الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من فقه العلاقات البشرية: (1) “العلاج النفسى (مقدمة) بين الشائع والإعلام والعلم والناس” الفصل الرابع: “المريض ورّانى نفسى” (5)

من فقه العلاقات البشرية: (1) “العلاج النفسى (مقدمة) بين الشائع والإعلام والعلم والناس” الفصل الرابع: “المريض ورّانى نفسى” (5)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 18-2-2023

السنة السادسة عشر

العدد: 5649

مقتطفات من: “فقه العلاقات البشرية”(1)[1]

عبر ديوان “أغوار النفس”

العلاج النفسى (مقدمة)

بين الشائع والإعلام والعلم والناس (9)

الفصل الرابع

المريض ورّانى نفسى (5)

………………….

………………….

عودة إلى بداية هذا العمل كله

نذكر كيف أعلنت منذ البداية أن حاجتى – القهرية تقريبا – لنقل ما وصلنى ويصلنى من المريض إلى عامة الناس، هى التى تجعل من البوح والكتابة إلزاما عبـّرت عنه باستقلال قلمى عنى، ومواصلة انطلاقه ضد كل المحاولات التى أحاول بها أن أثنيه عن ذلك.

بدأ المتن كما نذكر بهذه الصورة:

“‏كل ‏القلم‏ ‏ما‏ ‏اتقصف‏ ‏يطلعْ‏ لُـه‏ ‏سن‏ ‏جديدْ‏”،

هكذا نقرأ بداية المتن والقلم يتحدى، ويحدد الرؤية التى لا تريد أن تختفى، ليبلغها إلى أصحابها.

سبق أن أشرنا إلى استحالة محو الرؤية التى رآها المريض فرآها الطبيب من خلاله، والتى تعود هنا لتعلن بشكل آخر:

” قلت‏ ‏اغـَمَّض‏ ‏تـَانـِى ‏حـَبـَّهْ‏ ‏صـْغـَيـَّرِينْ‏،

.. ‏لمْ‏ ‏قِدِرت‏”.‏

شرحت سابقا كيف أن الصورة التى تصل للعينين لا تختفى بمجرد إغلاق الجفنين، وها نحن نجد تجليا ثانيا يؤكد هذا التفسير.

“القلم” هنا لا يمثل مجرد التعبير والتنفيث والإبلاغ، وإنما هو الإعلان الظاهر عن وعى داخلىّ، يحول دون الطبيب والاختباء فى مهنته، هذا الوعى هو الذى يشير إليه المتن بـ”صاحبك”:

” بصّ‏ ‏لىِ “‏صاحـْبـَك‏” ‏ولعـِّبْـلىِ ‏حواجـْبـُهْ‏، ‏

قال‏: ‏وقِعْت‏”.

وهكذا تصبح هذه الرؤية المشتركة هى قضية الطبيب حتى ولو لم يتحمل مسؤوليتها مثيرها الأول (المريض)، فيكفيه أنه حرّك أمام وعى الطبييب واقعا ماثلا يحتاج موقفا إزاءه، واقعا لا ينقصه إلا حفز التغيير أو حتى البدء به، أما أضعف التثوير فهو إعلانه هكذا.

 وربما هذا ما يقوم به هذا القلم الذى عجزت عن كبح جماحه، فماذا وصف القلم بعد أن اقتحم الحواجز الواحد تلو الآخر، وأزاحنى المرة تلو المرة؟

العلاج النفسى مدرسة (سياسية) أيضاَ!!

‏-15 – ‏

بقى ‏دى ‏حياتنا‏ ‏يا‏ ‏ناسْ‏، ‏وِآخْرِةْ‏ ‏صبرنا؟

الحياهْ؟‏ ‏نـُقـْعد‏ ‏نـِـحَـكِّـى ‏لبعضـِنـَا‏‏؟‏ ‏

الحياهْ‏؟‏ ‏نُقْعد‏ ‏نـِحـِسّ‏، ‏نـْـبـُصْ‏، ‏يـِتـْهـَيـَّأ‏ ‏لـِنـَا؟‏ ‏

‏ ‏طب‏ ‏واحنا‏ ‏فين ‏”‏دلوقتى‏” ‏حالاً‏ “‏أو‏ ‏هنا‏”؟

دى ‏المركب‏ ‏الماشـْيـَهْ‏ ‏بِلاَ‏ ‏دَفّهْ‏ ‏ولا‏ ‏مـِقـْلاعْ‏ ‏حَاتُشْرُدْ‏ ‏مِنـّنَا‏،‏

واوْعَى ‏الشـُّقـُوقُ‏ ‏تـِوْسـَعْ‏ ‏يا‏ ‏نايم‏ ‏فى ‏الـَعـَسلْ‏، ‏

                                      لا‏ ‏المَّيهْ‏ ‏تِعْــلَى، ‏تزيدْ، ‏تزيدْ‏، ‏

تداخل الخاص والعام وملامسة السياسة:

من هنا حتى آخر هذا الجزء الأول تتجلى الوصلة بين ما يمكن أن يسمى “ممارسة العلاج النفسى” والمسئولية السياسية على المواطن العادى، وقارىء النص فى هذا الجزء الأخير يمكن أن يـَـقـْـرَأ نقدا للعلاج النفسى عامة، كما يمكن أن يقرأه نقدا للذين يمارسون النضال السياسى من على الكراسى الوتيرة فى مقاهى تجمعاتهم أو حتى لجان لقاءاتهم، وأيضا يمكن أن يقرأه باعتباره موقفا سياسيا عاما.

إذا كنا قد نبهنا إلى ضرورة حُسن الاستماع إلى معنى ومغزى وهدف ما يقوله المريض النفسى باعتباره احتجاجا على الاغتراب  السائد، وعلى تفريغ الكلام من محتواه، وعلى الحياة الفاترة القاهرة لأى إبداع  أو تجديد، سواء فى محيطه وفى امتداده إلى الدوائر الأوسع، وبالرغم من ذلك فقد بينا كيف أن المريض فاشل فى إكمال آثار هذه الرؤية فانقلبت ثورته إلى الصياح (بالأعراض) أو الانسحاب (بالانزواء) أو التفسخ (بالجنون)، إذا كان كل ذلك كذلك فعلينا أن نبادر بالتعلم من بداياته دون نهاية محاولته، بمعنى أن علينا أن نتعلم منه ليس فقط ماهية الحياة وأصولها الفطرية السليمة وكيف تفشل، ولكن أيضا نتعلم سلبيات المجتمع الذى اضطره إلى هذا الاختيار الفاشل فى النهاية، ثم نواجهه معا.

النص هنا يعلن بوضوح ومن البداية أنه “لا” .. “لا” ..  وهو يشجب المكلمة السياسية (حتى لو أخذت شكل  العلاج) بضربة واحدة كما يشجب موقف المثقفين والتحليليين النفسيين معاً.

وأخيراً هو يصرخ ويحدد اقتراب الخطر.

بقى ‏دى ‏حياتنا‏ ‏يا‏ ‏ناسْ‏، ‏وِآخْرِةْ‏ ‏صبرنا؟

الحياهْ؟‏ ‏نـُقـْعد‏ ‏نـِـحَـكِّـى ‏لبعضـِنـَا‏‏؟‏ ‏

البيت الأول ينبه إلى أنه للصبر حدود!!

أما البيت الثانى فهو يحذر من المـَـكـْـلـَـمات السياسية والعلاجية بشكل عام كما تجرى فى المناظرات اللفظية سواء فى النشاط السياسى مع وقف التنفيذ، أو فى مـَكـْلـَمـَات ثلل المثقفين جلوسا، وأقرب تسمية لهذا الاغتراب الناقد الذى يحل محل الاغتراب السائد هو المصطلح “مـُكـْلـَمـَة” ولا أذكر من الذى ابتدعه، ولعله صلاح جاهين.

أما فى العلاج النفسى فالكتاب الثانى بأكمله هو مخصص لنقد العلاج الكلامى إذا انقلب إلى “مـُكـَلـَمـَة”

 ثم يقفز المتن إلى العلاج الجمعى وما يوازيه (بسرعة خاطفة) حين يتساؤل مستنكراً:

الحياهْ‏؟‏ ‏نُقْعد‏ ‏نـِحـِسّ‏، ‏نـْـبـُصْ‏، ‏يـِتـْهـَيـَّأ‏ ‏لـِنـَا؟‏ ‏

من المضاعفات التى نحذر منها فيما يتعلق بالعلاج الجمعى هو أن ينقلب الأمر إلى التأكيد على تبادل المشاعر والأحاسيس للتقارب لتنمية الوعى الجمعى، لكن الذى يحدث فى بعض الأحيان أو الكثير من الأحيان، هو أن المسألة تتوقف عند هذه المرحلة حتى لو جرى التأكيد على الالتزام بقاعدة أنا <==> أنت، “هنا والآن”، والالتزام بهذه القواعد فى العلاج الجمعى ليست نهاية المطاف، ولكنها تنشيط لمستويات الوعى، للانطلاق من الرؤية إلى إبداع الذات باتخاذ قرار التغيير (ليس بالضرورة على مستوى عقلى شعورى معلن)، فإن لم يتحقق ذلك فإن مجرد تعميق الاحساس بما فى ذلك الاحساس الصادق والموقف النقدى المتميز، قد يرتقى بموقع الجماعة النمائى لكن بدلا من أن يصب فى المجتمع الأوسع فإنه قد يفصل المجموعة عن المجتمع وكأنها مجموعة متميزة أرقى إحساسا وأعمق وعيا، فإذا توقف الحال عند هذه المرحلة فهى مضاعفة سلبية وليست خطوة نمائية، أو إبداعية، وها هو المتن يرفضها متسائلا بسخرية:

الحياهْ‏؟‏ ‏نُقْعد‏ ‏نـِحـِسّ‏، ‏نـْـبـُصْ‏، ‏يـِتـْهـَيـَّأ‏ ‏لـِنـَا؟‏ ‏

‏ ‏طب‏ ‏واحنا‏ ‏فين ‏”‏دلوقتى‏” ‏حالاً‏ “‏أو‏ ‏هنا‏”؟

إذن: فإن مجرد تعميق الاحساس وشحذ البصيرة لا قيمة لهما إلا إذا كانا دافعا إلى الوعى باللحظة الراهنة وما ينبغى أن ينطلق منها، وهنا تلوح الحاجة إلى أن ينقلب الإحساس تخطيطا وتنظيميا (أيضا على أى مستوى من الوعى) له قائد وغاية ومسار (عادة بالتبادل بين مستويات الدماغ والوجود).

واوْعَى ‏الشـُّقـُوقُ‏ ‏تـِوْسـَعْ‏ ‏يا‏ ‏نايم‏ ‏فى ‏الـَعـَسلْ‏، ‏

                                      لا‏ ‏المَّيهْ‏ ‏تِعْــلَى، ‏تزيدْ، ‏تزيدْ‏، ‏

                                       .. ‏مّيةْ‏ ‏عطَنْ‏، ‏تـِكْسِى ‏الجلودْ‏ ‏بالدَّهْنَنَه‏، ‏

وتفوح‏ ‏ريحتـْها‏ ‏تِعْمِى ‏كلِّ‏ ‏اللـى ‏يحاولْ ‏يـِتلـِفـِتْ‏ ‏ناحيةْ‏: ..”‏لمـِاَذاَ‏”، ‏

أو‏ “‏لمعنى‏” ‏يكون‏ ‏ما‏ ‏جـَاشِى ‏فى‏”‏الكـِتـَابْ‏”،‏

                                  أو‏ ‏لـِلـِّى “‏جـُوَّه‏”،‏‏أو‏ ‏نـَواحـِى “‏ربنا‏”!‏

‏ (‏الرحمهْ‏ ‏يارب‏ ‏العباد‏: ‏إغفرْ‏ ‏لنِا‏).‏

ثم يتواصل الإنذار بتصور ما يمكن أن يؤول إليه الفرد، (والمجتمع) من تشقق فى بنيانه، وتبلد فى أحاسيسه وعمى فى بصيرته، لست متأكدا أيهما أكثر اغترابا ونكوصا، الشقوق التى تعلن تصدع المجتمع وانفصال الناس عن بعضهم البعض أم العمى الذى يمنع الرؤية ويبلد المشاعر ويشل حركية الإبداع، المتن هنا لا يحذر من غرق المركب التى تشققت بقدر ما ينبه إلى لزوجه المشاعر التى تخثرت، والنتيجة هى قهر الأفكار، ورفض التساؤل ووأد الإبداع وتجميد البحث.

تِعْمِى ‏كلِّ‏ ‏اللـى ‏يحاولْ ‏يـِتلـِفـِتْ‏ ‏ناحيةْ‏: ..”‏لمـِاَذاَ‏”، ‏

أو‏ “‏لمعنى‏” ‏يكون‏ ‏ما‏ ‏جـَاشِى ‏فى‏”‏الكـِتـَابْ‏”،‏

                                  أو‏ ‏لـِلـِّى “‏جـُوَّه‏”،‏‏أو‏ ‏نـَواحـِى “‏ربنا‏”!‏

‏ (‏الرحمهْ‏ ‏يارب‏ ‏العباد‏: ‏إغفرْ‏ ‏لنِا‏).‏

‏-16-‏

واللعب‏ ‏دايرْ ‏ليلْ ‏نهارْ‏ ‏لمْ ‏يـِنـْقطعْ‏،‏

‏ ‏والسيركْ‏ ‏صـَاحْــبُه‏ ‏واقفْلِى ‏بْيِلفّ‏ ‏العـَصـَا

ويقول‏ ‏بعزّ‏ ‏مـَا‏ ‏فـِيهْ: ‏أهو‏ ‏دا‏ ‏اللى ‏ممكن‏، ‏واللِّى ‏عاجبهْ‏!‏

كل ذلك، والقائمون على إدارة المجتمع برغم كل اغترابه وعطشه وعماه، يواصلان تعميق القهر بمزيد من السيطرة “واللى عاجبه”

‏-17-‏

أنا‏ ‏مش‏ ‏عاجبْـنى ‏هِـهْ، ‏ولازْمَـنْ‏ ‏يِتْحَكَى،‏

كل‏ ‏اللى ‏جارى‏.. ‏لاجْل‏ ‏ما‏ ‏الناس‏ ‏تنتبه‏ ‏قبل‏ ‏الطوفان‏، ‏

للناسْ‏..، ‏لكل‏ ‏الناسْ ‏حا‏ ‏قول:   ‏

رد‏ ‏الجميل‏ ‏للطير‏ ‏بـِيـْنزِفْ ‏منِ ‏الأَلـَمْ‏ ‏قـُدَّام‏ ‏عـُيـُونى‏. ‏

قالوا‏ “‏مريض‏” ‏لكنه‏ ‏أستاذ‏ ‏الأساتذة‏ ‏كلهم‏.‏

علّمنى ‏أشـُوفْ، ‏علّمنى ‏أَصـْحـَى‏.‏

علـّمنى ‏ضـَرب ‏النار‏، ‏بكلمةْ ‏صدق‏ ‏طالعهْ ‏مولـَّعـَةْ‏.‏

تحرق‏ ‏عبيد‏ ‏الضَّلمة‏ ‏والتفويت‏ ‏وشـُغـْل‏ ‏الهـَمـْبـَكـَةْ‏،‏

وتْنوَّر‏ ‏السكة‏ ‏لإخوانِ‏ ‏الشـَّقـَا‏،‏

للى ‏يـقايسْ‏، ‏ ‏للى ‏يـِحـسْ‏، ‏يـِبـُصْ‏، ‏يـِتـْجـَرَّأْ‏، ‏يـُشـُوفْ‏،‏

  للناسْ‏ .. ‏لكلِّ‏ ‏الناسْ‏ ‏حاقـُولْ ؛‏

هكذا يبدأ التعاطف مع المريض بصفته “الناضورجى” (على أعلى سارى السفينة) الذى رأى خطر القرصان يقترب من بعيد، فبدأ الصياح المنذِر، لكنه لم يكمله، ففشل ونكص وعجز، لكن ذلك لا يمنع أن نتعلم منه ونحن نأخذ بيده، وإذا لم يستفد هو فى الوقت المناسب بالقدر المناسب، فليكن ما تعلمناه منه – برغم فشله – هو مدرسة بأكملها .

– نتعلم منه أن نرفض الاستسلام للجارى .. “أنا مش عاجبنى”

– وإذا لم نتمكن من تصحيح مساره لاصراره على التمادى فى نفس اتجاه حله الفاشل فلا ينبغى أن ننسى آلامه الدفينة سواء التى دفعته إلى هذا الاحتجاج الصارخ أو التى ترتبت على فشله فى إكمال مشروع ثورته، فهو مـَهـْمـَا بدا ظاهره:

“بـِيـْنزِفْ ‏منِ ‏الأَلـَمْ‏ ‏قـُدَّام‏ ‏عـُيـُونى”

 وهنا يقفز تنبيه لازم وهو ألا نخذع فى ظاهر تبلد المريض أو وهج قفشاته، وأن ننتبه إلى رفض حاسم ومطلق لمقولة: إن “المجانين فى نعيم”.

سواء نجحنا فى الأخذ بيده أو فشلنا فقد بلغتنا الرسالة، ولها أصحابها، وعلينا أن نوصلها – ما أتيحت الفرصة – لموقعها المناسب لكل الآخرين بما فى ذلك، أو خاصة أولئك، الذين فى مفترق الطرق بين المرض والثورة والإبداع، ولم ينزلقوا إلى الحل المرضى بعد.

“للى ‏يـقايسْ‏، ‏‏للى ‏يـِحـسْ‏، ‏يـِبـُصْ‏، ‏يـِتـْجـَرَّأْ‏، ‏يـُشـُوفْ‏،‏

  للناسْ‏ .. ‏لكلِّ‏ ‏الناسْ‏ ‏حاقـُولْ”

‏-18-‏

دا‏ ‏حق‏ ‏كلِّ‏ ‏النَّاسْ ‏يا‏ ‏نَاسْ‏.‏

حق‏ ‏اللِّى ‏ورَّانى ‏حقيقتى،‏

‏ ‏حتى ‏لوكاتْ‏ ‏مش‏ ‏حقيقتى،‏

‏[‏الحقيقة‏ ‏انك‏ ‏تـِدَوَّرْ‏ ‏عالحقيقة‏.]‏

دا‏ ‏دين‏ ‏ولازم‏ ‏يندفع‏،‏

دا‏ ‏دين‏ ‏عليَّا  ‏للى ‏قالهالى ‏وما‏ ‏اقدرشِى ‏يـكمـِّل‏،‏

لكنه‏ ‏علـِّمنى، ‏ووصانى ‏أوفـِّى ‏الدين‏ ‏لأصحابه‏ ‏الغلابهْ‏،‏

وازاى ‏أنا‏ ‏يا‏ ‏خلق‏ ‏هوه‏ ‏حاحْكـِى ‏وانا‏ ‏غرقان‏ ‏لشوشتي؟

أهو‏ ‏دالـِّـلى ‏كان‏، حتى ‏ولو‏ ‏ما‏ ‏كاشفشـى ‏منى ‏إلا‏ ‏خيبتى‏. ‏

ما‏ ‏قدرتش‏ ‏اسكت‏،

 ‏دا‏ ‏السكات‏ ‏يبقى ‏خيانة‏ ‏للى ‏كان‏. ‏

‏ ‏هو‏ ‏انا‏ ‏ناقص‏ ‏رجل‏، ‏ولا‏ ‏ماليش‏ ‏لسان‏؟‏ ‏

كثيرا ما تحضرنى الشجاعة لأعلن فشلى مع أحد المرضى برغم تمام رؤيتى لأبعاد تركيبه الشائك المـُـعـَـجـِّز، وألمه الدفين الصامت، وعجزه واصراره على التمادى فى كل ذلك برغم كل إمكانات العلاج  وصدق المحاولة ، لكن يتمادى فشلنا معا حين تجتمع السلبيات عليه ومن حوله حتى تشملنى، وربما تلوح لى أن استسلم ، وبرغم أننى عادة لا أكف عن مواصلة المحاولة ما أتيحت لى الفرصة إلا أن هذا لا يمنع من مواجهة عجزى، دون الرضوخ ليأس أو تراجع، هذا ما يشير إليه هذا النص حين أشعر أن ما تعلمته من احترام موقف المريض – برغم فشله – وبرغم فشلى أيضا فى الوصول معه إلى ما كنت أتمناه هو رسالة فى عنقى تظل معلقة فى رقبتى لأصحابها “كل الناس”، وربما هذا هو السبب المباشر لمواصلة نشر خبرتى بكل الوسائل المتاحة حاليا بعد طول الممارسة لما يقرب من ستين عاماً، إن توصيل هذه الرؤية التى وصلتنى من مرضاى لسائر الناس جدير بأن يكون بمثابة اعتذار لهم عن عجزى (ولو المؤقت ولو النسبى) لمساعدة بعضهم، وأنا مدين لهم بما وصلنى، فإن لم استطيع أن أرد الدين لصاحبه فعلىّ أن أرده لمن يحتاج إليه فيستفيد منه قبل فوات الآوان بدأً بنفسى، ثم “كل الناس يا ناس”.

‏-19-‏

أنا‏ ‏رايح‏ ‏اقول‏ ‏كلِّ‏ ‏اللى ‏عارفُهْ‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏جانِى ‏الفِقِى مــدِّدْنِى

 فى ‏الفَلَكَهْ‏ ‏وقطَّعْ‏ ‏جِتــِّــتِى:‏

إنْ‏ ‏كنت‏ ‏عايْز‏ ‏تلِعَبِ‏ “‏العَشَرة‏” ‏وتْبقَى ‏الطَّيبَةْ‏؛‏

نكشف‏ ‏وَرَقنَا‏ ‏قبلِ ‏مَا‏ ‏الوَادْ‏ ‏يِتْحَرَقْ‏،‏

واللَّى ‏يِبَصَّر‏ “‏بالبِنَيَّة‏” ‏يِبْقَى ‏ذَنبِ‏ ‏التَّانىِ ‏عَلَى ‏جَنْبُهْ‏،‏

مَالوشْ‏ ‏يزْعلْ‏ ‏بَقَى‏، ‏مَا‏ ‏كَانْ‏ ‏يشْوفْ‏!‏

ما‏ ‏الِّلعْبِ‏ ‏عالمْكشْوُفْ‏…، ‏أَهُهْ‏

يمكن الرجوع إلى المحاذير التى تصدرت مقدمة هذا العمل، خاصة الخوف من النقد، والتردد فى توجيه الخطاب إلى العامة ، مع من شاء من المختصين ، هذه المحاذير تراودنى تكراراً بين الحين والحين فأقاومها، وأواصل كشف ما أتصور أنه الحقيقة، وكأنى بذلك ألاعبهم وأنا أكشف أوراقى دون خوف من معرفة داخلى، كل هذا وأنا أستمد الدفع مما وصلنى من مرضاى، ومن فشلى، وهكذا أقبل التحدّى، ومهما طال الفشل، ومهما صُـنـِّـفـْـتُ بعيدا عن ما يسمى “الطب النفسى السائد غالبا”Main Stream Psychiatry  وبرغم تحذيرى من المبالغة فى نقد ذلك حتى لا يصل إلى سلبيات ما يسمى “ضد النفسى” التى أرفضها على طول الخط، أقول برغم كل ذلك أواصل وأواصل، وبل أحاول كشف الحقائق ولو قسرا حتى لمن  يرفض أن تصله الرسالة، وعليه أن يدفع الثمن ظاهرا أو خفيا على إسهامه فى دعم الغـُـربة والاغتراب وجمود الابداع، إذا أصر على موقفه.

-20-

لأَّهْ، مانيِش ساكتْ ودِيِنى وْمذهبى،

حتَّى ولو كان اللِّى “مَاتْ” هواّ اللِّى “عاش”، فى عـُرْفـُكم

لأَّهْ، مانيِشْ مَيِّت حَاعيش:

وســــــَّـــع‏ ‏بقى..!!‏

التعامل مع معنى الموت والحياة، من منطلق التطور والإبداع يختلف عن التعامل مع هذين المفهومين من منطلق الدين أو الخلود أو الطموح، إن أهم وأبسط قرار على كل إنسان أن يتخذه هو أن “يعيش”، وكل ما عدَا ذلك يأتى لاحقا، إن الالحاح أنه من الأفضل لكى نواصل العيش هو أن نتماثل مع المجموع طول الوقت بالطول والعرض، يكاد يكون العامل الأهم الكامن تحت الحركية المضادة له سواء بالمرض أو بالثورة أو بالإبداع وهذا هو ما صدَّرت به أول ديوان لى منذ خمسين عاما وهو أساس فكرى النفسمراضى قبل الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى، وهو ديوان “سر اللعبة”.

وهذا هو تصدير هذا الديوان بالفصحى:

مُذْ‏ ‏كنتُ‏ ‏وكان‏ ‏الناسْ‏ …، ‏

وأنا‏ ‏أحتالُ‏ ‏لكى ‏أمضِىَ ‏مثل‏ ‏الناسْ، ‏

كان‏ ‏لزاماً‏ ‏أنْ‏ ‏أتشكـَّـلْ‏

أن‏ ‏أصبحَ‏ ‏رقماً‏ ‏ماَ، ‏

ورقة‏ ‏شجر‏ ‏صفراءْ، ‏

لا‏ ‏تصلحُ‏ ‏إلا‏ ‏لتساهم‏ ‏فى ‏أن‏ ‏تلِقـُىَ ‏ظلاّ ‏أغبرْ،

فى ‏إهمالٍ‏ ‏فوق‏ ‏أديم‏ ‏الأرض

والورقة‏ ‏لا‏ ‏تتفتح‏ ‏مثل‏ ‏الزهرة،‏

تنمو‏ ‏بقَدَرْ، ‏

لا‏ ‏تـُـثمرْ،  ‏

فقضاها‏ ‏أن‏ ‏تذبلْ، ‏

تسقُطْ‏،‏

تتحلّلْ، ‏

تذروها‏ ‏الريحُ‏ ‏بـِلاَ‏ ‏ذِكـْرى  ‏

كان‏ ‏علىّ ‏أن‏ ‏أضغط‏ ‏روحى ‏حتى ‏ينتظمَ ‏الصفْ، ‏

فالصف‏ ‏المعوج‏ ‏خطيئة،‏

حتى ‏لو‏ ‏كانت‏ ‏قبلتنا‏ ‏هى ‏جبلُ‏ ‏الذهِب‏ ‏الأصفرْ، ‏

أو‏ ‏صنم‏ ‏اللفظ‏ ‏الأجوفْ،‏

أو‏ ‏وهْج‏ ‏الكرسىِّ ‏الأفخم،‏

كان‏ ‏على ‏أن‏ ‏أخـْـمـِـدَ‏ ‏روحى ‏تحت‏ ‏تراب “الأمر‏ ‏الواقع‏” ‏

أن‏ ‏أتعلم‏ ‏نفس‏ ‏الكلماتْ‏…. ‏وبنفس‏ ‏المعنى،  ‏

أو‏ ‏حتى ‏من‏ ‏غير‏ ‏معانْ

ثم نعود إلى ديوان “أغوار النفس” بالعامية الجميلة وإلى القلم يؤكد قيادته:

‏-21-‏

القلم‏ ‏صحصح‏ ‏وِنَطّ ‏الحْرف‏ ‏منُّه‏ ‏لْوَحدُه‏ ‏بِيخزّق‏ ‏عِينَىَّ،‏

وابْتْدا‏ ‏قَلمِى ‏يِجَرّحنى ‏أنا‏.‏

قالِّى ‏بالذمَّةْ: ‏

‏ ‏لو‏ ‏كنت‏ ‏صحيح‏ ‏بنى ‏آدمْ ،.. ‏بـِـتـْحِسْ‏،‏

والناس‏ ‏قدّامك‏ ‏فى ‏ألـَمُهمْ‏، ‏وفْ‏ ‏فَرَحْتِهُمْ‏،‏

وفْ‏ ‏كسْرتهم‏، ‏وفْ‏ ‏ميلة‏ ‏البخْتٌ‏، ‏

مشْ‏ ‏ترسـِمـْهُم‏ ‏للناسْ‏‏؟‏

                                 ‏الناس‏ ‏التانيهْ ‏؟

إٍللى ‏مِشْ‏ ‏قادْرَهْ‏ ‏تقولْ‏: “‏آه‏”، ‏عَنْدِ‏ ‏الدَّكْتورْ.‏

أصل‏ “‏الآه‏” ‏المودَهْ‏ ‏غاليهْ‏، ‏

‏ ‏لازمْ‏ ‏بالحَجْزْ‏،‏

‏                              ‏لازمْ ‏بالدورْ‏.‏

مش‏ ‏يمكن‏ ‏ناسْنا‏ ‏الَغْلبَانَهْ‏ ‏إِللى ‏لِسَّه‏ “‏ما‏ ‏صَابْـهَاشِ‏” ‏الدورْ‏.

‏ ‏ينتبهوا‏ ‏قبل‏ ‏الدُّحْدِيرَةْ‏ – ‏قبل‏ ‏ما‏ ‏يغرقُوا‏ ‏فى ‏الطينْ‏.‏

‏ ‏ولاّ ‏السَّبُّوبه‏ ‏حَاتتعْطَّلْ‏ ‏لَو‏ ‏ذِعْت‏ ‏السِّر‏؟

                                                 ‏ولاّ‏ ‏انْتَ‏ ‏جَبَان‏‏؟

هانحن مرة أخرى نرجع إلى بداية البداية:

كل‏ ‏القلم‏ ‏ما‏ ‏اتقصف‏ ‏يطلعْ‏ لُـه‏ ‏سن‏ ‏جديدْ‏،‏

المقطع هنا يؤكد من جديد استقلالية قلمى، الأمر الذى تكرر فى المقدمة وفى مواقع أخرى فى هذا الكتاب، وبالأخص فى هذا المقطع، بل وقد ورد أيضا فى شعرى بالفصحى، كما بيــَّنت  فى قصيدة “ياليت شعرى لست شاعرا” فى آخر مقطع يقول:

أمضى ‏أغافلُ ‏المعاجِمَ‏ ‏الجحافلْ، ‏

بين‏ ‏المَخاضِ‏ ‏والنحيبْ‏.‏

أطرحُنى:‏

بين‏ ‏الضياع‏ ‏وَالرُّؤى.‏

بين‏ ‏النبىَّ ‏والعدَمْ‏.‏

أخلّـِّق‏ ‏الحياة‏ ‏أبتعث‏.‏ ‏

أقولُنى ‏جديدا‏،‏

‏ ‏فتولًدُ‏ ‏القصيدةْ‏.‏

إذن فالهدف من كل ذلك هو توصيل الرسالة لمن يهمه الأمر قبل هجوم حدة المرض، أو بتحديد أدق قبيل ذلك، فى مرحلة ما اسميته “مفترق الطرق” حيث آمل بإصرار أن تفيد هذه المعلومات البسيطة المزعجة فى أن تسهم فى المساعدة على اختيار الطرق النمائية (الابداع والنمو) بديلا عن التطور فى طريق المرض السلبى.

إعادة:

‏-22- ‏

بصراحة‏ ‏انا‏ ‏خـُفـْت‏.‏

خفت‏ ‏من‏ ‏القلم‏ ‏الطايح‏ ‏فى ‏الكلّ‏ ‏كـِلـِيلـَهْ

حيقولُوا‏ ‏إٍيه‏ ‏الزُّمَلاَ‏ ‏المِسْتَنِّيَهْ‏ ‏الغلْطَهْ‏‏؟

حيقولوا‏ ‏إيه‏ ‏العُلَماَ‏ ‏المُكْـــنْ

‏(‏بِسْكون‏ ‏عَالْكَافْ‏ .. ‏إِوعَكْ‏ ‏تغْلَطْ‏)‏

على ‏عالِم‏، ‏أو‏ ‏مُتَعَالم‏: ‏بيقولْ‏ ‏كَماَ‏ ‏راجِل‏ ‏الشَّارع،

“ولاّ‏ ‏انْتَ‏ ‏جَبَان”!

‏-23-‏

القلم‏ ‏اتهز‏ ‏فْ‏ ‏إيدى، ‏

طــلــَّـعْ‏ ‏لى ‏لسانُهْ‏،‏

‏ ‏ما‏ ‏يقولوا‏!!‏:

حد‏ ‏يقدر‏ ‏يحرم‏ ‏الطير‏ ‏من‏ ‏غُـنَـاه‏؟‏!‏

من‏ ‏وليف‏ ‏العش‏، ‏من‏ ‏حضن‏ ‏الحياةْ؟‏!‏

تطلع‏ ‏الكلمهْ‏ ‏كما‏ ‏ربِّى ‏خلقْها‏،‏

وهكذا واصل القلم استقلاله فخرج هذا العمل، وعلى المتلقى أن يتحمل بدوره مسئولية التلقى.

تطلع‏ ‏الكلمةْ ‏بْعَـبلْها‏،‏

تِبْقَى ‏هىَّ ‏الِكْلمة‏ ‏أَصْل‏ ‏الكُونْ‏ ‏تِصَحِّى ‏المِيِّتِيْن‏.‏

والخايفْ‏ ‏يبقى ‏يوسَّعْ،‏

‏ ‏أَحْسن‏ ‏يطَّرْطـَش‏، ‏

أو‏ ‏تيجى ‏فْ‏ ‏عينه‏ ‏شرارة‏، ‏

‏ ‏أو‏ ‏لا‏ ‏سـَمـَحَ ‏الـلّه

يِكْتِشِفِ‏ ‏انُّه‏ ‏بِيْحِسْ‏.‏

…………………

…………………

ونواصل الأسبوع القادم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – يحيى الرخاوى: (2018) كتاب “فقه العلاقات البشرية (1) (عبر ديوان: “أغوار النفس”) “العلاج النفسى (مقدمة) بين الشائع والإعلام والعلم والناس”، الناشر: جمعية الطب النفسى التطورى.

 

تعليق واحد

  1. كيف حالك يامولانا ؟!
    المقتطف : ‏لو‏ ‏كنت‏ ‏صحيح‏ ‏بنى ‏آدمْ ،.. ‏بـِـتـْحِسْ‏،‏
    والناس‏ ‏قدّامك‏ ‏فى ‏ألـَمُهمْ‏، ‏وفْ‏ ‏فَرَحْتِهُمْ‏،‏
    وفْ‏ ‏كسْرتهم‏، ‏وفْ‏ ‏ميلة‏ ‏البخْتٌ‏، ‏
    مشْ‏ ‏ترسـِمـْهُم‏ ‏للناسْ‏‏؟‏
    ‏الناس‏ ‏التانيهْ ‏؟
    إٍللى ‏مِشْ‏ ‏قادْرَهْ‏ ‏تقولْ‏: “‏آه‏”، ‏عَنْدِ‏ ‏الدَّكْتورْ.‏
    أصل‏ “‏الآه‏” ‏المودَهْ‏ ‏غاليهْ‏، ‏
    ‏ ‏لازمْ‏ ‏بالحَجْزْ‏،‏
    ‏ ‏لازمْ ‏بالدورْ‏.‏
    مش‏ ‏يمكن‏ ‏ناسْنا‏ ‏الَغْلبَانَهْ‏ ‏إِللى ‏لِسَّه‏ “‏ما‏ ‏صَابْـهَاشِ‏” ‏الدورْ‏.
    ‏ ‏ينتبهوا‏ ‏قبل‏ ‏الدُّحْدِيرَةْ‏ – ‏قبل‏ ‏ما‏ ‏يغرقُوا‏ ‏فى ‏الطينْ‏.‏
    ‏ ‏ولاّ ‏السَّبُّوبه‏ ‏حَاتتعْطَّلْ‏ ‏لَو‏ ‏ذِعْت‏ ‏السِّر‏؟
    ‏ولاّ‏ ‏انْتَ‏ ‏جَبَان‏‏؟
    التعليق : يااااااه يامولانا ،الحمل تقيل ،لكن برضو اللى انت سايبه كتير ،أظن الحسبة تبقى أننا ناخد من الكتير ،ما ينقص ،نحط ع التقيل ،يارب عيننا قبل ما نخلص !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *