الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من حالات الإشراف على العلاج النفسى: الحالة: (11) “آلام ومضاعفات التعرف على الآخر”

من حالات الإشراف على العلاج النفسى: الحالة: (11) “آلام ومضاعفات التعرف على الآخر”

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 18-11-2018

السنة الثانية عشرة

العدد: 4096

من حالات الإشراف على العلاج النفسى (1)

مقدمة:

للتذكرة: اليوم الأحد هو يوم المقتطفات الإكلينيكية والعملية من الإشراف المنتظم.

 الحالة: (11)

آلام ومضاعفات التعرف على الآخر (2)

د.سعيد على: أنا عايز آخد رأى حضرتك فى عيان كنت اتكلمت عليه هنا قبل كده، هو مهنى ناجح، نسبيا، وكان متشخص فصامى وقعد متوقف شوية عن ممارسة العمل، ودخل المستشفى واتعمل شغل معاه واتحسن وخرج. الراجل مش من القاهرة، (بلد قريبة نسبيا فى وجه بحرى) ومتجوز ومخلف ولدين، كنت أنا طرحت مشكلته قبل كده، هوّا معايا بقاله سنتين ونص، وهو بعد فترة من جلسات العلاج، بدأ يعلن من خلال زوجته تقريبا، يعنى، إن هو بمكن عنده ميول جنسية مثلية، وكان بيطلب من زوجته إنها تعمل حاجات، ومش عارف إيه، وكان السؤال هو: “ليه بعد فترة طويلة من الجواز بدأت المشكلة دى تنطرح وزى ما يكون كده اتفقنا إن دى الحتة اللى فاضلة”.

 هو كان ماشى كويس قوى فى بقية الحاجات، علاقاته بقت أحسن، ويمكن هى دى الحته اللى كانت فاضله اللى كانوا مكتمّين عليها، وبدأت مراته تطرحها، ودلوقتى نعمل إيه فى الحكاية دى؟ حضرتك قلت لى المرة اللى فاتت اننا نحاول ما تدقش فى السكة دى قوى وطالما هو ماشى فى الشغل، وهى مش مزرجنة قوى وحاجات زى كده، يبقى نهدّى اللعب.

د. يحيى: يا عم سعيد خلى بالك إنه كان فصامى، وده مش شىء شوية، مادام بيروح شغله وبيجيلك وبياخد الأدوية، هوّا انت عايز تخش قوى كده ليه؟

د.سعيد على: حاسس إن الاعراض اللى كانت عنده، يعنى الضلالات مثلا زى ما تكون بتقرب مع ظهور الحاجات دى.

د. يحيى: حاجات إيه؟

د.سعيد على: اللى أنا قلت عليها؟

د. يحيى: حدّدْ لو سمحت؟

د.سعيد على: هوّه لسه ناجح وماشى الحال، الجلسات تباعدت لحد ما توقفت تقريبا لكنه جه من فتره كده، ورجع كلمنى فى التليفون وقال أنا محتاج آجى عشان حاسس إن فيه حزن بيزحف، وبيزيد.

د.يحيى: هو عنده كام سنة؟

د.سعيد على: عمره 43 سنة، لقيته بيلح إن هو عايز ييجى وكده فقعدنا 4مرات، وعدينا خوفه من النكسة بإن “وإيه يعنى”، “ما إحنا مع بعض”، وبطل تانى وبعدين من حوالى 4 أسابيع جه وقالى أنا عايز أقول حاجة وبتاع، قلت له إيه؟ قالى أنا اتغيرت مع مراتى، زى ما يكون حصل كده لأول مره فى ممارسته مع زوجته إنها بقت تقريبا كويسة، أو مختلفة والسلام، زى ما يكون كده وصلته حاجة جديدة، وبرضه زى ما يكون الحاجة دى بالنسبة لزوجته وصلتها، بس للأسف مع كده بدأت تظهر عنده ضلالات على زوجته، يعنى زى ما يكون حاجه كده دخلت جديدة، وقلبت الموازين.

د.يحيى: يعنى إيه؟

د.سعيد على: ساعات يشك إنها هى كده مخابرات، وبدأ يعمل عليها حكايات إن الأمور اتغيرت، عشان تعرف حاجات عنه، وبعدين بيرجع فى كلامه.

د.يحيى: طيب وشغله؟!

د.سعيد على: لسه ماشى ميه ميه..

د.يحيى: السؤال بقى؟

د.سعيد على: هل المفروض يعنى إن إحنا نكمل ونزود الجرعة ونشتغل فى الحته دى ولا برضه نتجنبها؟

د.يحيى: أنهى حته؟

د.سعيد على: حتة إن هو شايف إن دى حاجة مراته عملتها عشان تورطه مع مخابرات وحاجات زى كده، أنا مش شايف إن ده تطور جيد قوى، صحيح أنا شايف إن دى حاجة يعنى فيها نقله وفيها حركة، لكن مش عارف اشتغل معاه فى الحته دى، أصله بقى متحمس وخايف، إزاى يعنى بعد ده كله أفضل أخلى الحاجات دى حاجة ثانوية، وأشتغل فى حاجات تانية؟ هل أخلينى زى ما أنا بعيد وأخلى الموضوع ده ييجى بشكل عفوى منه، ولا أفتحه أنا وأنكش فى إن العلاقة إزاى اتغيرت، وإيه علاقة التغير ده بالنكسة اللى شعر بيها قبل ما تيجى؟

د.يحيى: شوف يا سعيد:

أولا: دى حالة تدل على تطورك انت كمعالج بشكل جيد.

ثانياً: الحالة تشخيصها صعب، فصام، مرض صعب، عايز إيه أكثر من كده، وبعدين هوّا مرّ بأزمة جامدة اضطرته يخش مستشفى، ومع ذلك إنت أخدت الحالة بشجاعة ونجحت تعمل علاقه طويلة، وبتقيس بمقاييس جيده جدا حتى لما قلت إنه أصبح متحفز مع إنه مش عارف ليه، إنت لاحظت إن ده احسن من الرَّخَامة والاستسلام، يعنى إنه بيتحرك، ودهْ دليل على إن مسارك كصنايعى ماشى، والنقطة الإيجابية برضه إنك اتعاملت مع التفاصيل بأولويات عملية، يعنى إنت احترمت الصعوبة، ومادقيتش قوى فى تاريخ أو مشاعر ميوله الخاصة، وخدت بالك من دور زوجته الإيجابى لاحظت ده بسرعة، ولاحظت إن يجوز إن ده كويس، وحاجات كده، إنما خلى بالك إن دى مش نهاية المطاف، ولازم نحترم خوفه وحزنه اللى ظهروا دلوقتى، الظاهر إنه أول ما اتحسن، وبقى يحاول يرتبط بآخر حقيقى (زوجته) ولو بدرجة نسبية، إتحركت مخاوفه، وده وارد فى الفصامى اللى بيلم نفسه صح بفضل علاج طويل كده، ومعالج صبور زيك، العيانين دول لو استمروا بيبقوا كويسين جدا، زى ما يكون المرض حطمّ العلاقات اللى مش هيا، وفى نفس الوقت إداله الشجاعة إنه يكشف عن نوع الجنس اللى هوّا حاسس بيه لكن مش موافق عليه، حاجة كده، والبركة فى صبر مراته وسماحها، وطولة بالك يا أخى، أظن كل ده هوّا اللى شجعه إنه يعيد النظر فى الحكاية، فقرب منها بشكل جديد، زى ما يكون راجع يكمل مراحل النمو اللى مرضه سحبه بعيد عنها قوى، شكله كده فى مأزق العلاقة الإنسانية الصعبة بالموضوع بالآخر، وده يفسر الحزن اللى جدّ عليه، والظاهر إنه بيتحسس طريقة عشان يعملها، بس إيه موقف الأدوية معاه لو سمحت؟!

د.سعيد على: هو بياخد جرعة متوسطة من النيورولبتات (مضادات الذهان) (3)

د.يحيى: طيب وشغله؟

د.سعيد على: لا لسه تمام زى ما هو.

د.يحيى: طيب يا أخى إنت عمال تبنى إنت وهوّه فى بنى آدم ثانى، خلى بالك مرة ثانية ده كان فصامى وعمال بيلملم نفسه، وإحنا دلوقتى فى منطقة إعادة تشغيل العلاقات من أول وجديد، وكإنه بيتعرف يعنى إيه “آخر” من أول وجديد، ويبقى طبيعى إن التركيز هنا فى المرحلة دى يبقى على منطقة العلاقات، ولو إنها عملية صعبة، إنما الدور ماشى.

د.سعيد على: طيب والضلالات اللى ظهرت ناحية مراته؟

د. يحيى: ما هو ده دليل على بداية علاقة جديدة يا أخى، ما تستعجلش، وفى نفس الوقت ما تفوّتلوش لحسنْ الحكاية تكبر، أظن مع ضبط جرعة الدواء، ومع الاستمرار فى العلاقة العلاجية الجيدة دى، لعبة الشك دى حاتهدى شوية شوية ثم ما تنساش أن تحريك الشك فى حد ذاته دليل على استعادة نشاط مراحل النمو والعلاقة بالآخر برضه..

د.سعيد على: بس هو بيقول إنه مع النقلة دى، ابتدا يحس بحزن وقبضة خصوصا الصبح، يعنى حضرتك تنصح ندى مضادات الاكتئاب مع النيورولبتات؟

د. يحيى: ليه بس! مستعجل على إيه؟ ما تخليه يعيش الحزن شوية، ده ظهور الحزن فى المرحلة دى يعتبر لوحده دليل على احتمال نقلة جديدة نحو علاقة حلوة وصعبة وجَدّ، إنت مش عارف إنه بعد ما الواحد ما يطلع من الحوصلة بتاعته، ويعرف إن فيه “آخر” فى الدنيا، لازم يبتدى يشك، مش ده الموقف اللى نسميه الموقف البارانوى (4)وبعد كده يلاقى إن الآخر ده هوه اللى بيعطى لوجوده معنى (يعنى هوّه مصدر الاعتراف ومصدر الحب) وفى نفس الوقت يكتشف إن العلاقة فيها صعوبة لكن ضرورية، مش ده ضمن إيجابيات “الموقف الاكتئابى” اللى بنقول عليه؟!

د.سعيد على: بس لحد إمتى هوّا حايستحمل الاكتئاب ده، مش يمكن يفركش تانى أو ينسحب؟

د. يحيى: عندك حق، ما هو هنا بقى اللعب بالدوا، مع العلاقة بيك، مع دور زوجته الطيبة، مع العمل، ماتنساش إنك بقالك معاه سنتين ونص، وإنه ماتعرضش لنكسه جامدة تدخله المستشفى تانى، وإنه لسه بيشتغل بنجاح يا أخى إنت عايز تنهب!!!

د.سعيد على: شكراً

د. يحيى: إنت اللى شكرا

****

التعقيب والحوار:

د. أسامة فيكتور:

هو ممكن أى حاجة تطلع فى أى وقت زى حكاية فكرة الجنسية المثلية بتاعة المريض ده؟! دا أنا كنت فاكر إن الحاجات دى طالما الواحد ماعداش بيها وهو صغير يبقى خلاص راحت لحالها، لذلك أنا خايف أعرف هو العيان ده وهو صغير مارس ممارسة جنسية مثلية ولا لأ؟ وما تنظيرك فى حالة الإجابة بلا؟

د. يحيى:

ليس لى تنظير أو تفسير خاص بهذه الحالة دون سواها.

 أنت تعلم يا أسامة أنه كلما حصلنا على معلومات أكثر كانت هناك فرص أكثر فأكثر، لرؤى أصدق وأصدق، ولهذا نحن نحتاج أكبر قدر من المرونة، والملاحظة، والمراجعة طول الوقت، لتقـّبل الجديد وعمل المزيد.

المسألة ليست مسألة تنظير، هى ملاحظات ورصد نتائج واستمرار باستمرار.

رأيى أن هذا المريض سواء كان مرّ بمرحلة ممارسه جنسيه مثلية أثناء الطفولة أم لا، فإنها حالة تشير إلى أن ما يسمى جنسية مثلية هو تركيب غائر فينا جميعا بشكل أو بأخر، وهو بذلك لا يحتاج إلى ممارسة فعليه ليظهر، وفى الفصام بالذات هو قد يظهر كجزء من تاريخنا الحيوى – ليس بالضرورة كأفراد، والنمو الصحيح – تلقائيا أو بالعلاج- فى جميع الأحوال يمكن أن يستوعب كل ذلك.

أ. محمود سعد:

إقامة علاقة بالآخر، رغم أنها نفسها تعتبر لُبّ جميع الأساليب العلاجية، هل يمكن أن تكون من العوامل الباعثة والمثيرة للمرض.

د. يحيى:

ليست بالضرورة أنها مثيرة للمرض، ربما يجدر بنا أن نقول أنها محركة لما يسمى “الأعراض”، إن ظهور هذه الأعراض هنا، على مسار العلاج النفسى، إنما يعلن استعادة نشاط حركية ما، والعلاج يمكن أن يجعلها حركية النمو، بدلا من أن تتمادى إلى حركية التفسخ.

تصور يا محمود أنه مع احترامى لصعوبات عمل علاقة “حقيقية” أننى صرت أعتبر العلاقة السلبية الخطـّـية غير القادرة على إفراز معاناة، وحركة، وتـَـحـَـمـُّـل فاستمرار ونمو (قد تصل أحيانا إلى درجة المعاناة حتى المرض) ليست هى العلاقة الجديرة بالإنسان بعد ما وصل إليه من هذه الدرجة الفائقة من الوعى ثم الوعى بضرورة تفاعلنا الحيوى مع بعضنا البعض، العلاقة الجديرة بالإنسان هى علاقة حركية جدلية بين مستويات الوعى والإنسان يتألم من خلالها ألما دافعا خلاقا على مسيرة النمو.

أ. منى أحمد:

أنا شايفة إن المريض وصل لمرحلة جديدة، وأن متطلباته الجنسية الجديدة دى بداية ونقطة تحول ونحاول نعديها ونشوف حايوصل لإيه؟

د. يحيى:

أظن أنك تقصدين محاولة استيعابها لينمو من خلالها، أقول هذا خشية أن يفهم البعض كلمة “نعدّيها” بمعنى أن نتجاوزها، أو نزيحها، إن كان الاستيعاب هو ما تقصدين، فهو ذاك.

د. محمد على:         

ما يدور فى ذهنى ويجول بخاطرى ويترك أسئلة وعلامات استفهام حائرة تدعنى بين الشك والخوف والحيرة هو ما يلى:

إذا كانت قد علمت ما يحدث داخلى من تطور شخصيتى من شيزيدية إلى بارانوية إلى اكتئابية وهكذا، فذلك العلم بما يحدث “يخوّفنى”؛ هل فى وقت من الأوقات يقف نموى ونضجى أثناء مسيرتى فى الحياة عند أى مرحلة؟ هل هذا ممكن وكم من الوقت سأتوقف؟ وإلى أين سأذهب وكيف سأخرج من المرحلة المتوقف عندها، أم إن هذا العلم بتطورى هو ما يعصمنى ويجعلنى “مخلّى بالى من نفسى” ومنتبه؟

هذا ما يدور بخاطرى فأرجو التوضيح.

د. يحيى:

يا خبر يا محمد!! أنا لم أقصد ذلك إطلاقا، هى ليست سنة أولى ثم سنة تانية ثم سنة تالته، هى معلومات هامة وأساسية نفهم بها الجارى على مسار التطور من جهة، وهى مانكرره على مسار النمو أيضا، للمريض، مثلما هو لنا، لكن ليس المفروض إذا تقبلنا نظرياتنا: أن نضع هذه المعرفة نصب أعينا لكى نسير على هديها بوعى واستبصار معقلن هكذا.

 نحن نمر بكل هذه الأطوار دون أن ندرى تقريبا،

 ثم نحن نعيدها –لانستعيدها- مع كل أزمة نمو، وتواصل النمو هو أمر طبيعى والتوقف أيضا أمر طبيعى على شرط أن يكون توقفا نوْبيا أو إيقاعيّا وهذا هو ما أضافته نظريتى “النظرية التطورية الإيقاعية” (5)

أما التوقف الدائم فهو جائز أيضا وهو ما ينتج عنه ما نسميه “اضطراب الشخصية” (6) أو “فرط العادية” (7).

وفى حالات العلاج المكثف الرائع للذهان بما فى ذلك الفصام يرتبط النجاح بتفعيل دورة استعادة  Recapitulation تحت مظلة العلاج والتأهيل فنعود نمر بالمراحل فى ظروف علاجية أفضل كما فى هذه الحالة بفضل هذا الزميل وهذه الزوجة وحكمة انتقاء العقاقير وفضل الله.

د. هانى عبد المنعم:

وصلنى استخدامنا لبعضنا البعض لتكوين نمو متوازن تتبادل فيه المواقف بشكل دورى غير منتظم أو تبادلى لصالح التطور الحيوى.

د. يحيى:

هذا طيب.

وهو يحتاج شرحا طويلا، لكن ليس هنا مكانه، المهم أن أذكرك بحركية النبض والاستعادة المستمرة لهذه الحركية وهو ما يعنيه الإيقاع الحيوى، فهو ليس فقط دوريا، يحدث كل شهور أو سنين، بل هو إيقاعى يحدث كل يوم وليلة، بل كل لحظة فلحظة، بفضل حركية التطور والنمو، بالقوانين التى وضعها للأحياء خالقها.

وهو الذى قد يحدث مع العلاج المكثف وظروف مهيأة أفضل

ولنا عودة.

د. هانى عبد المنعم:

أعتقد أن القدرة على الترجمة الفورية للأعراض على أساس حركية النمو لإعادة تنظيم الذات تحتاج إلى خبرة طويلة، وموهبة نادرة فكيف الوصول إليها؟

د. يحيى:

فعلا.

سوف تكتسبها حتما، لو أصررت، وواصلت، وتعلمت من المرضى، والزمن، والنقد، والإشراف باستمرار.

[1] – من كتاب (“بعض معالم العلاج النفسى” من خلال الإشراف عليه الجزء الأول من (143 إلى 154) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2017)، والكتاب يوجد فى الطبعة الورقية  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net ، ونكرر التنويه أن كل الأسماء مستعارة.

[2] – تحورت بعض البيانات الأساسية بالنسبة لهذه الحالة، أكثر من أية حالة، حتى لا يمكن التعرف على صاحبها، كما أن الحوار لم يكن حرفيا طول الوقت لإمكان الإيجاز.

[3] – Neuroleptics

[4] –  هامش فضلت أن أثبته موجزا لأهميته العملية ولا أكتفى بالاشارة إلى المرجع:

هذه النقلات الأساسية والمستمرة من الموقع الشيزيدى إلى البارنوى إلى الاكتئابى وصفتها أساسا مدرسة العلاقة بالموضوع Object Relation Theory باعتبار أنها تطور علاقة الطفل منذ ولادته بأمه، وقد أعطوها أسماء للأسف تبدو مرضية، وهى ليست كذلك، وسبق أن أشرتُ إليها سابقا، حين نقول الموقف الشيزيدى Schizoid لا نعنى الفصام نسبة إلى Schizophrenia، وحين نقول الموقف البارنوى أو الاكتئابى لا نعنى أيا من مرضَىْ البارانويا أو الاكتئاب.

ثم إن كلمة “موقف” أو “موقع” Position لها أهمية خاصة لأنها تشير إلى أن الموقف ليس إلا محطة مؤقتة لنوع من العلاقة ينتقل منها الطفل إلى موقع آخر وهكذا.

الموقع الشيزيدى هو موقف يبدأ داخل الرحم حيث لا موضوع أصلا ويمتد بعد الولادة لفترة قصيرة جدا.

الموقع البارنوى يبدأ حين يتعرف الطفل على الموضوع (أمه) ويعتبر أن أيا منهما هو “ليس أنا” “not me” وبهذا يستقبل “الموضوع” كنوع من التهديد بالخطر، ومن ثم يكون تفاعله هو “الكر والفر” الذى يظهر فى مظاهر الشك والحذر والتوجس وتناوب الإقدام والإحجام، كما قد يظهر فى صورته المرضية فى أمراض الشك، مثلا فى صورة أعراض الإشارة (بيشاوروا علىّ، بيتآمروا علىّ..إلخ).

أما الموقف الاكتئابى فهو الذى يصبح الآخر فيه ليس خطرا على طول الخط، بل يثبت أنه مصدر الحياة أيضا (الاعتراف – القبول – الحب) وفى هذه الحالة يكون الحزن هو إعلان أن الآخر أصبح ضرورة لتخليق الذات واستمرار نموها، لكن هذا لا ينفى أن وجود الآخر ماثلا أمام وعى مستقل هكذا هو تهديد أيضا، ليس تهديدا بالهجوم هذه المرة مثل الموقف البارنوى وإنما تهديد بالترك (يمكن الرجوع تفصيلا إلى كل هذا فى كتابى  دراسة فى علم السيكوباثولوجى)

النظرية التطورية الإيقاعية بدأت من هنا، لكنها أضافت ما يلى:

1) إن هذه المواقف تتكرر باستمرار مع تخليق أية علاقة حقيقية، ومع استمرارها، وبالتالى اسميتها مؤخرا أطوارا تستعاد، وليست مواقع يرجع إليها.

2) إنها لا ترجع إلى علاقة الأم بابنها فحسب وإنما تمتد جذورها إلى التطور الحيوى: من الوجود أحادى الخلية/ الأميبا مثلا المستغنى عن الآخر، إلى مرحلة الكر والفر فى الغابة، ثم مرحلة الإنسان الواعى بأنه واعٍ فى حاجة لآخر، “ليكون” مع مواجهة الصعوبة النمائية.

3) إنها بذلك لها جذورها البيولوجية، وليست مجرد ظاهرة نفسية علاقاتية فقط.

4) إن تكرار خطواتها الدائم، يسمح بتصحيحها الدائم.

5) إن الثبات عند أى موقف (طور) من هذه المواقف، أو توليفة جامدة منهم، بشكل مستمر ينتج عنه توقف النمو (اضطراب الشخصية).

6) إن تعرية أى موقف (طور) منها وتفجره، ثم المضاعفات الناشئة عن ذلك ينشأ منه الموقف المرضى المقابل.

7) إن مسيرة العلاج هى تصحيح منظم مكثف لأخطاء هذه المسيرة التى ظهرت فى شكل مرض، أو لتحريك التوقف إن استمر فى شكل اضطراب شخصية أو أمراض مزمنة ثابتة.

8) إنه أثناء العلاج – كما حدث فى هذه الحالة – يمكن ترجمة ظهور هذه الأعراض أو اختفاء تلك إلى تحريك عملية النمو من جديد.

9) إن البرنامج المسمى “برنامج الدخول أو الخروج” هو يشمل إعادة تنـْشيط هذه المواقف (دعم هذه الأطوار) أثناء النمو تلقائيا، وأثناء العلاج قصدا، ونعنى بهذا البرنامج حركية الانتقال من المواقف ذهابا وإيابا – وحسب النظرية الإيقاعية: حركية وإيجابية الاستعادة فى نبضات حيوية متصلة.

10) إن هذا التطوير الذى طورته النظرية التطورية الإيقاعية يؤكد الجذور البيولوجية للنمو، وفى نفس الوقت يسمح بتعديل المسار بانتظام.

11) إن الأساس البيولوجى لهذه المواقف، مع ملاحظة عمل العقاقير المختلفة على مستويات مختلفة مرتبة هيراركيا فى تركيب الدماغ، يعطى المعالج الطبيب فرصة إعادة تنغيم إيقاع العلاج بشكل أكثر أمانا نسبيا.

12) إن ترجمة ظهور الأعراض – مثلما فعلنا فى هذه الحالة – إلى إحياء حركية النمو لإعادة التنظيم، يحوّل العلاج – بما فى ذلك العلاج الدوائى– من مجرد تسكين لقمع الحركة، ما دامت زادت عن حدهما، إلى محاولة تنظيمها، وتناغمها وترويضها لإمكان استعادة لحن النمو الأساسى.

وهذا كله وراء ما نصحنا به الزميل المستشير فى الإشراف.

[5] – www.rakhawy.net

[6] – Personality Disorders

[7] – Hyper-normality

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *