نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 25-11-2018
السنة الثانية عشرة
العدد: 4103
من حالات الإشراف على العلاج النفسى (1)
مقدمة:
للتذكرة: اليوم الأحد هو يوم المقتطفات الإكلينيكية والعملية من الإشراف المنتظم، هذا وقد بلغت الحالات الجاهزة للنشرة والمناقشة مائة حالة من بضعة آلاف، ظهر منها جزءان (40 حالة) ودخل المطبعة جزءان (من 41-80).
وقد اكتشفت أن هذه الحالات هكذا لها فائدة عملية للممارسين (الأصغر خاصة) كما أنها تكشف بعض ما تتميز به ثقافتنا
هذا وقد رأيت أن أنشر حالات الكتاب الخامس (81 – 100) تباعا فى النشرات اليومية اعتبارا من الأسبوع القادم حيث أنها قد تحتاج لمزيد من التعقيب والحوار.
الحالة: (14)
العلاج “قصير المدة لهدفٍ محدد!”
د. يسرا: أنا عندى حالة، 26 سنة، متجوزة بقى لها شهرين ونص.
د. يحيى: وقعدتى معاها قد إيه؟
د. يسرا: 4 مرات.
د. يحيى: ورا بعض؟
د. يسرا: لأ على مدار شهر ونص تقريباً.
د. يحيى: يعنى هى مع جوزها شهر، ومعاكى انت وجوزها شهر ونص؟!
د. يسرا: تقريبا، المشكلة إنها عايزة تتطلق، هى من أول ليلة الدخلة رفضت تنام تانى مع جوزها، قالت إن جوزها كان عنيف معاها أوى ليلتها وإنه تقريبا اغتصبها.
د. يحيى: وهى جاية تشتكى من إيه؟
د. يسرا: أعراض اكتئاب وضيق وكلام من ده.
د. يحيى: اكتئاب من اللى هوه، ولاّ بتاع سوء التكيّف، والزهق؟!
د. يسرا: أظن الاتنين، يمكن التانى أكثر.
د. يحيى: عندها إخوات بنات؟
د. يسرا: آه وهى الكبيرة، هى من شمال الصعيد، من بلد قريبه من مصر، هىّ بتسافر عشان تيجى الجلسة هنا فى القصر العينى.
د. يحيى: أبوها بيشتغل إيه؟
د. يسرا: مش فاكرة.
د. يحيى: المشكلة إيه؟ فين السؤال؟
د. يسرا: المشكلة إنى حاسة إنى مزنوقة فى الوقت، جوزها قعد معايا آخر مرة، وعنده استعداد دلوقتى إنه يطلقها، قال لى لو مش باقية علىَّ حاطلقها، مش عارفة المفروض أعمل إيه، أقعد معاها لوحدها؟ معاه وبعدين معاها؟ معاهم هما الإثنين مع بعض؟ حاعمل إيه فى الوقت الضيق ده؟
د. يحيى: جوزها بيشتغل إيه؟
د. يسرا: عامل ماهر، بس فى الخليج، ونزل اجازة 6 شهور عشان يتجوز، بقى له شهرين ونص تقريبا وراجع بعد الأجازة، هو كمان يبقى ابن عمها، كانوا يعرفوا بعض قبل الجواز، هى كانت رافضاه من الأول، وقالت إنهم أجبروها تتجوز عشان خاطر وصية أبوها.. آه افتكرتْ، أبوها متوفى.
د. يحيى: هى حلوة؟
د. يسرا: عادية.
د. يحيى: بتشتغل؟ أو كانت بتشتغل؟
د. يسرا: كانت ماسكة حسابات فى مصنع متواضع.
د. يحيى: بصراحة هى حالة صعبة، يبقى جواب أسئلتك صعب، وعشان كده ما عنديش رد جاهز، خلينا الأول نتعلم واحدة واحدة، واحنا بنشوف إيه اللى جارى حوالينا:
الحالة دى بتفكرنا “بالعلاج النفسى محدود المدة“، بيسموه ساعات “العلاج النفسى الدينامى القصير”([2])، ده علاج يتم فى خلال أسبوعين تلاتة أربعة حسب الاتفاق، وهو بيركز على نقطة محددة، لتحقيق هدف بذاته، وحكايته إن المعالج والمريض يلموا المسألة ويحوّطوا عليها زى ما يكونوا بيعملوا لبخه حوالين خُرّاج لسه ما استواش، ولما الأمور تتحدد، ومعنى المرض وأصوله تتجمع فى إيديهم، يروحوا هُبْ يفتحوا عليها، ويختبروا التفسير اللى وصلوا له، بعد ما يكون المريض جاهز للكشف والتعرية، حاجة كده زى الجراح ما بيفتح الخراج بعد ما يطمّن إن المِدّة جاهزة تخرج منه، ده علاج نفسى جيد برضه، وتكنيك محترم، بس صعب، هىًّ مش مسألة استعجال أو سريع سريع، ونجاح العلاج ده يتعرف من نتيجته، زى الجراح ما يعرف إنه فتح فى الوقت المضبوط لما الـِمدّة تخرج من الخراج قدام عينه، الحالة بتاعتك دى مش كده بالضبط، بس أنا بافكّرك إن العلاج النفسى مش ضرورى ضرورى يبقى شهور وسنين.
د. يسرا: يعنى أعمل إيه؟
د. يحيى: الزنقة اللى انت فيها يمكن تخليكى تفكرى بإيقاع تانى، يعنى تحددى المدة، وتحددى حاتقيسى خطواتك بإيه، وعايزة توصلى لإيه، وهُبْ سوا سوا، نوصل لقرار مهما كان صعب، حاجة زى كده. يعنى عندك وقت محدد، لازم نعمل فيه حاجة، بس حاتعملى إيه بالضبط فى الوقت ده، إنتِ مش دورك إنك تقولى لها بشكل مباشر تكّمل ولا ما تكّملش، هى غالبا حاتوصل لقرارها وتحسم الأمر بمساعدتك.
د. يسرا: طيب وجوزها؟
د. يحيى: هو باين عليه راجل كويس، والدليل إنه استنى الفترة دى بهدوء، وماضغطش عليها لما رفضت، ودلوقت مستعد يطلقها، وتانى حاجة لازم نحطها فى الاعتبار أنه ممكن ما يكونش اغتصبها ولا حاجة، احتمال.
د. يسرا: هو بيقول كده.
د. يحيى: بصراحة الحالة دى بنشوف من خلالها زاوية من أبعاد مشكلة الناس اللى شغالين وشقيانين بره، وبيجوا هنا فى أجازاتهم عشان يتجوزوا قوام قوام ويرجعوا تانى، زى ما يكونوا حايشتروا شنطة هدوم مثلا، وساعات زى ما يكون بعضهم بياخد بضاعة يجّربها، إن ما نفعتش يرجعها، الألعن يا عينى إن البنت هى وعيلتها بيبقوا موافقين ومتحمسين، وفرحانين بالقرشين بتوع “بلاد بره”، أهو ستر وربنا يسهل.
د. يسرا: بس أنا حاسة إنى مزنوقة جامد.
د. يحيى: عموما إنت حاتفضلى جنبها، ها تستنى مش كتير، لغاية ما هى تقرر، وإنت تشتغلى معاها فى اللى هى حاتقرره، حاتتطلق حاتحتاجك، حاتكمل حاتحتاجك، بس ما تنسيش، الاستعجال فيه خطر تانى، هى من الصعيد، وطلاقهم دلوقتى صعب، يا إما حايقولوا إن الراجل فشل ومربوط، يا إما إنها طلعت مش بكر وكلام من ده، لازم نعمل حساب كل الاحتمالات، لكن ده ما يعوقشى القرار الأنسب! فى الوقت الملائم.
د. يسرا: بصراحة حاجة تحير، وبعدين؟
د. يحيى: إنت دكتورة بتعالجى الناس، بتعملى كل اللى تقدرى عليه، وبتستشيرينا أهُهْ، عايزه إيه أكثر من كده، إذا كانت حاتكمل حاتشتغلى معاها فى علاقتها بجوزها، إذا كانت حاتطلق حاتشتغلى معاها فى نتيجة ده، خلى بالك، لو اتطلقت وإحنا مش جنبها ومعاها، ده يمكن يأثر على فرصتها اللى جاية، ويمكن الحكاية تتكرر، يعنى ممكن تكرر الموضوع ده لو اتجوزت تانى.
د. يسرا: إزاى؟
د. يحيى: وكمان ما تنسيش إن إحنا قلنا إنه يجوز جوزها ما اغتصابهاش، ده احتمال وارد.
د. يسرا: صحيح، أصلها قالت كمان إنها هى اتعرضت لانتهاك جنسى وهى صغيرة.
د. يحيى: وده ممكن يكون سبب فى تفسيرها للى حصل ليلة الدخلة وقالت عليه اغتصاب، يمكن الخبرة الأولى وهى صغيرة خلتها تستقبل أى ممارسة على أنها اغتصاب، لازم تحطى ده فى حساباتك.
د. يسرا: ربنا يقدرنى.
****
التعقيب والحوار:
د. نرمين عبد العزيز:
وصلنى إزاى ننجح فى عمل علاج نفسى دينامى قصير المدى خصوصا إذا كانت المريضة بتشتكى بإلحاح طول الوقت،([3]) أظن لازم ناخد آراء كل المحيطين فى حالتها، ونأكد على كل خطوة ناجحة قد نصل إليها، وتوضيحها ونتفق عليها؟
بس هنا يعنى باين إنها أشبه بالمتمسكة بمرضها وخايفة تمشى فى سكة ممكن يكون آخرها حل للمشكلة؟
د. يحيى:
لا أظن أن هذه المريضة كانت كما تصفينها تماما، أنا لم أقابلها شخصيا طبعا، هكذا الإشراف، أنا علقت فقط على النقطة التى أثارتها الزميلة فى الإشراف، أنا لم يصلنى أنها تشكو طول الوقت كما وصلك، ثم إن هذا العلاج القصير ليس لمجرد توفير الوقت أو وقف الثرثرة، وإنما هو طريقة لتناول مشكلة محددة، مشكلة أدّت إلى ظهور أعراض بذاتها، فهى تحتاج إلى حسم عاجل.
هذا الأسلوب العلاجى ليس مجرد اختزال للعملية العلاجية، وإنما هو تركيز على الهدف فى حدود المتاح، والمثال الذى ضربتـُه قياسا هو وضع لَبْخَه على الالتهاب العام ليتجمع القيح فيفتح الجراح قشرته لتصفيته فى الوقت المناسب.
د. نرمين عبد العزيز:
شوف يا د يحيى بصراحة إحنا مش دايما بنقرا كل حاجة، ومش دايما بنقرا بتركيز، لكن بصراحة دائما كل ما أقرا وبتركيز ولو عدة سطور أسبوعيا من هذه اليوميات باستفيد للغاية.. لو بتكتب لتعليمنا فأكيد حايحصل، ولكن بالراحة واستمر.
ولكن لو بتكتب فى انتظار تغيير جوهرى وفورى فى المجتمع، أو حتى فى الشريحة التى تتمنى أن تصل إليها هذه اليوميات، فده صعب ومستحيل يحصل بالسرعة التى بِتنتظرها.
د. يحيى:
والله عارف،
ولا أنا مستعجل ولا حاجة،
بالمناسبة، “العلاج قصير المدة” لا يعنى استعجالا، ولكنه يؤكد الالتزام بتحقيق هدف محدد، فى المدة المتاحة ما أمكن ذلك.
أما لهفتى على أن يصل ما يفيد مما أقول فهى ترجع –غالبا- إلى حرصى على أن أطمئن إلى وصول كلمتى أو خبرتى– ولو جزئيا – قبل أن أرحل، وذلك نتيجة لوعيى بِعُمْرى الذى تعرفينه،
عذرا،
وشكرا.
أ. رامى عادل:
نتوغل داخل الأحراش، يحاصره شرك ويلتهم قدمه، اشتبكنا فى حديث دامى إن أكمل دونه. حملته ليسقط، فينتهى تسمرى بإفاقته، اللهاث والتشبث بالقدر، لا أدرى كيف نجونا، إصراره العجيب، ويقينه فى العودة، ربما ليرانى مرة أخرى.
د. يحيى:
يا رامى، يا رامى، واحدة واحدة الله يخليك.
أبقَ معنا.
[1] – من كتاب (“بعض معالم العلاج النفسى” من خلال الإشراف عليه الجزء الأول من (189 إلى 196) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2017)، والكتاب يوجد فى الطبعة الورقية فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net ، ونكرر التنويه أن كل الأسماء مستعارة.
[2] – Short Term Dynamic Psychotherapy
[3] – الكلمة التى استعملتها الزميلة هى Nagging وترجمتها السليمه نعَابة، لكننى وجدت أن الكلمتين غير مألوفتين فكتبت المعنى.