الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / “نحن” وفرويد “الآن” (1 من 3) مراجعة محدودة

“نحن” وفرويد “الآن” (1 من 3) مراجعة محدودة

“يومياً” الإنسان والتطور

28-4-2008

العدد: 241

“نحن” وفرويد “الآن” (1 من 3)

مراجعة محدودة

مدخل

لكل‏ ‏نظرية‏ علمية ‏عمرها‏ ‏الافتراضي‏, ‏بحيث ينتهى دورها  ‏متى ‏استنفذت‏ ‏أغراضها‏, ‏هذا‏ ‏إن‏ ‏لم‏ ‏تجدد‏ ‏نفسها‏, ‏فإن‏ ‏فعلت‏ ‏فإنها‏ ‏قد‏ ‏تصبح‏ ‏نظرية‏ ‏جديدة‏ ‏رغم‏ ‏احتفاظها‏ ‏بالاسم‏, ‏وقد‏ ‏يحتاج‏ ‏الأمر‏ ‏أن‏ ‏تغير‏ ‏من‏ ‏اسمها‏ ‏الأصلى، ‏حتى ‏يمتنع‏ ‏الخلط‏. ‏

نفس‏ ‏الأمر‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏ينطبق‏ ‏على ‏مناهج البحث، والأيديولوجيا‏.

‏وربما‏ ‏الحضارات‏.

النظريات‏ ‏ليست‏ ‏حقائق‏.

‏والفروض‏ ‏ليست‏ ‏نظريات‏.

والحقائق‏ ‏غير‏ ‏موجودة‏ ‏أصلا‏ ‏فى ‏عالم‏ ‏متغير‏. ‏

الحقيقة‏ ‏الثابتة‏ ‏أو‏ ‏المطلقة‏ ‏لا‏ ‏وجود‏ ‏لها‏. ‏الحقيقة‏ ‏هى ‏السعى ‏نحوها‏ ‏بمنهج‏ ‏يـعد‏ ‏بالوصول‏ ‏إليها‏ (‏الأمر‏ ‏الذى ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نتصور‏ ‏إمكان‏ ‏تحقيقه‏ ‏بمجرد‏ ‏الوعد‏ ‏به‏). ‏

تظهر‏ ‏النظرية، وقد‏ ‏لا‏ ‏تتعدى ‏كونها‏ ‏فرضا‏ ‏عاملا‏, ‏فى ‏وقت‏ ‏بذاته‏, ‏لحاجة‏ ‏الناس‏ ‏إليها‏, ‏ثم‏ ‏تؤدى ‏وظيفتها‏ ‏سلبا‏ ‏وإيجابا‏ ‏حتى ‏يتخطاها‏ ‏الناس‏. ‏ثم‏ ‏تتضاءل‏ ‏وتتراجع‏, ‏وتموت‏ ‏إلا‏ ‏ما‏ ‏دخل‏ ‏منها‏ ‏ليتكامل‏ ‏مع‏ ‏ما‏ ‏جاء‏ ‏بعدها‏ ‏ليحتويها‏. ‏

ما‏ ‏زال‏ ‏الجدل‏ ‏دائرا ‏حول‏ ‏نظرية‏ ‏فرويد‏ ‏فى ‏مجتمعات‏ ‏لم‏ ‏تعد‏ ‏تحتاج‏ ‏إليه‏ ‏مثلما‏ ‏كان‏ ‏الحال‏ ‏فى ‏السابق‏.

مثلا‏: ‏فى ‏كتاب‏ ‏ظهر‏ ‏مؤخرا‏ ‏سنة‏ 2000 ‏تأليف‏ ‏كولين‏ ‏ماكجين‏ ‏عن‏ ‏نظريات‏ ‏فرويد[1]‏ ‏قام مؤلفه  بنقد‏ وتفنيد ‏لفرويد‏ ‏ونظرياته‏ ‏من‏ ‏أسطح‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏‏. كان هذا النوع من النقد مقبولا وقت ظهور فـرويد وفى مواجهة الطغيان – المبرر وغير المبرر- لانتشار نظريته، لكن  أن يظهر مثل هذا النقد بعد مرور هذه العقود وقد اختبرها الزمن تطبيقا علاجيا، وإبداعا، وممارسة يومية،  بنفس المبررات التى نقدت بها باكرا، فهذا ما شعرت أنه يحتاج إلى وقفة موضوعية لنقد النقد.

 ‏أين‏ ‏موقفنا‏ ‏(وموقعنا) نحن‏ ‏من‏ ‏فرويد‏ ‏ونظرياته الآن، ‏خاصة‏ ‏وهى ‏ليست‏ ‏بعيدة‏ ‏عنا؟‏ ‏بل‏ ‏لعلها‏ ‏أقرب‏ ‏إلينا‏ ‏منهم‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏الراهن بعد أن تخطت المجتمعات الغربية والمتقدمة المرحلة التى احتاجت ظهور هذه النظرية وبررت انتشارها ؟‏ ‏ذلك‏ ‏باعتبار‏ ‏أننا‏ ‏متخلفون‏ ‏عنهم‏, ‏وبالذات‏ ‏فيما‏ ‏يختص‏ ‏بموضوعنا‏ ‏اليوم‏.

 ‏نحن‏ ‏نعيش‏ ‏حقبة‏ ‏تقابل‏ ‏الحقبة‏ ‏التى ‏انتشر‏ ‏فيها‏ ‏الفكر‏ ‏الفرويدى‏, ‏وأدى ‏وظيفته‏ ‏آنذاك‏, ‏قبل‏ ‏بداية‏ ‏العد‏ ‏التنازلى ‏لانحساره‏, ‏بل‏ ‏لعلنا‏ ‏نعيش‏ ‏فترة‏ ‏أسبق‏ ‏حتى ‏من‏ ‏العصر الفيكتورى ‏الذى ‏كان‏ ‏له‏ ‏الفضل‏ ‏فى ‏ظهور‏ ‏وانتشار‏ ‏الفكر‏ ‏الفرويدى ‏كنقيض‏. ‏ولعل‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يبرر‏ ‏استمرار‏ ‏هذا‏ ‏الفكر‏ وازدهاره فى تفسير حياتنا وإنتاجنا الفنى, ‏خاصة‏ ‏فى جانبه‏ ‏التبريرى، وغلبة الحتمية السببية فى تفسير كثير من نواحى سلوكنا وبعض ‏ثقافتنا‏ ‏حتى ‏الآن‏. ‏

لماذا‏ ‏فرويد؟‏ ‏ولماذا‏ ‏التحليل‏ ‏النفسى؟

مازال‏ ‏فرويد‏ ‏يملأ‏ ‏الدنيا‏ ‏ويشغل‏ ‏الناس‏.

‏ما‏ ‏سر‏ ‏ذلك؟‏ ‏وإلى ‏متي؟‏ ‏

إن‏ ‏ما‏ ‏يتبادر‏ ‏إلى ‏ذهنك‏ ‏حين‏ ‏تسمع‏ ‏أو‏ ‏تقرأ‏ ‏كلمة‏ (‏اسم‏) “‏فرويد‏”‏ غير‏ ‏ما‏ ‏يتبادر‏ ‏إلى ‏ذهن‏ ‏طالب‏ ‏ثانوى ‏فرنسي‏, ‏أو‏ ‏بائع‏ ‏صحف‏ ‏نمساوي‏, ‏أو‏ ‏فنان‏ ‏بلجيكي‏, ‏أو‏ ‏ناخب‏ ‏أمريكي‏, ‏أو‏ ‏إمام‏ ‏زاوية‏ ‏فى ‏قرية سندبسط‏ ‏مركز‏ ‏زفتا‏ ‏غربية‏, أو لاعب كرة فى صفاقس فى تونس،  ‏إلى ‏آخر‏ ‏التصانيف‏ ‏المحتملة‏. ‏وبلغة‏ ‏فرويد‏ ‏نضيف‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الذى ‏يتبادر‏ ‏إلى ‏ذهنك‏ (‏أو‏ ‏يقفز‏ ‏إلى ‏ظاهر‏ ‏وعيك‏) ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏مختلفا‏ ‏عما‏ ‏يتحرك‏ ‏فى ‏أعماقك‏ ‏بمجرد‏ ‏أن‏ ‏تسمع‏ ‏هذا‏ ‏الاسم‏ ‏الذى ‏يبدو‏ ‏أنه‏ ‏قادر‏, ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏غيره‏, ‏على ‏إثارة‏ ‏مشاعر‏ ‏وأفكار‏ ‏متضاربة‏. ‏إن‏ ‏ثم‏ “‏أكثر‏ ‏من‏ ‏فرويد‏” ‏تاريخا‏ ‏وحالا‏، وإليكم بعض ذلك. ‏

‏ ‏من‏ ‏وجهة‏ ‏نظر‏ ‏السيرة‏ ‏والتاريخ‏ ‏يوجد‏:‏

‏(1) ‏فرويد‏ ‏قبل‏ ‏التحليل‏ ‏النفسى: (‏فرويد‏ ‏قبل‏ ‏فرويد‏!!) ‏وهو‏ ‏عالم‏ ‏الباثولوجيا‏ ‏المرضية‏ ‏الذى ‏خطر‏ ‏له‏ ‏ما‏ ‏أعتبره‏ أنا ‏شخصيا‏ هو  النواة‏ ‏البيولوجية‏ ‏النيورونية‏ ‏الحديثة‏ ‏التى ‏تفسر‏ ‏الأمراض‏ ‏النفسية‏ ‏من‏ ‏منظور‏ ‏بيولوجى ‏عصبى ‏مباشر (وإن كان فرويد قد تنكر له حتى مات ، ولم ينشر إلابعد وفاته باسم “المشروع” The Project‏. ‏

‏(2) ‏فرويد‏ ‏الباكر:‏ ‏رائد‏ ‏إرهاصات‏ ‏ومبادئ‏ ‏نظرية‏ ‏التحليل‏ ‏الباكرة‏ (‏الشعور‏ – ‏اللاشعور‏- ‏العمليات‏ ‏الأولية‏ ‏والثانوية‏ – ‏تفسير‏ ‏الأحلام‏ ). ‏

‏(3) ‏فرويد‏ ‏المتأخر: ‏بفكره‏ ‏الناسخ‏ ‏والمكمل‏ ‏لفكره‏ ‏الباكر‏ (‏الأنا‏- ‏الهو‏- ‏الأنا‏ ‏الأعلى – ‏أطوار‏ ‏النمو‏ ‏النفسجنسية‏ – ‏ما‏ ‏بعد‏ ‏مبدأ‏ ‏اللذة‏ – ‏غريزة‏ ‏الموت‏). ‏

‏(4) ‏فرويد‏ ‏بعد‏ ‏فرويد‏: ‏وهو‏ ‏فرويد‏ ‏كما‏ ‏قدمه‏ ‏تلاميذه‏ ‏وشراحه‏ ‏من‏ ‏المنتمين‏ ‏إلى ‏مدرسته‏ ‏الكلاسيكية‏ (‏دون‏ ‏المنشقين‏ ‏عنه‏ ‏والمعدلين‏ ‏له‏). ‏

إنك‏ ‏إذا‏ ‏قلت‏ ‏فرويد، فإن‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏المراحل‏ ‏لا‏ ‏تخطر‏ ‏على ‏بال‏ ‏السامع‏ ‏أو‏ ‏حتى ‏الدارس‏ ‏معا‏, ‏حتى ‏أن‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏دارسى ‏الطب‏ ‏النفسي‏, ‏وربما‏ ‏علم‏ ‏النفس‏, ‏يغلب‏ ‏على ‏وعيهم‏ ‏ما‏ ‏هو‏ “‏فرويد‏” ‏باعتباره‏ ‏مرحلة‏ ‏تاريخية‏ ‏واحدة‏, ‏وحضور‏ ‏واحد‏. ‏

نفس‏ ‏الأمر، وأكثر، ‏ ‏بالنسبة‏ ‏للشخص‏ ‏غير‏ ‏المختص‏, ‏الذى ‏لا‏ ‏يعنيه‏ ‏هذا‏ ‏التطور‏ ‏التاريخي‏, ‏بل‏ ‏هو‏ ‏- فى الأغلب – لم‏ ‏يصله‏ ‏أصلا‏. ‏

‏هذا‏ ‏القارئ‏ ‏قد‏ ‏يستقبل‏ “‏ما‏ ‏هو‏ ‏فرويد‏” ‏بشكل‏ ‏مختلف، حسب‏ ‏الشائع‏ ‏فعلا‏, ‏ومن‏ ‏أمثلة‏ ‏ذلك‏:‏

1-  ‏فرويد‏ ‏المبرِّر‏ ‏للأخطاء‏, ‏المفسر‏ ‏للأحلام‏, ‏الراصد‏ ‏لهفوات‏ ‏اللسان‏, ‏والكاشف‏ ‏للأسرار‏ (‏دون‏ ‏استئذان‏).

2- فرويد‏ ‏الإنسان‏ ‏صاحب‏ ‏المشاكل‏ ‏والمعاناة‏ ‏الذى ‏أسقط‏ ‏معاناته‏ ‏وتاريخه‏ ‏الشخصى ‏فى ‏نظرية‏ ‏فرضها‏ ‏على ‏العالم‏ ‏بحرفـية‏ ‏غير‏ ‏مسبوقة‏.

3- فرويد‏ ‏الداعر‏ ‏الذى ‏أطلق‏ ‏سراح‏ ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏الغرائز‏ ‏واحترام‏ ‏الجنس‏ ‏فأفسد‏ ‏النشء‏ (‏وهذا غير‏ ‏صحيح‏).

4- فرويد‏ ‏الموسوعى ‏عاشق‏ ‏علم‏ ‏المصريات

5- فرويد اليهودى الخبيث الذى عرّى الأديان وأنكر الله لصالح الصهيونية !!

6- فرويد الذكرى السلطوى الرجولى الذى همّش دور المرأة لأسباب شخصية‏

7- فرويد‏ ‏ملهم‏ ‏موجات‏ ‏الفن‏ ‏الروائى ‏و‏ ‏التشكيلى ‏الغائص‏ ‏فى ‏ما‏ ‏وراء‏ ‏الشعور‏. ‏

8- أو‏ ‏مزيج‏ ‏من‏ ‏هؤلاء‏, ‏أو‏ ‏كل‏ ‏هؤلاء‏, ‏أو‏ ‏غير‏ ‏هؤلاء‏.

فأى ‏فرويد‏ ‏من‏ ‏هؤلاء‏ ‏نتناوله بالنقد ونحن نتكلم عنه،

 وماذا فعل ‏كتاب‏ ‏كولين‏ ‏ماكجين‏ الذى أشرنا إليه وسنتناول بعضه هنا حالا ‏؟

تناسب المرحلة التاريخية، وانتشار النظرية:

ننظر‏ ‏ابتداء‏ ‏فى ‏معنى ‏ودلالات‏ ‏انتشار‏ ‏نظرية‏ ‏ما‏, ‏أو‏ ‏ظاهرة‏ ‏ما‏ ‏فى ‏وقت‏ ‏وزمان‏ ‏معينين‏. ‏نحن‏ ‏ننفى ‏ابتداء‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏انتشار‏ ‏نظرية‏ ‏ما‏ ‏دليلا‏ ‏على صحتها أو سلامة منهجها أو مصداقيتها‏. ‏يتوقف‏ ‏انتشار‏ ‏نظرية‏ ‏دون‏ ‏الأخرى ‏فى ‏زمن‏ ‏بذاته‏, ‏فى ‏مجتمع‏ ‏بذاته‏ ‏على ‏عوامل‏ ‏مختلفة‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏حصرها‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏العجالة‏, ‏لهذا‏ ‏نكتفى ‏بالقول‏ ‏بأن‏ ‏أى ‏نظرية‏,‏ خصوصا‏ ‏ما‏ ‏يتناول‏ ‏منها‏ ‏ماهية‏ ‏الإنسان‏, ‏ويحاول‏ ‏تفسير‏ ‏سلوكه‏, ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏توجيه‏ ‏مساره‏, ‏إنما‏ ‏يتوقف‏ ‏انتشارها‏ ‏على ‏عوامل‏ ‏كثيرة‏ ‏أهمها‏:‏

‏(1) ‏حاجة‏ ‏الناس‏ ‏إليها‏ (‏الناس‏ ‏الذين‏ ‏تلقوها‏ ‏وانتشرت‏ بينهم و‏من‏ ‏خلالهم‏). ‏

‏(2) ‏تزامن‏ ‏إلحاح‏ ‏هذه‏ ‏الحاجة‏ ‏مع‏ ‏درجة‏ ‏السماح‏ ‏بالظهور‏ ‏فالشيوع‏. ‏

‏(3) ‏حالة‏ ‏النظريات‏ ‏الأقدم‏, ‏وقت‏ ‏ظهورالنظرية‏ ‏الأحدث‏. (عادة‏ ‏يتناسب‏ ‏فشل‏ ‏النظريات‏ ‏الأقدم‏ ‏ ‏ ‏مع‏ ‏انتشار‏ ‏النظريات‏ ‏الأحدث‏, ‏لكن‏ ‏هذا‏ ‏ليس‏ ‏قاعدة‏ ‏مطلقة‏). ‏

‏(4) ‏سهولة‏ ‏اللغة‏ ‏التى ‏تستعملها‏ ‏النظرية‏ ‏البازغة‏ ‏بما‏ ‏يسمح‏ ‏لها‏ ‏بالتداول‏ ‏نقدا‏. ‏

‏(5) ‏اتساع‏ ‏مجالاتها‏, ‏بمعنى ‏ألا‏ ‏تكون‏ ‏تطبيقاتها‏ ‏مقتصرة‏ ‏على ‏مجال‏ ‏واحد‏ ‏فى ‏تخصص‏ ‏دقيق‏.

‏(6) ‏مدى ‏ما‏ ‏تثيره‏ ‏من‏ ‏حركة‏ ‏نقدية‏ ‏حولها‏ (‏لها‏ ‏وعليها‏). ‏

كل‏ ‏هذه‏ ‏العوامل‏ ‏توفرت‏ ‏لصالح‏ ‏انتشار‏ ‏نظرية‏ ‏التحليل‏ ‏النفسى ‏الفرويدى ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏أيام‏ ‏ظهورها‏ ‏وحتى ‏الآن‏ ‏فى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏البقاع‏, ‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏عندنا‏. ‏

‏ ‏ظهرت‏ ‏نظرية التحليل النفسى فى أواخر القرن التاسع عشر لتزدهر فى أوائل القرن العشرين وحتى بعد منتصفه، وحتى الآن، وكانت الحاجة إليها بالغة وقت ظهورها ‏لتطلق‏ ‏سراح‏ ‏الناس‏ ‏من‏ ‏ضغط‏ ‏العصر‏ ‏الفيكتورى‏, ‏ولتسد‏ ‏فراغا‏ ‏كان‏ ‏جاثما‏ ‏على ‏الوجود‏ ‏البشرى ‏نتيجة‏ ‏للتمادى ‏فى ‏إنكار‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏ليس‏ ‏ظاهرا‏ ‏على ‏سطح‏ ‏الوعى. ‏كما‏ ‏أن‏ ‏فرويد‏ ‏بموسوعيته‏, ‏وغوايته‏, ‏وشخصيته‏, ‏ولغته‏, ‏قد‏ ‏قدمها‏ ‏متسحـبا‏ ‏متحايلا‏ ‏ليخاطب‏ ‏بها‏ ‏داخلنا‏ ‏مباشرة‏, ‏فبدا‏ ‏وكأنه‏ ‏المدافع‏ ‏الشرعى ‏عن‏ ‏فك‏ ‏قيود الإنسان المعاصر (فى عصره) ‏ ‏وإطلاق‏ ‏سراح‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏بأعماقنا‏. ‏

تحايل‏ ‏فرويد‏ ‏وطرق‏ ‏كل‏ ‏باب‏ ‏من‏ ‏أول‏ ‏الإبهار‏ ‏العلاجى ‏الذى ‏يبدو‏ ‏للشخص‏ ‏العادى ‏أقرب‏ ‏إلى ‏السحر‏ ‏أو‏ ‏حل‏ ‏الألغاز‏ ‏حتى ‏إعادة‏ ‏قراءة‏ ‏التاريخ‏ (بما فى ذلك التاريخ المصرى والأديان) ‏مرورا‏ ‏بالنقد‏ ‏الفنى ‏وتحليل‏ ‏سير‏ ‏العظماء‏ ‏والفنانين وتفسير الأحلام‏. ‏

كان‏ ‏فرويد‏ ‏يعرف‏ ‏طريقه‏ ‏إلى ‏عامة‏ ‏الناس‏ ‏وصغار‏ ‏المريدين‏, ‏كان‏ ‏يستدرج‏ ‏القارئ‏ ‏متصنعا‏ ‏الجهل‏, ‏حتى ‏يوصل‏ ‏إليه‏ ‏ما‏ ‏يحتاج‏ ‏أن‏ ‏يوهمه‏ ‏بصدقه‏ ‏المطلق‏, ‏يقتطف‏ ‏فرويد‏ ‏شعرا‏ ‏من‏ ‏مقامات‏ ‏الحريرى ‏فى ‏كتابه‏ ‏الرائع‏ “‏ما‏ ‏بعد‏ ‏مبدأ‏ ‏اللذة‏ “ (‏سنة‏ 1924) ‏هذا‏ ‏نصه‏:‏

تعارجت‏ ‏لا‏ ‏رغبة‏ ‏فى ‏العرج‏       ‏ولكن‏ ‏لأطرق‏ ‏باب‏ ‏الفــرج

وألقى ‏بحبلى ‏على ‏كاهلى          ‏وأمرق‏ ‏مسلك‏ ‏من‏ ‏قد‏ ‏مرج

فإن‏ ‏لامنى ‏القوم‏ ‏قلت‏ ‏اعذروا‏      ‏فليس‏ ‏على ‏أعرج‏ ‏من‏ ‏حرج‏. ‏

قرأ‏ ‏فرويد‏ ‏هذا‏ ‏الشعر‏ ‏مترجما‏ ‏إلى ‏الألمانية‏, ‏وأعاده‏ ‏إلى ‏أصله‏ ‏العربى ‏المرحوم‏ ‏محمد‏ ‏عثمان‏ ‏نجاتي‏” ‏وهو‏ ‏يترجم‏ ‏هذا‏ ‏الكتاب‏ ‏إلى ‏العربية‏. ‏يدل‏ ‏اقتطاف‏ ‏فرويد‏ ‏هذا‏ ‏على ‏موسوعيته‏ ‏من‏ ‏ناحية‏,(فمن منا نحن العرب يعرف أن الحريرى قال ذلك، ويستطيع أن يستشهد به هكذا؟؟!!)  ‏وعلى ‏بصيرته‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى. ‏فهو‏ ‏يشير‏ ‏بشكل‏ ‏مباشر‏ ‏إلى ‏طريقة‏ ‏تحايله‏ ‏لتقديم‏ ‏أفكاره‏ ‏بشكل‏ ‏يستدرج‏ ‏به‏ ‏قارئه‏ ‏ومقتطفه‏, ‏وهو‏ ‏يتصنع‏ ‏التواضع‏ ‏مرة‏, ‏والجهل‏ ‏مرة‏, ‏والبراءة‏ ‏مرات‏, ‏ثم‏ ‏يمد‏ ‏أفكاره‏ ‏إلى ‏داخلنا‏ ‏فيلوح‏ ‏لها‏ ‏بالانطلاق‏ ‏وإمكانية‏ ‏التحرر‏, ‏والأهم‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏بالتبرير‏ ‏والتفسير‏, ‏فنقبل‏ ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏فكره‏, ‏وإنما‏ ‏ما‏ ‏نضيف‏ ‏إليه‏ ‏من‏ ‏عندنا‏ – خطأ أم صوابا- ‏من‏ ‏مواقف‏ ‏تبرر‏ ‏ما‏ ‏نريد‏, ‏وما‏ ‏نفعل‏, ‏وكيف‏ ‏نهرب‏. ‏

إن‏ ‏نقد‏ ‏نظريات‏ ‏فرويد‏ ‏وتجاوزها‏ ‏قد‏ ‏بدأ‏ ‏من‏ ‏الأيام‏ ‏الأولى ‏لظهورها‏, ‏وهذا‏ ‏فى ‏حد‏ ‏ذاته‏ ‏أعطاها‏ ‏حيويتها‏, ‏كما‏ ‏حافظ‏ ‏على ‏استمرارها‏. ‏

إن‏ ‏قراءتنا لفرويد الآن – ‏من‏ ‏خلال‏ ‏منجزات‏ ‏العصر‏ ‏فى ‏ظل‏ ‏ثقافتنا‏ ‏الخاصة‏ – ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يأخد‏ ‏مسارا‏ ‏آخر‏ ‏غير‏ ‏مجرد‏ ‏شجبه‏ ‏أو‏ ‏اتهامه‏ ‏أو‏ ‏إنكاره‏, ‏وليس‏ ‏أيضا‏ ‏مواصلة‏ ‏تقديسه‏ ‏أو‏ ‏اتباعه‏. ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نسأل‏ ‏أنفسنا‏ ‏بالترتيب‏:‏

أولا‏: ‏هل‏ ‏تعرّفنا‏ ‏على ‏فرويد‏ ‏منه‏ ‏شخصيا‏, ‏أم‏ ‏ممن‏ ‏تحدثوا‏ ‏عنه؟‏ ‏

ثانيا‏: ‏هل‏ ‏تابعنا‏ ‏الحركات‏ ‏التى ‏نبعت‏ ‏منه‏, ‏وردت‏ ‏عليه‏, ‏وتجاوزته‏ ‏أو‏ ‏تكاملت‏ ‏معه‏ ‏؟

ثالثا‏: ‏بالنسبة‏ ‏لثقافتنا‏ ‏نحن‏: ‏ماذا‏ ‏أخذنا‏ ‏منه‏, ‏مما‏ ‏فهمناه‏ ‏عنه‏, ‏ومما‏ ‏أسأنا‏ ‏فهمه‏ ‏؟

رابعا‏: ‏كيف‏ ‏أثر‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏على ‏ممارساتنا‏ ‏عامة‏, ‏المهنية‏, ‏والإبداعية‏ ‏والشخصية؟‏ ‏

خامسا‏: ‏ماذا‏ ‏تبقى ‏فينا من‏ ‏فرويد‏ ‏مما‏ ‏نحتاجه‏, ‏وماذا‏ ‏تضاءل‏ ‏عند‏نا من عطائه وكنا أولى به.

سادسا‏: ‏هل‏ ‏ثم‏ ‏بديل‏ ‏؟‏ ‏ليس‏ ‏بالضرورة‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏البديل‏ ‏مخالفا‏.

تذكرة برؤوس مواضيع ما لحق بفكر فرويد منذ كان:‏

إن‏ ‏ما‏ ‏تم‏ ‏خلال‏ ‏قرن‏ ‏من‏ ‏الزمان‏ ‏قد يساعدنا على الإجابة ‏ ‏على ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الأسئلة‏ ‏وغيرها‏ ‏، وهو ليس قليلا، ‏فقد‏ ‏تنوع‏ ‏الانشقاق‏, ‏والتجاوز‏, ‏والرفض‏ ‏والنقد‏ ‏من‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏منطلق‏. ‏نكتفى ‏هنا‏ ‏بالتذكرة‏ ‏ببعض تنويعات‏ ‏من‏ ‏ذلك‏:‏

‏(1) ‏انشقاقات‏ ‏بدأت‏ ‏فى ‏حياته‏ ‏وعلى ‏عينه (‏أشهرها‏: كارل جوستاف ‏يونج علم النفس التحليلى‏, ‏وألفرد أدرلر‏: علم النفس الفردى)‏

‏(2) ‏تطوير‏ ‏وتعديل‏ ‏لأفكاره‏ (‏الفرويدويون‏ ‏المحدثين‏ ‏أو‏ ‏من‏ ‏هم‏ ‏بعد‏ ‏فرويد‏ (Post Freudians & Neo-Freudian ) ‏من‏ ‏أول‏ ‏كارين‏ ‏هورنى ‏حتى ‏إريك‏ ‏فروم‏, ‏بل‏ ‏وإريك‏ ‏إريكسون‏ ‏وإريك‏ ‏بيرن‏ ‏وغيرهم‏. ‏

‏ (3) ‏إنكار‏ ‏تام وهجوم ضارٍ‏‏ إما‏ ‏بالنفى، ‏أو‏ ‏بالنقض، أو‏ ‏بالإهمال‏, ‏وعلى ‏رأس‏ ‏هذا‏ ‏الفريق‏: ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏السلوكى. ‏

‏ (4) ‏ ‏تجاوز‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏هو‏ ‏أبعد‏ من فكره, ‏وأشمل‏ ‏منه‏. ‏(يمثل هذا المنحى بوجه خاص:  ‏كارل‏ ‏جوستاف‏ ‏يونج‏, ‏الذى ‏غاص‏ ‏فى ‏عمق‏ ‏اللاشعور‏ ‏الجمعى ‏إلى ‏تاريخ‏ ‏الثقافات‏ ‏والبشر‏, ‏ليقدم‏ ‏مفهوم‏ ‏النماذج‏ ‏أركيتايبس‏”. Archetypes ‏وبالذات‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏عكس‏ ‏الذات‏ ‏الظاهرة‏ (‏فى ‏الرجل‏ ‏أنثى ‏كامنة‏ “‏الأنيما‏” ‏وفى ‏المرأة‏ ‏ذكر‏ ‏كامن‏ “‏الأنيمس‏” إلخ. ‏

‏(5) ‏تواصل‏ ‏التجاوز ‏ ‏للفكر‏ ‏الفرويدى ‏بشكل‏ ‏مضطرد‏, ‏ومن‏ ‏ذلك‏ ‏نظرية‏ ‏تعدد‏ ‏الذوات لـ “إريك بيرن”،‏ (‏التى ‏نجد‏ ‏جذورها‏ ‏فى ‏فكر‏ ‏يونج‏ ‏على ‏أى ‏حال‏) ‏وهى ‏التى ‏تقَدّم على مستويين‏ ‏: إذْ ‏تقدم‏ ‏فهم‏ ‏النفس‏ ‏على المستوى الأفقى الآنى‏: ‏مرحلة‏ ‏التشريح‏ = ‏التحليل‏ ‏التركيبى Structural analysis ‏ثم‏ على المستوى التفاعلى النمائى: ‏مرحلة‏ ‏التفاعلات‏ ‏المتقاطعة‏ =‏ التحليل‏ ‏التفاعلاتى Transactional analysis. ‏

‏(6) ‏ضد الفكر الفريدى: “‏عكس‏ ‏المنطلق‏”: ‏فبدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏إنسانية‏ ‏الإنسان‏ ‏وحضارته‏ ‏هى ‏أساسا‏ ‏رد‏ ‏فعل‏ ‏وضبط‏ ‏وربط‏ ‏لما‏ ‏هو‏ ‏غريزى ‏متفجر‏, ‏تفترض‏ ‏حركة‏ “‏علم‏ ‏النفس‏ ‏الإنسانى (‏مثلا‏: ‏أبراهام‏ ‏ماسلو‏)‏ أن‏ ‏الطبيعة‏ ‏الخيرة‏ ‏هى ‏الأصل‏, ‏وأننا‏ ‏إذا‏ ‏تعهدناها‏ ‏تفجرت‏ ‏بما‏ ‏تعد‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏هو‏ ‏نحن‏ (‏تحقيق‏ ‏الذات ‏Self actualization ) ‏ثم‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ (‏أريتي‏: ‏امتداد‏ ‏الذات‏ Self Expansion)‏

‏(7) امتداد التجاوز نحو التأكيد على واقعية‏ ‏خبرات‏ ‏الإيمان‏ ‏الممتدة، والإبداع‏ ‏الذاتي‏, ‏وهى ‏خبرات‏ ‏أقرب‏ ‏إلى ‏ممارسات‏ ‏طقوس‏ ‏ديانات‏ ‏جنوب‏ ‏شرق‏ ‏آسيا‏, ‏وبعض‏ ‏الخبرات‏ ‏الصوفية‏ ‏فى ‏كل‏ ‏الأديان‏ ‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏الإسلام‏. ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يدرج‏ ‏بشكل‏ ‏غير‏ ‏مباشر‏ ‏تحت‏ ‏مجموعة‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏حركة‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ (‏والطب‏ ‏النفسي‏) ‏عبر‏ ‏الشخصية (Transpersonal Psychology and Psychiatry)

‏(8) ‏تأكيد‏ ‏مطلق على ‏حرية‏ ‏الإنسان‏ ‏فى ‏اختيار‏ ‏طريقه‏, ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏تخليق‏ ‏هويته‏ (‏التحليل‏ ‏النفسى ‏الوجودي‏) ‏بما‏ ‏يناقض‏ ‏تماما‏ ‏التسليم‏ ‏للحتمية‏ ‏النفسية‏ ‏أوالحتمية‏ ‏البيولوجية‏. ‏

‏ (9) ‏توليف‏ ‏تكاملى ‏بين‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏بيولوجى ‏هيراركى ‏فى ‏منظومات‏ ‏الدماغ، وتنظيمات‏ ‏السلوك‏ ‏على ‏مدارج‏ ‏النمو‏, ‏فيما‏ ‏أكد‏ ‏أن‏ ‏الشعور‏ ‏هو‏ ‏القائد‏ “‏علم‏ ‏نفس‏ ‏الوعي‏” ‏فى ‏مقابل‏ “‏علم‏ ‏نفس‏ ‏اللاوعى (‏هنرى ‏إي‏) ‏وكذلك‏ ‏النظرية‏ ‏الإيقاعية‏ ‏التطورية‏ (‏كاتب‏ ‏هذه‏ ‏السطور‏). ‏الأول‏ ‏يربط‏ ‏بين‏ ‏المرض‏ ‏النفسي‏, ‏والعقلي‏, ‏الصرع‏, ‏والثانية‏ ‏تربط‏ ‏بين‏ العلاقة بالموضوع، و‏دورات‏ ‏النمو‏، ‏ودورات‏ ‏المرض،‏ ‏ودورات‏ ‏الإبداع‏ (‏فى ‏الحلم‏ ‏بالذات‏) ‏على ‏مسار‏ ‏التنظيم‏ ‏الهيراركى ‏النامى ‏المتصاعد‏. ‏

إن‏ ‏تقديم‏ ‏فرويد‏ لنا الآن، أو نقده، بواسطة ماكجين أو غيره، ‏دون‏ ‏الإشارة‏ ‏إلى ‏هذا‏ ‏الجدل‏ ‏الدائر‏ ‏حوله‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الاتجاهات‏ ‏خليق‏ ‏بأن‏ ‏يضللنا‏ ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏عن‏ ‏فرويد‏, ‏وإنما‏ ‏عن‏ ‏أنفسنا‏, ‏وعما‏ ‏يجرى ‏حولنا‏, ‏وما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يجرى ‏بنا‏.

وغدا نكمل الحديث

نحن وفرويد: (علمٌ وشائعاتْ).

[1] – ‏ظهر‏ ‏موجز‏ ‏له‏ ‏فى ‏مجلة‏ “‏الكتب‏:‏وجهات‏ ‏نظر‏” (‏العدد‏ ‏الثانى ‏والعشرين‏ ‏نوفمبر‏ 2000- ‏ترجمة‏ ‏وتقديم‏ ‏بدرالرفاعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *