، وأحيانا نضع حقيبة على الكرسى الشاغر الذى نفترض أنه جالس عليه أو  نضع سلسلة مفاتيح، وأحيانا يتقمص أحد المرضى دوره.. الخ، إذن نحن نحضّرِه إذا لزم الأمر ونتحدث ليس فقط عنه “بل أيضا معه”، وهذا يكون ممكنا بعد فترة من عمر المجموعة، وليس فى البداية عادة.

د. أميمة رفعت

ـ لاحظت أن المتدربة هى فى الوقت ذاته مساعدة للمعالج وقد أدارت جلسة بأكملها فى غيابه، فهل يعنى ذلك ضرورة وجود مساعد للمعالج حتى يحل محله فى عدم وجوده ؟ وإذا لم يتوفر مساعد لأى سبب من الأسباب فهل يضر إلغاء إحدى الجلسات بسبب تغيب المعالج بمسار العلاج؟

د. يحيى:

أولا: المتدربة هى معالج مساعد بالضرورة (والمرضى أيضا كما تعلمين، ولكن تحت قيادة المعالج).

ثانيا: وارد طبعا أن يحل المتدرب محل المدرب أو المعالج الأكبر، حين يغيب (بالنسبة لى أنا لم أغب أكثر من مرة أو اثنتين فى السنة طوال أربعين سنة) وتسير الجلسة عادة أفضل من توقعى وتوقع زملائى الأصغر بكثير.

ثالثا: يشاركنى الآن أكثر من متدرب (ثلاثة أحيانا)، وهذا يجعل احتمال غياب الأربعة نادراً.

رابعا: أحيانا يسمح بإدارة الجلسة بدون معالج، خاصة لو كانت قد مرّت  فترة طويلة، جربت ذلك منذ عشرين عاما ونجحت أحيانا، بنفس القواعد وبنفس الالتزام.

د. أميمة رفعت

ـ هل يتأثر المتغيبون كثيرا بسبب غيابهم، هل يستطيعون المتابعة بعد رجوعهم ؟

د. يحيى:

فى خبرتنا، أحيانا يصل الغياب إلى بضعة شهور، ونتعجب أن المتابعة ممكنة عند العودة، بكفاءة أكبر من تخوفاتنا.

يبدو أن آلية تكوين شبكية العلاقات أهم من المحتوى التسلسلى، وأهم من كمّ الوقت.

د. أميمة رفعت

ـ هل مسموح للمعالج أن يشعر بالإحباط أو، بصراحة أكبر، بالفشل ولومؤقتا لأنه لم يستطع الإحتفاظ بكل مرضاه وجذبهم إلى علاجه ؟

د. يحيى:

نعم يجوز ونصف.

بل إن هذا أكثر أمانة

(برجاء مراجعة الرد على السؤال الرابع) مع التنبيه أن الشعور بالإحباط هو جزء من مراحل النمو وليس مبررا للتوقف أو التراجع.

د. أميمة رفعت

ـ بالطبع لا أعلم إذا كانت هيام (وهى التى فتحت موضوع الخوف) هى إحدى مريضات الرهاب فى المجموعة أم لا، ولكن ألم يتح وجود هذا النوع من المرض فى المجموعة فرصة إثارة موضوع الخوف منذ الجلسات الأولى ؟ تعجبت من إثارته فى الشهر العاشر أى بعد 40 جلسة. وينطبق هذا السؤال أيضا على تيمة الحب، وهى من أهم التيمات والمشاكل فى العلاقات الإنسانية، فهل يعنى ذلك تكرار نفس التيمة ولكن على مستويات مختلفة منذ الجلسة الأولى وحتى الأخيرة.

د. يحيى:

أولاً: لا، ليس هذا  هو تشخيص هيام أصلاً

ثانيا: لا يوجد موضوع بذاته يصلح فى أوائل الجلسات وآخر يصلح قرب آخرها.

ثالثا: إثارة موضوع “الخوف” بالذات لا يحتاج إلى تشخيص أو أعراض دالة عليه فهو طبيعة بشرية، وقد تناولناه مع كل المرضى والمعالجين (وأظن فى الألعاب التى نشرت فى الموقع) دون وجود عرض الخوف أو تشخيص الحالة.

رابعا: أى تكرار وارد، وإن كنت شخصيا أتحفظ فى استعمال ألفاظ شائعة ملتبسة مهما كانت مهمة، ولعلك لاحظت كيف أبدلت رباب لفظ “الحب” الذى اقترحت هيام أن يحل محل الخوف – وحين تحفظت أنا على استعماله، استبدلته رباب بلفظ “مع”، وهذا هو ما جعلنا نخلـّق اللعبة التى استغرقت ثلاث نشرات بصفة مبدئية.

خامسا: طبعا يمكن تكرار نفس التيمة ليس فقط على مستويات مختلفة، بل حتى على نفس المستوى علماً بأنه لا شىء يتكرر كما هو.

د. أميمة رفعت

أريد أن أعرف بعض المعلومات عن إعداد المريض قبل دخوله العلاج الجمعى.عندى فى المستشفى كان يتم إعدادهم تلقائيا لأننى على علاقة وثيقة بهم وأراهم يوميا وأعمل بصفة فردية معهم منذ دخولهم،

فقد كانت مجموعاتى من مرضى الأقسام الداخلية كما تعلم وليس العيادة الخارجية (لا يوجد عندنا هذا النظام).

د. يحيى:

يتم اختيار المرضى فى قصر العينى على مستوى العياده الخارجية بواسطة الأطباء المقيمين، ونحن نقبل أى مريض وأى تشخيص وأى سن دون استثناء تقريبا. (اللهم إلا التدهور العضوى الشديد، أو الهوس الحاد) لأننى أتبع طريقة “اللاتجانس الكامل” فى المجموعة Heterogonous group وقد لاحظت أن هذا يثرى التفاعل ثراء شديدا، لكنه أصعب

د. أميمة رفعت

فى عيادتى الخاصة (وأنا جديدة جدا فى هذا المجال) أجد أن معظم المرضى يتعجبون من فكرة العلاج الجمعى، وأحيانا أنا أيضا، طالما يسيرون بخطوات جيدة فى العلاج الفردى. وأسأل نفسى أحيانا إذا كان المريض يأتى بنتائج طيبة فى ثلاثة أوأربعة أشهر على مستوى العلاج الفردى فلماذا ألزمه بعلاج آخر يستمر سنة، وهويتسائل لماذا يظل “يدفع” سنة كاملة؟

د. يحيى:

أظن أن المسألة تحتاج إلى بعض الصبر حتى يمكنك الحكم على خبرتك، وأنا لا أعرف علاجا فرديا يستغرق ثلاثة أشهر ويأتى بالنتائج التى تحكين عنها اللهم إلا ما يسمى العلاج النفسى الدينامى قصير الأجل Short term dynamic psychotherapy ثم دعينى أذكرك أن المجموعة التى أعمل معها فى قصر العينى يغلب فيها الذهانيون والفصاميون خاصة واضطراب الشخصية، وهم الذين لا يستفيدون من العلاج الفردى.

د. أميمة رفعت

ـ أين يبدأ دور العلاج الجمعى بعد البداية بالعلاج الفردى؟ ولأى مريض يُجمع العلاجان معا، ولأيهم ينتهى دور العلاج الفردى؟

د. يحيى:

ليس بالضرورة أن يكون المريض فى العلاج الجمعى قد مر بفترة اعداد فى علاج فردى، كل المطلوب هو ورقه مشاهدة sheet كامله.

نحن عادة لا نجمع بين العلاج الفردى والجمعى فى نفس الوقت إلا فى ظروف اضطرارية ولمرة أو اثنين عادة.

أما بعد انتهاء السنة، فيمكن أن يواصل المريض العلاج الفردى إذا لزم الأمر، وهذا غير مستحب عادة ويفضل الاكتفاء بالمتابعة.

د. أميمة رفعت

ـ هل تسمح بالحركة فى علاجك الجمعى؟ وهل تتحرك أنت معهم؟

د. يحيى:

فى بداية خبرتى كنا نسمح بالحركة بحرية كاملة، وخاصة فى مجموعات مستشفى المقطم، وأيضا فى عيادتى، ولكن قلّ ذلك تدريجيا حتى كادت تقتصر الحركة على الدراما، وكان لذلك أسبابه.

حركة التشابك أصبحت قاصرة (ونادرة أيضا) على تشابك الأيدى (بالأصابع) ونحن حرص فى قصر العينى إن حدثت أن تكون من جنس واحد ذكر مع ذكر، أنثى مع أنثى.

د. أميمة رفعت

هل يمكن مثلا أن تمثل هيام الخوف كما تشعر به فى الحجرة، فربما تختبىء مثلا فى الركن، اووراء زميلة، أوتتسمر فى مكانها ولا تتحرك. هل يسهل هذا إستحضار الخوف بدلا من إستحضاره على ملامح الوجه فقط، وهوما وجدته أنا أيضا فى منتهى الصعوبة عندما جربته على نفسى بينما وجدته أسهل كثيرا عندما تحرك جسمى كله. كما أتصور أن يثير ذلك ردود أفعال مختلفة على الباقين، كأن تهب أخرى لنجدتها، أوتشاركها ركن الحجرة، أوتطلب لهاالنجدة ولا تتحرك هى إيجابيا… إلخ.

د. يحيى:

فى إطار ما يجرى فى قصر العينى، مع كثرة عدد المشاهدين (باذن المرضى وموافقتهم) والذين يصل عددهم أحيانا إلى أربعين مشاهد، فإنه يصعب السماح بمثل هذه الحركة الطليقة، وإن كان ذلك وارد.

أنا معك أن التعبير بالوجه والعينين أصعب، لكننا عاده -حسب الخبرة المتاحة- نستفيد مما هو أصعب أكثر مما هو أسهل، حتى التمثيل بالكلام، وهو الأسهل، وجدنا أنه أقل تأثيرا من التمثيل بالوجه والعين.

د. أميمة رفعت

ـ من ناحية أخرى ألا تثير كل هذه الحركة الهرج والمرج فى الحجرة فتسىء إلى ترابط الجلسة، وكم عدد المرات التى يمكن التمثيل فيها بالحركة فى الجلسة الواحدة؟

د. يحيى:

قلت لك حالا أننى لا أمارس ذلك الآن إلا نادر، وعموما أنا أنصح بعينات محدوده من مثل ذلك إذا لزم الأمر، ولمدة محدودة تماما

ثم إن مسألة ترابط الجلسة ليست هدفا فى ذاته، فنحن نسمح بالسرحان مثلا، ونشتغل فيه، وهكذا، كما تعلمين.

د. أميمة رفعت

ـ هل تقبل بالتلامس فى الجلسة؟ وأقصد طبعا بما تسمح به عاداتنا وثقافتنا.

د. يحيى:

أظن أننى أشرت إلى ذلك فى سؤال سابق، وأوصى بندره استعماله لو سمحت.

د. أميمة رفعت

ـ.. فى المستشفى لم تقابلنى مشكلة أن تحكى مريضة مواقفا عن حياتها الخاصة (حتى المحرجة منها)، وهومما لا يمكن تجنبه على أية حال وخاصة أثناء التعارف فى البداية، ربما لأن وجه كل منهن مألوف للأخرى فى القسم. ولكن فى العيادة يخشى كل مريض أن يعرف الآخر أى شىء عنه وهوسبب ينفرهم إبتداء من فكرة العلاج الجمعى.

د. يحيى:

أنا معك فى الجزء الأخير لكن هذا فى البداية

أما بالنسبة للجزء الأول فنحن لا نفتح أى موضوع خاص نعرفه عن المريض أو المريضة إلا بإذن مسبق منه، أو إذا أعلنه هو أثناء الجلسة، وقد نستبدل هذا الأمر بأن نعيش معا نتائج هذا الموضوع وآثاره دون الخوض فيه تحديدا أو تفصيلاً.

د. أميمة رفعت

لم أبدا بعد علاجا جمعيا فى عيادتى وأنا فى غاية التردد… ليس لدى أى خبرة بهذا الموضوع، ولكننى أشعر بقرب التجربة فأنا أعرف نفسى، لا مفر، فهل تؤنسنى برأيك؟

د. يحيى:

توكلى

ولن تخسرى شيئا

وسيستفيد المرضى رغما عنك

ويطمئنونك حتما، وتتعلمون معا

فقط: لابد أن يكون الشكل محكما، والمدة محدده، والتعاقد واضحا (ما أمكن ذلك) أما الخبرة فهى آتيه لا ريب فيها بغض النظر عن النتائج الأولية بالذات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *