نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 30-10-2021
السنة الخامسة عشر
العدد: 5173
من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (1)
(مرورا بالعلاج الجمعى) (15 من ؟)
الفصل الخامس
“مواجهة “اختيار الجنون وثمنه”
مشاركة بالصدفة، ودعم الفروض
انتهت نشرة الأسبوع الماضى (رقم 14) من المقابلة: بتاريخ: 28/8/2008 كالتالى:
د.يحيى: عندك حق، أنا ما اعرفش زيك طبعا
“محمد”: طيب انا حاروح أشرب وأجى لك
د.يحيى : لأه أجيب لك ميه هنا
“محمد”: ليه
د.يحيى: عشان ماتهربش
“محمد”: طب ليه ما انا قاعد كده من الصبح عايز أشرب
ونواصل اليوم
………….
…………..
د.يحيى: ……. طيب دلوقتى أنت مجنون ولا مش مجنون؟! أنا عايز أعرف
“محمد”: أنا؟
د.يحيى: آه
“محمد”: أنا حاسس انى نص نص
د.يحيى: مافيش حاجة اسمها نص نص، لما الأمور توضح: العلاج يوضح
“محمد”: اللى انت شايفه
د.يحيى: انا شايف، إنك إنت مجنون، بس مجنون جدع وشريف
“محمد”: لأه، أنا مش عايز أبقى مجنون من أصله
د.يحيى: والله فكرة!
“محمد”: مش عايز أبقى مجنون عايز أبقى طبيعى
د.يحيى: باقول لك إيه: ما هو محمد فركشنى دى يعنى مجنون، يعنى الدنيا اتلخبطت عاليها فى واطيها، عشان كده ظهر محمد فركشنى بقيت مجنون.
“محمد”: مجنون بقى من ناحية إيه؟
د.يحيى: اولاً من ناحية إنك تعتقد معتقدات مش موجوده وتتمسك بيها
“محمد”: زى إيه؟
د.يحيى: زى أنهم بيحطوا لك سم فى الأكل، وأنهم بيبصولك، وبيشاوروا عليك فى الشارع والكلام ده، ومن ناحية تانية إنك تجسد الخيال لدرجة انه يغنيك عن الناس والواقع، ومن ناحية تالتة إنك تبطل شغل وتبقى عالة على غيرك مع إنك سيد الرجال، وتنسى إن الناس لبعضهم
“محمد”: ياه، وانا عملت كل ده؟!
د.يحيى: امال انا اللى عملته
“محمد”: أنا عايز أستوعب الكلام وعايز أفهمه، دانا كنت سريع الفهم كده وبافهم على طول
د.يحيى: المسألة يا محمد مش مسألة فهم، يعنى هىّ حكاية “إن الناس لبعضيها” دى عايزه فهم،؟! وإذا كانوا لبعضيهم بحق وحقيق لا بيتجننوا ولا بيحتاجوا للخيالات، لكن ساعة ما ينسوا بعض ويسيبو بعض، الحكاية تتفكك وهّما كمان يتفككوا
* هذا الاسلوب فى المواجهة المباشرة مع مثل هذا المريض/الصديق له ميزاته لمن يحذق الحوار معه، والكلام عن المرض العقلى باسم الجنون هو أقصر الطرق – بعد تكوين علاقة – للبدء من حيث ينبغى، وعادة ما يتقبل المريض العقلى هذه الصراحة بقبول طيب: فى حين أن الأهل عادة يرفضون ذلك، وقد يحتجون وقد ينصرفون مع مريضهم إلى غير رجعة، وكثيرا ما يلجأ بعض الزملاء لاستعمال مصطلحات أكثر علمية وأحيانا أبعد عن الحقيقة، يفعلون ذلك غالبا بحسن نية، لتخفيف الواقع على المريض وأهله، لكننى وجدت أن مثل هذه البداية الحالية التى تحمل احتمال الصدمة تساعد فى توثيق العلاقة مع المريض أكثر من أهله، وقد تصورت أن قبول محمد لهذه المصارحة قد يكون دعما لفرض أنه “اختار الجنون”، وبالتالى فإن تسمية الأشياء بأسمائها تبلغه الموافقة ضمنا على اختياره من حيث المبدأ، ثم يبدأ عرض شروط الموافقة بالتدريج بتحويل المسار إلى تهيئة اختيار بديل نحو صحة على مستوى آخر، غير الذى قدّمه الجنون، أى غير الاغتراب أو التهميش أو أىٍّ مما اضطره لاختيار هذا الحل (الجنون).
محمد هنا استوضح من الطبيب عن علامات جنونه، ثم أعلن رغبته فى العدول عنه “أنا مش عايز أبقى مجنون من أصله”، ثم إن الطبيب واصل شرح وجهة نظره فيما يعتبره جنونا، وهو: “الهدم” و”النكوص” “والإعاقة الجسيمة” و”الانسحاب من الواقع” و”تمزيق الواحدية”، ويبدو أن كثيرا من ذلك قد وصل إلى محمد، فسأل متعجبا: كيف أنه هو الذى “عمل كل ده”!، وكان رد الطبيب “إمال انا اللى عملته”، تأكيدا لرغبته فى أن تتحدد العلاقة العلاجية بالمشاركة الإيجابية الواضحة من جانب محمد بالبدء فى الوعى بمسئوليته عن اختيار الحل المرضى تمهيدا لمواصلة مسئوليته عن اختيار طريق العلاج.
مطلب محمد أن يستوعب الكلام وأن يفهمه هو مطلب عادى ومألوف لكن المبادرة من جانب الطبيب بأن “المسألة مش مسألة فهم “لها دلالتها التى أشرنا إليها عن طبيعة العلاج الجمعى خاصة، والعلاج عبر الوعى البينشخصى عامة، وأما الفهم فهو يمثل قناة متواضعة من قنوات التواصل المتعددة.
السائد فى ثقافتنا أن “الناس لبعضهم” هو من مقومات العلاج الجمعى ويتناسب مع ثقافتنا بوجه خاص، أما المباشرة بين ربط فاعلية أن الناس لبعضهم بكونها العامل الإيجابى الوقائى من المرض والجنون والهلوسة فهو ربط مبالغ فيه هنا من جانب الطبيب بشكل أو بآخر، وقد لا يُسمح به إلا فى علاقة قد عَمُقَت وتوثقت ربما مثلما وصلت إليه العلاقة مع محمد فى هذه المرحلة، ومع ذلك يظل أقرب إلى النصيحة أو الحكمة، الأمر الذى نتجنبه عموما فى العلاج، وبالذات فى العلاج الجمعى.
“محمد”: طب أسألك سؤال؟
د.يحيى: الأول إنت سمعت أنا قلت إيه، سمعت، مش فهمت
“محمد”: ماشى، بس حاسألك سؤال
د.يحيى: إسأل
“محمد”: هوّا أنا لو أتجوزت الخيالات دى تروح
د.يحيى: حَسَبْ
“محمد”: حسب إيه
د.يحيى: والله ما انا عارف قوى يعنى مش عارف بالتحديد أقول لك إيه
“محمد”: حسب إيه بجد
د.يحيى: حسب إذا كانت ست طيبه وعاجباك، وهيه عايزاك ، وده واصل لك ولآ لأ
“محمد”: بس انا عندى إحساس غريب أوى
د.يحيى: (يكمل) وتكون مستحملاك..، وأنت كمان
“محمد”: عندى إحساس غريب أوى من ناحية الجواز، عندى إحساس غريب أنا باحسه من جوايا يعنى مثلاً حاسس إنى ماعنديش يعنى معنديش القدرة إن أنا أقدر أجامع، أنا حاسس بكده بس عارف إنه مش 100%، هو يمكن إحساس50% بس.
د.يحيى: خير وبركة إنه مش 100%، بس والنبى واحدة واحدة، ماتكركبهاش على نفسك دلوقتى، وساعتها يحلها حلال، بس برضه عندك حق فى الإحساس ده
“محمد”: انا مش عايز أبقى مهزوز فى الحاجة دى
د.يحيى: انا قلت لك واحدة واحدة لـَـحـْـسَن تخرب حكاية الجواز هى روخرة، ما انت كنت بتطربق “الأُوَدْ” فى النقاشه، اشمعنى يعنى فى الجواز مش حاتطربقها
“محمد”: على الله
د.يحيى: ما هو ربنا هوّا اللى مخلينا نكمل مع بعض كده زى ما انت شايف
“محمد”: مخلى مين؟
د.يحيى: مخلينى أنا وانت
“محمد”: بس؟
د.يحيى: والناس
“محمد”: ناس الجروب
د.يحيى: أى ناس بحق وبحقيق
“محمد”: بس همّا فين
د.يحيى: جرى إيه بقى؟ ما احنا بنمثل الناس، كل الناس همّا ناس: خلقه ربنا، وده العلاج الأصلى بقى
“محمد”: لأ انا عايز ناس زى بتوع الجروب
د.يحيى: لا دى مرحلة عشان تِعَرّفْنا إن الناس زى ما ربنا خلقهم، ما هو كل الناس ربنا خلقهم حلوين، واحنا اللى بنبوّظ الدنيا
“محمد”: هوّا ما ينفعشى إنى آجِى واستمر فى الجروب تانى؟
د.يحيى: لأ مافيش جروب تانى، الجروب أدّى دوره، وأدى احنا بنكمل
“محمد”: يعنى مفيش جروب، يعنى اللى فاضل إنى آجىء كده أشوفك وبس
د.يحيى: يا راجل افتح جهاز الاستقبال اللى بيستقبل الناس، حاتلاقى يامَا، ما هم الناس حواليك أهم زى الفل (يشير إلى الحضور من الدارسين).
“محمد”: ما انا جيت أفتح جت الخيالات
د. يحيى: انت ما فتحتوش على محطة الناس، انت فتحته الناحية التانية وانت جعان نسوان.
* انتقال محمد فجأة وبتلقائية من الحديث عن الجنون ومعالمه، وأيضا عن اختياره ومسئوليته، إلى اعلانه عن مخاوفه من اهتزاز قدراته الجنسية يطرح احتمال رغبته فى عدم مواصلة الحديث الأول مما قد يشير إلى علامة تؤكد المزيد من توثق العلاقة مع الطبيب، أما استجابة الطبيب فقد حملت جرعة مفرطة من التنظير فيما يتصوره لشروط الزوجة القادرة على إرواء احتياجات محمد (أو أى واحد) بالتفصيل، شعرت الآن وأنا اكتب كل هذه الصفات المطلوبة فى الشريكة مرة واحدة وراء بعضها هكذا، شعرت أنه ما كان ينبغى علىّ أن أفعل ذلك، أقصد أن أرصّ كل هذه الصفات فى جرعة واحدة، وأرى أنه اسلوب غير موفق لا أنصح به بصفة عامة حتى لو كانت العلاقة قد توثفت إلى الدرجة التى وصلت إليها بين محمد وبينى.
د.يحيى: ألاّ قل لى يا محمد، هوا مين اللى حَبّك من يوم ما اتولدت.
“محمد”: ما فيش
د.يحيى: يا راجل!! حتى وانت طفل
“محمد”: انا مفيش طفولة أصلاً
د.يحيى: مفيش طفوله؟!!
“محمد”: لا لا لا، طفولة مين، دا ما مفيش طفوله، ولا فيه شباب من أصله
د.يحيى: ولا فيه مراهقة حتى؟
“محمد”: ولا فيه حاجة خالص
د.يحيى: بصراحة أنا راجعت أوراقك تانى وحسيت كده بالضبط، حسيت إنك اتْسَرَقْتْ
“محمد”: شُفت الأغنية بتاعت فريد الأطرش اللى بيقول لك فيها: أ”نا عمرً بلا شباب وحياة بلا ماض” أنا باحب أسمع الأغنية دى أوى، أنا عمرى فعلاً بلا شباب، يعنى عندى كام سنه أهه، ولا عمرى كنت شاب، أنا ساعات لما باسمع الغنيوه دى باعيط (واغرورقت عيناه).
د.يحيى: يا راجل صلىّ على النبى
* تعبير محمد إنه “مفيش طفولة أصلا” “ولا فيه شباب من أصله”، هو تعبير شديد الدلالة والدقة، وهو لا يربط ذلك بما حققه فى العمل ونال مقابله هذا القدر من التقدير لكفاءته ومهارته، واعتماد المعلمين عليه حتى لقّبُوه: “محمد طربقها”، ولعل هذا ما دعاه أن يصر من البداية على أن الشفاء هو ببساطة العودة إلى ما كان عليه “محمد طربقها” فهو يعلن هنا فخره بمحّمد الماهِر المُنْجِزْ، لكن فى نفس الوقت يعترف أنه لم يكن أبدا طفلا، ولا شابا. الحرمان من الطفولة ومن الشباب يعنى تحديدا أنه لم يُسمح له أصلا أن يعيش كل مرحلة بما هى: بحقوقها ومتطلباتها واحتياجاتها وضعْفها وخيالاتها وأخطائها وسماحها وقواعدها، لا الطفولة ولا الشباب، وهو على تواضع تعليمه وانتمائه إلى الشريحة الأقل فى الطبقة المتوسطة يصف هذا الحرمان بشكل مباشر وحاسِمْ، حتى يستشهد بأغنية فريد الأطرش حتى تغرورق عيناه بالدموع.
“محمد”: لأ….، بس عايز أقول لك على حاجة محمد طربقها بتاع زمان… (يسكت)
د.يحيى: ماله؟
“محمد”: كان عايش حياته
د.يحيى: لا يا شيخ؟! كتك نيلة، ده كان شقى وبيستعملوه، وغلبان وزى الفـُرْشـَه اللى ماسكها بالظبط، كان هو والفرشه واحد، حانهرّج!؟ حياة إيه ونيلة أيه؟ إذا كان ولا فيه طفوله ولا فيه شباب بـَلاَ نيله، تقول لى كان عايش حياته؟! أهو كان مـِتـْلـَصِّـمْ، لو كان عاش حياته ماكنش أنكسر، حانهرج!؟
“محمد”: طب هو انكسر من إيه؟
د.يحيى: من إن هو ماكانشى عايش حياته، كان عايش عمال يطربقها لحدّ لما أتطربقت على دماغه
* يمكن من ذلك أن نستنتج كيف أنه لم يدخل إلى هذا الدفاع التعويضى بالمبالغة فى الانجاز ومضاعفة ساعات العمل ليحقق كل تلك المهارة التى شهد بها الجميع إلا مضطرا، لكنه حين دخله اعتبر أنها كانت حياة ناجحة تستأهل الفخر، ولا يوجد ما يمنع من أن تكون كذلك فعلا فقد عوّضته عن طفولته وشبابه، ونال من خلالها كل تقدير وتصفيق، لكن كما شاهدنا، فإن عمرها الافتراضى كان قصيرا، فانكسر الدفاع بسكين الحرمان والنسيان والترك والعَمَى، وحين يناقشه الطبيب ويذكره بأنه عاش حياته يلهث حتى نسى نفسه، فإنه يتقبل ذلك بطيبة وصدق وألم.
هنا أود التنبيه إلى أن هذا الأسلوب الصدْمِى ينبغى ألا ننصح باتباعه بلا شروط، لأن من حق أى إنسان حتى لو أفشله المرض لفترة أن يفخر بإنجازه حتى ولو لم يستمر، وشروط استعمال هذا الأسلوب هو أن تتوثق العلاقة بالمعالج لدرجة تسمح بهذه المواجهة الصادمة، وأيضا أن يكون هناك “شغل” (علاج) جارٍ لتخليق البديل المناسب الذى يمكن أن يحتوى مثل هذه المواجهة لصالح المريض وليس على حسابه.
“محمد”: بس كان فيه ضحك وكان فيه تهريج وكده
د.يحيى: ما هو كله بيضحك وكله بيهرج على قلة مفيش، وجوَّه فاضى، أول ما يخلص الضحك والتهريج، يا إما يتجنن يا إما يشوف خيالات جنسية، يا إما أى مصيبة تانية
“محمد”: هو ماكانش فيه خيالات ولا كان فيه الكلام ده عند محمد طربقها
د.يحيى: ما أنا عارف، كان كله متغطى
“محمد”: ولا أصوات ولا الكلام ده
د.يحيى: هوّا انت فاهم إن الخيالات دى جايه دلوقتى؟ الخيالات دى عندك من بدرى بدرى، عند كل واحد، وساعات بتطلع فى الحلم، وساعات زى ما انت شايف
“محمد”: يعنى هيا طبيعيه يعنى؟
د.يحيى: آه، جزء من وجودنا بس أمتى بتطلع وامتى بتستخبى، واحنا صاحيين ولا واحنا نايمين، هوه ده المهم
* هذا المقطع يظهر منه ضمنا كيف أن محمد قد تحرك نحو موقف نقدى موضوعى، ففى حين أنه يفخر أن محمد طربقها حتى لو صدق كل ما قاله الطبيب عنه وأنه كان “متلصم” ومش عايش حياته، إلا أنه حتى وهو “متلصم” كان يضحك ويهرج ولا توجد أعراض: “لا خيالات ولا أصوات ولا الكلام ده”، وفى نفس الوقت نلاحظ قبوله للرأى الشارح حتى وصل إلى أن “خبرته فى المرض إلى هذه الدرجة يمكن أن تكون لها جذور طبيعية يعنى”.
تلاحظ أيضا أنه أصبح يتكلم عن الأعراض من على مسافة وكأنه بدأ يعاملها فعلاً على أنها حادثة لها دلالتها أكثر من أنها حقائق جاثمة ينبغى أن يدافع عنها، لكن الطبيب ينتقل به إلى العودة إلى أصل هذه الأعراض وليس مجرد الرضا باختفائها وإحلال الضحك والتهريج (والعمل والسخرة) محلها: مثلما كان الحال قبل المرض، (محمد طربقها) وهكذا نجد الحوار بتوجه بقبول هذه الأصوات والخيالات على أنها جزء من وجودنا الداخلى، مما يعتبر خطوة على طريق التوليف المحتمل.
“محمد”: أنا نسيت أقول لك أنا رحت لشيخ وكده، دا كان قبل ما آجى هنا خالص، وقال إنى عندى جنية وكده.
د.يحيى: وبعدين؟ وبعدين؟!
“محمد”: ما انا لما قلت لك عليها، انت وافقت…
د.يحيى: أيوه إنت قلت لى، بس أنا ماوافقتش إنها جنية، انا وافقت انها موجودة بس أنا باسميها أسامى تانية
“محمد”: مش فاكر، لا إنت وافقت
د.يحيى: لا أنا قلت لك سميها انت زى ما انت عايز، وأنا أسميها زى ما انا عايز، بس نعترف بيها احنا الاتنين
“محمد”: جايز
د.يحيى: أنا باوافق على الخبرة، إنما من حقى أترجمها بقى لشغلى، وانت زى ما انت عايز
“محمد”: بس أنا حاسس إنها جنيه معايا فعلا
د.يحيى: حِسّ زى ما انت عايز، بس باين عليها مش نافعة، وإلا بتشوف خيالات قلة أدب، وتعرى النسوان فى الشارع ليه؟
“محمد”: ولاّ هيّا الحاجات دى فى عقلى الباطن، ولا إيه مش فاهم
د.يحيى: انا ما باستعملش حكايه عقل باطن وظاهر، اهو عقلك التانى وخلاص، وانت مسئول عن كله
“محمد”: يعنى الحاجات اللى أنا باحس بيها دى والحاجات الغريبه دى يعنى…
د.يحيى: مالها؟
“محمد”: حاجات طبيعيه يعنى، ولا دِى عادِى
د.يحيى: طبيعية فى إنها موجوده وخلقة ربنا، ومش طبيعية لما تظهر بالشكل ده وتبقى برّه برّه، وتلخبطك
“محمد”: بس أنا عايز أقول حاجة: الحاجات دى ساعات بتزيد وساعات الحاجات بتقل
د.يحيى: ما هو تبع الجوع للناس، لما يكون مافيش ناس خالص تزيد، لما يبقى فيه ناس بحق وحقيق بتقل.
* فى تجربتى وجدت أن هذا الاسلوب ينجح فى ثقافتنا أكثر، إذ بدلا من دمغ الهلاوس بالذات (والضلالات أحيانا) بأنها مجرد أعراض جنون (ذهان) صريح، وخلل فى التفكير أو الإدراك، (وتخريف) ويكون كل همنا التخلص منها وبأسرع ما يمكن، يبدأ قبول وجودها باعتبارها خبره معيشة مادامت هى فى مستوىً ما من وعى المريض وصلت إلى وعيه الظاهر، وهذا يتضمن درجة من قبول مبدأ تفسيرات الطب الشعبى لأنه يبدأ من نفس البداية، لكنه يتمادى إلى تضخيم وجودها على أنها تأتى من خارج المريض، وأن المعالج وليس المريض هو المسئول عن صرْفها، وبالتالى تزيد سلبية المريض واعتماديته على مجهول غامض، فضلا عن مضاعفات أخرى كثيرة، من هنا نبدأ فى الاختلاف، وعادة أنا لا أطيل النقاش والشرح للمريض لبيان الفروق بين لغته، ولغة العلاج الشعبى، ولغة العلم، فقط استسمحه وأنا أقبلها أن أصر أن اسميها بأسماء أخرى، ولا أسارع بذكر الاسماء التى اسميها بها تحديدا. (2) ثم أواصل التعامل معها على أنها موجوده، وهنا والآن، مع إشاره متكرره أنها فى الداخل، ثم نعمل معا على استيعابها فى عملية التخليق كما لاحظنا فى البداية حين قبل معظم أعضاء الجروب (2) كل المحمدين، وأحبوهم.
****
(ثم نكمل غدًا)
[1] – يحيى الرخاوى “من كتاب:من حركية الجنون إلى رحاب الناس .. (مرورا بالعلاج الجمعى)” منشورات جمعية الطبنفسى التطورى (2019)
[2] – أسميها: حالات الذات، أو حالات العقل، أو منظومات الوعى.
[3] – بدأت استعمل لفظ “الجروب” بدلا من استعمال “المجموعة العلاجية” والذى شجعنى على ذلك أن المرضى جميعا يستعملونها منذ بدأت معهم على أنها كلمة معربة (فأهلا بها).
وعادة أنا لا أطيل النقاش والشرح للمريض لبيان الفروق بين لغته، ولغة العلاج الشعبى، ولغة العلم، فقط استسمحه وأنا أقبلها أن أصر أن اسميها بأسماء أخرى، ولا أسارع بذكر الاسماء التى اسميها بها تحديدا. (2) ثم أواصل التعامل معها على أنها موجوده، وهنا والآن، مع إشاره متكرره أنها فى الداخل، ثم نعمل معا على استيعابها فى عملية التخليق.
ان تقبل ما بحس به المريض والبعد عن هجومه فيما يعتقده وتسميتها بأسماء أخرى والتعامل معها على أنها موجوده فى اعتقادى يساعد المريض على الارتقاء به إلى مرحله أخرى يجعله يشك فى اعتقاده ويتحرك به إلى وعى آخر.
هذا صحيح
شكرا أنه وصلك