اليوم السابع
الأربعاء: 30-10-2013
من نفس القاعدة إلى وجه الله فالوطن
بعد أن نبه د. مصطفى الفقى أمس هنا إلى استحالة فكرة اجتثاث تنظيم عقائدى سياسى أو دينى بالمعنى الكامل الفعال، أوصى بأن المطلوب هو “ترشيد فكر الجماعة (الإخوان) وتغيير مسارها السياسى ومقارعة حجج أصحابها بحججٍ أقوى مستمدة من روح العصر وتقاليد الوطنية المصرية” وقد أنهى كلمته بدعوة قال فيها: “إننى أدعو أشقاءنا من المعتدلين فى جماعة «الإخوان المسلمين» إلى الوقوف على أرض وطنية وتغليب المصالح العليا للبلاد على ما عداها.
هذا كلام طيب ومهم، لكن يبدو أنه أقرب إلى التفكير الآمِل منه إلى التطبيق المحتمل، فالمسألة ليست مقارعة حجة بحجة، ولا هى مسألة أن تكون الحجة مستمدة من روح العصر أو احترام التقاليد الوطنية المصرية، إن هذه القضايا – فى نظرى – لا تمثل فى وعى هذه الفئة من المصريين أى معنى له دلالة فاعلة بحيث يمكن أن ننفذ منها إلى وجدانهم أو عقولهم أو قيمهم الكيانية الراسخة، الخلاف ليس حول أرضية مصر الوطنية أو مصلحة البلاد العليا، المسألة هى عقائدية أيديولوجية تتعلق بالموقف من الحياة والحلال والحرام والدنيا والآخرة، مع أقل قدر من الالتفات إلى الفكرة المركزية الجوهرية فى الإيمان ممثلا فى الإسلام كمنطلق أساسى. علينا أن نذكـِّر الإخوان، خاصة الأصغر والأطيب منهم، إلى أصل جوهر هذا الدين قبل أن يسجنوه فى اجتهاد أوصياء حسنى الينة أو محدودى الإبداع والمرونة، وبذلك قد نفتح عليهم، ولنا، ولكل الناس ما يسهم فى إنقاذ كل البشر، بدءا بنا، من خلال تطوير خير وعطاء الإسلام للكافة بدعم الرحمن الرحيم.
أنا مع الدكتور الفقى فى أنه يكاد يستحيل استبعاد عدة ملايين مهما كانوا على خطأ، بالإضافة إلى أن طريقة الاستبعاد لا بد أن توضع نتائجها فى الاعتبار، فالاستبعاد الأمنى القهرى الصرف، لا يقضى على الانتماءات الأيديولوجية والدينية، وإنما يخفيها تحت الارض، بل إنه غالبا ما يزيد من عدد المنتمين إليها سرا أوعلانية، كما ان الاستبعاد الصناديقى الديمقراطي المظهرى عمره قصير بعد أن تعددت وسائل وقنوات تعرية فشل االحكام ومحاسبة الفاشل منهم والمعطل والظالم والمعوق بطرق غير صناديقية!!، أما الاستبعاد المناقشاتى المنطقى فهو موصى عليه من فتاوى التراث من ناحية، وغسيل المخ الإعلامى من ناحية أخرى.
إن المدخل المناسب، مهما كان الطريق طويلا، هو الانطلاق من نفس القواعد، لعلنا نلتقى بصالح مصر والناس، فإذا كان منطلقهم هو الإسلام الحنيف فعلينا أن نتعرف سويا على إيجابيات الإسلام ومساحة عطائة وإنسانيته وقدرته على البعث الحضارى، بل وعلى تنظيم اقتصادى غير موصى عليه، مختلفٍ ومستقل، يمتد إلى قيم عدل حقيقية لتحقيق معنى حمل أمانة كل البشر، والحفاظ على كرامتهم كما كرمهم الله، فى مواجهة القوى التى تعمل على سحق المستضعفين عبر العالم من خلال أيديولوجيا اكثر جمودا وإغارة واغترابا واستغلالا، وإن كانت ألمع بريقا، وأعلى صوتا. الإسلام الحقيقى، الذى هو من عند الله – مثل كل دين لم يتشوه – هو منطلق آخر لنوعية أخرى من الحياة غير التى يعرضها علينا الغرب، وهى التى تكاد تتطابق مع ما يعرض الإخوان مع تغيير اللافتة، الإسلام الحقيقى منطلق إلى الإيمان الذى هو منطلق إلى وجه الله الحاضر فى وعى البشر وكل الدنيا طول الوقت بما يغير نوعية الحياة ومنظومة القيم إلى ما يحفظ هذا الجنس البشرى العظيم بفضل الله.
ولهذا تفصيل آخر قد أعرضه متى حانت الفرصة.