نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 23-5-2020
السنة الثالثة عشرة
العدد: 4648
من كتاب “أصداء الأصداء” (1)
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) ( 2 من ؟)
استهلال واعتذار
قررت أن استغنى عن تقديم بقية المقدمة لأننى وجدت أنها تتعلق بعمل أكبر بكثير مما صدر فعلاً، فقررت أن أنتقل فجأة إلى تقديم الجزء الأول من هذا العمل الذى صدر مسسلسلا في مجلة “الإنسان والتطور” الفصلية، ثم في الكتاب الذى صدر عن المجلس الأعلى للثقافة الذى تفضل بنشره مجتمعا.
لكننى أبدأ بمقتطف موجز للمقدمة المحذوفة.
أقرأ هذا العمل ليس باعتباره سيرة ذاتية – ما أمكن ذلك– ، فما وصلنى منه (وليس بسؤال صاحبه) أنه ليس كذلك أساسا، بل إن عنوانه يعلن بهدوء ووضوح أنه ليس إلا أصداء تتردد بين جنبات وعى صاحبها فيشرق هنا، ويغنى هناك، يـَذْكر (2)هنا، ويسبـِّح هناك، فتصلنا ريحه العطرة، بما هو، وما يمكن أن يكون، ويصير إليه.
………………
………………
كتبت النص من خط يده – حتى قبل نشره على الكافة – على الحاسوب (المكمبت- الكمبيوتر)، لأتجول فيه، أحاول أن أجمع ما خطر لى من مواضيع خليقة بالربط فالدراسة (مثل الموت- الطفولة – الجنس.. إلخ)، وكيف وردت، وكم تواترت ومتى، وفى أى سياق، لكننى حين مارست هذه اللعبة الحاسوبية معتمدا على نص لفظى، أو عبارة محددة، افتقدت كلية حضور النص بصورته المكثفة، وصوره المتداخلة لحساب جمع الألفاظ المتشابهة، الإحصاءات الخائبة، افتقدت جمع المعانى المستترة التى جردتـها أنا من خلال قراءتى الخاصة، فرفضت أن أشوه الأصداء بهذا التفكيك المخلخل.
ورجعت إلى النص بكليته، وكدت أجد مبررا للتراجع، من منطق الكاتب نفسه، وهو يعزف عن نشره معا بصورة مكتملة دون إبداء أسباب، ولم ينفعنى الهرب الجديد.
لكن دعونا نبدأ من اليوم بقراءة الفقرات واحدة واحدة، مع ما وصلنى منها.
الفصل الأول
الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت
1- دعاء
دعوت للثورة، وأنا دون السابعة ذهبت ذات صباح إلى مدرستى الأولية محروسا بالخادمة، سرت كمن يساق إلى سجن، بيدى كراسة وفى عينى كآبة وفى قلبى حنين للفوضى، والهواء البارد يلسع ساقى شبه العاريتين تحت بنطلونى القصير.. وجدنا المدرسة مغلقة والفراش يقول بصوت جهير: بسبب المظاهرات لا دراسة اليوم أيضا،
غمرتنى موجة من الفرح طارت بى إلى شاطيء السعادة ومن صميم قلبى دعوت الله أن تدوم الثورة إلى الأبد!
تبدأ الأصداء بطفل قبل السابعة، يحمل بذور الثورة الفطرية الجميلة، التى أسماها “حنين للفوضي”، تواكبها كآبة نتيجة للإحاطة المُحْكمة ما بين خادمة تحرسه، وقهر يسوقه إلى سجن النظام “المدرسة”، فتنقذه المظاهرات من هذا وذاك، لتطير به إلى “شاطيء السعادة” داعيا للثورة بطول البقاء.
هذه البداية تغرى القاريء أننا أمام “سيرة ذاتية” حقيقية، لكننا نلاحظ منذ الوهلة الأولى العلاقة بين حنين الطفل للفوضى وبين مظاهرات الثورة فى الخارج، فنلمس ذلك الخيط السحرى بين الداخل والخارج، والذى يؤكد أن هذه الأصداء، إذ تتردد، لا تفصل أصلا بين واقع الذات والواقع الملموس خارجها، بل والواقع المتجدد والمتولد من خلال حوارهما.
فاعتقدت أن الأصداء إنما سميت كذلك، أو هى كذلك، لأنها تشير إلى ترجيع صدى وأصداء صوت الذكريات الحية بين طبقات الوعى (/الواقع) الداخلى، وتضاريس الوعي(/الواقع) الخارجى متجاوزة سجن الزمن التتابعى ناهيك عن هذا الحدْس الذى يربط الثورة بالفوضى بالفرحة الطفلية، الأمر الذى يغيب عن أغلب الناس، (وبالذات عن “الثوار”).
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net
[2] – من الذكر الصوفى الشعبى!! وليس من التذكر