الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف الوجدان واضطرابات العواطف (50) عُـسْـر الاضطرابات الوجدانية: كمِّيا (10) أسى الفقد (الحداد – الموت)

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (50) عُـسْـر الاضطرابات الوجدانية: كمِّيا (10) أسى الفقد (الحداد – الموت)

نشرة “الإنسان والتطور”

الاثنين: 15-12-2014   

السنة الثامنة

العدد: 2663

  الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسية: الفصل الخامس:

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (50)

ثانيا‏: ‏الانفعالات‏ ‏العسرة‏:‏ (13) 

اضطرابات الوجدان (العواطف)

عُـسْـر الاضطرابات الوجدانية: كمِّيا (10)

أسى الفقد (الحداد – الموت)

مقدمة:

مازلنا مع الوجدانات العسرة، ونحن نقترب اليوم من أحد تجليات الحزن التى لها معالم ثقافية لارتباطها بالفقد والموت، وعلى الرغم من أنها تعتبر أحد أنواع ما يسمى الاكتئاب التفاعلى (1) إلا أنها لها ما يميزها وبالذات فى ثقافتنا الخاصة كما سوف نرى معا:

‏3- ‏فرط أسى ‏للفقد‏ ‏و(الحداد‏):

‏يشير‏ ‏هذا‏ الوجدان (‏الانفعال)‏ ‏إلى ‏أكثر‏ ‏الوجدانات‏ ‏شيوعا فى الأحوال العادية‏ ‏كسبب‏ ‏للحزن‏ ‏على ‏فقد‏ ‏عزيز‏‏، ‏ولكن‏ ‏إذا‏ ‏زاد‏ ‏هذا‏ ‏الشعور‏ ‏لدرجة‏ ‏بالغة‏، ‏وصاحبه‏ ‏انسحاب‏ ‏من‏ ‏الدنيا‏، أو ‏تجنب‏ ‏ طال للقاءات‏ ‏بالمحيطين،‏ أ‏و إهمال‏ ‏العناية‏ ‏بالذات،‏ ‏فإنه‏ ‏يصبح‏ عرضاً ‏مرضياً.

 ‏وقد‏ ‏يصاحب‏ ‏هذا‏ ‏التفاعل‏ ‏شعور‏ ‏بآلام‏ ‏تشبه‏ ‏الآلام‏ ‏التى ‏كان‏ ‏يشكو‏ ‏منها‏ ‏الفقيد‏، ‏فيتصور القريب الأقرب أنه ‏قد‏ ‏أصيب‏ ‏بنفس‏ ‏المرض‏ ‏الذى ‏كان‏ ‏يعانى ‏منه‏ ‏الفقيد، ويشكو من أعراضه.

وتختلف إمراضية فرط الأسى اختلافا شديدا لا مجال لتعداده الآن، فنكتفى بالإشارة إلى بعض معالمه، مثل:

  • أنه قد يكون احتجاجا – لا شعوريا- (انظر “العديد”!! لاحقا) على الراحل أنه تخلى عن الحزين المعتمد عليه،
  • وقد يكون نوعا من ميكانزم “تكوين رد الفعل” (2)تغطيه لفرحة دفينه للتخلص منه
  • وقد يكون شعور بذنب حقيقى أو متخيل أنه تخلى عن الفقيد، إذْ لم يعتن به بدرجة كافية فقضى نحبه

 وكل هذا يحتاج إلى عودة من منطلق الإمراضية

كذلك تختلف طقوس الحداد باختلاف الثقافات، وبالذات حتى الثقافات الفرعية: فحزن الصعيد أشد وأعمق من حزن وجه بحرى، وحداد المسحييين الصعايدة أعمق وأطول من حداد أقباط شبرا، وهكذا

وأخيرا فإن مظاهر الأسى تختلف أيضا بالنسبة لمدى السماح بالتعبير عن الحزن كنوع من التفريغ الذى يخفف عمق الأسى وقسوته وبعض أثاره الممرضة،

 تعبير ظاهرة “العديد” عند المصريين خاصة فى الريف والصعيد والطبقات الشعبية تعتبر من أهم ما يشير إلى قبول هذا التنفيث الجماعى تشجيعا لأهل الفقيد على التعبير عن أساهم ولوعتهم للفقد.

هذا وقد قمت بدراسة مدبئية لم أكملها لما وصلنى من تشكيلات هذا الطقس المصرى الشعبى، ووجدت أن الأمر يحتاج إلى دراسة تفصيلية أعمق لعلها تهدينا إلى أن ننجح من خلالها فى تصحيح مفاهيمنا عن أبعاد وثقافة حزن الفقد بدلا من استيراده هو الآخر من الخارج، ومما خطر لى أنه يمكن أن نتعرف عليه ما يلى:

أ- على طبيعة الموقف الشعبى الأصيل من الموت.

ب- على طبيعة الموقف الشعبى من الفقد.

ج- كيفية الاستعداد للمواجهة مع فكرة الفقد، وتعرية أوهام الخلود  (3).

د- على حقيقة أوهام تصوير الوعى الشعبى للقبر وحضور الميت –حيًّا – داخله.

وفيما يلى العناصر التى آمل أن أرجع لها ولو بإشارة مبدئية إذا شئتم، لعلنا نتأكد مهما ذهبنا إليه عن طبيعة نوع محدد من الحزن وتشكيلات مواجهته والاختلافات الثقافية السائدة لدينا.

عناصر محتملة:

أولا‏ : ‏إيجابيات‏ ‏العديد‏:‏

‏ 1- ‏بعض ‏وظيفة‏ ‏تعميق‏ ‏الألم‏ ‏لتخفيفه‏.‏

‏2- ‏يمنع‏ ‏الإنكار‏ ‏السريع‏ ‏الخطير‏.

‏3- ‏وظيفته‏ ‏الاجتماعية‏ ‏والجماعية‏.‏

‏4- ‏‏وظيفة‏ ‏فرد‏ ‏الحزن‏ ‏على ‏مساحة‏ ‏أوسع‏، ‏وعلى ‏زمن‏ ‏أطول.

‏5- ‏‏وظيفة‏ ‏توعية‏ ‏وتعميق‏ ‏الوعى ‏بالموت (والوصلة بين الحياة والموت) (4).

‏6- ‏لعل به ملامح‏ ‏ثورية‏ ‏احتجاجية‏ ‏ضد‏ ‏التدين‏ ‏التقليدى.

‏7- ‏مدى مساهمته فيما‏ ‏يشبه‏ ‏الوعظ‏ ‏دون‏ ‏مباشرة‏ ‏خطابية‏.‏

‏8- ‏السماح‏ ‏بتمثل‏ ‏منطبعات (5) ‏‏الميت‏ ‏على ‏الحى (‏إيجابية‏ ‏وسلبية‏).

9- السماح بعد ذلك بتبعيه هذه المنطبعات فى رحاب الناس (‏رجحت‏ ‏الإيجابية‏ ‏أكثر‏)‏.

ثانيا‏: ‏سلبيات‏ ‏العديد‏:‏

‏1- ‏احتمال‏ ‏تسطيح‏ ‏الحزن‏ ‏بلفظنته

‏2- ‏احتمال‏ ‏تسطيح‏ ‏المشاركة‏ (‏خاصة‏ ‏إذا‏ ‏قامت‏ ‏به‏ ‏محترفات‏)‏

‏3- ‏تعميق‏ ‏الاعتمادية‏( ‏الوالدية‏ ‏بالذات والسلطوية عموما‏) ‏لدرجات‏ ‏جسيمة‏.‏

‏4- ‏استقطاب‏ ‏صفات‏ ‏الميت‏ ‏بمعنى ‏المبالغة‏ ‏فى ” ‏أذكروا‏ ‏محاسن‏ ‏موتاكم‏” ‏مع احتمال خفوت الموقف النقدى.

هذا بالإضافة إلى أبعاد أخرى خطرت لى مثل:‏ ‏

– ‏مسرحة‏ ‏الموت على لسان من يرددون العديد حواراً، أو نيابة عن الميت مثل‏:‏

‏1- ‏الميت‏ ‏ينوى ‏الموت‏، ‏ويلام‏ ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يخطر‏ ‏الآخرين‏ ‏حتى ‏يعملوا‏ ‏حسابه‏ ‏

‏2- ‏الميت ‏يتردد‏ (‏يعصلج‏ ) ‏فى ‏الدخول إلى القبر، أو الرحيل عن الدنيا‏.‏

‏3- ‏الميت‏ ‏يحاور‏ ‏القبر.

‏4- ‏ويحاور‏ ‏اللحاد.

‏5- ‏ويخطرنا‏ ‏ببعض‏ ‏الخبرة‏ ‏الجديدة‏ .‏

‏6- ‏ويطالب‏ ‏بحقوقه‏، ‏فى ‏ألا‏ ‏يـُنسى .

‏6- ‏ويوصى ‏الأحياء‏ ‏بما‏ ‏يريد‏، ‏وأحيانا‏ ‏بما‏ ‏ينبغى.‏

وبعد

إلا أننى أخشى  – كالمعتاد – من الاستطراد، لكننى أستطرد.

ما رأيكم؟

‏7- ‏ويلوم من يتراء له أنه يستحق اللوم.

‏8- ‏ويعد‏ ‏بالعودة‏، ‏أو‏ ‏يعد‏ ‏لها‏ ( ‏وكذلك‏ ‏أهله‏).‏

– ‏احتجاج‏ ‏على ‏القدر‏، ‏وعتاب – العاشمين-‏ ‏مع‏ ‏الله:

‏ ‏مع‏ درجة من ‏إلغاء‏ ‏أو‏ ‏تجاهل‏ ‏الحياة‏ ‏الآخرة‏ ‏بشكل‏ ‏مباشر‏ ‏وغير‏ ‏مباشر‏ .‏

(وقد‏ ‏تبدو‏ ‏جرعة‏ ‏التأثر‏ ‏بفكر‏ ‏قدماء‏ ‏المصريين‏ ‏أكبر‏ ‏بكثير‏ ‏من‏ ‏الفكر‏ ‏الإسلامى).

وكذلك كما لاحظت أيضا:

‏1- أن ‏العديد‏ هو ‏للأحياء‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏للميت.

‏2- وأنه ‏ليس‏ ‏تنفيثا‏ ‏فحسب‏ ‏لكنه يبدو كثيرا أنه بمثابة‏” ‏إعادة‏ ‏نظر”.

‏3-‏ وأنه قد يكون مواجهة‏ ‏للقدر‏، ‏فى ‏خليط‏ ‏من‏ ‏الاستسلام‏ ‏والتحدى ‏والاحتجاج.

‏4- ‏وأخيرا فقد بدا لى‏ ‏وظيفة‏ ‏نسائية‏ أكثر منها ذكورية.‏

وكل هذا يحتاج إلى عودة تفصيلية إذا شئتم.


[1] –  Reactive Depression

[2] – Reaction For motion

[3] – دراسة “ملحمة الحرافيش وحضرة المحترم”.

[4] – (‏وربما‏ ‏لهذا‏ ‏وقف‏ ‏منه‏ ‏الدين‏ ‏موقف‏ ‏الرافض‏ ‏حتى ‏التحريم‏ ‏دون‏ ‏نص مباشر‏)‏.

[5] – Im printing البصْم: أنظر ما شئت

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *