الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من حالات الإشراف على العلاج النفسى: الحالة: (59) “ليس من مسئولية العلاج أن يصنع المعجزات”

من حالات الإشراف على العلاج النفسى: الحالة: (59) “ليس من مسئولية العلاج أن يصنع المعجزات”

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 9-12-2018

السنة الثانية عشرة

العدد:  4117

من حالات الإشراف على العلاج النفسى

مقدمة:

للتذكرة: اليوم الأحد هو يوم المقتطفات الإكلينيكية والعملية من الإشراف المنتظم، وهذه النشرة ننشرها من جديد لأنه لم تصلنا أيه تعليقات عليها نناقشها فى بريد الجمعة فلعل فى إعادة نشرها ما يحفز بعض الأصدقاء للمشاركة فهى الحالة (59) لهذه السلسلة عن الإشراف أى فى الكتاب الرابع (41 – 60) ، ونأمل بذلك أن نكمل ما ينقص هذه الحالات حتى لا تصدر بدون تعليق يسهم فى مزيد من التوضيح والإفادة كما تبين لنا فى الأربعين حالة فى الكتابين الأول والثانى.

الحالة: (59)

ليس من مسئولية العلاج أن يصنع المعجزات (1)

أ. هاجر: هى عيانه أنا كنت قدمتها قبل كده، بس فيه حاجات جدت فكنت عايزة أسأل عن حاجة يعنى، هى عندها 28 سنه ..الأولى من اثنين، أنا كنت قدمتها المرة اللى فاتت علشان هى هستيرية شوية، كان بيجيلها أعراض تحولية جسدية كده كل شوية.

د.يحيى: إنتى قولتى الأولى من اتنين التانى ده  ولد ولا بنت؟

أ.هاجر: الأخ التانى ولد، هى جت لى بعد رحلة علاج يعنى، عدّت على كذا حد كده وكان بيجى لها التحول Conversion والأعراض دى كل شوية برغم العلاج 

د.يحيى: جت لك من بره بره، ولا انا حولتها لك؟

أ.هاجر: هى بنت خالة عيانه كنت باشوفها، وهى بتصرف الأدوية تبع الشركة اللى بتشتغل فيها، دكتور الشركة هوه اللى بيدى لها أدوية وكده،  فهى جاية علشان جلسات زى بنت خالتها،

د.يحيى: بتقولى كنت قدمتيها قبل كده هنا، كان ليه؟

أ.هاجر: أنا كنت قدمتها المرة اللى فاتت عشان أسأل عن حاجة، هى مطلقة وكان اللى متجوزها المرة الأولانية كان….مدمن، وهى استحملت معاه شوية، ومابطلش، فاتطلقت خُلع وكده، 

د.يحيى: قعدت متجوزة قد إيه؟

أ.هاجر: قعدت معاه حوالى سنه ونص، بس الجواز الفعلى مع بعض مايجيش شهرين، فأنا كنت قلت المرة اللى فاتت إن هى مش ناضجة خالص، وإن لها زميل فى الشغل أكبر منها بـ10 سنين، ومتجوز وعنده تلات أولاد، وكان طالبها للجواز، واتكلمنا المرة اللى فاتت، واتفقنا إن احنا نأجل معاها الكلام فى ده وحضرتك قلت لى إن هى بتتحرك من مجرد احتياجها، ويمكن هوه كمان جعان وكده، فاحنا أجلنا فعلا اتخاذ قرار فى ده.

د.يحيى: وموقف أهلها إيه؟

أ.هاجر: هى كانت جايه لى عشان أقف معاها قصاد أهلها، هى باباها صعب أوى شكاك، جداً ومتسلط مابيتفاهمش يعنى، والأم طيبة قوى، فبعد المناقشة المرة اللى فاتت، اتقفنا على التأجيل، وهى وافقت، وادى احنا مكملين فى العلاج، ويمكن تغير رأيها، بس فيه حاجة جديدة حصلت، إن مامتها اتوفت وانا فى الأجازة، أجازة جوازى

د.يحيى: والدتها أتوفت إمتى؟

أ.هاجر: وأنا فى الأجازة يعنى من شهر مثلاً

د.يحيى: والدتها كان عندها كام سنه

أ.هاجر: والدتها كانت يعنى 65،64 جالها سرطان ومالحقتش تتعب

د.يحيى: الموت يعنى يعتبر فجأة، مش متوقع. 

أ.هاجر: برغم إن عندها سرطان إلا إنهم كانوا  متوقعين أنها تتحسن، يعنى تعتبر ماتت فجأة، تعبت فجأة دخلت المستشفى ماتت، فهى جت لى بقى مافيش حد عمل لها دعم، غير الولد ده، الراجل ده اللى معاها فى الشغل،  وهو عمل حاجة كده مش قوى، طلق مراته، وبعدين قال لها أنا مضطر أرجعها تانى عشان حاجة كده،  حاجة كده لها علاقة بالفلوس، مش عارفة بالضبط، يمكن عشان ماتستغلهوش فى الفلوس أو حاجة كده.

د.يحيى: يعنى المهم إنه رجعها

أ.هاجر: آه، بس  أنا مش مصدقه المعلومات دى أوى، شكلها حجج مش لايقة

د.يحيى: كل ده وانتى في الإجازة بتتجوزى؟ يعنى خلال  شهر واحد

أ.هاجر: آه، كل ده وأنا بتجوز

د.يحيى: راحت الولية ميته،  وراح الجدع مطلق، ومرجّع، ألف مبروك وشك حلو عليهم!!

أ.هاجر: (ضحك) يعنى، فهى جت الأسبوع اللى فات وهى زانقانى أوى إن هى خلاص مالهاش حد غير الراجل ده،  وبتخرج معاه بقى للساعة 10 بالليل، وما عادشى فيه  مامتها، هى كانت  صريحة مع مامتها فكان ده بيسندها، وفى نفس الوقت يوقف اندفاعها، لكن هى مخبية كل حاجة عن باباها فوالدتها كانت بتسمح لها، وتهديها، يعنى على الأقل كان فيه حد عارف، بيوقف المشاكل ما تتفجرشى قوى، وبتقف قصاد باباها معاها ساعات، فادلوقتى هى وباباها عايشين مع بعض لوحدهم، أصل  أخوها بيشتغل فى شركة بعيد، ييجى كل شهر كده يومين تلاتة، وطبعاً علاقتها بباباها وحشه جداً،  وبتنزل الشغل من الصبح ماتروحش غير بالليل الساعة 10، والجدع ده تقريباً معاها طول الوقت، وهو حاول يتعرف على باباها وقت العزاء وكده، وهو الأب رافض تماماً إن هى ترتبط بشخص عنده المشاكل دى كلها، فهى جت لى عشان أقف جنبها يعنى، أقعد بقى أجيب باباها وأتكلم معاه، وإن خلاص مافيش بديل غير الجدع ده،  وهى حاسه إن مافيش بديل غيره فعلا، وانا برضه من جوايا شوية ابتديت أحس إن: ويـِـجـْـرَى إيه،  طب ماتجرب تانى وخلاص ما هو حايتجوزها

د.يحيى: ما هو أيه؟

أ.هاجر: حايتجوزها، يعنى مش بيلعب، ده بيعرض جواز فعلا. 

د.يحيى: هوه مش لسه معاه الست اللى رجعها عشان الفلوس زى ما بيقول.

أ.هاجر: آه، أنا كل اللى عملته يعنى إنى طلبت باباها تانى

د.يحيى: أنا شايف إن موت مامتها ده، خلى الأمور تتطور بسرعة مش ملا حقينها

أ.هاجر: أيوه، ما لحقناش نأجل آه

د.يحيى: السؤال بقى المرة دى هو نفس السؤال

أ.هاجر: أنا المرة دى مختلفة، أنا باتكلم عن موقفى أنا بعد الظروف ما بقت كده،  انا من جوايا شوية أبتديت أحس إنى عايزة أوافق بس مش عارفة أعمل أيه مع والدها،  والدها معترض تماماً أنا جبته واتكلمت معاه،  واتفقت إنه يماين معاها شوية، لكن هو طول الوقت رافض موقفها عشان الجوازة الأولانية بتاعة الراجل المدمن، أصل هى اللى أصرت على الجوازة الأولانية، وطبعاً فشلت تماماً، وهوه كان زميلها فى الشغل برضه

د.يحيى: ربنا ستر ما خلفتشى من الجوازة الأولانية، مش كده؟

أ.هاجر: أيوه، ما لحقتشى، وهو كان مدمن، وبيستغلها، وبيضربها وبياخذ فلوسها ودهبها

د.يحيى: طيب والجدع الجديد ده اللى رجع مراته لأسباب مادية، لما حايحل الاسباب المادية دى حا يكمل طلاق، ولا حايحتفظ بالاتنين

أ.هاجر: حايكمل طلاق

د.يحيى: إيش عرفك، ما يمكن كذاب

أ.هاجر: هو انا قابلته يعنى واتهيأ لى إنى شفت فيه حسن النية، وإنه حايكمل طلاق

د.يحيى: هو حا يكمل طلاق، صحيح،  بس طلاق أنهى فيهم؟!

أ.هاجر: ما هو لما رجّع مراته كان رجوع رسمى بس، لأنه مقيم عند أخته مش قاعد عند مراته

د.يحيى: مش فاهم، يعنى رجعها عشان يهرب من  التزاماتها المادية من غير مايعيشوا مع بعض وهى رضيت؟

أ.هاجر: آه أظن كده، هى الحسبه بقت صعبه وانا عمالة ازداد تعاطف مع العيانة بتاعتى، أصل أبوها صعب جدا، أنا لما قابلته ما طقتهوش.

د.يحيى: رغم إن هى كانت متوقعة الفقد ده، بموت أمها، ولو شوية، طبعا الفقد ده زود احتياجها ليكى، وفى نفس الوقت زود احتياجها للراجل ده،

أ.هاجر: هى بتقول إنها بتحبه

د.يحيى: يعنى، ما تدقيش على الألفاظ دى قوى، هو الاحتياج عيب، ما هو شىء طبيعى، الاحتياج على العين والراس، بس ماهواش نهاية المطاف، هو ممكن يكون جيد ونحترمه فى بداية العلاقة، أنا محتاج وإنتى محتاجة، مش كده؟ ماشى، بس  بعد كده بيحصل علاقة على مستوى تانى، ده إذا كانوا حا يشتغلوا مع بعض عشان تبقى فيه علاقة فعلا،  الاحتياج لوحده مش كفاية، ما يبررشى الاستمرار، دى مؤسسة، والمؤسسين بيكبروا من خلالها، ده المفروض يعنى،  لازم تتحسب كويس، برضه دورنا إحنا إن احنا نساهم من على مسافة، ما نغرقشى معاهم وتبرر اللى بيعملوه باحتياجهم وخلاص، إحنا لما نحافظ على المسافة اللى هى جزء من العلاج، نقدر نشوف أحسن، ونبلغ البنت باللى شايفينه أول بأول،

أ.هاجر: يعنى دلوقتى أنا أعمل إيه؟

د.يحيى: أظن دلوقتى كده المسأله بقت أصعب، يعنى مش سهل زى المرة اللى فاتت إن احنا نوصى بالتأجيل، بصراحة مش عارف، الظاهر أنا كمان ابتديت أضعف زيك، مع إنى عارف إن لها سوابق فى الطلاق، بتبقى السكة دى مفتوحة قدامها آخر سهولة، وانت من الأول بتقولى إنها مش ناضجة وكده

أ.هاجر: هى من ناحية مش ناضجة، مش ناضجة خالص، واختياراتها مضروبة

د.يحيي: واحتياجها دلوقتى اشتد جدا جدا، خلى بالك الموت ما لوش دعوة بالسن، يعنى  لما واحده ام عندها 90 سنه وابنها عنده 70 سنه مثلا وتموت، ممكن تفاعله يبقى زى ما يكون بيرضع، الموت بيحرك كده حاجة زى ما تكون غريزية، يعنى رقيقه جدا ومهمة، فقد الأم خصوصا فى مجتمعنا له وضع خاص الظاهر، لأن مجتمعنا ما بيفطمناش بدرى، فقد الأم بيحرك فينا حاجات كتير، ساعات بتتأجل خبرة الفطام لحد الموت، لكن برضه الفطام يمكن يكون تحريك للنضج مهما اتأخر السن، فاخـَـلـِّـى بالِك ان هى دلوقتى عندها خبرة فطام، ويجوز برضه، ساعات الموت بيبعت رسالة إن الميت تخلى عن اللى كان بيرعاه، فيظهر فى اللى كان معتمد عليه، نوع من الاحتجاج، أو العدوان، اللاشعورى طبعا، زى ما اتقولى إنتى سيبتنى ليه، سيبينى دلوقتى ليه ؟ إنت اتخليتى عنى، حاجة زى كده

أ.هاجر: ما هو يمكن ده هو السبب اللى خلانى اتعاطف معاها، واقول أهو ياللا

د. يحيى: إنت رأيك إيه فى الجدع ده وانتى بتقولى إنك قابلتيه، يعنى رأيك فى شخصيته؟ مسؤول ولا مش مسؤول؟ حا يتغير أول ما يستحوز عليها ولا عاوز إيه بالظبط؟ إنت ممكن تتطقسى شوية من خلال معلومات أكتر عن مراته، وعن إيه اللى كان ناقصه فى مراته عشان يبعد كده، خصوصا إن البنت دى مش ناضجة، وهات يا أعراض جسدية أول ما حد يقول لها بـِخْ، وكده، ما هو الخوف برضه يكون الجدع مخموم فى البنية دى، وما يلاقيش عندها بعد الجواز اللى يعوضه اللى كان ناقصه فى الخبرة الأولانية، خلى بالك إن  الخنقه بتاعة  المؤسسه الزواجيه بتطلع المستخبى

 أ.هاجر: يعنى أعمل إيه دلوقتى، أنا محتاسه خالص

د.يحيى: لأ مش قوى كده، هوه انتى اللى حا تتجوزيه، إنت فعلا عملتى اللى عليكى، وواقفة جنبها، وقدرتى تشوفى نفسك وانت بتغيرى موقفك، وشفقتك عليها ما خليتكيش تندفعى وتستعجلى، حا تعملى إيه أكتر من كده؟

أ.هاجر: مش عارفة

د.يحيي: إنت نسيتى إنك معالجة، بتدى وقت، وبتاخدى أتعاب، إنتى فاهمة إن علينا إن احنا نعمل معجزات أو نغير الواقع، لأ بقى، ما هو لازم نعمل اللى نقدر عليه، ونسيب بقية أطراف المعادلة تمشى زى حسابات الواقع ما تسمح، إحنا مش مسئولين عن الأم اللى ماتت، أو عن إدمان الزوج الأولانى، أو عن جواز الراجل التانى، دى كلها بلاوى واقعية، يبقى نعمل اللى علينا، ونقول اللى عندنا، ونستنى نشوف إيه ما دام بنحاول أول بأول، وما بنتفرجشى. هى العيانة دى منتظمة فى الجلسات ولا لأه؟

أ.هاجر: بصراحة هى مش منتظمه قوي،  يعنى بتيجى لما بتتزنق

د.يحيي: تتزنق ازاى يعنى؟

أ.هاجر: يعنى تكون عايزة إنى أقرر لها مثلا، عموما هى زى ما تكون المره دى مش مديانى فرصه اقرر معاها، باين عليها قررت، وعايزانى اساعدها بس، أوافق يعنى

د.يحيي: ما انت واخده بالك من تغيرها زى ما انت واخده بالك من تغيرك، وده جيد جدا فى العلاج، إن احنا، زى العيان، نتغير مع تغير الظروف. وكل ما الوقت يمر، بنحصل على معلومات أكتر، والأمور بتتضح أكتر، ويمكن العيان بيكبر أكتر.

أ.هاجر: بس هى مش مديانى فرصه المرة دى فى حكاية الوقت عايزانى أوافق، يعنى عايزانى أساعدها بس فى انها تكمل فى اللى هيا فيه، هى المره دى مش مديانى فرصة

د.يحيي: ما انا قلت لك ان احنا حا نوضح موقفنا ونعمقه وهى حا تتخذ القرار اللى هى عايزاه وتتحمل مسئوليته بس نقول احنا محتاجين وقت نقول احنا محتاجين معلومات أكثر.

أ.هاجر: هى بتستعملنى شويه قصاد باباها

د.يحيي: مافيش مانع تستعملك، بس وانتى واعية

أ.هاجر: بس انا مش قادره برضه اقف قصاد باباها،  باباها صعب جدا،  وحش بجد، حاسة إنه بيستعملنى هو راخر الناحية التانية

د.يحيي: شوفى  يا بنتى، ما هو “مَنْ استعملَكَ فرضيتَ باستعماله فأنت الريس”،  ده مثل أنا مركبه، مستلفه من المثل الأصلى، من خَدَعك فخُدِعْتَ له فهو مَخْدُوع، يعنى لما بتبقى واعية إنه بيستعملك، وتسيبيه يتهيأله إنه بيستعملك، حاتبصى تلاقيكى بتعملى اللى انت شايفاه صح، من غير ما تخشى فى مواجهة معاه، العلاج جزء منه إن العيان وساعات أهله يستعملونا بس برضانا، واحنا فى كامل وعينا ومسئوليتنا،

أ.هاجر: بس ده صعب

د. يحيى: ما انتى عارفة، ما هى شغلتنا صعب، واحنا اخترناها، مش كده ولا إيه؟

أ.هاجر: أيوه صحيح، شكرا

******

[1] –  نشرة الإنسان والتطور:  5-1-2010   www.rakhawy.net

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *