الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف اضطرابات الإرادة (3) ‏ (الاعتمال (؟) والاعتزام) (3) عن‏ ‏طبيعة‏ “‏الإرادة‏ ‏

ملف اضطرابات الإرادة (3) ‏ (الاعتمال (؟) والاعتزام) (3) عن‏ ‏طبيعة‏ “‏الإرادة‏ ‏

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 22-2-2015   

السنة الثامنة

العدد: 2732

الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسيةالفصل الخامس:

ملف اضطرابات الإرادة (3)

‏ اضطرابات الإرادة

(الاعتمال (؟) (1)  والاعتزام) (3)

عن‏ ‏طبيعة‏ “‏الإرادة‏ ‏

مقدمة:

هل يمكن الحديث عن اضطرابات الإرادة دون التعرف على طبيعة وأبعاد وماهية الإرادة كما فعلنا بالنسبة للوجدان والإدراك وغيرهما؟ وهل يمكن تناول إشكالة الإرادة دون العروج إلى تحديات مفهوم الحرية؟

 بالرجوع إلى الفصول الأولى فى هذا الكتاب الذى لم يعد كتابا، وجدتنى قد تناولت هذين الموضوعين بإسهاب مزعج، وبالذات موضوع الحرية، حتى بلغت صفحاته (349 صفحة) من (النشرة 28-12-2010 إلى النشرة 4-1-2012) ولو أننى لم أفعل ذلك في النشرات السابقة  لعدت أكتب ما كتبت الآن، فما العمل؟

حاولت أن ألتزم بما جاء فى مسودة هذا  الكتاب منذ أكثر من عشرين عاما، بما يتعلق باضطراب الإرادة دون التعرض للبدء فى البحث فى إشكالة الإرادة وعلاقتها بالفعل الحر. إلخ..، لكننى وجدت أنها غير كافية، وهى تهمّش هذا الموضوع الجوهرى فى الطبيعة البشرية مقارنة بما أفضنا فى شرحه فى ملف الإدراك، ثم ملف الوجدان مثلا، كما أنها لا تمثل فكرى الآن، فقررت أن أركز على موضوع “الإرادة”، وأن أسمح لنفسى أن أكرر بعض ما جاء فى الفصول الأولى، وأن أتجنب – ما أمكن ذلك– العروج إلى موضوع “الحرية”، وعلى من يريد الرجوع إليه أقدم هذه الروابط  نشرات:(نشرة  28-12-2010)  و نشرة 4-1-2012) والله المستعان.

*****

التمهيد النظرى (موجزاً):

تعتبر‏ ‏اضطرابات‏ ‏الإرادة‏ ‏من‏ ‏أعقد‏ ‏المشاكل‏ ‏فى ‏الطب‏ ‏النفسى ‏كما‏ ‏هى ‏فى ‏الحياة‏،  ‏إذ‏ ‏أنها‏ ‏من‏ ‏المشاكل‏ ‏الفلسفية‏ ‏والدينية‏، ‏الخاصة‏ ‏بالجبر‏ ‏والاختيار، وغير ذلك بما يتعلق باتخاذ أى قرار بما فى ذلك قرارات الحرب والقتل واتفاقات السلام!! والمعاهدات الدولية!! ‏ويظل مع ‏ذلك‏‏ ‏تقييم‏ ‏خلل‏ ‏الإرادة‏ ‏عند‏ ‏المريض‏ ‏النفسى ‏له‏ ‏أهمية‏ ‏قصوى، وخاصة  ‏فى ‏ممارسة‏ ‏الطب‏ ‏النفسى ‏الشرعى، ‏وكذا‏ ‏أثناء‏ ‏التأهيل‏ ‏لاستعادة‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏المبادأة‏ ‏والعلاقات والإنجاز‏.‏

‏وضع‏ “سيلفانو ‏أريتى (2) مواصفات‏ ‏محددة‏ ‏لوصف الإرادة الناضجة، أهمها:

‏1- ‏القدرة‏ ‏على ‏تقييم‏ ‏البدائل‏ ‏المطروحة.

‏2- ‏إختيار‏ ‏بديل‏ ‏واحد‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏البدائل.

‏3-‏ التخطيط‏ ‏لتحقيق‏ ‏هذا‏ ‏البديل‏ ‏المختار.

‏4- ‏التصميم‏ ‏على ‏تنفيذ‏ ‏هذا‏ ‏التخطيط.

‏5- ‏القدرة‏ ‏على ‏كف‏ ‏حفز‏ ‏البدائل‏ ‏المتروكة.

وفى ‏عمل سابق لى (3) ‏أقر‏ ‏المؤلف‏ ‏بصعوبة‏ ‏تحديد‏ ‏طبيعة‏ ‏الإرادة‏ ‏وأبعادها‏ ‏على ‏الوجه‏ ‏التالى:‏

‏(أ) ‏الإرادة‏ ‏متعلقة‏ ‏أشد‏ ‏التعلق‏ ‏بالمفهوم‏ ‏الغامض‏ ‏للحرية‏.‏

‏(‏ب‏) ‏وهى ‏متعلقة‏ ‏أشد‏ ‏التعلق‏ ‏بالوعى ‏ودرجاته‏.‏

‏(‏ج‏) ‏ومفهوم‏ ‏الإرادة‏ ‏شديد‏ ‏الارتباط‏ ‏بالقدرة‏ ‏المعرفية‏ ‏للإلمام‏ ‏بأبعاد‏ ‏ما نختار‏ ‏وما ندع‏.‏

(‏د‏) ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏شديد‏ ‏التعلق‏ ‏بتداخل‏ ‏الحيل‏ ‏النفسية‏ ‏وأثرها‏ ‏الخفى المباشر وغير‏ ‏المباشر‏ ‏على ‏الاختيار‏ ‏الظاهر‏.‏

‏(‏هـ‏) ‏كذلك‏ ‏فإن‏ ‏الإرادة‏ ‏محكومة‏ ‏فى ‏قياسها‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏التنفيذ‏ ‏بقوى ‏خارجية قد‏ ‏تعوق‏ ‏تحقيق‏ ‏ماتصدره‏ ‏من‏ ‏قرارات‏، ‏بحيث‏ ‏يختلط‏ ‏الأمر‏ ‏مالم‏ ‏توجد‏ ‏مقاييس أشمل‏ و‏أعمق‏ ‏وأدق‏.‏

فإذا‏ ‏كان‏ ‏الأمر‏ ‏كذلك‏ ‏فكيف‏ ‏نحكم‏ ‏على ‏أن‏ ‏شخصا‏ ‏سويا‏ ‏يمارس‏‏ ‏إرادته‏ ‏الإنسانية بكفاءةٍ مناسبة؟ فما بالك بالمريض؟!

وكيف‏ ‏نحكم‏ ‏بالتالى ‏على ‏أن‏ ‏شخصا‏ ‏قد‏ ‏نـقصت‏ ‏إرادته‏ أو تعطلت أو تشوهت ‏حتى ‏لتعد‏ ‏من‏ ‏أعراض‏ ‏مرضه؟‏ ‏

 ماهية‏ ‏الارادة‏ وعلاقتها بالنضج والإبداع:‏

وبدون‏ ‏الدخول‏ ‏فى ‏تفاصيل‏ ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏نطاق‏ ‏هذا‏ ‏العمل‏ ‏نستطيع‏ ‏أن‏ ‏نقول‏: ‏

إن‏ ‏الإرادة‏ ‏دائما‏ ‏نسبية‏، وإن‏ ‏نموها‏ ‏مثل‏ ‏سائر‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏، ‏يتناسب‏ ‏تناسبا‏ ‏طرديا‏ ‏مع‏ ‏مسيرة‏ ‏التكامل والنمو‏، ‏أى ‏مع‏ ‏المساحة‏ ‏من‏ ‏النفس‏ ‏التى ‏تعمل‏ “‏معا‏”، ‏أى ‏مع‏ ‏مدى ‏الترابط‏ ‏وعمق‏ ‏الولاف‏ ‏المتصاعد‏ ‏ومستواه‏،‏

وبصفة‏ ‏شاملة‏ ‏ينبغى ‏التنبيه‏ ‏على ‏أن‏ ‏الإرادة‏ ‏ليست‏ ‏قاصرة‏ ‏على ‏هذا‏ ‏السلوك‏ ‏الجزئى ‏المتمثل في‏ ‏اتخاذ‏ ‏قرار‏ ‏ثم‏ ‏تنفيده‏، ‏وإنما‏ ‏هى ‏فى ‏صورتها‏ ‏الأعمق‏ قد تكون ‏مرتبطة‏ ‏بـ:

القدرة‏ ‏على ‏كسر‏ ‏النص‏ ‏الحياتى ‏الدائرى ‏المغلق‏، ‏وبالتالى ‏إطلاق‏ ‏قدرة‏ ‏النمو‏ ‏بالتغير‏ ‏الكيفى ‏خلال‏ ‏مسيرة‏ ‏الحياة‏،

 ‏وهذه ‏ ‏النظرة‏ ‏الشمولية‏ ‏للإرادة‏ ‏تتخطى ‏الوقوف‏ ‏عند‏ ‏الإرادة‏ ‏الجزئية‏ ‏الواعية‏ ‏لتشمل‏ ‏تراكمات‏ ‏الأفعال‏ ‏الإيجابية‏ ‏القادرة‏ ‏على ‏البزوغ‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏المناسب‏ ‏لإطلاق‏ ‏دوائر‏ ‏النمو‏ ‏ونشاطات‏ ‏الإبداع،

إلا أنه بنظرة أشمل وأكثر يمكن أن نجد مثل ذلك فى برامج التطور التى حافظت على سائر الأنواع دون أن تسمى إرادة

‏و‏على ‏الجانب‏ ‏الآخر يمكن تصور أن ثمة برامج سلبية يمكن أن تؤدى إلى تراكمات‏ ‏سلبية‏ ‏حتى أن‏ ‏مظاهر‏ ‏السلبية‏ ‏قد ‏تصل‏ ‏إلى ‏أشكال‏ ‏مرضية‏ ‏متعددة، فهل يجوز اعتبارها إرادية حتى لو لم تصل إلى أية درجة من مستويات الوعى، فتصبح عاملا مهما فى انقراض نوع بذاته إذا غلبت عنده على البرامج البقائية الإيجابية، وهل نضمن ذلك مع الإرادة؟ وهل يذكرنا ذلك بقضية أن “الجنون اختيار” (نشرة 13-7-2008 “زخم الطاقة، والإيقاع الحيوى، واختيار الجنون”).

أتصور فى كثير من الأحيان أن النوع البشرى يعيش حاليا هذا المأزق الذى يعرضه للانتحار بكامل ذكائه الغبى الذى يبدو أنه انحرف إلى مسار خطر. (أنظر بعد)‏.‏

مرة أخرى: ‏ ‏الإرادة‏ ‏هى ‏اختيار‏ ‏بين‏ ‏أمرين‏- ‏على ‏الأقل‏- ‏وبدون‏ ‏وجود‏ ‏أمرين‏ ‏يختار‏ ‏بينهما‏ ‏الشخص فلا‏ ‏محل‏ ‏للحديث‏ ‏عن‏ ‏الإرادة‏ ‏أصلا‏،

‏وأبسط‏ ‏صور‏ ‏انعدام‏ ‏الإرادة‏ ‏هو‏ ‏رد الفعل‏ ‏الانعكاسى، من أول النقر على وتر الركبة فى فحص الأعصاب، حتى الاستجابة العمياء لمحرِّكى المخ بالتحكم عن بعد (الريموت كونترول)، عن طريق الإعلام وتزييف الوعى.

كل ذلك لا يعنى المطالبة بتحقيق كل هذه المواصفات قبل أن نصف أى قرار أو فعل بأنه إرادى، إن هذه الصورة المتكاملة لا تعدو أن تكون أملا غامضا يندر تواجده‏ ‏فى ‏الحياة‏ ‏العادية،  ‏فالجانب الإيجابى المسئول الذى سبق وصفه يمثل‏ ‏مستوى من ‏التكامل يكاد يكون نظريا،  وقد يشمل الاستغناء الكامل عن عون خارجى، وربما  إلغاء‏ ‏الاحتياج أصلا‏ أو على الأقل تجاوزه.. مع استمرار الأداء والاعتمال ‏الخ‏، ‏حتى يوصف أحيانا بأنه المستوى “شبه الإلهى” (4)  

‏فلا مفر‏ إذن ‏من‏ ‏الاكتفاء‏ ‏بمستوى ‏دون‏ ‏الكمال‏ ‏ونحن نصف ‏ ‏إيجابية‏ ‏هذا المستوى الناضج ‏ ‏من‏ ‏مستويات‏ ‏الإرادة.

الفرق بين إعلان القدرة الفائقة على ممارسة إرادة اتخاذ القرار، وبين حقيقة القدرة على ذلك ليس فرقا هينا، وفى رأيى أن من يدّعى امتلاك ‏الإرادة‏ ‏الكاملة‏، ‏أو‏ ‏الحرية‏ ‏الكاملة‏ فى الاختيار واتخاذ القرار، ومن ثـَمَّ تصور احتمال التخلص من أية مؤثرات خارجه، مع التأكيد على قدرته على الاستغناء عن الآخرين، من يزعم كل ذلك معا: يمكن أن نبحث فى احتمال أن يكون ‏منشقا‏ ‏محكوما‏ ‏بجانب‏ ‏واحد‏ ‏من‏ ‏وجوده‏، ‏وهو‏ غالبا: ‏الجانب‏ ‏المتسلط‏ ‏عليه‏ ‏ضلال‏ ‏الحرية‏ ‏وعبودية‏ ‏اللاقيود‏. ‏وبالتالى ‏فإنى – ‏فى ‏إطار‏ ‏خبرتى ‏الإكلينيكية‏ ‏المحدودة ‏- ‏أرى ‏أن‏ ‏أرقى ‏درجات‏ ‏الإرادة‏ ‏التى ‏قابلتها‏ ‏هى ‏المتعلقة‏ ‏بموقف‏:

v    ‏الوعى ‏المواجِهِى ‏بالتناقض،‏ ‏سواء داخل الذات أو خارجها‏، القادر على تحمله لاحتوائه.

v    ‏بما‏ ‏يصحبه ‏من‏ ‏دهشة وألم وحزن وحيرة وامتلاء ورضا.

v     ‏ثم‏ ‏اختيار‏ المحيط الذى يسمح لهذا الوعى أن يستمر للزمن الكافى.

v    مع السماح – ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت- بحضور الوعى البديل فى خلفية القرار دون تردد، أو تناقض معَطّل!

v    ‏ ‏ثم‏ ‏اختيار‏ ‏المجال‏ ‏الذى ‏يسهم‏ ‏فى ‏تفعيل القرار المتَّـخَذ لاختباره

v    ثم‏ ‏الممارسة‏ ‏الواقعية‏ ‏ على أرض الواقع وبقوانينه مع القدرة على النقد والتعديل.

وهذا يعنى ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏هناك‏ ‏قدرة‏ ‏على ‏إحتمال‏ ‏ترجيح‏ ‏أى ‏جانب‏ ‏من‏ ‏الجانبين‏ ‏مع الوضع فى الحسبان استمرار ‏‏الجانب‏ ‏الآخر‏ ‏فى بعض‏ ‏مستويات ‏ ‏الوعى، ‏وبالتالى: لا‏ ‏يكون‏ ‏ترجيح‏ ‏جانب‏ ‏ما‏، ‏هو‏ ‏مجرد‏ ‏عكس‏ ‏سطحى ‏للجانب‏ ‏الآخر‏، ‏بل‏ ‏هو‏ ‏متضمن‏ ‏له‏ ‏جزئيا‏ ‏وداخليا‏.‏

كذلك علينا أن نتذكر كيف أن الأمر يتعلق بمدى تدخل ‏ ‏الحيل‏النفسية‏ ‏وأثرها‏ ‏الخفى ‏غير‏ ‏المباشر‏ ‏على ‏الاختيار‏ ‏الواعى، علما بأن الاختيار غير الواعى هو نوع آخر من الإرادة.

 كما علينا أن نتذكر كيف أن ‏ ‏ ‏الإرادة‏ ‏محكومة‏ ‏فى ظهور آثارها وفاعليتها ‏ ‏بقوى ‏خارجية‏ يمكن أن ‏تعوق‏ ‏تحقيق‏ ‏ماتصدره‏ ‏من‏ ‏قرارات‏، ‏بحيث‏ ‏يختلط‏ ‏الأمر‏ ‏ما لم‏ ‏توجد‏ ‏مقايس‏ ‏أعمق‏ ‏وأدق‏.‏

من البديهى أن هذا تنظير شبه مستحيل، وأنه أقرب إلى وصف الإرادة البشرية فى عمق حضورها الجدلى التكاملى، وبالتالى لا بد من التنبيه على أن أى نقص فى هذه المواصفات لا يعنى أن الإرادة مختلة أو مرضية، وإنما هو تنبيه إلى صعوبة إطلاق ما يسمى اضطراب الإرادة على كل من تنقصه كميا أو كيفيا أيًّا من هذه المواصفات.

الخلاصة:

ما دام الأمر كذلك، فلأختم نشرة اليوم بالتنبيه على ضرورة الدقة والتواضع ونحن نصف مريضا بأعراض فقد الإرادة أو انحرافها.

 ثم أعود مضطرا بدءًا من الغد فى ربط موضوع الإرادة بالحرية والتوجه مهما بدا مكرراً.

[1] – أشرت فى نشرة الأحد الماضى إلى حيرتى وأنا أبحث عن كلمة واحدة فى العربية – على قدرتها   وعبقريتها – مقابل كلمة  conation  بالإنجليزية، وقد افتقدت ذلك أيضا فى المعجم الموحد الذى وصلنى مؤخرا من “شعن”، على الرغم من روعته وإحاطته، والجهد الهائل الذى بذله كل من اشترك فى إعداده، وعلى رأسهم رئيس الشبكة، أ.د. جمال التركى، ثم  أننى حين عدنت اليوم  أكمل ما بدأت: وجدتنى أنسخ عنوان النشرتين الساسبقتين البالغ الطول بكل عيوبه، ، فأرجعت التقصير والقصور إلى شخصى، وليس إلى لغتى، ثم تذكرت فجأة كلمة كنت قد استعملتها ترجمة لكلمة Processing  وذلك فى سياق ترجمة Information processing، وقد اعترض عليها الكثيرون من الزملاء مفضلين كلمة “معالجة”، وكنت مترددا فى قبول اعتراضهم برغم وجاهته، ثم حضرتنى نفس الكلمة الآن من جديد بعد أن ضاقت بى السبل وأنا أبحث عن كلمة مقابل conation ، فوجدت أن هذه الكلمة  قد تكون أقرب إلى ما نحن فيه من استعمالها الذى لاح لى باكرا،هذه الكلمة هى “الاعتمال” من فعل “يعتمل”،وحضرنى بيت شعر سيبويه: إن الكريم وأبيك يعتمل * إن لم يجد يوما على من يتّكل“، فرجعت إلى ما تيسر لى من معاجم، فوجدت فى تاج العروس  اهتماما بالتفرقة بين “الفعل” و”العمل“، حيث ينسب الفِعلَ   إلى الحيَواناتِ التي يقعُ منها فِعلٌ بغيرِ قصدٍ ، …، أما :” العمل الذى منه “يعتملفهو يشير إلى حَرَكَةُ البدَنِ كُلِّه، والفكر والنفس أيضا، وهذا قد  يناسب ما نحن بصدده من مبحث الإرادة التى تتعلق بـ:  “إحداثُ أمرٍ مَا قَولاً كانَ أو فِعلاً ” (من الشخص بنفسه دون اعتماد على غيره)، كما جاء فى تاج العروس، مرة أخرى: واضح أن هذا يشمل  ما يعتمل بالنفس، وما يتحرك به الجسد، وهو يصف اتخاذ  القرار إذ  يصدر من ذات تحددت معالمها غير معتمدة عل غيرها.

 لست متأكدا ، ولا متحمسا، ولكنى آمل أن يوضع ذلك فى الاعتبار إن صلـُح.

 [2] – Silvano Arieti The will to be Human (1972)

[3] – يحيى الرخاوى: دراسة فى علم السيكوباثولوجى: 1979

[4] – قد  يعبر الصوفية عن هذا المستوى باكتساب هبة  (قدرة) “كن”، أى أن يهبك الله هذا الاستثناء الرائع المرعب معا، الذى يختص به الله وحده،، وهو أن تقول للشىء كن فيكون،  وسواء كاننت هذه حقيقة نادرة، أو موقف شعرى بحت، فإنه يعبر عن ما جاء هنا من تصور لإرادة مطلقة  إراددة مطلقة (يقول الحسن بن هانئ: أبو نواس : دارت على فتية دان الزمان لهم، فما يصيبهم إلا بما شاؤوا” وهو يقول ذلك وهو يمدح الخمر، بعيدا عن الواقع بداهة. ، وقد حل بى يوما رعب شعرى ينبهنى إلى ذلك فى قصيدة لم تنشر، قلت فيها:

 ‏…‏يا‏ ‏مقود‏ ‏الزمان‏ ‏لا‏ ‏تطلقنى ‏

ثقيلةٌ‏ ‏ومرعبهْ‏ :‏ قولة‏ ‏كـُنْ”‏.‏

لو‏ “كان” : ‏بــت‏ ‏بائسا‏، ….‏ لو‏ “كان‏” ‏طرتُ‏ ‏نورسا‏،‏……. ‏لو‏ ‏كان‏ ‏درت‏ ‏حول‏ ‏نفسى ‏عدما‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *