الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) الفصل الأول ‏ملامح المنهج، والتعريف بالحالة (6 من ؟)

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) الفصل الأول ‏ملامح المنهج، والتعريف بالحالة (6 من ؟)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 26-9-2021

السنة الخامسة عشر

العدد: 5139

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (1)

(مرورا بالعلاج الجمعى)

الفصل الأول

‏ملامح المنهج، والتعريف بالحالة (6 من ؟)

 مقدمة:

أنهينا حلقة أمس ونحن نواصل التعرف على معالم الحالة وكانت نهاية الحلقة توضيح ومغزى كلمة “طربقها” كالتالى:

محمد: يعنى زى ما تكون بتغمض عينك، كنت فاكر حاجات كتير فى صنعتى، كانت الصنايعية يحبونى، كانوا مسمينى “محمد “طربقها”

د. يحيى: محمد إِيه؟

محمد: محمد “طْربَقْها”

د. يحيى: يعنى إيه ؟

ونواصل اليوم:

محمد: علشان كنت جامد فى الشغل كنت ناشف، وباخلّص اللى بيدُّوه ليّا قوام قوام

د. يحيى: يا خسارة عليك وعلى أيامك.

*  لاحظ أصل ظهور تسميتة “محمد طربقها” ومغزاه الإيجابى فى العمل.

محمد: كانوا يحبوا أنزل معاهم الشغل، كنت أطلـّع أوض نوم لوحدى الدور الرابع والدور الخامس، كنت قوى فى الشغل، دلوقتى ماباقدرش.

د. يحيى: ما أنا بقول لك نخـّيت

محمد: 24 سنة وباشيل ده كله. آآآآآآآه، حقى (واغرورقت عيناه)

د. يحيى: العياط مش هايجيب نتيجة، هو شرف وكل حاجة لأنه صِدْق، إنما مش حايجيب لك حقك

محمد: أنا باحاول أكتم العياط، بس…

د. يحيى: هو حقك، بس هو برضه ضعف، ما تآخذنيش

محمد: بس غصب عنى

د. يحيى: بس برضه هوّا  حقك

محمد: عشان إللى أنا فيه ده

د. يحيى: ومن غير عشان، هو حقك.

محمد: ممكن يكون كمان المخ تِعب،

د. يحيى: هوّا فعلاً تِعب من بدرى من وانت صغير، والتعب جامد

محمد: ده أكيد، مريارالمريار، يعنى لوفيه أكبر من المريار كنت قلت.

د. يحيى: قصدك مليار .. مليار إيه؟

محمد: هو تِعب، مخـِّى تِعـِبْ

د. يحيى: من إيه؟

محمد: هو المخ بيتعب من إيه؟

د. يحيى: من الغباء، من التحمل من غير لازمة، من إنك تيجى على نفسك عمال على بطال، إنك تنسى حقوقك، إنك ترضى تبقى جزمة قديمة يلبسها كل واحد حافى، وبرضه يرميها اللى مش عايزها

محمد: لأه، أنا عايز أرجع زى زمان.

د. يحيى: عايز ترجع تانى يـِلـْبـِسُوك جزمة؟ أو يرموك جنب الحيطة؟

المريض: لأ ما أنا عايز أتغير

د. يحيى:أدى احنا قرّبنا نتفق، تتغير ، يبقى مش زى زمان

محمد: عايز اعرف أنا عندى إيه؟

د. يحيى: عايز تعرف إيه؟ تعرف إسم المرض يعنى؟ بصراحة مالوش لزمة، عايز تعرف إيه تانى، إفرض قلت لك إكتئاب، ولا مش إكتئاب أو أى كلام من إللى بيقولوه الدكاترة، ولاّ حتى فصام هاتعمل إيه؟!

محمد: مش هاعمل حاجة.

د. يحيى: طيب، ليه بقى تعرف حاجة  مش هاتعمل بيها حاجة، تعرفها ليه؟

محمد: يعنى مش هاستفاد حاجة يعنى لما أعرف إسم المرض؟

د. يحيى: خالص خالص، بالعكس، دا يمكن يعطلك لو سمعت الكلام اللى بيقولوه عليه الدكاترة، إنما يمكن حاتستفاد لما  نغلب المرض سَوَا سوَا، مش لما نعلق يافطته،

محمد: وحا نغلبه ازاى؟

د. يحيى: بإننا نكشف أصله وفصله جوّانا، ونشوف الدنيا اتلخبطت كده إزاى، مش أسبابه والماضى وخلاص، نقوم نقدر نتفاهم معاه ونصححه، معلشى أصلى معلّق على الحكاية دى: أصل لو الست اللى بتقول الكلام ده بره هاجيبها منين أشتغل معاها، إنما لو جُوّه هاقدر أشتغل معاها، قصدى حا نشتغل معاها سوا سوا، الشغل ده هوا اللى يمكن فيه فايده، إنما إسم المرض وحكاية هاتستفيد، بيه إيه، كلام مايجيبشى همـّـه.

محمد: أنا كل إللى يهمنى “إن ربنا يسهلى وأخف علشان أطلع أشتغل بقى، زى زمان!

د. يحيى: زى زمان برضه؟

محمد: آه

د. يحيى: آه إيه، ما هو يا إما أحسن من زمان، يابْقَى انا غلطان فى حقك،….، سمعتنى؟

محمد: لأ.

د. يحيى: طيب بالذمة ليه ماسمعتنيش فى دى، باقول لك: يا إما نرجع أحسن من زمان يا مش نافعة، كل العياط ده جى من اللى كنت فيه زمان، كل الألم ده من زمان ومن محمد طربقها، هايرجعوا ينفخوا فيك وهات يا دحْ، طربقها طربقها لما طربقت نفسك، وتقولى أرجع زى زمان!!؟

محمد: يعنى اعمل إيه؟

د. يحيى: يا محمد يا ابنى: رغم إحترامى للى إنت بتقوله هانبّهك على حاجة، هاتسمعنى بقى ولا حاتقفل تانى؟

محمد: آه، معاك أهه

د. يحيى: واضح طبعاً تعبك، مافيهوش أى مبالغة، بالعكس إللى ظهر ده جزء من مريارات زى ما بتقول،  لما هانقعد نتكلم فيه بقية حياتنا، مش حانخلص، .. (المريض يبدو ساهما).. سامعنى؟

محمد: سامعك.

د. يحيى: لما هانقعد نتكلم فيه بقية حياتنا هانزودُه ومش حا  ينقص، تصور!!

محمد: (مقاطعا) عايز، …

د. يحيى (مقاطعا أيضا): أكمّل ولا بلاش

محمد: كمّل.

د. يحيى: …. إنما لو اتعلمنا منه إن إحنا نعيش سوا سوا  فى الظروف إللى ربنا إداها لنا دلوقتى: يبقى يمكن نرجع أحسن، ويبقى نجحنا ويبقى لصالحنا، وتتنيك جدع وتتنك بطل، مش بس في إنك تطربقها، لأ إنك تعيش زى ما ربنا خلقنا، كل ده ممكن لو انت مش لوحدك، وماترجعش زى زمان، تبقى أحسن من زمان

محمد: طب ازاى؟

د. يحيى: مش يمكن الكلام اللى قلناه ده يطلع صح ويساعدنا

محمد: أنهو كلام

د. يحيى: اللى قلناه بتاع جوه وبره

محمد: بس أنا لو قلته لحد حايقول ده مجنون ده، ومش عارف إيه.

* تذكرّ ما سبق أن قلناه فى التقديم من أن المريض قد يتقبل فروض النفسمراضية مهما كانت غامضة، أكثر من الشخص العادى، وأنه يمكن أن يغير موقفه من واقع العلاقة العلاجية النشطة، وليس باقتناع عقلى سطحى.

د. يحيى: قصدك حد من البشوات دول، (يشير إلى الحضور) لا يا شيخ حرام عليك، دول مع إنهم كاتبين تشخيص رسمى عامل بالنسبة لى زى السجن، إنما دول صغيرين (يشير للأطباء الحاضرين) ومستعدين يتعلمواـ إمال همّا هنا بيعملوا إيه؟ مش انا قلت لك من الأول إحنا هنا عشان العلم والتعليم، وبنصوّر عشان العلم والتعليم، وانت حاينوبك ثواب فى ده، لو استفادوا منك وهمّا بيعالجوا غيرك، وربنا يكرمك وتخف.

محمد: هو أنا مجنون يعنى؟

د. يحيى: ما احنا بنشوف أهه

محمد: هو أنا مجنون؟

د. يحيى: إسألهم (يشير إلى الحضور من الأطباء) همّا اللى كتبوا التشخيص

محمد: بس أنا مش مجنون، أنا ممكن أكون مريض نفسياً، تعبان نفسياً بس. لكن مش مجنون، مابامشيش أكلم نفسى.

د. يحيى: يا راجل صلى على النبى، هوّا حد يقدر يلقط ويفهم اللى انت لقطته ده، دا انت بتلقط وبتفهم زى العفريت.

محمد: بافهم إيه؟

د. يحيى: أنا متصور إنك لو صدقتنى وقبلنا وجود مصدر الأصوات من جوه، كنت هاتسمع الأصوات من جواك ويمكن تفضل فى ودنك برضه وساعتها مش حايهمك، ونكمل.

*  هذه النقلة من الأعراض إلى النفسمراضية، ومن الخارج إلى الداخل هى نقلة لا تتم بالإقناع المنطقى، لكنها كما يبدو من كل ما تقدم يمكن أن تسمح بقدر من التنوير غير المباشر عبر الإدراك الكلى وليس التفكير الخطّى وبالتالى تسمح لحركية المخ أن يعيد بناء نفسه (طبعا بمساعدة كل العلاجات الأخرى)، وعلى الرغم من أنها تبدو موازية لما يسمى الطب الشعبى إلا أنها عكسه تماما.

محمد: طب وانا لما اسمع الأصوات من جوّه حاتفرق إيه؟

د. يحيى: أقول لك مثلا: الست هالة دى بتقول لك الكلام قلة الأدب ده، وعمالة تلبّخ وتقول لك موّت نفسك، طب وهى هاتروح فين لما تكون جواك وتموّت نفسك، ما هو لو تصدقنى إنها جوّاك مش براك، هى حاتخاف تقول لك كده، لأنها هاتروح معاك.

محمد: إزاى يعنى؟

د. يحيى: لما تكون جواك وتقول لك موت نفسك،  تستعبط انت وتقول لها  “ما إنت جاية معايا يا روح أمِّك”، إنت هاتروحى فين، إنما لو تكون بره تموت إنت وهى تنفد  بجلدها، إنت منين ما تقول لك  موت نفسك تقول لها “سَوَا  سَوَا ياروح قلبى”، إيه رأيك؟

محمد: مش عارف دى خيالات دى ولاّ إيه!! ولا دى أوهام ولا دى حقيقة. وبرضة كان أبويا بيتعبنى برضة، كان يقعد يقول لى إنت بتمثل، أقول له أنا تعبان، يقولى إنت بتمثل، والصلاة برضه، والصلاة، مع إنّ يمكن إللى خلانى كملت الجيش: هـُوَّا الصلاة، كنت وأنا ساجد كنت باقول يارب قوينى، يارب قوى إرادتى وعزيمتى، لغاية ما قاومت وخدت الشهادة، بس خدتها بعد عذاب، مش عذاب لأ، فوق العذاب.

د. يحيى: شهادة الجيش؟

محمد: عذاب النفس، فوق العذاب، والصبر برضة، واقول يا رب…

د. يحيى: أهى قولة يارب دى لوطلعت صح، تلم حاجات كتير على بعضها.

محمد: ما هى طلعت صح وربنا ساعدنى.

د. يحيى: بس نخـِّيت فى الآخر.

محمد: ماهو أنا لازم أنخ بقى، ماهو كل دا وانا عندى 24 سنة استحمل كل ده، ومش عايزنى أنخ، دا كويس أن أنا ما انتحرتش، ماموتش، يعنى بعد كل ده وكل إللى أنا شفتُهْ وكل إللى حصلّى وما انِخِّشْ، دا الجمل بينخ.

د. يحيى: دا صحيح. بس برضه إحنا فى دلوقتى: يا تاخد الفرصة دلوقتى يا حاتضيع منّنا كلنا.

محمد: أناعايز أشتغل

د. يحيى: احنا كده إحترمنا كل حاجة، وانت صادق مليون فى المية، آن الآوان تسمعنى وتشوف حانعمل إيه.

المريض: حانعمل إيه؟

د. يحيى: أقول من تانى؟ حاضر، يا نعمل العلاج اللى هوّه، يعنى نعمله مع ربنا والناس والشوفان، يا كده، يا إما نعمل العلاج بتاع: عايز أرجع زى زمان، عايز أستريح.

محمد: لأ نعمله مع ربنا.

د. يحيى: بعد ثانية هاتقول عايز أرجع زى زمان، مع إن ثبت إن كلمة زى زمان دى مافيهاش ريحة الراحة.  قدامنا أهه الحكاية بانت زى الشمس: يا إمَا أرجع زى زمان، وعايز أستريح” والكلام ده: “يا إمّا اللى بنحاول نعمله ده مع بعضنا ومع ربنا، حانعملها مع ربنا.

محمد: لأ نعمله مع ربنا. (يكمل): طب والصوت؟

*  مرة أخرى: استعمال هذه اللغة ليست من منطلق دينى تقليدى، بقدر ما هو نابع من ثقافتنا الفطرية الإيمانية الأصيلة، ومدعم بالوصلة بين الوعى الشخصى إلى الوعى البينشخصى إلى الوعى الجمعى إلى الوعى الجماعى إلى الوعى المطلق إلى وجه الله، وكل ذلك له جذور خبراتية وعلمية وإيمانية وعلاجية فاعلة وموضوعية. 

د. يحيى: لا يا شيخ، حاييجى منين  الصوت بعد ما فقسنا مصدره من جُوَّه، وبقينا كلنا مع بعضنا، وربنا معانا،

محمد: يعنى نعمل إيه؟

د. يحيى: طيب علشان نخلـّـص يابنى، أنا فعلاً محترم كل حرف إتقال من د. هشام ومن إللى إنت قولته، وخايف أجيب سيرة حاجة تتوجع تانى. عايز أفكرك بحاجات أساسية:  نمرة واحد، مش هاترجع زى زمان، (صمت، واغرورقت عيناه بالدموع أكثر) ترجعٍ أحسن إنشاء الله، بإذن واحد أحد، (يزداد اغروراق عينيه) طيب نأجل المقابلة دى شوية، كل ما أجيب سيرة حاجة بتروح موجوع يابنى.

محمد: مش عايز أعيط…،  بس …

د. يحيى: قلت لك مرتين تلاته إن العياط محترم بس مش مفيد أوى، ساعات بيجيب العكس، يعنى بيفضى شحنة الألم، زى الكورة لما تفسَىِّ وأنا أسف معلش سامحنى

محمد: أنا مش عايز أعيط،… بس غصب عنى.

د. يحيى: أنا عارف

محمد: هو مافيش راجل يعيط، بس لو حد غيرى ماكـَـنـْـتش عيـّط، كان موّت نفسه.

د. يحيى: أنا عارف، بس انت شجاع وشريف، مش طربقها بس، وحانعملها سوا بإذن الله.

محمد: أنا بعيط صعبان علىّ نفسى.

د. يحيى: كفاية صعبانية يا محمد، لحسن تقضى بقية حياتك صعبانية، وإنت جدع وهاترجع جدع بطريقة أحسن من كل إللى فات.

المريض: صحيح؟

د. يحيى: بس بطريقة مختلقة.

محمد: آآآآه. آآآآه

د. يحيى: إنشاء لله، علشان ربنا معانا وعلشان إنت مش لوحدك، مين معاك؟

محمد: معايا ربنا.

د. يحيى: الحمد لله، دى البداية ومين تانى، أدى احنا قعدنا نلف نلف لحد ما جينا لأصل الحكاية، ومين تانى معاك إنت وربنا؟  

محمد: معايا حضرتك والدكتور هشام والدكاترة.

د. يحيى: بس، كفاية كده مع السلامة، إفتكر بقى آخر جملة قلناها، مع السلامة، واختبرنا بقى يابنى نطلع أهل لكده، إنشاء الله ربنا يقدّرنا كلنا مع بعض، مع السلامة.

محمد: (ينصرف).

………

(ثم نكمل الأسبوع القادم)

بعرض الفصل الثانى: “بداية المشاركة فى العلاج الجمعى”

 

[1] – يحيى الرخاوى “من حركية الجنون إلى رحاب الناس .. (مرور بالعلاج الجمعى)” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *