“يومياً” الإنسان والتطور
20-8-2008
العدد: 355
ملف الحب والكراهية
الدفء البشرى معاً،
“والقلوب مع بعضها: مش سايبه فكّهْ!!”
مقدمة:
تكلمنا أمس عن ممارسة الحنان دون حاجة إلى تسميته كذلك، بل لعلنا – ولو بغير قصد – فضلنا عدم تسميته،
ونواصل اليوم ما هو أشمل من الحنان وهو ما أسميته “الحضن الدافئ”،
وحين نرجع إلى رولوماى لاحقا سوف تجدون أن الكبار وهم يمارسون الإروس (الحب الأرقى) هم أكثر احتياجا من الأطفال لهذا الدفء البشرى المحيط، هذا لمن استطاع أن يحافظ على طفولته فيه..
…ولمن لم يستطع أيضا.
الحضن الدافئ
نفسى لمسةْْ من إيديكْ
نفسى أدفنْ راسى فيكْ
نفسى أطـَّـمِـنْ عليك
نفسى انام جوّا عيِنيِكْ
نفسى فى حضنِك يدَفِيِّنِى وانا باتغطى بيهْ
بس مش عايزُهْ يخبينى، ولا أختفى فيهْ
يحتوينى، وانا برضه أحتويهْ،
لا انا باشحتْ، ولاَ انتَ بتشتريهْ.
دا العيال بيقولوا بدرى: إحنا أْوْلىَ
إحنا مش عايزين “كلام حُب” علاوْلَهً
إحنا تكفينا الإشارة
لمسة حلوة تغنى عن مليون عبارة
“آنا مش عايز أمَارَة!
لمسة بتقول انّ انا مش بس بينكمْ
لأ، دانا عايش بروحى فيكو، منكمْ
برضه من حقى أكون نَفْسى : وحيد
بس مش بالغيك، ما هو انت مش بعيد
…. حبّة حبّة
…… يحتوينا الحضن قُــبّه
حضن كل الناس خيمتنا وأمْـنِـنَـا
حضننا لو صَح يوصل لمّا عند ربنا
كده نضمن لو خـِلى واحد بنا
مش حانغرق وسط دوّامة الضياع والمسكنة
لو حمانا حضنكم حبهْ كُتاَر
حضنكو الدافى اللى مش لهاليب ونار،
حضن يحمى، بس يسمح،
حضن بيطـمـَِـن، ويمنح:
فرصة للى بِـدُّه يسرح
إنه يلعب- يجرى- يشطح
وامّا يرجع يلتقيه ما زْعلشى منّهْ
ماهو لمّا راح ما كانشى غصب عنّـه
تبقى حركة،
مش كلبشات خانقة ماسكهْ
والقلوب مع بعضها، مش سايبة فـكّهْ
لو كده: نكبر ونعملها: نطير
كل واحد يبقى ناس حلوة كتير
بس يتريس عليهم حدّ منهم
بالتبادل والسماح مش غصب عنهم.
تفضل الحركة كده جوه وبرّه
بس يتغير رئيسها كل مرة
لمْ يبطـّـل إنه يدخل ثمّ يطلعْ
يبقى آمِن، قومْ يهدّى اللعب، مش محتاج يبرطع.
تبقى رحلة حركة دايمة مِـالـّلى هيـّـهْ
لمّا نسمح إننا نِصْغَرْ شويةْ
لاجل ما نكبر كما شجرة عفية
اتروت: حُـب وميّة
أبعاد أخرى:
هذه الأغنية، تؤكد معظم ما سبق ذكره أمس من أبعاد الحركية والمسافة والتحديد، وتضيف أخرى:
أولا: الثقة الأساسية متبادلة
تشيع عادة، وحتى فى النظريات النفسية التقليدية، أن حاجة الطفل الأساسية هى أن يطمئن إلى من يحتويه، إلى سند يلجأ إليه، ليكون القاعدة التى ينطلق منها ليعود إليها، هذا صحيح، لكنه لا يبرر ألا نعطى اهتماما كافيا لدور المتلقى (الطفل أو غير الطفل) فى دوره فى المشاركة فى أن ثمَّ تبادلا جاريا هو الذى يحافظ على الحركة، فبقدر ما يحتاج الطفل (فينا) إلى أن يطمئن إلى القبول، يحتاج مصدر الثقة (الأم أو الكبير أو المحبوب) إلى أن تصله رسالة من المتلقى أنه تلقّى، وأنه قادر على تبادل الثقة.
إن أى رسالة من جانب واحد هى مبتورة، صحيح أننا عادة لا نلاحظها لكن الأم تكتسب الثقة من طفلها كما يكتسب هو الثقة من احاطتها، هذه الثقة المتبادلة هى التى تحفز أكبر قدر من الشجاعة للدخول دون خوف من التلاشى، وأيضا هى تغنى عن استجداء العواطف، أو شرائها بمقابل بخس أو مشبوه.
نفسى أطـَّـمِـنْ عليك
نفسى انام جوّا عيِنيِكْ
نفسى فى حضنِك يدَفِيِّنِى وانا باتغطى بيهْ
بس مش عايزُهْ يخبينى، ولا أختفى فيهْ
يحتوينى، وانا برضه أحتويهْ،
لا انا باشحتْ، ولاَ إنتَ بتشتريهْ.
ثانيا: الإفراط فى التعبير بالألفاظ وما أشبه
شفرة العلاقات المتبادلة هى عادة شديدة القصر، فائقة الاختراق،
ولعل إشكالية سجن عاطفة ما فى ما “تسمى به” لا يقتصر على خنقها أو اختزالها، بل إنه قد يمتد إلى “امتهانها وتشويهها”
دا العيال بيقولوا بدرى: إحنا أْوْلىَ
إحنا مش عايزين “كلام حُب” علاوْلَهً
إحنا تكفينا الإشارة
لمسة حلوة تغنى عن مليون عبارة
“آنا مش عايز أمَارَة!
لمسة بتقول انّ انا مش بس بينكمْ
لأ، دانا عايش بروحى فيكو، منكمْ
ثالثا: الحق فى الوحدة مع وجود الآخر To be alone with
برضه من حقى أكون “نفسى” : وحيد ،
بس مش بالغيك، ما هو انت مش بعيدْ
كثيرا ما يشاع أن الوحدة هى شىء مرفوض طول الوقت، وأن الشخص الذى يمارس وحدته هو شخص انطوائى منغلق … إلخ.
هذا غير صحيح.
إن قبول الوحدة المرحلية (الحركية) هو جزء لا يتجزأ من “برنامج الدخول والخروج” ، هو أمر طبيعى بل و صحى فى حدود دورها فى الحفاظ على العلاقات الإنسانية: مرنة ومتحركة كما أشرنا.
إن الانتقال من الذات إلى الآخر وبالعكس، فى التوقيت المناسب، يزيد من فرص التعرف على هذا الآخر تعرفا متجددا باستمرار، وهو أيضا يعفى الذات من الاختناق بحضور الآخر محيطا طول الوقت. إن هذا الحق فى الوحدة قد يكون ألزم فى العلاقات الزوجية (كمثال).
تاريخ التطور يجسد لنا فائدة الانسحاب إلى البيات الشتوى فى كثير من الأحياء بما يحافظ على حيوية واستمرارية التجدد البيولوجى والتطور والحياة.
رابعا: القاسم المشترك الأبقى
حبّة حبّة، يحتوينا الحضن قُــبّه.
حضن كل الناس خيمتنا وأمْـنِـنَـا. حضننا لو صح يوصل لمّا عند ربنا، كده نضمن لو خـِلى واحد بنا، مش حانغرق وسط دوّامة الضياع والمسكنة
التهديد الحقيقى لتشويه أو إفشال العلاقات البشرية هو أن تقتصر على اثنين بمعنى الاحتكار والاستبعاد لكل من هو خارج هذه الدائرة المغلقة بين اثنين. إن الفرق بين القدرة على الحب، وبين حالة الحب، هو الفرق بين المولد الكهربى، والبطارية. المولد الكهربائى يصدر طاقة فياضة تتجدد بالحركة، أما البطارية فهى تفرغ بالاستعمال ما لم يغذيها المولد باستمرار. الذى يحافظ على الحب الثنائى هو أن يكون ممثلا للقدرة على الحب، وليس احتكارا لفعل الحب، وهى قدرة تمتد عبر كل الناس إلى الحق عز وجل الذى خلقنا ليتوجه كل من موقعه إليه عبر الناس. هذا هو ما أسميته القاسم المشترك الأبقى، وهو الذى يحمى المحب ضد مفاجآت التخلى، يحميه من الضياع، مثلما يحميه من مذلة الاستجداء.
خامسا: السماح ودرجة الدفء
لو حمَانا حبكم حبّه كتار، حضنكو الدافى اللى مش لهاليب ونار، حضن يحمى، بس يسمح، حضن بيطـمـَِـن، ويمنح: فرصة للى بِـدُّه يسرح. إنه يلعب- يجرى- يشطح. وامّا يرجع يلتقيه ما زْعلشى منّهْ. ما هو لمّا “راح” ما كانشى غصب عنّـه.
تبقى حركة،
مش كلبشات خانقة ماسكهْ
والقلوب مع بعضها، مش سايبة فـكّهْ
مع دوامية الحركة، يجرى السماح تحت مظلة من الثقة والطمأنينة المتبادلة، حتى لو أدى هذا السماح أحيانا لما يبدو شطحا.
السماح يواكب درجة حرارة الحنان التى كلما كانت مناسبة، كانت فرص النمو أكبر.
الدفء المناسب المتقطع هو الذى يجعل بيض الطيور يفقس، لو زادت درجة حرارة الاحتضان حتى اللهيب،أو زادت مدته حتى الاختناق، انسلق البيض أو فسد دون فقس، وقد اشرنا أمس إلى أهمية، بل حتمية، حركية الذهاب والعودة، سواء بنموذج برنامج الدخول والخروج، أو بحركية الاختفاء فالظهور، هذا هو الذى يجعل الترك أمرا طبيعيا، والعودة دائما متوقعة.
أخيرا: التعدد والواحدية
لو كده: نكبر ونعملها: نطير، كل واحد يبقى ناس حلوة كتير، بس يتريس عليهم حدّ منهم، بالتبادل والسماح مش غصب عنهم. تفضل الحركة كده جوه وبرّه، بس يتغير رئيسها كل مرة. لمْ يبطـّـل إنه يدخل ثمّ يطلعْ، يبقى آمِنْ، قومْ يهدّى اللعب، مش محتاج يبرطع.
نكتفى هنا – مؤقتا – أن نشير إلى أن حركية العلاقات وتبادلها وحيويتها وتجددها، كل ذلك يتيح فرصة لمستويات الوعى المختلفة أن تتشكل وتتبادل بكثرة قابلة للجمع تحت قيادة واحد منها، لكن فى لحظة بذاتها: لا يوجد إلا قائد واحد هو الذى يدير الدفة حسب التوجه المناسب للموقف والمهمة، ثم تتبادل المستويات القيادة، مثل تبادل النوم واليقظة. وهذا موضوع سبق أن طرقناه (أنا واحد ولا كتير رقم 5 من سلسلة الإنسان “تتحرك كياناتنا الحية، فنعيد تشكيلها: فنبدع!” ونشرت فى روز اليوسف بتاريخ 3-2-2006)
يحتاج إلى عودة مستقلة.