الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من فقه العلاقات البشرية: (1) “العلاج النفسى (مقدمة) بين الشائع والإعلام والعلم والناس” الفصل الخامس “حب‏ ‏للبيع‏!” (2)

من فقه العلاقات البشرية: (1) “العلاج النفسى (مقدمة) بين الشائع والإعلام والعلم والناس” الفصل الخامس “حب‏ ‏للبيع‏!” (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 4-3-2023

السنة السادسة عشر

العدد: 5663

مقتطفات من: “فقه العلاقات البشرية”(1)[1]

عبر ديوان “أغوار النفس”

العلاج النفسى (مقدمة)

بين الشائع والإعلام والعلم والناس (11)

الفصل الخامس

حب‏ ‏للبيع‏! (2)

………………….

…………………

أنواع‏ ‏العلاج[2]

‏   ‏العلاج‏ ‏بالتعمية‏:‏

قد يأتى ‏المريض ابتداء، ‏وهدفه‏ ‏الخفىّ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏يُجهـِضَ‏ ‏أى ‏احتمال‏ ‏لأن‏ “يختلف” ‏أو‏ “يتغير‏” من خلال العلاج، على عكس ظاهر طلبه وسؤاله العوْن:

= ‏من‏ ‏أنت

– ‏أنا‏ ‏رقمٌ‏ ‏ما

= ‏طلباتـُك؟

‏- ‏قفصٌ‏ ‏من‏ ‏ذهبٍ ‏ذو‏ ‏قفلٍ‏ ‏محكمْ

مـِنْ‏ ‏صلبِ‏ ‏ترابِ‏ ‏السلفِ‏ ‏الأكرمْ‏

مثل‏ ‏هذا‏ ‏المريض‏ ‏يطلب‏ ‏باستمرار‏ ‏أن‏ ‏يعود‏ “كما‏ ‏كان” ‏أو‏ ‏أن‏ ‏يصبح‏ “مثله‏ ‏مثلهم“، ‏وليس‏ ‏للطبيب‏ ‏أن‏ ‏يفرض‏ ‏عليه‏ ابتداءً ‏أى ‏احتمال‏ ‏آخر‏، ‏اللهم‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏تستجب‏ ‏أعراضه‏  للعلاج التقليدى، ‏أو‏ ‏إذ‏ا ‏عاودته‏ ‏الأعراض‏ ‏فى ‏نكسة‏ ‏سريعة‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الطلب‏ ‏العادى ‏والمتوقع‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏المريض‏ ‏قد‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏إلا‏ ‏اختبارا‏ ‏للطبيب‏ ‏من‏ ‏ناحية‏، ‏وللمريض ‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى، ‏إذن‏ ‏فللطبيب‏ ‏حساباته‏ ‏الأعمق‏، ‏وله‏ ‏موقفه‏ ‏الشخصى ‏كذلك‏، ‏والخوف‏ ‏كل‏ ‏الخوف‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏مبالغة‏ ‏الطبيب‏ ‏فى ‏التوقف عند هذا الطلب من المريض‏ ‏نابعة‏ ‏من‏ ‏خوف‏ ‏الطبيب‏ ‏‏نفسه‏ ‏أكثر‏ ‏منها‏ ‏نابعة‏ ‏من رغبة‏ ‏المريض الحقيقية‏، ‏وهكذا‏ ‏نرى ‏أن‏ ‏الاسراع‏ ‏فى ‏الاستجابة‏ ‏لمثل‏ ‏هذا‏ ‏الطلب‏ ‏هى ‏من‏ ‏قبيل‏ ‏الإسهام‏ ‏فى ‏الجمود‏ ‏والتدهور‏‏، ‏لدرجة‏ ‏أنى ‏أحيانا‏ ‏كنت‏ ‏أفكر‏ ‏فى ‏أهمية‏ “عدم‏ ‏توفر‏ ‏الخدمة‏ ‏الطبية‏ ‏النفسية” ‏وليس‏ ‏فى ‏توفرها‏ ‏لدرجة‏ ‏الرفاهية‏ ‏الحاملة‏ ‏لخطر‏ ‏الإجهاض‏ ‏أولا‏ ‏بأول، إجهاض أى مشروع نمو. واستجابة الطبيب للتوقف عند مرحلة التسكين قد تحمل حفزا خفيا لينتقل المريض إلى طلب التغيّر الحقيقى أو قد تكون موافقة الطبيب استسهالية لهما معا.

= ‏فلتـُحـْكـِم‏ ‏إغلاق‏ ‏نوافذ‏ ‏عقلك

وليصمـُت‏ ‏قلبـُك‏ ‏أو‏ ‏يخفتْ‏..‏

تمضـِى ‏تتسحـَّبُ‏: تسـْ‏ـلـَـمْ

إلا أن ‏عدم‏ ‏الاستجابة‏ ‏لهذه‏ ‏النصيحة‏ ‏المدعمة‏ ‏عادة‏ ‏بالمُجـْـهـِـضـَـات‏ ‏الكيميائية‏ ‏قد‏ ‏تعنى ‏أن‏ ‏طلب‏ ‏المريض‏ ‏الرجوع‏ ‏إلى ‏حظيرة‏ ‏المجموع‏ ‏يسير‏ ‏فى ‏ناحية‏، ‏وأن‏ ‏رغبته‏ ‏الداخلية‏ ‏فى ‏التغيير‏ ‏تسير‏ ‏فى ‏ناحية‏ ‏أخرى، فها هو يكاد لا يقبل هذه الصفعة:

“- ياليت!!‏، ‏لكنى ‏أمضى ‏أتلفـــَّـت‏”

والطبيب‏ – ‏الخائف‏ ‏عادة‏ – ‏قد‏ ‏يسارع‏ ‏بمساعدة مثل هذاالمريض ‏فى ‏ألا‏ ‏يتلفت‏ ‏وألا‏ ‏يبصر‏ ‏أعمق‏ ‏ ‏ما‏ ‏بنفسه‏ ‏ولا‏ ‏ما‏ ‏حوله‏، ‏وحجته‏ ‏السليمة‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏هو الخوف من‏ ‏احتمال‏ ‏تفسخه‏ ‏وتناثره‏ ‏الذى ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏حساب‏ ‏نتاجه‏ ‏ما‏ ‏لم‏ ‏نهيـِّئ ‏له‏:

 (1) الجرعة المناسبة المتكاملة من كل وسائل العلاج‏،

 (2) ‏وخطة‏ ‏التأهيل‏ ‏طويلة‏ ‏المدى، ‏

(3) والمجتمع‏ ‏الخارجى الانتقالى المحيط ‏ ‏الملائم‏، ‏الأمر‏ ‏الذى ‏يتخطى ‏عادة‏ ‏قدرات‏ ‏الطب‏ ‏النفسى التقليدى ‏فى ‏معظم الأحوال‏، ‏وبالتالى ‏فالأغلب‏، ‏والأرجح هو أن تتواصل عملية‏ ‏‏ ‏الإجهاض‏ ‏مع‏ ‏سبق‏ ‏الاصرار‏.‏

= ‏إياكْ‏!

‏قد‏ ‏تنظـر‏ ‏فجأة‏ ‏فى ‏نفسك

قد‏ ‏تعرف‏ ‏أكثر‏ ‏عن‏ ‏كونك: … تتحطـَّـمْ

‏- ‏ساعدنى ‏باللهو‏ ‏الأخفى

‏= ‏أغلق‏ ‏عـَـيـْـنـَـيـْـكَ‏ ‏ولا‏ ‏تفهمْ

طبعا  هذا الحوار لا يجرى بالألفاظ، ولابد‏ ‏أن‏ ‏نعترف‏ ‏أن‏ ‏الممارسة‏ ‏الطبية‏ ‏النفسية‏ ‏حاليا‏، ‏يغلب‏ ‏على ‏أكثرها‏  ‏هذا‏ ‏النوع‏ التسكينى ‏من‏ ‏التطبيب‏، ‏وأنا‏ ‏لست‏ ‏ضده‏ ‏على طول الخط‏، ‏ قد يكون خطوة بادئة، وأحيانا ضرورية فى بعض الحالات، لكنه  لا ينبغى أن يكون خطوة نهائية تغرى ‏بالاستسلام‏ ‏له‏، ‏والتوقف عنده .

على أن تجاوُز هذه المرحلة يحتاج إلى ‏إعداد‏ ‏طبيب‏ ‏نفسى (‏معالج‏) ‏من‏ ‏نوع‏ ‏خاص‏، ‏بالإضافة‏ ‏إلى ‏الإسهام‏ ‏فى ‏تطوير‏ ‏المجتمع‏ ‏الأوسع‏ ‏بصفة‏ ‏أشمل،‏ ‏وبالوسائل‏ ‏التى لابد أن تتجاوز المحاولات المتعلقة فى حدود المهنة.‏

العلاج‏ ‏بالكلام‏:‏

يبدو‏ ‏هذا‏ ‏التعبير‏ ‏ملتصقا‏ ‏بالتحليل‏ ‏النفسى ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏لما‏ ‏يشتهر‏ ‏عنه‏ ‏من‏ ‏استلقاء‏ ‏على ‏أريكه‏، ‏ثم‏ ‏التداعى ‏الحر‏ (‏الكلام‏ ‏المنطلـق‏) ‏والتفسير‏ ‏الكلامى ‏وهكذا‏، ‏وأكاد‏ ‏أجزم‏ ‏من‏ ‏واقع‏ ‏خبرتى ‏ومما‏ ‏شاهدت‏ ‏من‏ ‏نتاج‏ ‏خبرة‏ ‏غيرى ‏فى ‏الممارسة‏ ‏الأكلينيكية‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏العلاج‏ ‏قد‏ ‏ينجح‏ – ‏مثل‏ ‏سابقة‏ – ‏فى ‏إزالة‏ ‏الأعراض‏، ‏ولكنه‏ غالبا ‏يحولها‏ من‏ ‏أعراض‏ ‏عصابية‏ (‏أو‏ ‏ذهانية‏) ‏محدده‏ ‏إلى ‏نمط‏ ‏فى ‏التفكير‏ ‏العقلانى ‏يصل‏ ‏بالشخصية‏ ‏إلى ‏درجة‏ ‏من‏ ‏الهدوء والرضا، الأمر الذى قد يتعارض مع دوام نبض النمو.

إن مثل هذا ‏العلاج‏  بهذه النهاية، هو مطلب ‏كثير‏ ‏من‏ ‏المرضى ‏باعتباره‏ ‏علاجا‏ ‏رشيقا‏ ترييحيا، ‏وأن‏ ‏نتائجه‏ ‏أمنة‏ ‏بدرجة‏ ‏ما‏، ‏وهو يسمح للمريض بإتقان‏ ‏تدريبات‏ ‏ذهنية‏ ‏ يحذقها‏ ‏ ‏ ‏ليحصل من‏ ‏خلالها‏ ‏على‏ ‏درجة‏ ‏من‏ ‏الوجاهة‏ ‏العقلية،‏ ‏يستطيع‏ ‏بها‏ ‏أن‏ ‏يبرر‏ ‏الواقع‏ ‏ويفسر‏ ‏الحال‏ بالتبرير والكلام والرضا الظاهرى:‏

-2-

= ‏وجنابك

‏- ‏لا‏ ‏أعلم

= ‏طلباتك؟

‏- ‏أتناول‏.. ‏استسلم

أتعبـَّـد‏ ‏فيما‏ ‏هو‏ ‏كائن

وأبرِّر‏ ‏واقع‏ ‏أمري

أتكلم‏ ‏أتكلم‏ ‏أتكلم‏..!

لا‏ ‏يختلف‏ ‏هذا‏ ‏العلاج‏ ‏عن‏ ‏سابقة‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏إجهاضه‏ ‏لنبضةِ ‏النمو‏، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏يستغرق‏ ‏وقتا‏ ‏وجهدا‏ أطول وأصعب‏، ‏وإذا‏ ‏كان‏ ‏احتمال‏ ‏عودة‏ ‏الأعراض‏ ‏فى ‏الحالة‏ ‏الأولى ‏هو‏ ‏نذير ‏بأن‏ ‏التسكين‏ ‏لم‏ ‏ينفع‏، ‏فإن‏ ‏الأعراض‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏العلاج‏ ‏لا‏ ‏تعود‏ ‏كما‏ ‏هى ‏بل‏ ‏تتغلغل‏ ‏وتتحور‏ ‏حتى ‏تختفى ‏ظاهريا‏ ‏ولكنها‏ ‏تلوِّث‏ ‏تركيب‏ ‏الشخصية‏ ‏وتوقف النمو بشكل يشمل معظم جوانب الشخصية لدرجة أن تصل إلى ما يسمّى اضطراب الشخصية.

والمريض‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏العلاج‏ ‏قد‏ ‏يكتسب‏ ‏بصيرة‏ ‏عقلانية‏ ‏عالية‏ ‏تجعله‏ ‏متفرجا‏ ‏من‏ ‏بعيد‏ ‏يحسن‏ ‏إصدار‏ ‏الأحكام‏، ‏وتوصيف‏ ‏الرؤية‏، ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏يتحمل‏ ‏مسئولية‏ ‏هذا‏ ‏وذاك‏ ‏بأى ‏درجة‏، ‏وكأن‏ ‏موقفه‏ ‏يشبه‏ أيضا ‏ ‏موقف المتفرج الذى يرضى بإصدار الأحكام دون محاولة التغيـّر.

= تذكرتك؟‏ ‏

‏- ‏فى ‏أعلى ‏المسرح

هذه إشارة إلى أن موقف الفـُـرْجة يتأكد كلما زادت المسافة بين الطبيب والمريض، الأول يصدر أحكاما وتشخيصات، والثانى ينتظر تعليمات غالبا لا تفيده.

= ‏قاعتنا‏ ‏ملأى ‏بالأنعام

‏- أجلـِسْنِـى ‏فى ‏أىِّ ‏مكانْ

فى ‏الكرسِى ‏الزائدِ ‏خلفَ ‏النـَّاسْ

بجوار‏ ‏التيـْس‏ ‏الأبكم‏

(مرّة أخرى، هذا حوار الوعى الأعمق وليس حوارا لفظيا معلنا طبعا) ونوع وجود‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الشخص‏، ‏كما‏ ‏يؤكده‏ ‏هو‏ ‏ذاته‏، هو ‏وجود‏ ‏غير‏ ‏مشارِك‏ (‏الكرسى ‏الزائد‏)، ‏فهو‏ ‏وجود‏ ‏خامد ‏بصورة‏ ‏أو‏ ‏بأخرى، ‏لأنه‏ ‏يكاد‏ ‏يستسلم‏ ‏لمأساة‏ ‏اختفاء‏ “‏المعنى”، و‏الرضا بمستوى سطحى من التواصل، ومواصلة حياة أشبه بالصـَّـدَى أو المحاكاة، كأنها الحياة.

= ‏البطل‏ ‏تغيبْ

‏- .. ‏لا‏ ‏تحزن‏، ‏ألعبُ‏ ‏دورَهْ‏،‏

وأكرِّرُ‏ ‏ما‏ ‏أسمعُ‏ ‏من‏ ‏خلفِ‏ ‏الكــُـوَّة‏، ‏

لا‏ ‏تخشَ‏ ‏شيئـًا‏، ‏لا‏ ‏أحد‏ ‏سيفهمْ”

هذا اعتراف من داخل “داخل” المريض بقراره التوقف عند هذه المحطة مادام هذا هو الممكن، فهو يعلن‏ ‏أنه‏ ‏لكى “يـُـشفى” ‏ما‏ ‏عليه‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏يكرر‏ ‏ما‏ ‏يقال‏، ‏ووعيه‏ ‏بهذا‏ ‏التكرار‏ ‏لا‏ ‏يضيره‏ ‏مادام‏ ‏قد‏ ‏نجح‏ ‏فى ‏عقلنته‏، ‏وكأنه‏ ‏يذهب‏ ‏للعلاج‏ ‏لتأكيد‏ ‏هذه‏ ‏العقلنة‏ ‏والحصول‏ ‏على ‏التبرير‏ ‏والموافقة‏ ‏على ‏موقفه‏ ‏المتفرج‏ ‏الدائر‏ ‏حول‏ ‏نفسه‏، ‏وكأن‏ ‏هذه الصفقة‏ ‏العلاجية‏ ‏تسمح‏ ‏له‏ ‏باستمرار‏ ما أسميتـُـهُ “رفاهية ‏اليأس”‏.

= ‏لا‏ ‏ترفعْ‏ ‏صوتك‏ ‏وتكتـَّـمْ

‏- ‏سمْعـًا‏ ‏ تمْ ‏تمْ‏.. ‏تمْ‏ ‏تمْ‏، ‏تمْ‏ ..

‏= ‏سـَـلـِّم‏ ‏تغـنم

‏- ‏اخترتُ ‏الأسـلـَمْ

‏= ‏الصفٌّ‏ ‏تنظـَّـِمْ

‏- ‏ما‏ ‏أحلى ‏السيرُ‏ ‏وقوفا‏

.. ‏ترَرَمْ‏ … ‏ ترَرَمْ ‏ … تمْ  تمْ.

هكذا‏ ‏نجد‏ ‏أن‏ ‏كثيراً‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏العلاج‏ ‏التفسيرى ‏أو‏ ‏التبريرى – ‏رغم‏ ‏فائدته‏ ‏التنظمية‏ ‏والتسكينية‏، ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏مراجعة‏ ‏بالمقاييس‏ ‏النمائية‏، ‏وإلى ‏إعادة‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏أحقيته‏ ‏لكل‏ ‏هذا‏ ‏الوقت‏ ‏والجهد‏ ‏الذى ‏يبذل‏ ‏فى ‏إجرائه‏.‏

‏العلاج‏.. ‏بالمواكبة‏:‏

‏ ‏كنت‏ ‏قبل‏ ‏ذلك‏ ‏أسميه‏ ‏علاج‏ ‏النمو‏، ‏أو‏ ‏العلاج‏ ‏التطورى، ‏إلا‏ ‏أنى ‏فى ‏هذا‏ ‏الموقف‏، ‏وارتباطا‏ بنبض ‏ ‏المتن‏، ‏فضلت‏ ‏هذا‏ ‏الإبدال‏ ‏المفيد ولو مؤقتا‏، ‏فالعلاج‏ ‏هنا‏ ‏لا‏ ‏يهدف‏ ‏إلى ‏التسكين‏ ‏الكيميائى ‏أو‏ ‏الإيحائى‏، ‏ولا‏ ‏إلى ‏التبرير‏ ‏الكلامى، ‏ولكنه‏ ‏يقوم‏ ‏بدوره‏ ‏بالمشاركة[3]  ‏فى ‏مسيرة‏ ‏النمو‏، ‏وهنا‏ ‏يقفز لنا‏ ‏تأكيد‏ ‏مبدئى ‏يقول‏: ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يقوم‏ ‏بهذا‏ ‏العلاج‏ ‏المستمر‏ ‏معالج‏ ‏مبتعد‏… ‏بل ‏معالج‏ متمرس مسئول ‏يحفز‏ ‏خطى ‏الحياة‏، ‏فالموقف‏ ‏هنا‏ ‏يستحيل‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هو‏ ‏هو‏ ‏الموقف‏ ‏المعروف‏ ‏عن‏ ‏المعالج‏ ‏والمتعالج‏، ‏بل‏ ‏هو‏ ‏موقف‏ ‏شخصين‏ ‏يسيران‏ ‏معا‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الاتجاه‏، ‏لنفس‏ ‏الهدف‏، ‏ولكن‏ ‏أحدهما‏ ‏يعرف‏ ‏الطريق‏ ‏أكثر‏، ‏ويتقن‏ ‏إيقاع‏ ‏الخطى ‏أكثر‏، ‏وتـَحـَمـُّل‏ ‏العثرات‏ ‏أكثر‏، ‏ويستطيع‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏يتقن‏ ‏الصحبة‏ ‏لاستمرار‏ ‏المسير‏، ‏وليس‏ ‏مجرد‏ ‏النصيحة‏ ‏بالتراجع‏ ‏أو الموافقة على‏ ‏التوقف [4] وكثيرا ما يكون موقف المريض الإيجابى، برغم مرضه، هو العامل المشجع للطبيب أن ينتقل إلى هذا المستوى من العلاج:

-3- 

= ‏الثالث‏ ‏يتقدم‏

‏-.. ‏سمعا‏ ‏يا‏ ‏أفندمْ

‏ – ‏طلباتك‏ ‏أنت‏ ‏الآخر؟

‏- ‏أبحثُ‏، ‏أتألم‏ ‏

‏- ‏لا ترفع صوتك يسمعك الأبله والأبكم ‏

‏- ‏أتعلــّــمْ

‏       = ‏لا تتعجل ، وأنا أيضا أتعلم

‏- .. تصدُقنى أم تسخر منى ؟!!

‏       = ‏لا تتعجلْ، ولسوف ترى ‏

المواجهة هنا فى هذ العلاج هى الأساس والموقف مختلف تماما عن ما سبق، وهى نادرة لكننى أوردتها لأعرض نموذجا آخر آمل أن نجد له مساحة أرحب، فالمريض عادة لا يأتى للبحث أو يشكو من الالم (بعد أن حلت أسماء الأعراض محل هذه المشاعر الأصيلة) لكن هذا وارد برغم ندرته كما ذكرنا، كذلك يبدو أن هذا المريض قد شحذ حدْسه حتى لربط خبرة المرض بفرصة التعلمْ.

ربما هذا هو ما أتاح للطبيب هنا أن يطمئن فيصارحه بأنه أيضا “يتعلم بصدق مشاركته” و“عمق مـَعـِيـَّتـِهِ له“، ويبدو أنه اطمأن إلى قدرة هذا المريض على استنتاج موقفه المختلف هذا من واقع الممارسة، ‏والطبيب‏ ‏الذى يعيش‏ ‏مسئولية‏ ‏نموه‏ ‏هو‏ ‏ذاته‏: ‏لاشك‏ ‏ينتظر‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏المريض‏ ‏ويفرح‏ ‏به‏، ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏يتمادى ‏فى ‏ذلك‏ ‏ولا‏ ‏يتصنعه‏، ‏فهو‏ ‏المسئول‏ ‏الأول‏ ‏وقبل‏ ‏كل‏ ‏أحد‏، ‏لكن‏ ‏لابد‏ ‏من‏ ‏اعترافه‏ – ‏على ‏الأقل‏ ‏أمام‏ ‏نفسه‏ – ‏بائتناسه‏ ‏هو‏ ‏ذاته‏ ‏بصحبته‏، ‏وفى خبرتى وجدت أن هذا النوع من الحوار المفتوح يصل أسرع وأصدق من مجرد الحديث التشجيعى ظاهرا عن‏ ‏‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الخبرات،‏ ‏مثل‏ :”ضرورة‏ ‏التغـيـُّر” ‏وفوائد ‏”التجديد!”.. ‏وما‏ ‏إلى ‏ذلك‏…، فالمسألة ليست فى إعلان هذا الموقف أو فى حسن النية، وإنما هى فى الممارسة ودفع عجلة النمو.

‏- .. دعنا نمضى لن أخسر شيئا

‏      = لا أملك إلا صحبتك “معا”  ‏

– ‏غلبنِىَ ‏اليأسُ‏ ‏دهورَا

‏= ‏لكنــَّـكَ‏ ‏جئت

حين يحضر مريض بهذا الحدْس المخـْتـَرِق، لطبيب بهذه الرؤية الثاقبة تختلف المسألة تماما، وتصبح المواجهة المواكبة المسئولية (م.م.م) هى السبيل الأمثل للعلاج، لكن هذا لا ينبغى أن يكون سبيلا إلى طمس حدود الأدوار، فما زال المريض يشكو، والطبيب يحاور المريض وها هو المريض يعلن من جديد:

‏- ‏ضاعت‏ ‏منــِّى ‏الألفاظْ

‏= ‏نجمع‏ ‏أحرفها‏ ‏تــتـكلـَّمْ

‏- ‏فاحَ‏ ‏العفنُ‏ ‏من‏ ‏الرمز‏ ‏الميــِّت

‏= ‏بالحب‏ ‏يعود‏ ‏النبض‏ ‏إليهْ‏

هكذا‏ ‏يقوم‏ ‏الطبيب‏ (‏‏‏المعالج‏) ‏بدور‏ ‏قائد‏ ‏السرية‏ ‏الذى ‏يعرف‏ ‏الطريق‏ ‏كما‏ ‏قلنا‏، ‏وهو‏ ‏يتكلم‏ ‏من‏ ‏موقع‏ ‏المجرِّب‏ ‏العالم‏ ‏الإنسان معا‏، ‏وهو‏ ‏إذ‏ ‏يعيد‏ ‏التأليف‏ ‏بين‏ ‏الأجزاء‏ ‏يشمل‏ ‏ذلك‏ ‏التأليف‏ ‏بين‏ ‏أجزاء‏ ‏الشخصية‏ ‏المتفسخة‏ ‏أو‏ ‏التى ‏على ‏وشك‏ ‏التفسخ‏ وكثيرا، ‏ما‏ ‏يلجأ‏ ‏الطبيب‏ ‏فى ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الأحوال‏ ‏إلى ‏جرعات‏ ‏كيميائية‏ ‏مساعدة‏ ‏ولكنها‏ ‏موقوته‏ ‏ومرحلية‏ ‏ومتغيرة‏ ‏دائما: تناغما ‏مع مراحل العملية العلاجية النمائية لإعادة تشكيل النص البشرى “ربى كما خلقتنى”.‏

أما‏ ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏الحب‏ الناضج الآخر الذى يمكن أن يتصف به هذا العلاج نقيضا لما يشاع بين العامة عادة، ‏فإنه‏ ‏يرجعنا‏ ‏إلى ‏المعنى ‏الأصلى ‏لهذا‏ ‏اللفظ‏ (الحب) ‏الذى ‏قدمناه‏ ‏طوال‏ ‏هذه‏ ‏الدراسة‏، ‏بما‏ ‏يشمل:

  • ‏ ‏الشوفان‏ ‏الكلى،

  • ‏وقبول‏ ‏التناقض‏،

  • ‏واحتمال‏ ‏الغموض‏،

  • ‏والاستمرار‏ “معا”،

والمُعالج‏ ‏بهذا‏ ‏وحده‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يقوم‏ ‏بدور‏ ‏المترجم‏ ‏للألفاظ‏ ‏العاجزة‏، ‏ودور‏ ‏لمّ‏ ‏شمل‏ ‏الحروف‏ (‏والكيانات) [5]  ‏المتصادمة المتزاحمة‏، ‏فعلاج‏ ‏إحياء‏ ‏المعنى (‏علاج‏ ‏اللوجوس‏) مثلا: ‏لا ‏‏يعتمد‏ ‏على ‏التفسير‏ ‏اللفظى، ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏يعتمد‏ ‏على ‏توفير‏ ‏المَعـْـبـَـر‏ (‏أو‏ ‏القناة‏) ‏والشاشة‏ ‏القادرة‏ ‏على ‏التقاط‏ ‏متناثـَر‏ ‏الكلام‏ ‏لتجميعه‏ ‏فى ‏جملة‏ ‏مفيدة غير منطوقة أو منطوقة.

‏ ‏الحب‏ ‏بهذه‏ ‏الصورة‏ ‏المخترقة‏، ‏قد‏ ‏يبدو‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏احتمال‏ ‏المريض‏ ‏الشاكّ‏ ‏المتوجـِّسِ‏ ‏الوحيد‏، ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏فى ‏العلاج‏ ‏يمكن‏ ‏تخطى ‏هذه‏ ‏المخاوف‏ ‏مع‏ ‏الاعتراف‏ ‏بها‏ ‏وبدورها‏ ‏وفهم‏ ‏معناها.

    ‏- ‏ ‏ ‏الناس جهنم

‏       = ‏الناس‏ ‏الأجبن،

التعبير المشهور فى بداية الفكر الوجودى المسطح كان يعتبر أن الآخر هو الجحيم، وقد أخذت هذه المرحلة حقها حتى فشلت أو كادت، لكن لم يحلّ محلها بالقدر الكافي مفهوم أعمق، وأرحب وأشمل.

وهكذا‏ ‏يتمادى ‏المعالج‏ ‏فى ‏المشاركة‏ ‏والإيضاح‏ ‏الأعمق والأرسخ‏، ‏ولا‏ ‏شك‏ ‏أن‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏ما‏ يهدد  ‏بفتح‏ ‏باب‏ ‏الاعتمادية‏، ‏مما قد يغرى ‏المريض‏ ‏بالتراجع‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏خطوة‏ ‏على ‏الطريق‏ ‏وهى ‏من‏ ‏صلب‏ ‏وظيفة‏ ‏العلاج‏‏، ‏وهنا‏ ‏نرى ‏عظـَم‏ ‏ألم‏ ‏المحاولة‏، ‏من‏ ‏خلال‏ ‏إعلان‏ ‏الرغبة‏ ‏فى ‏التراجع عن اختيار الحل المرضى:‏ ‏مطمئنا‏ ‏إلى ‏أمانة‏ ‏الرفيق‏ ‏ورفضه‏ ‏المسبق:

– هل يوجد ناس غير الناس

= الناس الناس وقود الكدح “إليه”‏

والذى يقدمه حديثا (ليس حديثا جدا) مفهوم العلاج الجمعى هو أن الإنسان لا يكون كائنا بشريا إلا وهو فى علاقة مع الآخر، بمعنى الناس، وهذا ما وردَ ، وسيردُ كثيرا طوال هذا العمل بأجزائه كلها (الأربعة حتى الآن!).

والمقطع هنا يميز “الناس معا” عن العلاقات الصفقاتية المحدودة: بمعنى الامتلاك الاحتكار، والاستحواذ.

وحين‏ ‏يتيقن‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏المريض‏ ‏أن‏ ‏المسيرة‏ ‏حتمية‏ ‏طولا‏، ‏مطمئنا‏ ‏إلى ‏رفيق‏ ‏الطريق‏ ‏الفاهم‏ ‏المشارك‏، ‏يدرك‏ ‏أيضا‏ ‏أنها‏ ‏حتمية‏ ‏عرضا‏… ‏بما‏ ‏يتطلبه‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏التزام‏ ‏مباشر‏ ‏بالناس‏، ‏وهنا‏ ‏قد‏ ‏يستشعر‏ ‏عظم‏ ‏المسئولية‏ ‏التواصلية مع كدح الألم وروعته معا: ولكن‏ ‏هذه‏ ‏المسئولية‏ ‏والتواصل‏ ‏مع‏ ‏الناس‏ ‏هى ‏هى ‏مصدر‏ ‏الصحة‏ ‏وسر‏ ‏السعادة‏، ‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏يعرفه‏ ‏المريض‏ ‏ولكنه‏ ‏جاء‏ ‏لمـَّـا‏ ‏شعر‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يقدر‏ ‏عليه‏ – ‏الآن‏ – ‏وحده‏، ‏فيقوم‏ ‏الطبيب‏ ‏بدوره‏ ‏المشارك‏:‏

– وأنا ..؟؟!! وأنا ..؟؟!!

‏      = ‏أنت الناس، وبالناس…، فلا تندم‏

‏- ‏سُحـْقاً لليأس‏ ‏الخـِـدْر‏ ‏الأعظم

وتتفق‏ ‏هذه‏ ‏اللحظة‏ ‏مع‏ ‏لحظة‏ ‏المواجهة‏ ‏‏ ‏فى ‏رحلة‏ ‏التكامل‏ ‏والتى‏ ‏بعدها‏ ‏تستحيل‏ ‏العودة‏ ‏ويستحيل‏ ‏التناثر‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏.‏

      = ‏لا‏ ‏مهرب‏ ‏بعد‏ ‏الآن

‏- ‏العودُ‏ ‏على ‏بدءٍ ‏أكرمْ

والعود‏ ‏على ‏بدء‏ ‏يشير‏ ‏ثانية‏، ‏ودائما‏ ‏إلى ‏معنى‏ “دورات ‏الحياة” المتعاقبة نموا وهى ليست عودة بمعنى التكرار، لكنها إن صدقت، فهى إعادة ولادة، التى هى جوهر الإيقاعحيوى وبالتالى أساس الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى‏ “علاج المواجهة – ‏المواكبة- المسئولية ” ‏أساسا‏.‏

وبعد

إذا وصل المريض إلى هذه الدرجة من الرؤية يصبح اليأس مخجلا ومرفوضا، والتراجع مستحيلا أو قريبا من ذلك.

ولعل استعارتنا هذا الفصل من ديوان “سر اللعبة” ثم من المرجع الأم “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” قد أوضحـَت أكثر الموقف من “نقد العلاج النفسى”، كما كشفت لنا ملامح من العلاج الجمعى الذى هو مصدر هذه المحاولة برمتها، وبها إشارة أيضا إلى جذور الفكر النمائى التطورى، وكيف بدأ يشغلنى منذ عشرات السنين حتى كاد يكتمل فى هذه المنظومة المسماة الآن “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”.

*****

…………………

…………………

ونواصل الأسبوع القادم

فى تقديم الكتاب الثانى من سلسلة “فقه العلاقات البشرية”:

“هل العلاج النفسى “مَكْـلـَمَة”؟ (سبع لوحات)”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [1] – يحيى الرخاوى: (2018) كتاب “فقه العلاقات البشرية (1) (عبر ديوان: “أغوار النفس”) “العلاج النفسى (مقدمة) بين الشائع والإعلام والعلم والناس”، الناشر: جمعية الطب النفسى التطورى.

[2]- تقسيم أنواع العلاج هنا يتوازى مع فروضى عن ‏تقسيم‏ ‏الصحة‏ ‏النفسية‏ ‏إلى ‏مستويات‏ ‏قدمتها‏ ‏فى ‏كتابى ‘”حيرة‏ ‏طبيب‏ ‏نفسي‏” دار الغد للثقافة والنشر 1970، وتم تحديثها وتطويرها من منطلق ” الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى فى كتاب مستقل بعنوان “مستويات الصحة النفسية”، منشورات جمعية الطبنفسى التطورى 2017

[3] –  لعل هذا كان بداية التعرف على نوع العلاج المفضل للكاتب والذى اسماه “علاج المواجهة – المواكبة – المسئولية (م. م. م.) ويمكن الرجوع إلى بعض معالمه فى موقع الكاتب www.rakhawy.net

[4] – وانتهى بى الرأى مؤخراً إلى مصطلح “نقد النص البشرى” وهو من أبجدية “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”، حيث الناقد بعيد تشكيل النص بمهارته، بل هو يعيد تشكيل نصه معه أيضا.

[5] – أصبح التعامل مع هذه الكيانات باعتبارها مستويات وعيى ثم “أمخاخ” بفضل الانجازات الأحدث فالأحدث لما هو “نيوربيولوجى” أصبح أوضح وأقرب وأكثر اتساقاً لتحقق هدف إعادة التشكيل الذى أصبح مقبولا تحت مسمى “نقد النص البشرى” 2017

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *