الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / نحن أحوج إلى مساحة للاختلاف من حاجتنا إلى الإجماع والحل الوسط

نحن أحوج إلى مساحة للاختلاف من حاجتنا إلى الإجماع والحل الوسط

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 28-1-2014

السنة السابعة

العدد:  2342

نحن أحوج إلى مساحة للاختلاف من حاجتنا إلى الإجماع والحل الوسط(1)

التفاعل بين البشر شديد التعقيد، والقوانين التى تحكم البقاء شديدة العراقة والأصالة، وهى تبدأ بقوانين المادة وتتصاعد إلى أن تصل إلى الوعى البشرى الخلاق الذى ما زال يستعصى على الدراسة حتى الآن، وكلها تقول إن هناك قواعد تحكم الاختلاف (ليس أهمها القبلات والأحضان ولا الصياح ولا بلاغة البيان)، وكلها تشير إلى تعقيد التفاعل، وحتمية الاختلاف، وناتج الحركة، مما يمكن أن يحسن طريقة تفاهمنا، وأيضا تفاعلنا مع بعضنا البعض إلى ما ينفعنا وينفع  الناس ويمكث  فى الأرض؟

 أثناء التصويت بلجنة الخمسين على مشروع دستور 2013، شاهدت بالصدفة إعلامية شديدة الذكاء شديدة الشجاعة بالغة الحماس، وهى تندد بحسرة وطنية هائلة بهذه الاصوات التى جعلت موادا  بذاتها تنال أدنى الأصوات، (أدنى الاصوات هذه تتراوح بين 7، 8 صوتا من بين 48 !!!) وراحت تصيح كيف يوجد مصرى يرفض كذا؟ أو يتحفظ على كيت؟ يا للعجب العجاب؟ هل معقول أن يوجد خمسة أو ستة يرفضون النص الفلانى؟  كيف تدهور بنا الحال إلى هذا المستوى!!؟ ماذا جرى للمصريين!!؟ ..إلخ، ولم يكن ينقصها – لولا أدبها – إلى أن تتهم  هذه الأقلية الضالة إما بالخيانة، أو بالتخلف العقلى، ولم يهمنى أية مادة تعنى بالذات ، لكنى كنت أتابع حماسها ورفضها بنفس الشجاعة القصوى التى أحسدها عليها، ماذا يتبقى من الديمقراطية إذا كان هذا هو موقف إعلامنا من الاختلاف هكذا؟  (علما بأنى لا أقدس الديمقراطية المعروضة فى الأسواق حاليا، لكنها الضرورة ولا مؤاخذة) .

“الإجماع” ليس هو غاية المراد فى أى مجتمع سليم، هل كانت هذه الإعلامية القديرة، تريد من لجنة الخمسين أن توافق على كل المواد بالإجماع؟ وهل يا ترى يمتد حماسها هذا ليطلب من الشعب مثل ذلك ؟ (الاحتياط  واجب) وهذا ما بدت ملامحه فى التصويت التسع وتسعين بنعم على الدستور إن الحماس لما يسمى الإجماع يلغى حيوية أى تفاعل خلاق، كما أن حل الاختلافات بما أسميه “الحلـْوَسَطْ” (على وزن لغـْوَصَتْ) ، يجمد التفاعل ويوقف ديناميكية الجدل، نحن لا نحترم أقلية مختلفة، ولا نحتمل حيرة حتمية لا توقفنا عن الاستمرار والعمل، رجعت إلى أبسط قوانين التفاعل من موجات الماء، إلى أشعة الليزر إلى ذاكرات (وليس ذاكرة واحدة) المخ، وهذا بعض ما وجدت:

1) لو رمينا حجرًا في بركة ماء ساكن فإنه ستتولد موجاتٌ منتظمة، تنتشر على شكل دوائر متحدة المركز. ولو رمينا حجرين متماثلين تمامًا في نقطتين مختلفتين فإن الموجات التي تنتج عنهما يتجه بعضُها نحو بعض. فإذاالتقت ذروةُ موجة مع ذروة موجة أخرى فإنهما تتضافران وتعطيان موجة أكبر مرتين من كلٍّ منهما؛ ..إلخ …. والنتيجة النهائية هي نظام معقد للغاية يسمَّى “شبكة التداخُل” (وهذا يختلف تماما عن التلفيق وحتى التوفيق أوالحلـْوَسَطْ)

2)  تسلك الموجاتُ الضوئية تمامًا سلوك الموجات السابقة، فعندما يلتقي شعاعا ليزر، يولِّدان شبكة تداخُل معقدة؛ ويمكن تسجيل هذه الشبكة على لوحة تصوير. وهذا التسجيل هو ما يسمى بالهولوغرام Hologram. ….. ولعل أغرب ما في الهولوغرام هو أنه لو كسرنا اللوحة فإن كلَّ كِسْرة منها يمكن لها أن تعطي الصورة بكاملها (فالجزء يمثل الكل دون تماثل، تماما مثل الذاكرة فى المخ)

3) قانون فاعلية الكتلة  في الكيمياء ( 🙁 Law of Mass Action) يعتبر هذا القانون من أقدم القوانين في عالم الكيماء الحديث، (1864 – 1879)…. وهو يؤكد أن التوازن الكيميائي هو عملية دينامية (حركية) يسري فيها تفإعلان عكسيان في وقت واحد. (ولو كان ثم تماثل أو توافق إجماعى لتوقفت الحركية)

4)  من قواعد عمل أجهزة الدماغ (المخ) خلف العقل: أن  أية صورة من صور الذاكرة تسجل فى كل المخ، وليس فى أماكن معينة بذاتها، (فهو  بذلك يكون  أقرب إلى نموذج الهولوجرام ، من نموذج التصوير بالصندوق المظلم)

وبعد

إذا كنا لا نتعلم من السياسة، فهيا نتعلم من الطبيعة والكيمياء والعلم المعرفى العصبى.

[1] – تم نشر هذا المقاال فى موقع اليوم السابع بتاريخ: 1-12-2013 وتم تحديثه بما يتفق مع مرور الوقت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *