نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 12-12-2015
السنة التاسعة
العدد: 3025
من جديد: عن الشعب المصرى وجيشه
وأزماته وعناده وصبره وتفاؤله (1)
اعتذار جديد وحوار جديد
لنفس الظروف أرجو قبول اعتذارى اليوم عن مواصلة الكتابة فى موضوع اضطرابات الزمن والوقت “الأساس فى الطب النفسى”، كما أرجو ألا يتكرر ذلك.
هذا حوار خفيف فيه الجديد وفيه المزيد، وفيه التأكيد على ما أريد
عذرا مرة أخرى، وشكرا لتحملكم
يحيى
(1) هل تعتقد أن الشخصية المصرية تظهر صلابتها وقت الأزمات..خاصة أننا رأينا هذا فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو وفى الاكتتاب لقناة السويس؟
د. يحيى:
من حيث المبدأ، ومن منطلق تاريخي، لا شك أن المصرى قادر على التعامل مع الزمن، والزمان فهو ِإنسان له جذور تاريخية تعلم منها أن كله أزمات، وتاريخ الفرد كما تاريخ الشعوب، لا ينصهر إلا بالأزمات، لكننى أحذر أن نسمى كل محنة أزمة، وكل خطأ أزمة، وكل ضائقة أزمة، فمثلا : الاكتتاب لقناة السويس ليس أزمة، بل هو مشروع وصل إلى وعى الناس أنه يحيى تاريخا طيبا، ويفتح إشراقة محتملة، وأيضا يعود على المساهمين فيه بعائد مادى مناسب يسد بعض احتياجاتهم، فأين الأزمة فى ذلك؟ أما اعتبار ثورتى يناير ويونيو أزمات فهذا غير صحيح، الازمة ظهرت حين انقلبت الثورة الأولي، أو كادت تنقلب، إلى فوضي، وأيضا ثورة يونيو ليست أزمة، الأزمة كانت قبلها وكانت الدافع إليها، فجاءت الثورة لتحل هذه الأزمة فهى ليست فى حد ذاتها أزمة، لكننا حين اعتبرنا أنها نهاية وليست بداية، واسترخينا، وبدأ مسلسل الاعتمادية والمطالب الذاتية والفئوية، أدخلنا أنفسنا فى أزمة اقتصادية جديدة أرجو أن نخرج منها أقوى وأصلب، هذا فضلا عن امتحانات القدر بعد ذلك.
(2) هل ترى أن المصريين يحتاجون إلى روشتة علاجية للمشاركة الإيجابية والمساهمة فى العملية الإقتصادية؟
د. يحيى:
بصراحة أنا ضد وصف شعب بأكمله بصفة مرضية، وكلمة روشتة علاجية ذكرتنى بذلك، أنا رفضت مرارا أن أصف الشعب المصرى بأن عنده ما أسموه «الاكتئاب القومي»، هذا ليس صحيحا ،من حق أى إنسان عنده مشاعر عادية طيبة أن يحزن لأحوال بلده، وأن يأسى لحال ناسه، وأن يهتز عنده الأمل إذا تأخر تحقيقه، لكن كل هذا ليس مبررا لأن نسمى ذلك اكتئابا قوميا أو غير قومي.
كما أننى لا أظن أن هذا هو زمن النصائح، ولا الروشتات، الأمر يحتاج إلى إنذار مبكر، وتوصيل حجم المشكلة لكل الناس بشكل موضوعي: لا هو باعث لليأس، ولا هو ملوّح بأمل لا تبدو فى الأفق بدايات السعى إليه، على كل واحد منا أن يعرف أن مصلحة البلد هى مصلحته الشخصية جدا حتى لو افتقد العدل فى التوزيع، فعليه أن يعرف أن توقفه عند مقارنة حالة بحال غيره من المحظوطين أو المتميزين، قد يعود عليه هو بالخسارة قبلهم، ذلك لأنها لو أضرت اقتصاد الدولة، فإن ذلك، سوف يعود على الأفقر والأحوج، لأن القادر سيجد طريقه الخاص لتلافى الإفلاس أو الجوع بشكل أو بآخر، إن ديننا ونحن نكرر باستمرار اننا شعب متدين يذكرنا أن مسئولية الناس جميعا تبدأ بمسئولية كل فرد عن نفسه، ثم عن الناس جميعا، حتى لو لم يكن رئيسا أو قائدا فى موقعه «.. وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً» ، لا توجد عندى وصفة ملزمة إلا العمل الحقيقى الفعلى طول الوقت، ويكون العمل لوجه خالقنا ولعيالنا قبل أن يكون لصاحب العمل، و«كلهم آتيه يوم القيامة فردا»، والحساب يكون دائما حسابا شخصيا قبل أن يكون حسابا رسميا أو سلطويا «مـِن خَدِ الأجرة حاسبه الله عالعمل».
(3) يعتقد الكثيرون أن فى مصر الآن أزمة ثقة بين المواطنين والحكومات المتتالية..هل توافق على هذا الطرح؟
د. يحيى:
نعم أوافق، والحكاية قديمة جدا، نبدأ بالتعبير الذى لا أحبه كثيرا لأنه مستورد، وهو، تعبير “الافتقار إلى الشفافية»، بمعنى أن الحكومات المتتالية لا تبلغ الناس أولا بأول ما ينبغى أن تبلغهم إياه، وبحجمه الموضوعي، حتى لو كان ما تبلغهم به مؤلما أو قاسيا، فهم أصحاب المصلحة ولا بد أن يشاركوا فى إزالة الأسباب، إن نقص الشفافية عندى يساوى الكذب، حين تقول الحكومة للناس معلومات غير الحقيقة، وهذا يرجع إلى عدم الثقة فى قدرة الناس على التعاون واستعدادهم للبذل لتجاوز الأسباب، السبب الثانى الذى يساهم فى فقد الثقة هو أن الحكومات المتتالية تكرر نفس الأخطاء مهما اختلف أفرادها، فمن أين يحصل الناس على الثقة ليدعموا الجدد منهم لأنهم يكتشفون أنهم هم هم حتى لو اختلفت أسماؤهم .
(4) هل تعتقد أن مصر بها قصور فى فكرة التعامل مع الأزمات المتتالية التى تمر بها؟وما أهم الوسائل لعلاج هذه الحالة؟
د. يحيى:
طبعا بها قصور، ومن ذا الذى ليس به قصور، ولكن حين نقول مصر بها قصور لا بد أن نفرق بين مصر الحكومة، ومصر الناس، فالقصور عند الحكومة يأتى من عدم الخبرة، خصوصا الخبرة السياسية، وليس بالضرورة الخبرة الفنية أوالعلمية، فالحاكم هو سياسى فى المقام الأول، والسياسى هو القادر على تحريك جموع الناس إلى مصالحهم ومصالح البلد قبل ومع وبعد أن ينجز هذا المشروع أو ذاك، ثم إن هناك أزمات مزمنة نحن السبب فيها وهى فى تفاقم خطير: مثل أزمة التعليم التى وصلت إلى حد الجريمة القومية بل الكارثة الحضارية، وهناك أزمات حادة مفاجئة مزعجة مثل سقوط الطائرة الروسية، وفى جميع الأحوال علينا أن نتحمل مسئولية تقصيرنا لا لنكرر اللوم والشجب، ولكن لنصلح المائل، أما ما يفرضه علينا القدر فنحن أقدر على احترام مشيئة الله.
(5) هجمات إعلامية علنية على الجيش المصرى من الغرب وأمريكا..كيف نفسر هذه الظاهرة نفسيا؟
د. يحيى:
الجيش المصرى هو الشعب المصرى «لابس ميري»، وهو ما زال المؤسسة المنتجة المنضبطة عبر تاريخه، وهو يقوم بدور إيجابى وضرورى فى هذه المرحلة، من أول واجبه الأساسى فى الحفاظ على حدودنا، حتى الإسهام فى حل أزمة الأسعار وفتح منافذ بيع تمنع استغلال الإنسان العادى المحتاج، مرورا بالتعاون مع الشرطة لحفظ الأمن، وبالتالى هو موضع حسد وغيرة، وأيضا هدف هجوم لأى كاره لمصر حاقد على سعيها نحو استعادة توازنها وموقعها وقيادتها.
(6) كيف نشفى من هوس الوقوف عند آراء الغرب فينا واتخاذ موقف المدافع منها؟
د. يحيى:
سيكون ذلك ممكنا حين نعرف أن الغرب يريد أن يتعلم منا لو عمقنا إيجابيات ثقافتنا، بقدر ما نحتاج أن نتعلم من إيجابياته، الغرب الآن يتعلم من الصين عبادة العمل وتقديس الإنتاج، وهو يحتاج إلى التخلى عن قيم التركيز على الذات، وتقديس الثقافة الورقية القانونية المكتوبة، إن عندنا ما نصدّره لهم لو بدأنا بأنفسنا ونحن نعمل مستشعرين حضور الله فى كل ثانية، وفى كل عمل، والحرص على خير الآخر وليس مجرد حساب عدم إيذائه، ولا تقاس قيمنا الإيجابية بإعلانها أو الحديث عنها، وإنما تقاس بإنتاجنا واستقلالنا الاقتصادى وإضافاتنا الإبداعية.
(7) هل ترى تشابها بين ما يحدث الآن وما حدث قبل حرب 1956؟
د. يحيى:
التاريخ لا يعيد نفسه كما يزعمون، ولكل مرحلة معالمها الخاصة، فالمؤامرات الجارية الآن ليست عدوانا ثلاثيا مثل عدوان 1956، بل هى عدوان جماعيّ، وهى لا تستهدف كسر شوكة ثورة وليدة، ولكنها تستهدف سحق شعوب بأكملها وجرها إلى تبعية اقتصادية ذليلة.
(8) هل أنت متفائل بشكل البرلمان المقبل وأنه سيكون معبرا عن طوائف الشعب المصري؟
د. يحيى:
أنا متفائل مزمن، أنا لا أملك إلا أن أتفاءل، ولم أسمح لنفسى أبدا أن استرخى فى رفاهية اليأس، التفاؤل عندى إلزام أن اشارك وحالا (بدءا من هذه اللحظة) فى الإسهام فى تحقيق تفاؤلى على أرض الواقع.
أما بالنسبة للبرلمان القادم ، فأنا لا أرجو منه خيرا كثيرا، كل ما أتمناه ألا يكون عاملا سلبيا يضيف إلى ما نعانى منه من سلبيات، وكثيرا ما أعجز عن تقمص شخصية المرشحين وأنا اسأل نفسى ، دون أن أعرف صاحب الصورة ، يا ترى ماذا فى ذهن هذا الرجل (أو هذه السيدة) لصالح البلد ولأولاده وأولادي، وللأسف فإنى لا أجد جوابا جيدا يطمئنني، وأخشى ما أخشاه أن تنقلب المسألة إلى منظرة استجوابية، فيضيف هذا البرلمان منبرا إعلاميا أجوف جديدا، فتزيد منابر التوك شو منبرا جديدا، أو أن يكون الهدف هو مجرد خدمة دوائرهم، أو ملء جيوبهم.
(9) الشامتون ظاهرة انتشرت مؤخرا بشكل كبير وترتفع أصواتهم أكثر مع كل أزمة تتعرض لها مصر ..فما تفسيرك لها؟
د. يحيى:
أقول لهم هناك بيت شعر بسيط: “فدام لى ولهم ما بى ومابهمُو..ومات أكثرنا غيظا بما يجد» وهذا يقال فى الحسد،أما الشماتة فهى ألعن لأنها تعلن أن بداخلهم نارا مشتعلة وهؤلاء من الممكن ضمهم لمن يطلق عليهم «كارهى الحياة» فهم يكرهون أنفسهم قبل أن يكرهوا الآخرين بالإضافة لأعداء النجاح، فالشامت مجرد أن يرى أحدا تفوق عليه وتميز يبدأ الحسد، ثم بعد ذلك ينتظر له أى غلطة يقع فيها ليشمت فيه،إذن الشماتة عملية مكملة وبالتالى الشمّاتون يفرحون فى فشل الآخرين حتى ولو أصيبوا هم أنفسهم بخسارة بسبب هذا الفشل.
(10) بعد التنبيهات العديدة من الرئيس السيسى لوسائل الإعلام بتحرى الدقة..كيف يتحول إعلامنا المصرى إلى دافع للحركة الوطنية؟
د. يحيى:
– لا تكفى تنبيهات الرئيس السيسى التى أساءوا فهمها، ولكن ليعلم الإعلاميون أنهم مسئولون عن تشكيل وعى الناس، وليس فقط عن إبلاغهم ما يثيرهم، وجلب الإعلانات لمن يعملون عندهم، أما تحرى الدقة، فهو تابع لقيم الإتقان الذى لا تبنى حضارة بدونه، وأغلبنا يفتقر إلى هذه القيمة وينسى “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”
[1] – نشر هذا الحوار فى جريدة الأخبار بتاريخ 9/12/2015 وأجرى الحوار الأستاذة: منى حداد بعنوان: “جيشنا هو الشعب المصرى “لابس ميرى”.