الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) (16 من ؟) الفصل الخامس “مواجهة “اختيار الجنون وثمنه” مشاركة بالصدفة، ودعم الفروض

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) (16 من ؟) الفصل الخامس “مواجهة “اختيار الجنون وثمنه” مشاركة بالصدفة، ودعم الفروض

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 31-10-2021

السنة الخامسة عشر

العدد: 5174

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (1)

(مرورا بالعلاج الجمعى) (16 من ؟)

الفصل الخامس

“مواجهة “اختيار الجنون وثمنه”

مشاركة بالصدفة، ودعم الفروض

برجاء البدء بإعادة قراءة حلقة أمس على الأقل، شكرا

أنهينا نشرة أمس ونحن نواصل عرض معالم المقابلة مع المريض وكانت نهاية الحلقة كالتالى:

“محمد”: بس أنا حاسس إنها جنيه معايا فعلا

د.يحيى: حِسّ زى ما انت عايز، بس باين عليها مش نافعة، وإلا بتشوف خيالات قلة أدب، وتعرى النسوان فى الشارع ليه؟

“محمد”: ولاّ هيّا الحاجات دى فى عقلى الباطن، ولا إيه مش فاهم

د.يحيى: انا ما باستعملش حكايه عقل باطن وظاهر، اهو عقلك التانى وخلاص، وانت مسئول عن كله

“محمد”: يعنى الحاجات اللى أنا باحس بيها دى والحاجات الغريبه دى يعنى…

د.يحيى: مالها؟

“محمد”: حاجات طبيعيه يعنى، ولا دِى عادِى

د.يحيى: طبيعية فى إنها موجوده وخلقة ربنا، ومش طبيعية لما تظهر بالشكل ده وتبقى برّه برّه، وتلخبطك

“محمد”: بس أنا عايز أقول حاجة: الحاجات دى ساعات بتزيد وساعات الحاجات بتقل

د.يحيى: ما هو تبع الجوع للناس، لما يكون مافيش ناس خالص تزيد، لما يبقى فيه ناس بحق وحقيق بتقل.

ونواصل اليوم:

…………………

“محمد”: هوّا انا مسئول عن كده؟

د.يحيى: ربنا حايحاسبنا حايحاسبنا، مجنون حايحسبك، نفسانى حايحاسيك، ومن دلوقتى مش بس فى الآخرة.

“محمد”: ياه!!

د.يحيى: ….. زيك زى الجماعة دول، (يشير إلى حضور المقابلة من الدارسين) حايحاسبهم على اللى بيعرفوه وعلى اللى مارضوش يعرفوه، برضه هوّا حايحسبك حايحاسبك، عملت الغلط حايحسبك، ماعملتش الصح الحلو حايحسبك، مافيهاش فصال، يعنى على كل اللى انت فيه

“محمد”: ماشى، بس أنا مريض؟

د.يحيى: هو عارف كل حاجه

“محمد”: ماشى، بس حايعذرنى لما اشرح له.

د.يحيى: هوّا مش مستنى شرح، ولا مستنى محامى، ولا وكيل نيابة

 * غالبا فى ثقافتنا نجد حضور “الله” انطلاقا من “هنا والآن” أمرا بديهيا وإيمانيا فى نفس الوقت، ويمكن مواكبة ذلك من منظور الوعى الممتد. مرة أخرى، وهذه المسألة مرتبطة بالثقافة الشعبية والثقافة الإيمانية المصرية والعربية غالبا، ذلك أنه يبدو أن لهذه الثقافة دور فى الانتماء إلى عملية استعادة الهارمونى، أى الشفاء، ولم أجد فى ممارستى مع ناسنا – إلا نادرا– من يعترض على هذه اللغة أو يرفضها، وحتى الذين فى مرحلة الشك يلتقطون جذورها ويستشعرون ربحها فتصلهم جدواها التى لا تتعارض حتى مع شكوكهم (حتى يهتدوا أو لا يهتدون)، لكننى لاحظت أنهم إذا أمكنهم أن يكونوا أوصياء على تفكيرهم ومنطقهم المعقلن، فإنهم لا يملكون نفس قدرة الوصاية على طبقات وعيهم كلها، والتأكيد على مسألة الحساب (حايحاسبنا حايحاسبنا) لا يقصد به هنا، ولا يصل أبدا إلى أنه، حساب الآخرة فحسب، بل هو حساب كل لحظة إلى آخر اللحظات التى ليس لها آخر.

“محمد”: أنا قصدى إن أنا بازْنِى بعقلى الباطن

د.يحيى: مافيش باطن وظاهر فى الحساب، ما هو الباطن هو إنت برضه، ولاّ حانهرج، خلينا نشيل المسئولية عشان تخف، إوعى تقول الكلام بتاع النفسيين ده تانى، إحنا متحاسبين متحاسبين على اللى جوه واللى بره، الباطن والظاهر، خلينا نعيش واحنا بنعرف ربنا بحق وحقيقى، عشان نِتلم، طبعاً ربنا زى ما حايحسبك حايحاسبنى، يعنى مثلا لو أنا ماجتش إنـِّهـَارْدهَ أقابلك كان حايحاسبنى، إنت فاهم إيه، حايحاسبنى على الظاهر والباطن زيك تمام ولاحد حايشفع لى، حتى لو أنت سامحتنى إنى أتأخرت عليك.

“محمد”: ياه!! أهى دى الأصول

د. يحيى: واحنا بنستعين بالأصل والأصول

“محمد”: أنا نِفْسِى وباتمنى

د.يحيى: سيبك من التمنى ده

“محمد”: طيب بلاش التمنى، خلينا فى: أنا نفسى

د.يحيى: خلينا هنا ودلوقتى

“محمد”: أنا نِفسى نِفسى يعنى

د.يحيى: يا جدع أنت سيبك حتى من نِفسى دى، حكاية نِفسى دى ممكن تأجِّـل كل حاجة بتحصل هنا ودلوقتى، احنا مع بعض يبقى نعيش، نحترم كل حاجة فى الثانية دى

“محمد”: فى الثانية دى !! ياه!! واللى فات؟ والتعب اللى تعبته طول عمرى

د. يحيى: أيوه يا محمد يا ابنى عندك حق، أنا لما قريت تانى الكلام اللى فى أوراقك لقيته شَقَى شَقَى، يامحمد من يوم ما أتولدت وأنت شقيان ومافيش أم، وانت عارف أبوك عمل إيه، الله يخرب بيته، ويكون فى عونك

“محمد”: ولا كان فيه أب ولا فيه نيله

د.يحيى: بالظبط، بس فيه رب، مافيش أب بس فيه رب

“محمد”: أكيد

د.يحيى: مش كفاية أكيد دى، لو واصلالك كنا اتصاحبنا أكثر، والخيالات دى كانت بِعْدت شوية وبقت حاجه تانيه، وكنت ما بقيتش مهزوز وخايف لما تتجوز ومش عارف إيه، ما هو كله مرتبط بكله، باكلمك جد.

 *  برغم أن الكلام يبدو غامضا مثل “كله مرتبط بكله” إلا أنه يبدو أنه يصل للمريض بسهولة أكثر من المناقشات المعقلنة، كذلك الربط بين حضور الوعى المشترك البينشخصى والوعى العام إلى وجه الله (شعبيًّا وإيمانيا ووعيا!) يعرض على المريض بلا فذلكة علمية ولا تقعير دينى شكلى! فيرد المريض ببساطة بما وصله، ويتوثق التواصل.

“محمد”: أنا فاهم

د.يحيى: (يشير إلى الحضور) إمال ليه الدكاترة دول مش فاهمين، هما أحرار، بس أنا لما كنت قدهم ما كنتش فاهم زيهم، بس تصدق بالله، أنا عرفتها شوية شوية من محمد طربقها وكل المحمّدات اللى صاحبتهم وعالجتهم.

* أكرر مرارا أننى أتعلم من مرضاى، وما أتعلمه ليس فقط معلومات عن الصحة والمرض، وإنما معرفة عن الوعى والإيمان والفطرة وحركية الإبداع، برغم أنهم مبدعون فاشلون مُجهضون، وحين أخبر “محمد” – مثلا – بهذه الحقيقة فأنا أبلغه ما أكرره، وفى نفس الوقت احترم تلقيه الذى لا أشك فى نوعه ولا أبالغ فى قيمته، لكن له دلالة شديدة الأهمية على طريق إرساء علاقة حقيقية.

****

……………………

……………………

“محمد”:  (يضحك) إنت عارف أنا باضحك ليه

د.يحيى: ليه؟

“محمد”: مش عارف،…. أنا باكلمك بجد والله

د.يحيى: أنا شايف إنك مبسوط من كلامنا وقعدتنا، يمكن بتحبنى

“محمد”: مش عارف

د.يحيى: إلا قل لى: هوّا أنا باحبك؟

“محمد”: آه

د.يحيى: على فكرة، تصدّق إن ده مهم عندى من غير ما نقوله، أصل المهم هوّا اللى بيوصل لك صح، مش اللى أنا باقوله، تعرف: أنا حاصعـّبها عليك، أصله لو واصل لك إنى باحبك فعلاً، يبقى ماتطلعش لك خيالات تانى، يعنى لو مِصَدَّق إنى انا باحبك زى ما وصلك فى الجروب مننا كلنا، حاتلاقى مافيش لزوم للخيالات.

“محمد”: بس أنا باحبك بصحيح

د.يحيى: ما انا عارف إنك بتحبنى، زى ما أنت عارف إنى باحبك

 * الكلام عن الحب هكذا ليس مطلوبا عادة، مع أنه لا تبدو فيه فرط الاعتمادية، وهو من ناحية متبادَلٌ، ثم هو من ناحية أخرى يبدو امتدادا للتواصل الذى حدث فى الجروب “زى ما وصلك فى الجروب” وكأن الطبيب يحاور (يتواصل مع) المريض بالأصالة عن نفسه، والنيابة عن الوعى الجمعى مرة أخرى إلى الوعى الجماعى…إلى ما بعد ذلك…الخ، لكن التحذير من استعمال لفظ “الحب” بالذات أثناء المقابلة والعلاج لا يأتى من أنه بعيد عن وصف العلاقة الجارية، وإنما لأن كلمة “الحب” كما غلبت فى ثقافتنا مؤخراً، وربما بصفة عامة، كادت تفقد معادلها الموضوعى ومصداقيتها، الذى جرى فى هذا الحوار لا يتصل مباشرة بما يسمى “حب” عادة، بقدر ما يُظهر سلاسة ودرجة التواصل عبر الوعى البينشخصى، كما أنه لا يصح أن يـُترجم إلى ما يسمى “الطرْح” (2) بلغة التحليل النفسى، لأن هذا الوجدان المُتَخَلِّق ليس مجرد نقلة لمشاعر سابقة إلى موضوع آنىّ (الطرح!)، وإنما هو تخليق لتواصل وعيين فأكثر “هنا والآن” من جديد.

“محمد”: لو انت بتحبنى…

د.يحيى: (مقاطِعَا) الخيالات ماتجيش

“محمد”: دى حاجة يعلمها ربنا بقى

د.يحيى: طبعاً ربنا بيبارك فى الصَّـح، نعمل حاجه صح كده زى ما اتخلقنا، تروح كـَبـْرانه برضاه وبرحمته، هنا ودلوقتى.

“محمد”: تصدق وتآمِنْ بالله:

د.يحيى: لا إله إلا الله

“محمد”: أنا باحبك أكتر من أبويا

د.يحيى: ما أنا عارف

“محمد”: أنا ماباحبش أبويا أصلاً

د.يحيى: ما أنا عارف، بس….

“محمد”:  (مقاطعا) بكلِّمَك بجد والله

د.يحيى: خلّى بالك، إنت كده بتخففها: أصل لو ما باتحبش أبوك خالص خالص، يبقى بتحبنى اى كلام، يعنى أى شوية حب يبقوا أكتر من أبوك، يبقوا تمام التمام

“محمد”:  أنا ماباحبوش كده، بكلمك بجد

د.يحيى: بصراحة أنا مبسوط من حكاية “كده” دى، “ما باحبوش كده”، زى ما يكون الحب أنواع

“محمد”:  أنا صريح

د.يحيى: دا واصلنى من غير ما تقول

“محمد”:  طب ليه ماباحبـِّش أبويا

د.يحيى: أوووه!! دى حدوته تانية بقى، خلينا فى النهارده

“محمد”:  بس دى حكاية..

د.يحيى: برضه خلينا فى هنا ودلوقتى

“محمد”:  هيّا ليها تفسير عندكم فى علم النفس والكلام ده

د.يحيى: تانى!!؟ نَفْس إيه ونيلة أيه؟ إنت معلق على حكاية نَفْس ونَفْسِية، ما احنا قلنا مافيش حاجة اسمها “محمد نفسية” تعلق عليها كل خيبتك، عشان كده نبعد عن حكاية النفس دى خالص، خلينا فى ربنا، وعلاقتنا مع بعضنا، والخيالات، والجوع، والدكاترة، والشغل.

* نلاحظ: رجوع المريض إلى محاولة التبرير والتفسير باستعماله تعبير “علم النفس” – وما إليه- كما يتصوره، وكأن كل الذى يطلبه هنا هو: “هِيّا لها تفسير عندكم”، ولعلنا نذكر كيف رفض الطبيب وبشدة محمد “نفسية” فى الوقت الذى قبل فيه كل المحمديِنْ، وبديهى أن رد الطبيب هنا عرض بديلا مكثفا صعبا حين قال: “ربنا، وعلاقتنا، والخيالات، والجوع، والدكاترة، والشغل” فهل يا ترى وصلت هذه الجرعة بكل هذا الازدحام إلى المريض، وكيف؟

“محمد”:  آه، صحيح، الظاهر كده

د.يحيى : لو الحاجات دى تلمها على بعضها، الأمور حاتمشى، ولا تقولّى نفسيه ولا مانفسياش

“محمد”:  إنت عارف انا عايز أقول لك، عايز أقول لك الكلام ده من أمتى

د.يحيى : من امتى؟

“محمد”:  من فتره

د.يحيى : ما أنا عارف

“محمد”:  من فتره وانا باتخيل إن أنا هنا، وباقول، وقاعد أتكلم عادى، مفيش اى حاجه، وعادى عايز أقول حاجه للدكتور يحيى، أتخيل إنى قاعد كده وحاطط رجل على رجل، وباتكلم، وأنا جاى فى المواصلات وأنا فى البيت وأنا نايم وأنا صاحى مش فاهم يعنى أنا الحاجات دى بتتعبنى ساعات.

د.يحيى : يعنى أنا بقيت ضمن الخيالات يالَهْ

“محمد”:  ههه؟ أيوه

د.يحيى : بس إوعى تكون بتتخيل خيالات جنسيه عنى، إعمل معروف هههههه (ضحك)

“محمد”:  (ضحك) هههههههه لأ دى خيالات تانية

د.يحيى : بينى وبينك الظاهر فيه علاقة بين الخيالات دى والخيالات دكهه، أهه ده جوع وده جوع، هى واحده فى أًصلها بينى وبينك، يعنى، إنما تفرق….

“محمد”:  مش فاهم

د.يحيى : ما هو الجوع لبنى آدمين ساعات يظهر فى شكل جنسى، وساعات يظهر فى شكل علاجى، وساعات يظهر فى شكل ودّ وحنّيه، واحنا بقى ندور على المصدر الحقيقى المناسب اللى بيِسدّ الجوع ده، لأن لو سبنا الحكاية كده راح تتملا بأى حاجة مِنْ جُـوَّه والسلام

“محمد”:  آه، باين كلها واحد

د.يحيى : بتقول إيه؟ يا راجل دانا مستصعب الكلام ده على الدكاترة، وساعات ألاقيه صعب حتى علىَّ شخصيا، يقوم يوصلك كده بالسهولة دى؟ إمال إيش حال لو قلت لك أنه ساعات يظهر فى شكل إيمان.

“محمد”:  ما هو صحيح كلها واحد

د.يحيى : يا راجل دانا باجرجرك فى الكلام، تروح واخدنى على قد عقلى وتقول لى كلها واحد، يا رب تكون بتقصدها بصحيح عشان الدكاترا يفهموا

*  كانت مغامرة أن تطرح كل هذه الجرعة من النفسمراضية التركيبية ومالها من أهمية لاختبار نوعية “العلاقة البينشخصية” (التى تسمى أحيانا “العلاقة بالموضوع”)، كانت مغامرة أن تطرح بهذه المباشرة على مريض بهذا المستوى التعليمى والثقافى والاجتماعى المتواضع، لذلك ظهر الشك على الطبيب أن المريض يوافقه “والسلام”.

لكن لم يتم الربط هذه المرة بين ظهور الخيالات وبين غياب الموضوع أو جفاف العلاقات، ويبدو أن الجرعة فعلا كانت زيادة، إذ أن المريض راح يتراجع تقريبا عن أن “كلها واحد”، وربما يكون قد اكتشف دون أن يقترح الطبيب – أن الخيالات أو الهلاوس – قد ضـُمّنت فى “كلها واحد”

“محمد”:  بس الخيالات الجنسيه دى حاجه تانية

د.يحيى : ليه بقى؟ ما انت لسه قايل كلها واحد

“محمد”:  خيالاتى معاك إنت حاجه تانية

د.يحيى : يعنى مش واحد؟

“محمد”:  لأ مش واحد

د.يحيى : أمال قلت واحد ليه من شويه

“محمد”:  ماكنتش مركِّز

د.يحيى : ولاّ بترجع فى كلامك، ولا يمكن الاثنين موجودين جنب بعض، زى ما قلت قبل كده: “مش فاهم” و”فاهم”، يمكن هنا برضه “كلها واحد”، و”مش واحد”، بصراحة المسألة دى صعبة ومن حق الدكاترا إنهم ما يفهموش، عشان كده بيتلخبطوا، إنما المجانين اللى زيك بيفهموها دى بالذات.

“محمد”:  ازاى بقى؟!!!

د.يحيى : ما هو كله جوع،….. جوع للبنى آدمين

“محمد”:  جوع إزاى؟

د.يحيى : جعان بنى آدمين، وعطشان كمان بنى آدميين، يا إما تتغذى وتشرب خلق الله، يا إما تشرب من كيعانك (3)، وبعدين لما يزيد الجوع والعطش: تنشف من جوّه: تروح مشقق ومتفركش زى ما حصل واتجننت وبقيت محمد فركشنى

“محمد”:  (ضحك) بس انا مش مجنون أوى يعنى

د.يحيى : هوّا فيه مجنون قوى ومجنون نص نص

“محمد”:  مش مجنون اوى زى زمان

د.يحيى : هوّا أنت يخرج من يدّك تتجنن تانى؟ ما خلاص راحت عليك! كتك نيله

“محمد”:  طبيعى برضه، مفيش اى حاجه من دى.  

 * نلاحظ أولاً أن إقرار الطبيب بحق المريض (أو الحق عموما) فى أن يفهم ولا يفهم فى نفس الوقت، أو أنها كلها واحد وكلها مش واحد فى نفس الوقت وهو ما يسمى بحركية التناقض، وهو أقرب إلى ما تتصف به حركية الإمراضية، وهى مرحلة مشتركة بين المجنون والمبدع،

لكن فى حين أن المجنون قد يفهمها ويقبلها بطريقته ولو نسبيا ثم يتوقف عندها أو يشكو منها، فإن المبدع يحتويها ويشغـِّلها فى جدل خلاق حتى تتضفر إلى وُلاف أنضج، وبهذا يمكن أن نقبل إقرار محمد بقبول التناقض هكذا، وفى نفس الوقت صعوبة ذلك عند الشخص العادى (الممثل فى الحاضرين مثلا) نفهمه على حقيقته ودلالته بالنسبة للمريض فى هذه المرحلة.

ثم إن هذا المقطع يرجعنا أيضا إلى قضية “اختيار الجنون” وهنا إشارة إلى “اتخاذ قرار الجنون”، والمدهش أيضا أن المرضى وخاصة الذهانيين يقبلون هذا الاحتمال أثناء العلاج دون شعور بأنهم متهمون أو متمارضون، وهم يقبلونه بالمعنى الذى سبق شرحه فيما سبق، أكثر مما يقبله أو يفهمه الأشخاص العاديون، وأكثر من الإعلاميين، وأكثر من كثير من الأطباء النفسيين والمعالجين.

 وذات مرة أثناء علاقة طويلة مثل هذه قال لى مريض حميم بعد أن تطورت علاقتنا هكذا، “الله يجازيك يا دكتور، إنت قفِّلت علىَّ السكك، ما عنتش قادر اتجنن”!!

****

(ثم نكمل الأسبوع القادم)

 بتقديم الفصل السادس: “الحزن الحيوى على مسار التعافى”

(يحول دون التفسخ)

 

[1] – يحيى الرخاوى “من كتاب: من حركية الجنون إلى رحاب الناس .. (مرورا بالعلاج الجمعى)” منشورات جمعية الطبنفسى التطورى (2019)

[2] – Transference

[3] – “تشرب من كيعانك” تعبير بالعامية المصرية، شائع فى هذه الطبقة ويعنى يصيبك الأذى والحرمان والاحباط (تقريبا).

 

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

4 تعليقات

  1. ما هو الجوع لبنى آدمين ساعات يظهر فى شكل جنسى، وساعات يظهر فى شكل علاجى، وساعات يظهر فى شكل ودّ وحنّيه، واحنا بقى ندور على المصدر الحقيقى المناسب اللى بيِسدّ الجوع ده، لأن لو سبنا الحكاية كده راح تتملا بأى حاجة مِنْ جُـوَّه.

    هل الشخص بيبحث عن المصدر الحقيقى لجوعه ولا بيتنقل من جوع لجوع اعتقادا منه انه بيسدد جوعه الحقيقى؟ هل هو عارف اصلا هو جعان ايه؟ هل فى كل مرحله من حياته فى جوع معين بيحتاجه ولا فى نفس الوقت بيكون محتاج كذا نوع مع بعض؟

    • السؤال ذكى وعملى
      وكثيرا ما يكون فرط الجوع هو أصل الخلل، وقد لا يرتوى من أي من المصادر المتاحة فيتضاعف الجوع كلما استجيب له، وهذا هو ما نسميه “شرب الماء المالح”: كلما شربنا نزداد عطشا!!
      ولكل حالة ظروفها واحتمالاتها،
      وتغيير مصادر الرِّى حسب تطور الاستجابة وارد دائماً.

  2. صباح الخير يا مولانا:
    المقتطف :وهو ما يسمى بحركية التناقض، وهو أقرب إلى ما تتصف به حركية الإمراضية، وهى مرحلة مشتركة بين المجنون والمبدع،
    لكن فى حين أن المجنون قد يفهمها ويقبلها بطريقته ولو نسبيا ثم يتوقف عندها أو يشكو منها، فإن المبدع يحتويها ويشغـِّلها فى جدل خلاق حتى تتضفر إلى وُلاف أنضج، وبهذا يمكن أن نقبل إقرار محمد بقبول التناقض هكذا
    التعليق : يا الله ،كأن شمسا أشرقت بوعيى فجأة ،فارق شاسع يا مولانا بين أن أفهم الأشياء بعقلى،وأنا أعيشها فى حضرة الهنا والآن ،فقد قرأتها مرات من قبل وفهمت واستوعبت تبادل حالات الذات وتعلمت عن العلاقة بين الإبداع والجنون ومدى اختلافهما عن العادية وفرط العادية ،أما ما يحدث هنا والآن معك ومع محمد وأنا أجالسكما ،وقد سحبت لنفسى كرسيا إلى جواركما ،حتى رأيت نظراتكما ،واستمعت إلى ما أسميته من قبل فى شعرك ” والرعشة ف صوتك ،وسلام بؤك على خدك ” رأيت واستمعت،فشهدت …يا الله انقلب الفهم والمعنى إلى ” حضرة “أعيشها فأحيا بها وفيها ،منك معك إليه …….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *