الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف الوجدان واضطرابات العواطف (60) من تناقض الوجدان إلى تحمل الغموض إلى الإيمان بالغيب لتكون بشراً سوياً

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (60) من تناقض الوجدان إلى تحمل الغموض إلى الإيمان بالغيب لتكون بشراً سوياً

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 19-1-2015   

السنة الثامنة

العدد: 2698   

 الأساس فى الطب النفسى

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (60)

ثانيا‏: ‏الانفعالات‏ ‏العسرة‏:‏ (23) 

اضطرابات الوجدان (العواطف)

عُـسْـر الاضطرابات الوجدانية: كمِّيا (20)

من تناقض الوجدان إلى تحمل الغموض

إلى الإيمان بالغيب لتكون بشراً سوياً

(فروض عامة)

مازلنا فى ملف الوجدان نتحسس طريقنا إلى فهم أعمق للنفس البشرية نابع من خبرتنا فى واقع ثقافتنا.

 ومازلت ملتزما بعرض الفروض دون اعتبارها نظريات أو حقائق، فى محاولة اختراق المناهج شبه العلمية القاهرة والخانقة مع الحرص على تجنب المناهج العشوائية النظرية البحتة.

قبل الفرض:

أولاً: من خلال محاولة تغطيتنا لوظيفة الإدراك واكتشافنا أنها أرحب وأشمل وأعمق من مجرد ربطها بالحواس الظاهرة، وأيضا أقدر معرفيا من التفكير الخطى الرمزى التعليلى: استطعنا أن نكتشف العلاقة الوثيقة بينها وبين الوجدان (وليس مجرد العواطف والانفعالات).

ثانياً: من خلال ما وصلنا إليه حتى الآن فى ملف الوجدان مع التزامنا بمنهج الربط بين أصل البرنامج التطورى (1) لكل وجدان وبين ما أمكن من تجلياته عند الكائن البشرى مثل الربط بين وجدان (برنامج) البهرOrientation عند الطفل حديث الولادة يصل إلى وجدان الذى الإبداع مرورا بوجدان الغرابة أحد تجليات طيف القلق (نشرة:11/1/2015)، على قمة الطور البشرى، أو مثل ربط برنامج “الإقليمية” (التوطن) Territorialityإلى وجدان الوطنية (حب الوطن) أو ربط برنامج “الوقتية” Temporality إلى الخلود الإبداعى، (نشرة: 5/10/2014).

ثالثاً: تبين لنا خطأ (وخطر) الاستقطاب الشائع بين مختلف البرامج والوجدانات، بمعنى أن نعتبر الحزن ضد الفرح أو أن يكون “الخوف” ضد الطمأنينة، أو أن يكون وجدان “العدوان” (التفكيك) وضد “وجدان الإبداع” (إعادة التشكيل) (2)، واحتفظنا لكل وجدان بدوره الإيجابى الحيوى فى الموقف المناسب للهدف المناسب.

رابعاً: لاحظنا كيف أنه بالرغم من التحذير من التوقف عند الاستقطاب الساكن إلا ان البدء منه قد سمح بتوظيف طرفيه فى جـَدَلٍ خلاق لتخليق مستويات جديدة من الإدراك والوجدان والوعى دون حاجة إلى تسميتها.

خامساً: تبين لنا أهمية التناوب ما بين الحركة الخلاقة والسكون المستْتعدّ، مع التحذير من الانخداع  بحركة دائرية مغلقة، أو من السير فى المحل، وكذلك من السكون الجاثم الدائم المتكرر الهامد.

سادساً: لم نفتح باب ملف الوعى ومستوياته بعد، اللهم إلا فى الحديث عن أنواع العقول ومستويات الدماغ كمرادفات للوعى (نشرة 25- 12- 2007 “أنواع العقول وتعدد مستويات الوعى”)، وذلك حتى نعود إليه ربما فى نهاية العمل (3)، فالعقل الاعتمالى للمعلومات (نشرة 6-10-2014)، ليس إلا منظومة وعى، والعقل البيولوجى كذلك (نشرة 25/8/2014 “التطور والعواطف والعقل البيولوجى”).

سابعاً: تابعنا فضل تشارلز داروين – بعد فضل الله وبفضله- فى وضع فرض (نظرية) أصل الأنواع ثم أصل الإنسان ثم التعبير العاطفى عند الحيوانات والإنسان، ووضعنا فرضا يربط بين اكتشافاته وتنشيط حدْسه أفادنا فى الربط بين الإدراك والوجدان والكشف العلمى الإبداعى.

ثامناً: ألمحنا إلى فهم محتمل بين القانون الحيوى (نظرية الاستعادة لإرنست هيكل) وبين نظرية داروين دون الدخول فى تفاصيل لأن ذلك متعلق بالإيقاع الحيوى الذى لم نفتح ملفه بدرجة كافيه (4).

تاسعاً: نظراً لاستحالة الربط أولا بأول بين كل عاطفة (وجدان) وضدها، وهما فى تضاد مبدئى، ثم تحمل مرحلى، ثم جدل تشكيلى، اكتفينا بالتلميح إلى ذلك كلما سنحت الفرصة.

وبعد

انتهيت من كل ذلك إلى الفرض التالى المقدم فى الخطوات التالية:

1) إن الأصل فى الوجود الحيوى هو تعدد برامج البقاء معا، حتى بدا أن بعضها يناقض البعض الآخر (5)

2) إن البحث عن توظيف النقائض لنفس الهدف “البقاء” مع اختلاف الوسائل والتوقيت هو القادر على أن يحل هذا التناقض المبدئى، إذ يوحـّد بينهما هدف البقاء، وبالتالى يصبح “الكر” ليس ضد “الفر” (مثلا)، وإنما هما يمثلان برنامجا واحدا لكل دوره ومثيراته وتوقيته.

3) يظل هذا التعدد قائما – بما يشمل التناقض- مع نمو هذه البرامج إلى وجدانات فاعله، وعقول بيولوجية بما فيها العقل الوجدانى الاعتمالى فى مرحلة تطور الإنسان، مع اختلاف التسمية من برامج إلى وجدانات، لكنها تعمل بشكل إدراكى معرفى تكاملى لتحقيق نفس الهدف البقائى بما فى ذلك الحفاظ على ما يتميز به الإنسان بوجه خاص  (6).

4) يصبح بذلك وجود تناقض فى الوجدان هو الأصل من حيث المبدأ.

5) يجرى تنظيم هذا التناقض (مرة أخرى: وجود عاطفتين متضادتين معا فى وساد نفس الوعى) بالانشقاق أو بالتبادل السريع أو بالجدل الخلاق.

6) تقوم دورات التبادل، والتوفيق بالانشقاق بوظيفة هامة باعتبارها مراحل تكيفية مقبولة لحين فرصة الجدل الخلاق (نشرة أمس 18/1/2015).

7) كلما قلت فرص الانشقاق والتبادل السريع مع استمرار النمو، زادت فرص تنشيط الجدل فى اتجاه مرحلة أكثر تمييزا للجنس البشرى وأرحب فرصة لاضطراد النمو.

8) تظهر معالم ناتج ايجابية هذه المسيرة التطورية فى ظهور وجدان تحمل الغموضTolerance of ambiguity .

وهذا ما سوف نطرحه الأسبوع القادم.

[1] – توقفت عن استعمال مصطلح “غريزة” مفضلا برنامج تطورى أو بقائى لما لحق بلفظ الغريزة من سوء فهم وتشويه.

[2] – وإن كنا لم نضف العدوان والإبداع ضمن الوجدانات، لكن يمكن الرجوع إلى الأطروحة الباكرة للكاتب عن العدوان والإبداع “مجلة الإنسان و التطور”، عدد يوليو 1980.

[3] – الأساس فى الطب النفسى

[4] – فى انتظار أن نفعل ذلك حين تقديم النظرية الايقاعية التطورية  Evolutionary Rhythmic Therapy

[5] – أستعمل الآن  كلمة برامج بدلا من كلمة غرائز بعد أن التبس استعمال الكلمة الأخيرة حتى تشوهت.

[6] – مع احتمال تجاوز هذه المرحلة واصل تطوره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *