الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) الفصل الثانى “بداية المشاركة فى العلاج الجمعى” (9 من ؟)

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) الفصل الثانى “بداية المشاركة فى العلاج الجمعى” (9 من ؟)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 9-10-2021

السنة الخامسة عشر

العدد: 5152

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (1)

(مرورا بالعلاج الجمعى)

الفصل الثانى

“بداية المشاركة فى العلاج الجمعى” ( 9 من ؟)

 مقدمة:

أنهينا نشرة الأسبوع الماضى بما يلى:

 (تدخل “منى” – إحدى عضوات المجموعة) متأخرة  (2)

منى: إزيكوا !!

د. يحيى: الساعة تمانية وتلت يا منى

ونواصل اليوم:

د. يحيى:  أيوه يا محمد، احنا عايزين حاجة أحسن من الأول، بس أحسن يعنى شكل تاني.

محمد: هو ده اللي نفسي فيه.

د. يحيى:  وأنا نفسي فيه برضه، بس الفرق لما يكون الواحد نفسه في حاجة، يكون بيشتغل علشان يعملها، أنا وإنت بنشتغل ومعانا زمايلنا والحمد لله، ومحمود النهاردة معانا، والحمد لله معانا فهمي من الأول، ألا قول لى يا محمد هوّ أنا باحب مين فيهم من التلاتة.

محمد: فى مين؟ أنهو محمد قصدك؟

د. يحيى:  عليك نور هما 3، واحد صغنطوط لسه بيكبر واحنا بنعمله سوا سوا، و”طربقها الجدع” “ومحمد المحتج” اللي إتفركش وإتفركشنا معاه، أنا علاقتي مع مين من الـ3 دول؟

محمد: محمد الجدع.

د. يحيى:  اللي هو طربقها القديم؟ والباقيين لأه!!؟؟

محمد: تقريبا.

د. يحيى:  يا شيخ حرام عليك!! بعد كل ده؟ يعني بذمتك أنا ما باحترمتش الفركشة بتاعتك، ولاّ أنا ماباحبش إلا اللي بيتكون معانا ده ومش عايز يتجدعن  ويكبر وسطينا ومش لاقيين له اسم؟ حابقى دكتور إزاى لو على كده؟ حابقى زيك بالظبط، واعوز أرجع للقديم وسلامتك وتعيش، ويا ريت نقدر، أصل الأمور مش نظرية، أنا عاذرك وعاذر الدكاترة، بس احنا ما قُدَّمناش غير كده، أنا باحب مين فيهم؟

محمد: شوف إنت بتحب مين فيهم وابقى قل لي.

د. يحيى:  لا يا شيخ، أنا باسألك عشان تقولى شوف انت، أنا باسألك انت عن اللي وصلك؟ أنا يهمنى اللى وصل لك مش أنى أقول، برضه يهمنى اللي وصل لمحمود، اللي وصل لفهمي، بس اللي وصلك أنت أهم، أنا باحب مين فيهم يا محمود.

محمود: بتحب محمد الصغير؟

يحيى:  والتانيين أوديهم فين؟ هو ممكن محمد الصغير يكبر إلا من خلال الباقيين.

محمود: أنا عن نفسي باحب محمد الصغير.

د. يحيى:  أه، من حقك، كتر خيرك، الصغيّر اللي بيكبر ولا الصغير بس؟

محمود: لأ الصغير بس.

د. يحيى:  طيب ماشى، دا منتهى الصدق، بس يا ترى ينفع؟ وانت يا فتحى؟.

فهمي: ممكن محمد الصغير.

د. يحيى:  الصغير بس ولا محمد الصغير اللي بيكبر.

فهمي: محمد الصغير اللي بيكبر.

د. يحيى:  إنت عارف الفرق؟

فهمي: أه.

د. يحيى:  طب كمل بقى، كمل اللي كنت بتقوله ولا خلاص كده !!

فهمي: خلاص كده.

د. علياء: طب إنت يا محمد بتحب مين؟

محمد: واحد معين ولا كله.

د. علياء: التلاتة

د. يحيى:  هي بتسألك عن التلاتة اللى همّا أنت.

محمد: باحب محمد طربقها القديم.

د. يحيى:  يا عَلْياء: هو بيحب محمد طربقها القديم، ومصمم، وبالتالي عايزني أحب محمد طربقها، واسيب التانيين وهوا يرجع له ونخلص.

د. علياء: (لمحمد) هو مش إنكسر يبقى مش نافع.

محمود: سيبه على جنب بقى.

محمد: أتمنى أشوفه أحسن من كده.

د. علياء: ماهو ده اللي بنقول فيه.

إبراهيم: أنا لا باحب محمد طربقها القديم ولا محمد طربقها الجديد.

د. يحيى:  إمال بتحب مين يا إبراهيم؟

إبراهيم: أنا باحب محمد دلوقتي اللي هو بيكبر

* إبراهيم – كما ذكرنا – شاب حول العشرين – متوسط الذكاء، متواضع المشاركة كان يبدو أنه غير منتبه ثم فوجئت بهذه المشاركة الإيجابية التى أكدت لى أن ما يصل إلى أى فرد من أفراد المجموعة لا ينبغى أن يقاس بمدى مشاركته الظاهرة ولا حتى بدرجة انتباهه الإيجابى كما ذكرنا، نحن نفاجأ كثيرا من خلال عمق المشاركة والمواكبة لحركية الوعى الجمعى، نفاجأ بتلقائيته وإبداعية بعض من كنا نحسبهم بعيدين، كما حدث مع إبراهيم فى هذا الموقف.

د. يحيى:  ماشي… تصور يا محمود الواد إبراهيم ده غاب ثلاثة أشهر، وجه مصحصح وراح طالع بالإسم اللي كنا بنـْدَوَّر عليه، اسم أحسن من محمد الصغير، أصله مش صغير، راح سماه محمد “دلوقتي” حلو قوي يا إبراهيم.

منى: (متداخله) أه.

د. علياء: إسم جميل جداً.

د. يحيى:  لأ “محمد دلوقتي” أظرف، محمد دلوقتي وبس، حلوة دى.

محمود: محمد هنا ودلوقتي.

د. يحيى:  لأ خلينا “محمد دلوقتي” كفاية.

إبراهيم: أنا عايزُه “دلوقتي”.

د. يحيى:  واحده واحده يا إبراهيم، دى هيا طلعت كده منك تمام التمام، الله يخليك، مش عارف طلعت إزاى، ولو هو محمد دلوقتى زى ما وصلتك يبقى أنا اطمن إن حد اعترف بيه، يقوم يكبر يكبر ما فيش فايدة، (ثم لمحمد)، إيه رأيك يا محمد في “محمد دلوقتي”.

محمد: أنا شايف إن هو لسه تعبان.

د. يحيى:  صح أهو هوَّا ده الشرف الحقيقي إن هوه، تعبان، طبعا حايبقى دلوقتي تعبان، أمال حايبقى عيل وخلاص.

د. علياء: ما هو التعب ضرورى يا محمد، بس تعب شكل تانى.

د. يحيى: يعني يا محمد دلوقتي مش برضه ده إسم ميّه ميّه، الاسم اللى اخترعه إبراهيم ده، طب ندور نشوف محمد المحتج اللى كان اسمه فركشنى، يبقى عندنا محمد طربقها ومحمد فركشنى ومحمد دلوقتي إيه رأيك دى بقت شغلانة.

د. علياء: طب ومحمد طربقها القديم؟

د. يحيى: ما هو موجود، ما انتيش شايفة صاحبه متمسك بيه إزاىّ، بس ظهر واحد أحسن منه، ولسه محمد فركشنى موجود برضه بس يمكن يستاهل يبقى له اسم تانى، مثلا يبقى محمد المحتج، أهو اسم جديد برضه.

………………

مروان: طب هو محمد دلوقتي عامل إيه؟

د.يحيى:  زى ما انت شايف! إيه رأيك يا محمد.

محمد: خليها محمد طربقها.                                                                  

د.يحيى:  تانى؟!!! انت مابتهمدشى

محمد: طب نخليه محمد دلوقتي.

د: يحيى:  هما التلاته دول نخليهم مع بعض ازاى؟ إزاى وهمّا تلاته نكلم مين فيهم؟

محمد: طيب محمد دلوقتي، بس لسه التعب موجود فيه.

د: يحيى: أه صحيح ده تعب طبعا، أنا محترم ده خالص المهم إنك قبلت الإسم ولو بالعافية، خلينا نمسك التعب بقى علشان ده حقك مش حانتفرج ونسمّي وخلاص يا ترى نعمل إيه فى التعب ده يابنى؟

…………

…………

محمد: نعالجه.

د. يحيى:  صح، ايه رأيِكْ يا منى، (3) “محمد دلوقتي” تعبان.

منى: ماشي.

د. يحيى:  انتى شايفه تـَعـَبـُهْ.

منى: باين عليه.

……………

……………

د. يحيى:  نعمل إيه بقى في محمد دلوقتى وهوّه تعبان، وبعدين أنا خايف يا منى بعد ما يزيد التعب بتاع “محمد دلوقتي” يهرب ويستخبى فى “محمد طربقها”، والألعن يمكن يستسلم “لمحمد فركشنى”.

منى: نشوف التعب بتاعه إيه ونبتدي نعالجه.

د. يحيى:  كويس إنك قولتي تشوف إيه وماقولتيش ليه ، كتر خيرك.

منى: نعرفه إيه هو؟ ونكلمه

*  واضح أن أعضاء المجموعة أصبحوا جزءا فاعلا فى الوعى الجمعى: (الرحم الجماعى،) فهذه “منى” الأم ربة المنزل، تلتقط كيف أن هذا المولود الجديد المتخلق من جدل المحمدَيْن (أو أكثر) مازال غير قادر على مواجهة متطلبات الواقع حتى لو كان هذا الواقع هو هذا الوعى المحيط الدافىء النشط من البشر، ثم ها هى لا تبحث كما اعتدنا قبل أن تُعلمنا الجروب، لا تبحث عن “لماذا”، وإنما تتقدم مباشرة إلى ما ينبغى علينا عمله، فهى تلتقط تعب وحيرة من تخلّق بيننا بتعبه، ثم تبدأ بالاعتراف به “نعرفه إيه هوا”، ثم فحص تعبه، ثم “العلاج” (ونبتدى نعالجه) لكنها لا تملك بعد ذلك إلا أن توجه له الكلام “ونكلمه”.

وهنا يَخَشى المعالج أن تستدرج الجماعة إلى الحوار بالألفاظ.

د. يحيى: يعنى نعزم عليه بكلام؟ دا ينفع؟!! أنا خايف يـِتـْقـِلبْ الكلام نصيحة، بصراحه هوّا محمد لما أخد دوا واتعالج بيه، إتلم شويه والحمد لله، بس راح رايح ناحية طربقها، إنما “محمد دلوقتي” مالهوش معالم بايْنَهْ، لسه صغير.

محمود: هو عنده كام سنة يا دكتور؟

د. يحيى:  قلنا مرة عنده سنتين و مرة سنة، ومرة شهر ، يعني إحنا وشطارتنا.

محمود: طب ما هو حايبقى صعب الكلام معاه برضه لسه.

د. يحيى:  صح، بس هوّا تعبان!

محمود: أيوه لسه.

فهمي: بس اللي عنده شهر مش هيقدر ييجى الجروب يا دكتور.

د. يحيى:  بس أهو معانا أهه، طول ما همّا بييجوا، حايروح فين؟

منى: نحاول نخليه ينطق بالتعب اللي عنده.

د. يحيى: يا منى… محمود بينبهنا إنه صغير قوي على الكلام ، أول مايتكلم هنلاقي “طربقها” قعد يعيـّط، يا إما “فركشها” يروح باعت لنا المساعدين بتوعه يتنططوا، و”محمد دلوقتى” يتسوّح.

منى: يتسوّح ليه؟

د. يحيى:  عشان لسه صغير، وتعبان.

منى: طب ساعتها هنا ودلوقتى، نعمل إيه؟

د. يحيى:  ساعة إيه، احنا مستعجلين على ايه؟

 * أولاً: أن المشاركين يعيشون فعلا عملية الحـَمـْل (فى رحم الوعى الجمعى) فالولادة مع أحد أفراد المجموعة، وهى قد أعلنت بهذا الوضوح فى حالة محمد، لكن لا مانع من احتمال أن هذا هو ما يجرى عند الكثيرين بدرجات متفاوتة، ودون تسمية صريحة هكذا.

ثانياً: أنه مادام الكيان الجديد حديث الولادة هكذا، يصبح الكلام أقل جدوى وخاصة إذا استدرجنا إلى المناقشات والنصائح والأسئلة والإقناع.

ثالثاً: أن التشكيل الجديد (عملية إبداع = نقد النص البشرى) يكاد يكون له حضور عيانى حتى يدون الحديث عن عمر المولود وقدرته على الكلام، وأيضا يجرى التساؤل كيف يحضر الجلسات  وهو فى هذه السن، لكن  يبدو أن حضوره حالة كونه يتشكل هو  يغنى عن كلامه مؤقتا،

 وأهم ما وصلنى هو أنه كيف أن هذه المجموعة البسيطة من واقع أوسط وأدنى ثقافتنا الشعبية المتواضعة استطاعت أن تلتقط كل هذا الجارى بهذه المسئولية والتلقائية، دون أى خلفية من ثقافة نفسية أو نَفْسِمْراضِيَّة، ودون تساؤلات معقلنة لحوح عن معنى ما يجرى.

ثم يتواصل التفاعل ويظهر حضور الوعى الثلاثى الأبعاد، وموقف المشاركين منه فى آن.

………..

………..

د. يحيى:  انتى شايفه مين فيهم يا منى

منى: أه ، أنا شايفه التعب.

د. يحيى:  تعب مين فيهم، ما هو “محمد دلوقتى” غير “محمد طربقها” غير “محمد فركشها”.

منى: أيوه.

د. يحيى:  أيوه إيه؟ انتى شايفاه بجد؟

منى: أه شايفاه.

د. يحيى:  بتحبيه؟

منى: باحبه.

د. يحيى:  بتحبي طربقها؟

منى: باحب التلاته

“محمد”: (متدخلا) أنا شايف برضه.. (يسكت)

* مرة أخرى: هذه التلقائية من “منى” تؤكد ما ذهبنا إليه فى التعقيب السابق، وعلى الرغم من أن سؤال د. يحيى فى البداية كان سؤالا عن الرؤية، وليس عن رؤية مـَنْ، فقد جاءت إجاباتها البادئة أنها ترى فقط: (شايفاه) لكن حين واصل د. يحيى سؤالها لتحديد رؤيتها (وعواطفها) نحو كيان محدد، هى التى تبرعت تلقائيا بأنها “باحب الثلاثة”،  ثم نلاحظ مبادرة محمد أنه “يرَى هو أيضا، دون أن يحدد أنه يرى الثلاثة مثل رؤية منى أى  أنه يحب الثلاثة (4)، أو أنه يرى رأيا آخرا….، لكن يبدو أنه تراجع، وهذا متوقع ومقبول مع استمرار التفاعل.

د. يحيى:  (لمحمد) الله يفتح عليك… لما أنا سألتك أنا باحب مين فيهم، قصدى “فيكم”، كنت منتظر يوصل لك اللي قالته “منى ده”، “منى” ببساطة بعد خبرتها معانا الشهور دى، قالت كلمة بسيطة خالص، يا رب تكون وصلتك، يا محمد  قالت أنا باحب التلاته، ايه رأيك؟

محمد: وصلتنى.

د. يحيى:  دى حكاية صعبة بشكل!!، كتر خيرك يا منى يا بنتي ، أظن هو ده الحل يابني

محمد: إيه هو الحل؟

د. يحيى: إنه يوصل لك إن منى وغيرها يقدروا ولو بصعوبة شديدة يحبوا التلاته، لو وصلتك دى يبقى مايتفضلش غير الوقت.

محمد: بس أنا باحب واحد بس.

د. يحيى:  أنا مصدقك، إوعى تستعجل

منى: حنّضم الأثنين مع واحد يطلع واحد بس ده في الأخر.

د. يحيى: سامع يا محمد منى بتقول إيه، نضم الاتنين مع الواحد يطلع واحد بس ده في الأخر، يعنى مش دلوقتى، على فكرة الآخر ده ممكن يطلع بعد 500 سنة بس مادام ماشيين يبقى ماشيين.

* هنا نرى التأكيد على عامل الوقت والتوقيت. الحمل العادى لا يمكن اختصاره إلى شهرين أو ثلاثة لمجرد حرص الأم على الإنجاب والفرحة بالمولود الجديد، لابد أن تكتمل شهور الحمل التسعة (أو سبعة على الأقل) حتى يأتى المولود قادرا على الحياة، كذلك الحمل فى هذا الرحم الوعى الجمعى، بعد التأكد من سلامته وإيجابية بدايته، لابد أن ننتظر واثقين من وضع مولود سليم ما دام قد أحيط الجنين بوعى (رحم) قادر على التغذية والدفء والإحاطة لمدة كافية.

تـَرَاجـُع محمد هنا لا يدل بالضرورة على نكسة بل قد يدل على صـِدْقـِهِ وأمانته مع نفسهُ حسب المرحلة، ولكن تعقيب هذه الأم الطيبة، (مُنَى) الأميّة، يكاد يكون مدرسة متكاملة، فبعد أن نبه د.يحيى محمد إلى أهمية الوقت بل أوصاه ألا يتعجل “إوعى تستعجل” جاء تعقيب منى شديد الدلالة “حانضم الاثنين مع واحد يطلع واحد بس ده فى الآخر” إذن هى تدعم قول المعالج “بس ما تستعجلش”، وهى واثقة من الوضع السليم ما دام الحمل سليما فهى تكاد تبدو مواكبة لجدل التشكيل بفطرتها النشطة.

أما تعبير  المعالج عن احتمال طول الطريق إلى هذا المدى فهو ربما يشير إلى فكرة جوهرية وهى أن البداية الصحيحة والاتجاه السليم هما الضمان الأول وربما الأهم لاستمرار النمو، وهو حين يقول لمحمد ده ممكن يطلع ولو بعد 500 سنة، فهو قد يعنى أن الوقت ممتد فينا وبعدنا أبداً، علما بأننى قد فوجئت بهذا الرقم الآن (500 سنه!!) وأنا اكتب، ولم أتذكر أننى قلته من قبل أبدا، فهو يحتاج مزيدا من الشرح:

تساءلتُ الآن وأنا أكتب هذا التعليق كيف قلت هذه العبارة ولماذا، ولمن؟ لمحمد “الصنايعى” العامل المجتهد النقاش؟ أم لمنى الأم ربة المنزل؟ أم لمجموع الحضور ؟ أم لمن؟ ثم انتبهت أن أحدا من المجموعة لم يعلق على ما قلت ولا بالتساؤل، لكننى اكتشفت من خلال ذلك أن ما وصلنى خلال ثلث قرن (آنذاك) من هذا العلاج خاصة، وهو مدعوم بما وصلنى – خصوصا مؤاخرا– عن ماهية الزمن، وطبيعته، وعلاقته بالتطور وعن تناهى صغر وحدات التغير (والإبداع) سواء فى تطور النوع أو إعادة التشكيل للوعى البشرى، ومن كل ذلك معا تعلمت، وحاولت أن أوصّل ما تعلمته حتى بغير قصد، أن المهم هو تحقيق أى درجة من تحوّل الوجهة نحو الهدف النهائى عبر الوعى الجمعى فى الوعى الكونى إلى الوعى المطلق، إلى وجه الله، وهنا تصبح الفرحة واليقين بسلامة المسيرة غير مرتبطة بكم التغيير أو تحديد معالمه أو الزمن الذى تشغله أو اختفاء الأعراض بقدر ما هى مرتبطة بذرّات التحول وتوجه الأجزاء والثوانى اللازمة لاستمرار التشكيل، ومع اليقين بهذه الحقائق التى جعلت هذا الوعى الشعبى – الذى تمثله “منى”- بكل روعة الجهل المعرفى!! يتجاوب بهذه التلقائية لتصلنا رسائل الحياة بما لا يسمح بأى قنوط أو توقف، أو يحتاج لأى  إحصاء أو حسابات أو عدّ سنين من التى نعرفها.

ثم يعود د. يحيى يوجه الحديث إلى إبراهيم الذى ابتدع اسم “محمد دلوقت” فأعلن بذلك حضوره وشوفانه بما يستحق تسميته.

د.يحيى: (موجهاً كلامه لإبراهيم):  يا إبراهيم كتر خيرك، إبراهيم غاب 3أشهر ومعانا تمام التمام، يارب تبقى معانا كمان وكمان وتحس إحنا بنعمل إيه، كتر خيرك

مروان: أنا كنت حاسس باللى جارى

د.يحيى: كتر خيرك ربنا يخليك

محمد:خلاص لو كده، يبقى أشوف واحد محمد أحسن منى

*  تَدَخُّل محمد بعد أن رأى أن أغلبنا يرى الثلاث مستويات من وعيه، ربما وصله أن هذا يحمل شجبا للأصل وبالذات لمحمد طربقها، فى حين أنه مازال يصر أن شِفَاءَه يعنى العودة إليه، فكأنه يرضخ بغير اقتناع كامل ويريد أن يستبدل نفسه بمن هو أحسن (تراجعا أو سخرية لست متأكدا)! أو إدراكا غامضا لنقل النقلة وطول المدة المحتملة.

د.يحيى: ما إحنا عندنا الثلاثه يا محمد حانجيب كمان واحد أحسن منين

منى: حانجيب الرابع ليه؟

د.يحيى: أهى قالت لك “منى” أهه

فتحى: وممكن نعمل واحد من الثلاثه محمد يكون أحسن

د.يحيى: لأه لأه احنا ما بنفاصلشى، منى قالت حاجات تانيه كويسة، ياريت يوصلّك يا محمد إن ممكن منى وغير منى يحبوا الثلاثه، حاتفرق جامد

محمد: خلاص أحب الثلاثة

د.يحيى: لأه، الأول توصل لك، ماحدش بيطلب منك إنك إنت تغير رأيك، هيا مش حكاية آراء، الأول يوصل لك شعور الناس ورؤيتهم وانت حر

منى: اللى إنت حاسّهْ

*  يلاحظ هنا مرة أخرى أن المسألة ليست إقناعا عقليا ولا هى إقرار بأغلبية الأصوات، لكنها حركية إدراكية متنوعة، وأن الرؤية من الآخرين – بما فى ذلك ما يسمى الحب – هى البدء، وهى التى قد تحفز محمد عبد الله، (مع كل المحمدين)، على أن يشارك الآخرين نفس الرؤية .

محمد: يعنى أنسى محمد طربقها القديم ده خالص؟!

د.يحيى: لأه طبعا، ما هى منى بتحب التلاته، تنساه ازاى بقى واحنا عمالين نحبه زى ما انت شايف، طبعا ماتنساهوش، بالعكس ده شرف تاريخك، حاتنساه إزاى بس، هوّا بس كان ناقصه حاجه، بنحاول سوا سوا نكملها، والحاجة اللى ناقصة دى هى السبب فى إن المسائل اتفكت منَّك، راح صاحبك جه يرفض راح مفركشها.

إبراهيم: محمد اللى كان أولانى مش وحش خالص، مش كله وحش، لازم تأخذ الحاجات الأولانيه.

محمد: بس يتغير

إبراهيم: تأخذ الحاجات الحلوه وتسيب الوحشة

محمد: هوّا أنا حاتغير عن الأول كتير؟

د. يحيى: طبعا، حتى يجوز تبقى أقل كفاءة فى الشغل، إنت كنت جاى على نفسك وبتطبق الصبح وبالليل، والبنى آدم ليه طاقه يابنى، كل الناس كانت بتحترمك علشان شاطر فى الشغل إنما فين محمد؟ أنا عاوزك تعرف إن منى بتحب الثلاثة، وأنا شايف إن ده هوّا الحل، ومش بطلب منك إنك تحب الثلاثه ولا حاجه، كل اللى أنا طالبه منك إن يوصلك اللى جارى ده، وتصدق وتستحمل التعب اللى عندك، بس ده تعب شكل تانى

* المقصود هنا تعب “المأزق”، وهو ما يقابل مخاض الولادة من رحم الوعى الجمعى، وهو تعب شكل تانى لأن تعب “محمد طربقها” كان تعب الاغتراب والوحدة، أما التعب المشار إليه هنا، فهو تعب “محمد دلوقتى”، فهو تعب الدهشة والخوف من المجهول وآلام مأزق التغير وإلحاح لزوم العلاقة بالآخر.

هذا علما بأن العامل العلاجى الذى يساعد فى تخليق رحم (وعى) المجموعة ومن ثم فى تشكيل الكيان المتخلق من جدل حركية التناقض هو قبول النقيضين، حتى لو بدأ التفاعل برفض النقيضين – كما أشرنا – كمرحلة مؤقته، لكن تظل وظيفة الرحم (الوعى الجماعى) هى قبول النقيضين باعتبار ذلك من المكونات الأساسية فى حركية الجدل التى قد تبدأ برفض النقيضين حين كانا منفصلين متصادمين، النقيض وكل التناقضات هى فى حركية جدلية دائبة.

*****

تعقيب الآن 8/10/2021

وأنا أراجع هذه النشرة كدت لا أصدق ما جاء بها، مَنْ هؤلاء المشاركون (فى قصر العينى) وكيف أسهموا بكل هذا العمق ودرجة ثقافتهم النفسية والنفسمراضية صفر تقريبا، وصلتنى هذه المشاركة التلقائية من مختلف المشاركين، ولا أحد منهم قرأ حرفا عن خلفية ما نفعل وجذوره العلمية والفنية ما جعلنى الآن أفرح بما حاولناه ونحاوله، وأطمئن إلى أن المسألة لا تحتاج إلى تنظير متقعر، بقدر ما تحتاج إلى وعى مشارك، ولا أخفى أننى فرحت بنفسى وبقدرتى على الإسهام مع وعى هؤلاء البشر الكرام بهذه المباشرة، وهذا العمق، فالتقطوها والحمد لله.

الحمد لله كثيرا، يارب أستطيع أن أوصل الرسالة !!

ونكمل غدًا مقابلة “متابعة” مع محمد وحده!!

 

[1] – يحيى الرخاوى “من حركية الجنون إلى رحاب الناس .. (مرور بالعلاج الجمعى)” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)

[2] – منى سيدة، بلدى، محجبة، فى العقد الثالث أم لثلاثة، غير متعلمة، عضوة قديمة فى المجموعة، وقد مرت بتجربة إيجابية حين تخلصت من جانّ كانت تقول إنه لبسها، تخلصت منه من خلال التفاعلات والسيكودراما ضمن العلاج الجمعى، ثم صاحَبتْه ثم طردته واستغنت عنه، وكانت قد حضرت محاولات تخليق محمد (الجديد) منذ البداية.

[3]- (مرة أخرى) منى سيدة، بلدى محجبة، فى العقد الثالث أم لثلاثة، غير متعلمة، عضوة قديمة فى المجموعة، وقد مرت بتجربة إيجابية حين تخلصت من جانّ كانت تقول إنه لبسها، تخصلت منه من خلال التفاعلات والسيكودراما ضمن العلاج الجمعى، ثم صاحَبتْه ثم طردته واستغنت عنه، وكانت قد حضرت محاولات تخليق محمد (الجديد) منذ البداية.

[4] – وهذه مرحلة رائعة فى النمو نستبعد وصول محمد إليها فى هذه المرحلة: أعنى “أن يرى الفرد تعدده ويحب جميعه – فى واحد- دون أن يتفكك!!”

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *