الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) الفصل الرابع: المقابلة: بتاريخ: (28/8/2008) (12 من ؟)

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) الفصل الرابع: المقابلة: بتاريخ: (28/8/2008) (12 من ؟)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 17-10-2021

السنة الخامسة عشر

العدد: 5160

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (1)

(مرورا بالعلاج الجمعى)   (12 من ؟)

    الفصل الرابع

المقابلة: بتاريخ: (28/8/2008)

(بعد مرور أسبوع من المقابلة الماضية نشرة أمس!)

………..

“محمد”: يدخل محمد على اجتماع الدرس دون استئذان: صباح الخير: فيه إيه إن شاء الله!! (يضحك)

د.يحيى: صباح الفل: زى ما انت شايف أهه مفيش أى حاجه، مستنيينك!! أدينى جيت مخصوص زى ما اتفقنا

“محمد”: طب كويس الحمد لله ، والله أنا مصدّقك، أهم حاجه إن إحنا شوفنا بعض

د.يحيى: إسم الله! اسم الله!!

“محمد”: خلاص بقى! أروّح (بهزار)؟

د.يحيى: إنت عارف الإثنين دول (يشير إلى طبيب وطبيبة من الحاضرين) إتخطبوا

“محمد”: والله؟!! الف مبروك

د.يحيى: بس قاعدين مبلّمين زى ما يكونوا متجوزين بقالهم 10 سنين

“محمد”: مين دول

د.يحيى: الجوز دول (2)

“محمد”: دول لسه صغيرين أهم وزى العسل الإثنين

د.يحيى: المهم حمد لله على سلامتك

“محمد”: الله يسلمك

* نلاحظ: أن العلاقة تتواصل بطريقة غير تقليدية وكأنه أصبح أحد أفراد أسرة إنسانية، طبيعية، ليست أسرة رسمية (مريض <=> طبيب + درس الأطباء) ولا حتى تمثل أسرة علاجية منضبطة (العلاج الجمعى)، ويتأكد ذلك من لهجة الود من البداية وكأنه لقاء بين أصدقاء فعلا، وذلك بعد تجاوز الاستئذان مادام هناك موعد مسبق، كما نلاحظ درجة الدفء فى اللقاء منذ البداية مع دعوة لمشاركة الجالسين، ولو كخلفية للقاء: فلا يعودون مجرد متفرجين، وربما هذا وذاك، ومثله، هو ما ساهم فى كسر الحواجز ليس فقط بين المعالج و”محمد”: ، وإنما بين الجميع بدرجةٍ ما وكأن الوعى الجمعى يمتد ليشارك من وراء ظهورنا بطريقة غير مقصودة!

د.يحيى: هو أنا طَلَّعت الشغل بتاع زمان اللى كنت كاتبه عنك بتاع الدكتور هشام أول مرة، وجايبه معايا على أساس إيه: أولاً أنا تحت امرك، وبعدين كان عندى حاجات كده عايز استفسر منك عنها

“محمد”: آه، وانا تحت أمرك.

د.يحيى: أنا لما سيبت لك الإختيار إنك تيجى أو ما تجيش، وانت فضّلت تيجى حسيت إن دى حاجه كويسه إنى آجى مخصوص، وإنت تيجى مخصوص، بصراحة انبسطت.

“محمد”: أنا مانمتيش عشان ماتأخَّرْش

د.يحيى: دا بقى كلام زى مواعيد الغرام

“محمد”: لو نمت مش هاصحى

د.يحيى: ولا ينام الليل إلا خلىّ البال

“محمد”: أصل الدكتور يحيى بحاله جايلى مخصوص، لازم انا أجى مظبوط

د.يحيى: يا واد بـَطـَّل بقى، المهم لما راجعت للكلام اللى إحنا قلناه سوا، إفتكرت يعنى حاجات مهمه ماكملنهاش.

“محمد”: هو أنا فيه شوية حاجات كده بتحصل لى اليومين دول مش فاهمها.

د.يحيى: طيب قول إنت الأول.

“محمد”: خيالات كده وحاجات جنسية غريبة مش فاهمها.

د.يحيى: جنسيه؟ أهى دى جديده دى.

“محمد”: مش قوى، آه، وافضل أعيش معاها كده،….  والله الحاجات ديه تعبانى اوى.

د.يحيى: صبرك بالله.

“محمد”: أنا مش فاهم إيه اللى بيحصل ده.

د.يحيى: الصبر يا راجل، هى ظهرت إمتى؟

“محمد”: من ساعة ما تعبت، من ساعة ماخرجت من المستشفى

د. يحيى: من ساعة ما تعبت؟ ولاّ من ساعة ما خرجت من المستشفى؟

“محمد”: من ده على ده

د.يحيى: إنت خرجت إمتى؟

“محمد”: خارج بقالى فترة

د.يحيى: إنت خرجت من المستشفى وجيت الجروب وحضرت بانتظام تقريبا، ماكنش فيه خيالات جنسية ولا جبت سيرة على حاجة زى كده، هوّا إيه اللى جرى.

“محمد”: طيب دى بتيجى إزاى دى؟ مش فاهم

د.يحيى: أنا حتى لما قريت الورق القديم…، مالقيتش كلام من ده

“محمد”: (مقاطعا) ولا أنا عاوزها كده، ولا فيه حاجه

د.يحيى: بس واحده واحده حانشوف الحكاية سوا، عندنا فرصه النهارده بالراحة، بس الأول تحدد إنها جات لك من ساعة ماخرجت من المستشفى، ولاّ إمتى؟ بصراحة أنا مش فاكر، لو كان كده كنا اتكلمنا فيها مثلا

“محمد”: لأه مش من ساعة ماخرجت من المستشفى بالظبط

د.يحيى: ماهو أنا بشكـِّـكْ فى ده، لأنك قعدت معانا سنة بعدها ماكانش فيه خيالات جنسيه، وكلام من ده على الأقل ما جيبتش سيرتها فى الجروب، فهى ظهرت قريب

“محمد”: يمكن قريب، بس يعنى

د.يحيى: يعنى مثلا هى كانت موجوده مدفونه من زمان بس ظهرت قريب

“محمد”: من فترة، يعنى مش قريب قوى، لأه من فترة

د.يحيى: باين توقيت الأحداث عندك مهزوز شويتين، وده مش عيب، يمكن علشان كده الأحداث بتخش فى بعضيها.

* نلاحظ محاولة ضبط توقيت ظهور الأعراض مع مسيرة العلاج حيث أن ذلك يعتبر من أهم ما يمكن الانتباه إليه فى علاقته بما يسمى بــ: “نقلة الأعراض” (3) وتحديد وقت النقلة مع مراحل العلاج وطبيعة وحركية العلاقة العلاجية، ثم ظهور هذه الأعراض الجديدة (أو التى اعتبرها المعالج جديدة) بعد انتهاء انتظامه فى العلاج الجمعى الذى امتد بعد خروجه من المستشفى لمدة سبعة أشهر تقريبا، وفيه تنبيه لمتابعة تغير التركيب النـَّفـْسِمـْراضِى أولا بأول.

* كما نلاحظ أنه مهما اختلف رأى الطبيب مع “محمد”: فإن الاختلاف لم يقلل من احترام رأى “محمد”: تجنبا لاتخاذ موقف يشبه موقف التحقيق، إذ لا يوجد مبرر عند محمد لاختراع أعراض جديدة دون وجودها، كما أن ظهور الأعراض هو غير الحكى عنها كما أشار الطبيب بقوله: “يمكن هى كانت مدفونة من زمان بس ظهرت قريب”.

* ثم ننبه إلى تعبير “الأحداث بتخش فى بعضها” الذى يشير إلى احتمال اختلاف حركية الزمن عند “محمد”: أيضا.

* وأخيرا نلاحظ التقبل الذى يجرى بين الاثنين لرأى كل منهما للآخر، وإدراك مستوى العلاقة من خلال ذلك.

……….

(ثم نكمل:)

“محمد”: يادكتور يحيى مش هاينفع

د.يحيى: هوّا ايه اللى مش حاينفع؟ أنا متصور إنها ظهرت قريب مع التعب الأخرانى دلوقتى

“محمد”: جايز بس هى معايا من فترة كبيرة

د.يحيى: يمكن موجودة من فترة كبيرة بس ظهورها باين إنه من قريب، ما هو “وجودها” غير “ظهورها”

“محمد”: أنا كنت فاكر أخر مرة كلمتك فيها، ما كانش فيها السيرة دى

د.يحيى: بصراحة احنا ماتكلمناش أوى يعنى، دى مقابلة على الماشى وانت واقف فى الطرقة (4) ده كان إزيك سـَلـَمَاتْ

“محمد”: آه صحيح مفيش كلمتين كده ومشيت على طول

د.يحيى: وقبل كده برضه ما جبناش سيرة الحكاية “الجنسية” دى نهائى، باين انها كانت على جنب خالص، إيه اللى خلاها تنط لنا دلوقتى

“محمد”: أهوه الموضوع ده اللى مـْضيعنى

د.يحيى: واحده واحده، أنا مصدقك، من إمتى الحكاية دى؟ هى مباشرة جنسية ولا صُوَرْ ولا إيه؟

“محمد”: آه، بقالها فترة طويلة

………

د.يحيى: مش يجوز هى موجودة من زمان قوى زى ما قلت لك، يمكن من سنين مثلا

“محمد”: مش قادر أحددها بس هى فترة كبيرة

د.يحيى: ما نحاول نحددها سوا سوا دلوقتى

“محمد”: خلاص حَدِّدْها

د.يحيى: هو أنا الى باحددها؟ هو أنا اللى باشوفها

*  من أهم آليات هذا الأسلوب هو البدء بقبول حقيقى لما يقوله “محمد”:، مهما اختلف مع مقياس “العادى” والشائع، ولكن أيضا، وربما قبلا، مهما اختلف عن رأى الطبيب، كذلك مهما اختلف مع تحديد الفروض المبدئية، قد ونكرر أن هذا ليس أبدا ما يقال عنه أن الطبيب “يأخذ “المريض”: على قد عقله” وإنما هو تصديق حقيقى باعتبار أن ما يعيشه “محمد”: حتى لو كان يؤلفه تأليفا هو يعيشه فعلا، أما مستوى حضوره فى واقعه الداخلى، أو تحويره أيضا بالواقع الداخلى، أو تأليفه بذاكرة وعى تحت السطح أو حتى تكملته بخيال ظاهر، فكل هذا نابع من “محمد”:  أيضا، صحيح أن العلاج يتناول كل مستوى من هذه المستويات  بشكل مختلف لكن البداية تظل دائما هى التصديق واحترام الخبرة.

* نلاحظ أيضا استجابة المريض الإيجابية ربما نتيجة لهذا التصديق، وأنه ترك التحديد الحاسم للزمن الذى ظهرت فيه جذور هذا الواقع قبل أن تظهر فى هذه الصورة التى لم نسمّها بعد، فأصبح الزمن مفتوحا لكن تم الاتفاق على أنها مدة طويلة (حتى قبل المرض)، وهذا يجرنا إلى الحديث عن ظاهرة سَبْق التوقيت (5) ليس فقط لبداية المرض وإنما أيضا لكل عرض على حدة، من هنا وجب أكثر احترام توقيتات “المريض”: – خاصة الذهانى– حتى لو تعارضت مع المعلومات من أهله أو رأى الطبيب أو واقع الحال أو سابق حكْيه.

“محمد”: بس هى دى عندى أنا بس؟ ولا عند الشباب كلهم؟

د. يحيى: دى إيه؟

“محمد”: اللى أنا حكيت لك عليها دلوقتى.

د.يحيى: هوا انت حكيت حاجة، ثم يا ابنى دى خلقه ربنا

“محمد”: طيب مثلاً قول لى السبب مثلاً إيه

د.يحيى: مفيش سبب ولا بتاع، إحنا بنى آدمين وهى موجوده فينا طبيعى، ندفنها؟ ولا نشتغل فيها؟

“محمد”: ممكن تجيلى دلوقتى وأنا قاعد والله باكلمك دلوقتى، أنا باتكلم بجد

د.يحيى: يا خبر!! حاسب يا راجل احنا معانا بنات، بس برضه نعترف بيها.

“محمد”: لأه نشتغل فيها وياريتها تروح

د.يحيى: يا محمد يا ابنى، نشتغل فيها، غير مسألة يا ريتها تروح، لما نشتغل فيها بشجاعة وأمانة لابد أن نتوقع إنها تختفى وتتراجع لما مايبقاش لها وظيفة

“محمد”: أنا عايزها تروح عشان أعرف أشوف حالى

د.يحيى: يامحمد يابنى إنت بقيت عفريت، تروح يعنى إيه، يعنى نـِقـُصّ حته منك ونرميها فى الزبالة؟! ينفع ربنا يخلقنا بيها واحنا نعمل العمله دى؟! ماينفعش، ربنا خلقنا كل حاجة فينا على بعضها، نروح احنا ماسكين حته ونرميها فى الزباله وتقول تروح، تروح فين؟!

“محمد”: ماشى

* نلاحظ أن المناقشة دارت حول الظاهرة وراء العرض الذى يشكو منه محمد هذه المرة، وهو العرض الذى يبدو أنه أقرب إلى الصور الخيالية منه إلى الهلوسة الحسية، وهو ما سوف نرجع إليه فيما بعد.

* ثم نلاحظ إن إقرار أصل الطبيعة البشرية هو البداية قبل أى تفسيرات لاحقة، وهذا الإقرار يصل إلى المرضى من خلال علاقة علاجية بالمشاركة، أعنى غالبا من خلال أصالة حركية الوعى البينشخصى أكثر وأسهل مما تصل إليه التفسيرات النفسية التنظيرية المركبة.

* نلاحظ أيضا أن الحوار قد تواصل عن ظاهرة لم تتحدد بعد بالضبط بالألفاظ الصريحة بين المتحاورين، فقد كانا يتحدثان عن التعامل الكبتى لحيوية الجنس الذى خلقه الله فى البشر (وغير البشر) بالحظر الجاهز فـالقهر الشعورى واللاشعورى، وإن كانت المحاورة لم تحمل أى معنى بسماح غير مسئول، وربما كانت بداية محمد هى الأقرب إلى فتح الباب هكذا حين سأل “هىَّ عندى أنا بس ولاّ عند الباقيين كلهم” ثم محاولة التنبيه من المعالج أنها الأصل “احنا بنى آدمين، وهى موجودة، نرميها ولا نشتغل فيها”، وتعبير “نشتغل فيها” غير “نسمح بها” أو “نعترف بها” وهذا ما قد نرجع إليه، فيما بعد.

* وأخيرا فإن الحوار تضمن أن التخلص من جزء من الطبيعة البشرية هو بمثابة إلقاء هذا الجزء بعيدا، وهذا ما يمكن أن يبدأ فى توصيل جرعة من الفهم لما يجرى في المريض مما قد يخفف جرعة الكبت الجاف الذى يبدو أنه من فرط تراكمه وجاهزيته عند “محمد” قد تشقق حتى خرجت من شقوقه هذه الأعراض فى صورة هذه الأخيلة الجنسية التى لم نعرف تفاصيلها بعد.

………………………

………………………

د.يحيى: ممكن تقول لنا تفاصيل اللى جابك النهاردة وإيه الشوية الحاجات دى اللى إنت بتقول إنت مش عارفها أوى

“محمد”: مش عارفها إزاى؟

د.يحيى: إنت اللى بتقول، يمكن مش واضحة أوى، يعنى مش مفصـَّصْها أوى ولاّ أنا فهمت غلط؟

“محمد”: لأه، هى واضحة معايا اوى، زى مايكون قاعد قدام تلفزيون وشايفها على الطبيعه

د.يحيى: طيب قول لى بيحصل إيه

“محمد”: عادى بنام مع واحده

د.يحيى: إنت؟

“محمد”: أنا

د.يحيى: يعنى بتشوف واحده، ولاّ بتشوف إنك مع واحده؟

“محمد”: أنا بشوف نفسى مع واحده وبشوف واحد مع واحده

د.يحيى: واحد عارفُه؟

“محمد”: لأه ماعرفهوش بس هى فى لقطه شوفتها على موبايل كده، اللقطه ديه سابت فى دماغى حاجة

د.يحيى: لقطه شوفتها على إيه؟!!

“محمد”: على موبايل مع واحد صاحبى

د.يحيى: موبايل ؟!

“محمد”: آه

د.يحيى: هوا فيه حاجات من دى على الموبايلات، أنا باحسبها فى النت بس

“محمد”: لأ، وكتير، عالموبايلات كلها

د.يحيى: معلش أصلى ماباعرفش فى الحاجات الموضة دى قوى، وبعدين؟

“محمد”: وبعدين أفضل أعيش كده مع نفسى، هى فوق وانا تحت، مع نفسينا كده لغاية لما أخلَّص

د.يحيى: يعنى تعمل العاده السريه عليها

“محمد”: لأه أنا نايم كده على الأرض وعايش كده معاها ومع نفسى وأنا نايم كده على الأرض

د.يحيى: لحد ما تقذف يعنى؟

“محمد”: آه هو ده الموضوع اللى تاعبنى دلوقتى

د.يحيى: حاضر يا ابنى، وإنت نايم على وشـَّك ولاَّ وإنت على ظهرك

“محمد”: لأه وأنا على ظهرى

د.يحيى: وهى نايمه فوقك

“محمد”: آه وممكن تكون هىَّ تحتى عادى

د.يحيى: وإنت على ظهرك وهىَّ تحتك، يانهار إسود ! إزاى؟

“محمد”: هاوضح لك اكتر.. أنا بابقى على ظهرى، هى بتبقى فوق، ممكن تكون هى تحت وأنا فوق، باعيش مع الإثنين

د.يحيى: طيب يابنى، معلشى، معلشى بس الحاجات ديه هى جديدة عليك ولاّ إيه؟، يعنى بقالها أربعه خمس شهور بس، ولا من أول المرض؟ ولا طول الوقت؟

 * واضح أن ما يراه، هو أقرب إلى الصور الخيالية منه إلى الهلوسات، وأنها استثيرت من مثير واقعى على الموبايل، وكأنه حدث ما يشبه ظاهرة الطبْع (6) حيث ينطبع المُدْرَك بيولوجيا ثم يُتَعْتَع (ليس من خلال الذاكرة!) مع حركية التفكك الذهانى، بمعنى أنه نظرا للانهاك الذى يعيشه المريض والحرمان معا، انطبعت الصورة المثيرة فأثارت ما يقابلها مما هو مكبوت، وأصبحت مصدرا لتعويض خيالى، لكن درجة التجسد التى يحكى بها “محمد” خبرته تكاد تقترب من الهلوسات الحسية لدرجة إنهاء الفعل الجنسى حتى الذروة، وبهذا التصوير يمكن ألا نعتبر هذا العرض هلوسة ناتجة من إطلاق الداخل إلى الخارج، وإنما نوع من التعيين النشط  (7)

“محمد”: من زمان

د. يحيى: يعنى من امتى تقريبا

“محمد”: أكتر من ثلاث اربع اشهر، يمكن اكتر

د.يحيى: 7 شهور مثلا؟

“محمد”: آه ممكن حاجه زى كده

…………

………..

 (ثم نكمل الأسبوع القادم)

 

[1] – يحيى الرخاوى “من حركية الجنون إلى رحاب الناس .. (مرور بالعلاج الجمعى)” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)

[2] – (يشير إلى طبيب وطبيبة من صغار الحاضرين للدرس تمت خطبتهما من أسبوع)

[3] – Symptom Shift

[4] – كان “محمد”:  قد حضر بغير موعد فاعتذرت له فى الممر أثناء انصرافى.

[5] –  Antedating

هذه الظاهرة تعنى أن المريض قد يحدد وقت بداية المرض، قبل وقت ظهور العرض بوقت سابق بمدة طويلة لقدومه للاستشارة أو لمعاناته أو إعاقته، بمعنى أنه يعلن أن المرض قد بدأ من شهور أو سنين، فى حين أنه لم يظهر على السطح (السلوك والشكوى) إلا من أسابيع مثلا. وقد حدد لى أحد المرضى، – وكانت حالة هوس – أن مرضه بدأ منذ الولادة، فى حين أن المرض كان قد بدأ منذ أسابيع وكأنه كان يتكلم عن صدمة الميلاد لأتو رانك، Otto Rank ثم حدد توقيت الشفاء من هذا المرض ببداية نوبة الهوس وكأن هذه النوبة قد حررته مما فرض عليه منذ الولادة.

[6] –  Imprinting

[7] – التعيين النشط Active concretization  وصفه سيلفانو أريتى فى كتابه: “تأويل الفصام”

– Silvano Arieti: “Interpretation of Schizophrenia”  U.S. National Book Award. 1974

حين يقوم المريض (الفصامى عادة) “بتجسيد المجرد عيانيا” فيما يَمُثُل أمام حواسه، والمثل الذى أضربه لشرح هذه الظاهرة هو أن الشخص العادى حين يقف فى طابور الخبز مثلا لساعات، ويرى الناس يتزاحمون بدافع جوعهم وجوع أولادهم: قد يعقب على ذلك أن “الناس تأكل بعضها” أما الفصامى – مثلا- فقد يحكى أنه أثناء تواجده فى الطابور رأى المرأة التى أمامه وهى تقضم ذراع الطفل الذى تحمله امرأة أخرى تقف أمامها، وعلى نفس القياس هنا يمكن أن يتم تجسيد الخيال الجنسى إلى تعيين مجسم يصل إلى الحواس، وكأنه اتنقل من صورة خيالية إلى هلوسة حسية وجنسية.

 

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

2 تعليقان

  1. صباح الخير يا مولانا :
    المقتطف : ….هذا ليس أبدا ما يقال عنه أن الطبيب “يأخذ “المريض”: على قد عقله” وإنما هو تصديق حقيقى باعتبار أن ما يعيشه “محمد”: حتى لو كان يؤلفه تأليفا هو يعيشه فعلا، أما مستوى حضوره فى واقعه الداخلى، أو تحويره أيضا بالواقع الداخلى، أو تأليفه بذاكرة وعى تحت السطح أو حتى تكملته بخيال ظاهر، فكل هذا نابع من “محمد”: أيضا، صحيح أن العلاج يتناول كل مستوى من هذه المستويات بشكل مختلف لكن البداية تظل دائما هى التصديق واحترام الخبرة.
    التعليق : وصلنى ما تتناوله حضرتك هنا ،كأشبه ما يكون بالحلم الذى لا يكذب راويه ،لكنه يجسد حركية كياناته ،التى حدثت أثناء النوم الحالم ، فى رواية شبه معقولة ،لكننى بحاجة لإيضاح مستويات الحضور تلك ،وكيف يتناول العلاج كل منها بشكل مختلف ؟! ،بصراحة لم أفهمها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *