الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف الوجدان واضطرابات العواطف (47) حالات وأحوال حـــزنٌ‏ ‏أم‏ ‏تفجّـر‏ ‏وعـى؟ (الحلقة الثالثة)

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (47) حالات وأحوال حـــزنٌ‏ ‏أم‏ ‏تفجّـر‏ ‏وعـى؟ (الحلقة الثالثة)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 7-12-2014   

السنة الثامنة

العدد: 2655

 الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسيةالفصل الخامس:

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (47)

ثانيا‏: ‏الانفعالات‏ ‏العسرة‏:‏ (10) 

حالات وأحوال

حـــزنٌ‏ ‏أم‏ ‏تفجّـر‏ ‏وعـى؟ (الحلقة الثالثة)

    مقدمة:

مازلنا مع نفس الحالة، وقد قفزتُ فوق أقوال الزوجة المرافقة، وكانت أقل دلالة وأسطح غورا فيما يتعلق بوصف التغير الذى حدث، نظراً لأنه تغير فى الوعى وطبقاته أكثر منه تغير فى السلوك ومظاهره، ففضلت التركيز على عَـرْض المراد من تقديم الحالة دون الالتزام بمنهج تقليدى محدد، فالرسالة المراد توصيلها هى التدريب على تأمل كلام المريض ووصفه لحالته.

وأيضا قفزت فوق الاختبارات النفسية التقليدية التى تقيس الاضطرابات عموما وتقيس الاكتئاب بوجه خاص مع أنها أظهرت شدة الاكتئاب بجوار مظاهر اضطرابات أخرى إلا أنها لم تضف للفرض المحدد السالف الذكر شيئا.

لهذا سوف أنتقل إلى اسلوبين اتبعا مع هذا المريض وفى هذا البحث عموما، وهما أسلوبان نبعا من ثقافتنا الخاصة وقد صممتهما خصيصا لاستكمال هذا البحث، وعلى الرغم من تسمية كل منهما باسم “اختبار” إلا أنهما ليسا بالضرورة كذلك، فما هما إلا مساعدات إكلينيكية تسهم فى سبر أغوار، والإلمام بأطراف، مثل هذه الحالات فى محاولة الإسهام فى تحريك مستويات الوعى معا لعلنا نحصل على صورة (بورترية) مجسدة لما هو حاضر هنا والآن فى الوعى الآنى بما يساعد على المشاركة والتقصى فالعلاج .

الاختبار الأول هو اختبار “تداعى الكلمات”، وله علاقة بما أسماه كارل جوستاف يونج كذلك، ويعنى استثارة  تداعى المريض من خلال تعقيبه على كلمات بذاتها.

أما الاختبار الثانى فقد صمم خصيصا من واقع ثقافتنا ولم يقنَّـن بعد، وكأنى أرجو ألا يقنن أبدا، لتظل قراءته جزءًا من المادة الإكلينيكية قراءة حرة تضيف لكل حالة ما يمكن الافادة منه.

أولاً: الاستجابات على ‏اختبار تداعى‏ ‏الكلمات:

ها نحن أولاً ‏نعود‏ ‏إلى ‏حديث‏ ‏المريض‏ ‏وكلماته‏، ‏ولكن‏ ‏بعد استثارته‏ ‏بمثيرات‏ ‏مناسبة، نبعت‏ ‏من‏ ‏واقع‏ ‏خبرة‏ ‏الممارسة‏ ‏الإكلينيكية‏، ‏وبرغم‏ ‏كم‏ ‏الإسقاط‏ ‏المحتمل‏ ‏إلا‏ ‏أننا‏ ‏لا‏ ‏نميل‏ ‏إلى ‏اعتبار‏ ‏هذه‏ ‏الاختبارات‏ ‏من‏ ‏الاختبارات‏ ‏الإسقاطية بشكل مختزل‏ ‏كما‏ ‏شاع‏ ‏عن‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏المسمى ‏بهذا‏ ‏الاسم‏.‏

فى ‏هذا‏ ‏الاختبار‏ ‏الأول‏ ‏يُعطى ‏المريض‏ ‏عدة‏ ‏كلمات‏ (‏ست‏ ‏كلمات‏) الواحد تلو الأخرى ويطلب منه تعقيبات حرة، ‏يتكون ‏الاختبار‏ ‏من‏ ‏خطوتين‏:‏

الجزء‏ ‏الأول‏: ‏ويختص بسؤال عن‏ ‏ماذا‏ ‏تعنى ‏لديه‏ ‏هذه‏ ‏الكلمة.

والجزء‏ ‏الثانى‏: ‏هو محاولة استطلاع‏ ‏ماذا‏ ‏تثير‏ ‏هذه‏ ‏الكلمة‏ ‏فيه، ‏من عواطف أو مواقف أو تداعيات أو حفز لفعل ما.

‏(‏الكلمات‏ ‏التى ‏أعطيت‏ ‏للمريض‏ ‏هى:)

‏”الناس”، “‏القتل”، “‏الزمن”، “‏الحرية”، “‏الموت”، ‏”الأمل”‏.

  ‏1- “‏الناس”

الكلمة دى (الناس) لما أقولها لك دلوقتى تعقب عليها بإيه؟

الجزء‏ ‏الأول‏:‏

(الاستجابة): مش‏ ‏كويسين، ‏ياريت‏ ‏يعاملونى ‏زى ‏ما‏ ‏باعاملهم‏.‏

الجزء‏ ‏الثانى:‏

طيب يا ترى لما سمعتها بتحس بإيه؟ أو اتحرك عندك إيه؟

(الاستجابة): أحس‏ ‏إنى ‏عايز‏ ‏أتفرج‏ ‏عليهم‏ ‏وبس، ‏لكن‏ ‏ما‏ ‏عملشى ‏حاجة‏ ‏تانية‏.‏

 التعقيب:

يتفق‏ ‏موقف‏ ‏المريض‏ ‏هنا‏ ‏مع‏ ‏الموقف‏ ‏البارانوى ‏أكثر‏ ‏منه‏ ‏مع‏ ‏الموقف‏ ‏الاكتئابى (1) ، ‏كما‏ ‏سبقت‏ ‏الإشارة‏ ‏إلى ‏مثل‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏منطلق‏ ‏أخر‏. ‏لكن‏ ‏تضاف‏ ‏نقطة‏ ‏هامة‏ ‏هنا‏ ‏تكاد‏ ‏تعارض‏ ‏ما‏ ‏ذهبنا‏ ‏إليه‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏الاكتئاب‏ ‏هو‏ ‏مرض‏ “علاقاتى ‏بالموضوع‏”، ذلك أن ‏موقف‏ ‏المتفرج‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏موقف‏ ‏حكمى ‏فوقى، ‏وهو‏ ‏يلغى ‏الآخر‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏هو‏ ‏موضوع‏ ‏حقيقى، ‏إذ‏ ‏يجعله‏: ‏شيئا‏ (‏يشِّـيؤُهُ‏) ‏صالحا‏ ‏للفرجة، ‏أو‏ ‏حتى ‏لا‏ ‏يصلح‏ ‏إلا‏ ‏للفرجة، (‏لكن‏ ‏ما‏ ‏عملشى ‏حاجة‏ ‏تانية‏)، صحيح أنه ليس فيه “كر وفرّ” Fight Flight ، مثل الموقف البارانوى الخالص كما أنه ليس فيه سعْىٌ نحو… أو انحساب مِـنْ”…، كما هو الحال حين يتراوح الموقف الشيزيدى (إلى الرحم) مع الموقف الاكتئابى (إلى الموضوع) إذن ماذا؟ لعله يعلن باستجابته هذه أنه فى موقف انتظار أو استعدادا (Stand by) لخطوة تالية، فنتذكر أننا فى البدايات.

 وفى هذا تنبيه ضمنى إلى عدم التعجل فى لصق دائم لتشخيص بذاته أو حتى الاسراع بتوصيف إمراضية بعينها (حسب الكتاب!!!) إلا بصفة مبدئية قابلة للتغيير بعد مواكبة تطور المرض، ومن ثم تطور العلاج.

 ‏2- ‏القتل

الكلمة دى (القتل) لما أقولها لك دلوقتى تعقب عليها بإيه؟

الجزء‏ ‏الأول‏:‏

(الاستجابة): طريق‏ ‏النهاية‏ ‏بالنسبة‏ ‏للمظلوم، ‏المفروض‏ ‏مافيش‏ ‏عقاب‏ ‏عليه‏.‏

الجزء‏ ‏الثانى‏:‏

طيب يا ترى لما سمعتها بتحس بإيه أو اتحرك عندك إيه؟

‏(الاستجابة): أحسّ إنى عايز أتعلّمه.

التعقيب:

فنتذكر للتو ما قاله المريض بشأن أحلامه (فقرة – 7 – من الشكوى) وكيف علقنا على ذلك فى حينه، من أن ذلك قد يدل على تحريك طاقة العدوان مع تنشيط الوعى الآخر، وهنا تفصيل آخر يؤكد ما ذهبنا إليه ويضيف إليه، ذلك أن الشخص المكتئب، حتى على المستوى العادى، فى الأحوال العادية قد يقول إن الإنصاف أو حتى الموت – لا القتل – هو نهاية المظلوم، لكن أنظر تعبير المريض هنا: هو النهاية بالنسبة للمظلوم، أى أن المظلوم فى رأيه (فى الأغلب يشير إلى نفسه)، إذا ما فاض كيله من الآخرين، فليس أمامه – كنهاية – إلا القتل: هل يا ترى يعنى القتل انتقاما أم أنه القتل والسلام؟؟ لكن المتوقع بالنسبة للمكتئب أن تكون النهاية فى مثل هذه الظروف هى الانتحار لا القتل، فنحن بذلك نقترب من قبول فكرة أن الانتحار ليس إلا قتل راجع للذات، بمعنى أن المريض حين يتحرك لقتل الآخر، فلا يستطيع لأسباب داخلية أو خارجية، فإن طاقة عدوانه قد ترتد إلى ذاته، (أو بتعبير أدق تركيبيا، ترتد إلى إحدى ذواته) وهذه الخطوة ليست ظاهرة فى هذه المساحة من استجابة المريض الآن (أنظر بعد) وعلى ذلك فإن وضوح فكرة “حق القتل” بهذه الصورة (مما يتفق مع ما سبق الإشارة إليه من أحلامه) يقربنا أيضا من منطقة الموقف البارانواى أكثر من الموقف الاكتئابى، فما الذى يمنع هذا المريض – المظلوم (كما يكرر) من أن يقتل؟ يبدو أن الذى يمنعه هو أنه لا يعرف الطريق إليه:”أحس إنى عايز أتعلمه”، ولا نلاحظ هنا أدنى إشارة للشعور بالتردد أو الذنب، بل إن هذا المريض عكس ما نتوقع من المكتئب، يعلن أنه” لاعقوبة لقاتل” وبتعبير آخر: هو قد أطلق سراح القاتل بداخله، وأعفاه من مسئوليته، لكنه يبدو أنه قاتل خائب لم يحذق الصنعة، فلم يفعل شيئا إلا أنه اقتحم الوعى العادى، ثم وقف وقفة استعداد للخطوة التالية (Stand by).

 3 – الموت  (2)

الكلمة دى (الموت) لما أقولها لك دلوقتى تعقب عليها بإيه؟

الجزء الأول:

(الاستجابة): يعتبر صديق البائس، صديق مخلص للإنسان المظلوم، ومكان أمين، حايعيش فيه الإنسان المظلوم تانى.

 الجزء الثانى:

طيب يا ترى لما سمعتها بتحس بإيه أو اتحرك عندك إيه؟

(الاستجابة): أحس إنى عايز أجربه، وأشوف زى الناس ولا لأه، خداع ولا لأه.

التعقيب:

وهنا يبدو تناقض جيد، فعلى الرغم من أن المريض قد أعلن حق المظلوم فى القتل – دون عقاب – منذ قليل، إلا أن الحل الإنسحابى بالموت يراوده فى هامش وعيه، ثم انظر بعد ذلك كيف يبدو له الموت له (فى الجزء الأول): صديق مخلص – مكان أمين – فرصة جديدة.

وظهور الموت هكذا: كمكان يعد من أدق الإشارات التركيبية، حيث تصبح رؤية المريض (والمبدع) للمجرد، رؤية عيانية محددة، كما أنه قد يشير ضمنا للرحم (مكان أمين) ومع ذلك فرؤية مريضنا هنا للموت لا تقربنا بالضرورة من فهم ألية الانتحار أكثر، بل إننا نشعر أننا كنا قرب الانتحار فى معرض الحديث عن القتل أكثر من هنا.

ثم ان الموت (فى الجزء الثانى) قد بدا تجربة أيضا: – مقارنة بخبرة الناس حوله، أو معتقدهم تجاهه – أو هو احتمال خدعة.

فإذا جمعنا إيحاءات اللفظ (الجزء الأول) مع إثارته (الجزء الثانى) لوجدنا أنفسنا بعيدين أيضا عن منطقة اليأس والانتحار، كما أننا نشعر أن هذا المريض قد اقترب من داخله (وعيه الأعمق)، بوضوح وتفاهم، حتى استطاع أن يحكى عن أغوار السيكوباثولوجى (الإمراضية) بدقة واضحة لهذه الدرجة، وهذا يرجح أيضا ما ذهبنا إليه فى بداية مناقشتنا لشكواه حول تداخل وعى النوم (الحلم / الداخل/ الآخر) بوعى اليقظة، تداخلا متضفرا بلا تناقض حاد، أو صراع باد، فى انتظار التمادى فى اتجاه أكثر تحديدا.

  4- الزمن

الكلمة دى (الزمن) لما أقولها لك دلوقتى تعقب عليها بإيه؟

الجزء الأول:

(الاستجابة): بأحوال، ساعة يمر سريع، وساعات كإنه مابيتحركش.

الجزء الثانى:

طيب يا ترى لما سمعتها بتحس بإيه أو اتحرك عندك إيه؟

(الاستجابة): أحس إنى عايز اسكت

التعقيب:

وهذه الاستجابة فى الجزء الأول قد تـُقبل من بعد عادى مثلها مثل أية استجابة نسبية، لكن فى مثل حالتنا هذه فإنه يجدر بنا النظر إليها من عدة أبعاد:

أ- فقد تعنى إدراك الايقاع السريع للزمن بإعلان تنشيط الإيقاع الحيوىBiorhythm  الذى يحدث فى هذا المرض.

ب- وقد يعنى اختلاف إدراك المريض للزمن باختلاف وساد الإدراك حسب مستويات الوعى التى أشرنا إليها فى المادة الإكلينيكية.

ج- وقد يعنى إدماج معنى الزمن (بمعنى القدر) فى معنى الزمن (بمعنى الوقت) بالنسبة للكلمة الأولى “بأحوال” فهذه كلمة مصرية عامية تطلق أساسا على أحوال الدنيا، أو الظروف أو القدر (3).

وبالنسبة لحالتنا هذه ومن واقع السياق الإكلينيكى فإن للثلاثة تفسيرات مكانها من حيث أن هذه الحالة هى حالة إكتئاب نشط، وفى نفس الوقت فهذه الحالة – تركيبيا – تشير إلى تداخل أكثر من مستوى للوعى كما سبق أن بينا.

أما الجزء الثانى فإنه قد يدل على أن المريض بمجرد أن يسمع هذا اللفظ فإنه يشعر بحركة ما، فيقابلها بهذه الرغبة فى الصمت، وكأنه من ناحية يقترب من موقف المتفرج (ربما مثلما كان “يتفرج على الناس” (الاستجابة رقم1) (4)، ومن ناحية أخرى فإن آلية السكوت أمام الحركة التى تحمل مظنة التهديد (كما ظهر فى شكوى هذا المريض وفى حلمه كذلك)، هى آلية قديمة لها جذورها التطورية فى الأجناس الأدنى، حين تتوقف الفريسة تماما أمام المهاجم وتلتصق بصخرة مجاورة لعلها تبدو صخرة مثلها فتنجو، وعلاقة هذا التفسير وذاك بنوع المرض علاقة مركبة، فبينما يتوقف الزمن عند الفصامى (على المستوى الظاهر نسبيا على الأقل)، فإن الزمن فى مثل هذا الاكتئاب النشط ينساب ويغمر ويتجسد،ويصبح بعدا حيويا فى وعى المريض.

 5- الحرية:

الكلمة دى (الحرية) لما أقولها لك دلوقتى تعقب عليها بإيه؟

الجزء الأول:

(الاستجابة): السلعة اللى ماهيش موجودة خالص لا برخيص ولا بالغالى، الحرية إن الواحد يروح، ييجى، ياكل، يشرب، يتصرف بلا قيود، عشان كده مش موجودة.

الجزء الثانى:

طيب يا ترى لما سمعتها بتحس بإيه أو اتحرك عندك إيه؟

(الاستجابة): أحس إنى عايز أكسبها، على حساب مين؟ مش عارف.

التعقيب:

 يمكن أن ننتبه هنا إلى عدة إشارات:

– أن هذا المريض يشعر تماما بحاجته إلى الانطلاق المطلق‏ (‏بلا‏ ‏قيود‏)، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏هو‏ ‏يدرك‏ ‏القيود‏ ‏الواقعية‏ ‏التى ‏تحول‏ ‏دون‏ ‏ذلك‏ (‏على ‏حساب‏ ‏مين؟‏)‏

‏- ‏أنه‏ ‏يشعر‏ ‏بالجهد‏ ‏الذى ‏يتطلبه‏ ‏مطلب‏ ‏الحرية، ‏فهى ‏مكسب‏ (‏عايز‏ ‏أكسبه‏)، ‏وليست‏ ‏منحة‏ ‏أو‏ ‏شطحة‏ ‏آملة‏ ‏بلا‏ ‏مقابل‏.‏

‏- ‏أنه‏ ‏يدرك‏ ‏حدودها‏ ‏بالنسبة‏ ‏لحرية‏ ‏الآخرين، ‏مما‏ ‏يؤكد‏ ‏ما‏ ‏ذهبنا‏ ‏إليه‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏المريض‏ ‏يعيش‏ ‏التحدى ‏العلاقاتى ‏بشكل‏ ‏ما، ‏بمختلف‏ ‏أبعاده‏.‏

وهذا‏ ‏كله‏ ‏يختلف‏ ‏عن‏ ‏كثير‏ ‏من‏ ‏المواقف‏ ‏والمواقع‏ ‏التى ‏تنناول‏ ‏نفس‏ ‏القضية‏ ‏من‏ ‏أبعاد‏ ‏أقل‏ ‏واقعية‏ ‏وعملية، ‏حتى ‏على ‏مستوى ‏الشخص‏ ‏العادى، ‏بل‏ ‏أيضا‏ ‏على ‏مستوى ‏الصحافة‏ ‏والإعلام‏ ‏والسياسة‏ ‏فى ‏مصر‏ ‏خاصة، ‏فكأننا‏ ‏بذلك‏ ‏نفترض‏ ‏أن‏ ‏يقظة‏ ‏الجانب‏ ‏الآخر‏ ‏من‏ ‏وعى ‏هذا‏ ‏المريض‏ ‏قد‏ ‏حركته‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏أكثر‏ ‏موضوعية‏ ‏يكاد‏ ‏يتفوق‏ ‏على ‏مستوى ‏اليقظة‏ ‏العادية‏.‏

  ‏6- ‏الأمل

الكلمة دى (الأمل) لما أقولها لك دلوقتى تعقب عليها بإيه؟

 الجزء‏ ‏الأول‏:‏

(الاستجابة): أكنه‏ ‏غزال‏ ‏فى ‏صحرا، ‏ما‏ ‏يجيبوش‏ ‏غير‏ ‏الصياد‏ ‏الماهر، ‏أما‏ ‏بالنسبة‏ ‏لى، ‏أنا‏ ‏باعتبر‏ ‏نفسى ‏ما‏ ‏باعرفشى ‏أصطاد‏.‏

الجزء‏ ‏الثانى:‏

طيب يا ترى لما سمعتها بتحس بإيه أو اتحرك عندك إيه؟

(الاستجابة): أحس‏ ‏إنى ‏عايز‏ ‏ألقاه‏ ‏ونفسى ‏أشوفه‏.‏

التعقيب:

تبدأ‏ ‏قراءتنا‏ ‏لهذه‏ ‏الاستجابة‏ ‏امتدادا‏ ‏لموقفه‏ ‏من‏ ‏الحرية، ‏بمعنى ‏أنه‏ ‏مازال‏ ‏يرصد‏ ‏الممكن‏ ‏والبعيد‏ ‏رصدا‏ ‏فيه‏ ‏درجة‏ ‏ملحوظة‏ ‏من‏ ‏الموضوعية، ‏إلا‏ ‏أننا‏ ‏نلاحظ‏ ‏كيف‏ ‏تداخل‏ ‏عنده‏ ‏الأمل‏ ‏بتحقيقه، ‏فهو‏ ‏يتكلم‏ ‏عن‏ ‏الأمل‏ ‏وكأنه‏ ‏يتكلم‏ ‏عن‏ ‏تحقيق‏ ‏الأمل، ‏فهو‏ ‏قد‏ ‏تخطى ‏بذلك‏ – ‏بشكل‏ ‏ما‏ – ‏معنى ‏الأمل‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏هو‏ ‏موقف‏ ‏تهيؤ، ‏ودافع‏ ‏ترجيح، ‏وأعلن‏ ‏ضمنا‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يأمل، ‏أو‏ ‏لا‏ ‏يسمح‏ ‏لنفسه‏ ‏أن‏ ‏يأمل، ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏ضمن‏ ‏نجاح‏ ‏الصيد، ‏لكنه‏ ‏لم‏ ‏يقفل‏ ‏الباب‏ ‏تماما، ‏فكما‏ ‏أن‏ ‏الحرية‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يكسبها، ‏فإنه‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يلقى ‏الأمل‏ ‏ويشوفه، ‏ولذلك‏ ‏فإننا‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نصف‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏التفاعل‏ ‏باليأس‏ ‏مثلا، ‏كما‏ ‏شاع‏ ‏عن‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏إكتئاب‏ ‏نموذجى.

[1] – نعنى هنا بالموقف الإكتئابى، والبارانوى مقولة إريك بيرن (وليس ميلانى كلاين – فى مدرسة العلاقة بلاموضوع) حيث يمثل إريك بيرن الموقف الإكتئابى بتعبيرI am not O.K You are O.K. وهو التعبير الذى يعنى اتهام المريض لنفسه دون الناس، فى حين أن الموقف البارانوى هو عكسI am O.K You are not O.K، ورغم عدم دقة هذه التصويرات، وخاصة فى مجتمعنا، وخاصة على المستوى اللفظى، إلا أننا استشهدنا بها هنا لتوازيها مع موقف المريض اللائم، مما لا يتفق بالضرورة مع مفهوم الاكتئاب التقليدى.

[2] – رغم أنها الكلمة الخامسة، فستناقشها بعد القتل مباشرة.

[3] – حاسيبك للزمن: غناء أم كلثوم، 1962، كلمات عبد الوهاب محمد، ألحان رياض السنباطى.

[4] – أنظر الجزء الثانى من استجابته للفظ “الناس” أحس إنى عايز أتفرج عليهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *