الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف اضطرابات الإرادة (9) عودة إلى اضطرابات الإرادة (الاعتمال (؟) والاعتزام) (7)

ملف اضطرابات الإرادة (9) عودة إلى اضطرابات الإرادة (الاعتمال (؟) والاعتزام) (7)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 15-3-2015   

السنة الثامنة

العدد:  2753

الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسيةالفصل الخامس:

ملف اضطرابات الإرادة (9)

عودة إلى اضطرابات الإرادة

(الاعتمال (؟) والاعتزام) (7)

مدخل عن صعوبة اتخاذ القرار بدءًا من الأسوياء (2)

مقدمة:

أنهيت نشرة الأثنين الأسبوع الماضى “بواجب منزلى” لم يقم أحد بمحاولة أن يعمله فأنحيت باللوم على نفسى، ورضيت ألا يشاركنى حيرتى ومحاولتى من لا يريد أو لا يستطيع، واحترمت أكثر هؤلاء المجهولين الأجانب المتقدمين (الخوجات) الذين لا أكف عن نقدهم بل ومهاجمتهم، وهم لا يكفون عن أن يتحفونى بكل هذه الثروة التشكيلية (وغير التشكيلية) بدون مقابل، واحترمت تذكرة ابنى محمد لى بفضل عمنا “جوجول” وأمثاله على من هم مثلى، مهما قيل فى تحيزه الذى لم أتأكد منه، كل هذه الثروة المجانية أشعر بمدى كرمها طول الوقت وأنى مدين لأصحابها بمقابل مادى بشكل ما (1)، تصورت أننى بهذه الهدية، وتلك الدعوة لعمل الواجب، أحقق بعض ما حاولت مرارا أن أهدى أصدقائى – وكل من يهمه الأمر – إليه، وهو أن أنبههم إلى ثروتين لا ينفدان، وبدون مقابل، وهما: “أن تعرف جديدا من أى مصدر كان”، “وأن تحب دون استئذان من تحب” أو حتى إخطاره؟، ولا أعرف من منهم صدّقنى، ومن سخر منى، يبدو أنه “لا أحد”، أو على الأقل أنا لا أعرفه.

الحمد لله!!

وبعد

 قلت أقوم أنا برد الجميل لمن أهدانى هذه الهدية، بأن أقوم أنا شخصيا بعمل هذا الواجب المنزلى من التشكيلات المختلفة المتكاملة فى نفس الوقت: على الوجه التالى:

وصلتنى هذه الرسائل بالترتيب تبلغنى بعض ما وراء العجز عن “اتخاذ القرار” أو على الأقل “الصعوبة” البالغة، حيث “اتخاذ القرار” هو الشكل الظاهر المحدد لما هى “إرادة”.

أولاً: العجز نتيجة الاستقطاب الحاد:

15-3-2015_1

وهو ما يصوره شعر الأعشى: عن مأزق “السموءل”

“وقال ثُكْلُ وغَدْرُ أنت بينَهُمَا

فاخترْ وما فيِهمَا حظُّ لمُخْتَاِر

أما  قصة وفاء السموْءل فهى التى جعلت الأعشى يمدحه بهذه القصيده، وهاكم الحكاية:

أن امرؤ القيس بن حجر الكندى استودع عند “السموْءل” امرأته، وأدرعه، وماله قبل ذهابه إلى قيصر الروم .. ولما مات امرؤ القيس عام 58 قبل الهجرة جاء الحارث بن أبي شمر إلى السموْءل فطلب منه دروع امرئ القيس، وما أودعه، فأبى السموءل، وتحصن بحصنه، وعاش صعوبة اتخاذ القرار بين أن يغدر بعهده، أو يترك ابنه للذبح، وإن كان هذا العجز قد انتهى إلى  قرار صعب، وهو أنه قرر أن يضحى بابنه ولا يخون عهده، إلا أن المثل يضرب لبيان الحيرة الشديدة فى الاختيار بين اختيارين أحلاهما مر، وهو ما كان قبل أن يتخذ السموءل قراره بالتضحية بابنه، وهذا كما قلنا هو ما جعل الأعشى يقول فيه ما أعيده مرة ثانية:

فقال: ثكل وغدر أنت بينهـمـا                فاخترْ وما فيهما حظ لمختـار

فصار مثلا يُضرب حين يكون الاختيار بين طرفين كلاهما متساويين فى الجذب أو الرفض

وفى الإنجليزية هناك مثل – من أغنية – يقول:

You can’t have the cake and eat it

وترجمته أنت لا تستطيع أن تمتلك الكعكه إذ اكلتها، ومغزاه أنك إذا أكلت الكعكة فلن تملكها وإذا أردت الاحتفاظ بها فينبغى ألا تأكلها، أما أن تأكلها وفى نفس الوقت تحتفظ بها، فهذا هو المحال، وعليك أن تتخذ قرارا إما هذا أو ذاك، فإذا تساوت الكفتان عجزت عن إتخاذ القرار.

*****

ثانياً: العجز نتيجة لتعدد الاحتمالات:

15-3-2015_2

 (وبالتالى تعدد الاختيارات)

وهنا يكون العجز نتيجة لكثرة الاحتمالات ووفرة الاختيارات وهذا ما يمثله بيت الشاعر (مجهول غالبا)

تكاثرتْ الظباءُ على خراشٍ

فما يدرى خراشٌ ما يصيد

و”خراش” هو صياد غزلان، والمثل يضرب شعرا ليعلن أن عجز خِراَشْ (وهو اسمه) أن يختار لم يكن لعدم كفاءته أو ندرة وجود غزلان يصيدها، وإنما لكثرة الغزلان، حتى تحير الرجل لدرجة العجز عن تحديد إلى أى غزال منهم يوجه سهمه،

 ويوجد ما يقابل ذلك بالفرنسية على ما أذكر وهو قولهم:

On peut pas tout avoir

وترجمته: إن الشخص لا يستطيع أن يمتلك كل شىء معا (أو: فى نفس الوقت) وجزء من هذا المثل يقترب من معنى المثل الانجليزى السابق ذكره فى “أولا”.

*****

ثالثاً: العجز نتيجة لعدم كفاية المعلومات فى بعض الاختيارات أو البدائل:

15-3-2015_3

حين تكون المعلومات كافية حول بعض البدائل فى حين أنها ناقصة عن بدائل أخرى (الأسفل يمينا ويسارا فى الشكل) يصبح اتخاذ القرار أكثر صعوبة لما يصاحبه من تصور قد يصح وقد يخطئ عن هذا النقص فى البدائل المجتزأة.

*****

رابعاً: العجز نتيجة لزخم التساؤلات حول كل الاختيارات:

15-3-2015_4

ويكون ذلك نتيجة غموض الموقف كله وليس فقط نقص المعلومات.

وحتى هذه التساؤلات هى محيرة ومعجزة فى ذاتها، وكثيرا ما تكون ليس لها إجابات محددة تهدى إلى القرار الأفضل، ويزداد الأمر صعوبة حين تكون هناك تساؤلات فاعلة تحت مستوى الشعور بعيدا عن التناول، لكنها تساهم فى العجز عن اتخاذ القرار.

*****

خامساً: حين يكون كل المطروح هو سؤال بلا إجابة أصلاً:

15-3-2015_5

فلا بدائل ولا احتمالات ولا اختيار، ومع ذلك يكون الموقف وهو بكل هذا الغموض يتطلب اتخاذ قرار ما.

ولا أستطيع أن أضرب مثلا لذلك، مع أننى واثق أنه موجود، وأن كثيرا من القرارات، حتى السياسية منها تُتَخَذُ من واقع مثل ذلك، علما بأن أصحابها قد يتصورون غير ذلك، أو يزعمون غير ذلك، أو حتى عكس ذلك، وكأنهم اختاروا وقرروا!!.

 *****

أكتفى اليوم بهذا وأنا أطرح سؤالين أخيرين على الأصدقاء:

الأول: هل يا ترى نجحتُ أنا فى عمل الواجب كما ينبغى؟

والثانى: هل هذه التشكيلات عن العجز عن اتخاذ القرار هى موجودة فى الحياة العامة أكثر؟ أم فى المرضى الذين نتهمهم بفقد الإرادة؟

[1] – يا ترى – وهذه سخرية اضطرارية!! – قد خشي الأصدقاء الذين دعوتهم للواجب المنزلى أن يستلهموا هذه الأشكال الصامتة، فيطالبهم أحد أصحابها الخوجات بمقابل لذلك، فعزفوا عن الواجب وعن التعليق؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *