الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف‏ ‏التفكير‏ (6): المعرفة الهشة Amorphous Cognition (مدخل إلى الاضطراب الجوهرى للتفكير)

ملف‏ ‏التفكير‏ (6): المعرفة الهشة Amorphous Cognition (مدخل إلى الاضطراب الجوهرى للتفكير)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 17-2- 2014

السنة السابعة

العدد: 2362

 

 الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسية

الفصل الثالث: ملف‏ ‏التفكير‏ (6)

المعرفة الهشة Amorphous Cognition

(مدخل إلى الاضطراب الجوهرى للتفكير)

مقدمة:

أنهيت نشرة الاثنين الماضى بعرض شكلين فرح  بهما معظم من اطلع عليهما، لكننى شخصيا وقفت أمامهما حائرا متسائلا: هل هكذا يمكن أن نقدم عملية لا نعى طبيعتها إلا بمقدار 20% كما ذكرنا؟ بصراحة أريد أن أنبه أننا مهما حاولنا التبسيط ينبغى ألا نبالغ فيه، أو نستسهله، ما دمنا قد غامرنا بالبدء بأخطر أنواع اضطراب التفكير، وهو الاضطراب الجوهرى، فمعنى ذلك أننا غامرنا فى نفس الوقت بالدخول من نفس الباب الذى سوف ندخل منه إلى مراحل التفكير الإبداعى.

فى الأسبوع الماضى ألمحت إلى علاقة الحلم (عملية الحلم، وليس الحلم المحكى) بتفكيك التفكير لإعادة التنميط patterning، كما ألمحت إلى علاقة مراحل الحلم بمراحل الإبداع، وأحلت القارئ إلى أطروحتين طويلتين لى عن “الحلم والنقد والإبداع”، ثم عن “جدلية الجنون والإبداع”، وبالرغم من شدة ارتباط هذه المواضيع ببعضها البعض، إلا أننى سأحاول أن أكتفى بهذه الإحالة دون الدخول إلى مناطق الحلم والإيقاع الحيوى.

المعرفة الهشة

فى مراحل الإبداع توجد مرحلة بينية أسماها سيلفانو أريتى “المعرفة الهشة” Amorphous Cognition وقد استفدت كثيرا حتى من مجرد التسمية،وشرحت ما وصلنى وعلاقته بالدرجة الأبسط من هذا الاضطراب الجوهرى فضلا عن ما استشهدت به من أقوال المبدعين من الروائيين والشعراء، فإذا بدأنا فى النظر فى طبيعة المعرفة الهشة، وجدنا أنفسنا أمام مشروع وملامح ما سوف نطرحه هنا مما يطلق عليه “الاضطراب الجوهرى للتفكير”.

المعرفة الهشة لا تظهر فى الأحوال الطبيعية (حالة العادية) إلا كخلفية محتملة مماسة للنشاط الإدركى أكثر منها مرتبطة بالتفكير، فإذا ثبت التفكير فى مرحلة هذه المعرفة دون أن يرتد إلى التفكير المفاهيمى، ودون أن ينطلق إلى تشكيلات الإبداع، وتم تفعيله ظاهرا فإننا نكون قد بدأنا فى مواجهة ما أسميناه هنا “الاضطراب الجوهرى للتفكير”

مقتطف:

 سوف أقتطف هنا وصف المعرفة الهشة إذا تثبتت، وذلك من أطروحة “جدلية الجنون والإبداع” كما يلى:

تكون هذه المعرفة كلية مدغمة معا، حيث يتم اعتمال المعلومات على أكثر من مستوى، بأكثر من قاعدة ، كما قد تظهر المعرفة الهشَّة بما هى ، وتغلب الصور كأبجدية بذاتها، كذلك تكون متذبذبة عشوائية غير هادفة (فى الظاهر على الأقل)،

 وظاهر من هذا الوصف أن هذه المرحلة (مرحلة تنشيط المعرفة الهشة) هى بمثابة مفترق طرق بين مسار الإبداع ومآل الجنون،  ويمكن القول أن المعرفة الهشة لاتتشط إلا مع غياب الفكرة المحورية، مرحليا فى الإبداع، ولمدد أطول، أو حتى دائما، فى الجنون.

لن أتمادى فى شرح نظرى، وسوف أغامر أولا باقتطاف شهادة بعض المبدعين للتعرف على ماهية المعرفة الهشة أولا على الوجه التالى :

شهادات‏ ‏من‏ ‏بعض مبدعى “‏الحكى‏”‏

…….. ‏وقد‏ ‏فضلت‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏نوع‏ ‏الإبداع‏ ‏المستشهد‏ ‏به‏ ‏‏ ‏هو‏ ‏القصة‏ ‏القصيرة‏، ‏لما‏ ‏تتميز‏ ‏به‏ ‏من‏ ‏سرعة‏ ‏الإيقاع‏ ‏، كما أنها ‏صورة‏ ‏مكثفة‏ ‏أساسا‏ ‏تتداخل‏ ‏مع‏ ‏الشعر‏ ‏فى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏الأحيان، ولن أعلق على كل المقتطفات كما فعلت فى الأطروحة الاصل، (وعلى من شاء أن يطلع عليها أن يفعل وإليه (الرابط link ‏).

‏ ‏أبو‏ ‏المعاطى ‏أبو‏ ‏النجا‏:

‏ “.. ‏فأكتب‏ ‏القصة‏ ‏لأعبر‏ ‏عن‏ ‏شىء‏، ‏أو‏ ‏لأمسك‏ ‏بشيء‏ ‏يتململ‏ ‏فى ‏داخلى، ‏ويعجزنى ‏أن‏ ‏أتعرف‏ ‏عليه‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏أضعه‏ ‏فى ‏شراك‏ ‏الصيغة‏ ‏القصصية‏ ‏الملائمة‏، ‏لأجسد‏ ‏شيئا‏ ‏هلاميا‏، ‏يفتقر‏ ‏إلى ‏التجسيد‏، ‏ليكتسب‏ ‏معنى “.‏

الملاحظة: (أكتفى بالإشارة إلى تعبير ” شيئا هلاميا، يفتقر إلى التجسيد)

‏ ‏إدوار‏ ‏الخراط‏:

‏”… ‏بداءة‏، ‏تتخلق‏ ‏القصة‏ ‏عندى – ‏على ‏الأغلب‏، ‏أو‏ ‏على ‏الأرجح‏ – ‏من‏ ‏صورة‏، ‏صورة‏ ‏تتشكل‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏نفسه‏ ‏بأصوات‏، ‏بكلمات‏… ‏وسواء‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏الصورة‏ ‏لمشهد‏ ‏خارجى- ‏هو‏ ‏نفسه‏ ‏ساحة‏ ‏النفس‏ ‏المسفوحة‏- ‏أو‏ ‏لفعل‏ ‏يدور‏ ‏بلا‏ ‏انفصام‏ ‏عن‏ ‏هذا‏ ‏المشهد‏ ‏الذى ‏يضم‏ ‏الخارج‏ ‏والداخل‏، ‏والواقع‏ ‏واللاواقع‏، ‏أو‏ ‏للتكون‏ ‏الأولى… ‏المتحقق‏ ‏منذ‏ ‏أول‏ ‏لمسة‏ ‏للشخصية‏…، ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏أو‏ ‏غيره‏، ‏فهى ‏أساسا‏ ‏صورة‏ ‏تتخذ‏ ‏لنفسها‏ ‏على ‏الفور‏ ‏جسدا‏ ‏من‏ ‏اللغة‏. ‏وأظن‏ ‏أن‏ ‏لى ‏لغتى، ‏فهى ‏تتخلق‏ ‏بالكلمة‏ ‏أو‏ ‏بنسق‏ ‏من‏ ‏الكلمات‏، ‏بجرسها‏ ‏وإيقاعها‏ ‏وكثافتها‏…، ‏وهى ‏فى ‏الآن‏ ‏نفسه‏ ‏تأتى ‏حسية‏ ‏ومدركة‏، ‏أى ‏أنها‏ ‏تأتى ‏حسية‏ ‏ومتجسدة‏، ‏ولها‏ ‏طعمها‏ ‏ورائحتها‏ ‏وملمسها‏، ‏ومرتبة‏ ‏شديدة‏ ‏الحضور‏ ‏البصرى ‏أساسا‏”.

و نلاحظ هنا‏‏: ‏أولا‏:‏

أ‏- ‏تركيز‏ ‏الكاتب‏ ‏على ‏المثير‏ ‏بوصفه‏ “‏صورة‏”، ‏سواء‏ ‏كانت‏ ‏مشهدا‏ ‏أو‏ ‏فعلا‏، ‏فمن‏ ‏البداية‏ ‏تكاد‏ ‏الصورة‏ ‏تقرن‏ ‏الفعل‏ ‏بدورانه‏ ‏فى ‏المشهد‏، ‏والمشهد‏ ‏بحركته‏ ‏فى ‏فعل‏ (‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏استعمال‏: ‏أو‏). ‏

ب‏- ‏اقتران‏ ‏الصورة‏ (‏ذات‏ ‏الحضور‏ ‏البصرى ‏فى ‏النهاية‏) ‏بعملية‏ ‏التشكيل‏ ‏بأصوات‏، ‏بكلمات‏. ‏

ج‏- ‏مع‏ ‏ربط‏  “‏أ‏ ” ‏بـ‏ “‏ب‏ “، ‏تتخذ‏ ‏الصورة‏ ‏لنفسها‏ ‏جسدا‏ ‏من‏ ‏اللغة‏. ‏

د‏- ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏الجسد‏ ‏اللغوى ‏له‏ ‏جرس‏ ‏وإيقاع‏ ‏وكثافة‏، ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏له‏ ‏مضمون‏ ‏ودلالة‏.‏

هـ‏- ‏إن‏ ‏هذه‏ ‏الصورة‏ ‏اللغوية‏ ” ‏مرتبة‏ ” ‏متماسكة‏ ” ‏وشديدة‏ ‏الحضور‏”، ‏ثم‏ ‏هى ‏فى ‏الآن‏ ‏نفسه‏ ‏حسية‏ ‏ومتجسدة‏ (‏أى ‏أنها‏ ‏ليست‏ ‏فقط‏ – ‏فى ‏النهاية‏ – ‏مفاهيمية‏ ‏أو‏ ‏مجردة‏).‏

و‏- ‏إن‏ ‏صفتها‏ ‏الحسية‏ ‏هذه‏ ‏توحى ‏بأنها‏ ‏عيانية‏ ‏حقيقية‏ ‏لا‏ ‏مجازية‏، ‏فهى ‏حسية‏ ‏مدركة‏ (‏لامفهومة‏، ‏ولا‏ ‏مفهومية‏)، ‏لها‏ ‏طعمها‏ ‏ورائحتها‏ ‏وملمسها‏. ‏

‏(‏د‏) ‏مجيد‏ ‏طوبيا‏:

‏”.. ‏مدخلى ‏إلى ‏القصة‏ ‏شحنة‏ ‏وجدانية‏ ‏تصرخ‏ ‏بداخلى ‏طالبة‏ ‏الوصول‏ ‏إلى ‏القارئ‏، ‏شحنة‏ ‏تظهر‏ ‏وتنمو‏ ‏بسبب‏ ‏اختلافات‏ ‏بينى ‏وبين‏ ‏غالبية‏ ‏من‏ ‏يحيطون‏ ‏بى، ‏ورفضى ‏لبعض‏ ‏ما‏ ‏استقروا‏ ‏عليه‏… ‏وهذه‏ ‏الشحنة‏ ‏أو‏ ‏الفكرة‏ ‏تبدأ‏ ‏مبهمة‏ ‏بداخلى ‏ولكنها‏ ‏سرعان‏ ‏ماتتجلى…”‏

نلاحظ كيف يشير‏ ‏هذا‏ ‏المقتطف‏ ‏إلى “‏شحنة‏” “‏مبهمة‏”، ‏ويصفها‏ المبدع ‏فى ‏البداية‏ ‏بأنها‏ ‏وجدانية‏، ‏ثم‏ ‏يقرنها‏ ‏باحتمال‏ ‏أنها‏ ‏فكرة‏، ‏…..

‏نجيب‏ ‏محفوظ‏:

‏”… ‏تدب‏ ‏حركة‏ ‏من‏ ‏نوع‏ “‏ما‏” (‏التنصيص‏ ‏من‏ ‏عندي‏) ‏فينشط‏ ‏الكاتب‏ ‏لتوصيلها‏ ‏إلى ‏القاريء‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تتجسد‏ ‏له‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏معين‏، ‏ما‏ ‏هذه‏ ‏الحركة‏ ‏؟‏ ‏قد‏ ‏تكون‏ “‏أى ‏شيء‏”، ‏أو‏ “‏لا‏ ‏شىء‏”.

فنلاحظ‏ ‏هنا‏ ‏تعبيرات‏ “‏تدب‏ ‏حركة‏” “‏ما‏”، ‏فلم‏ ‏يستطع‏ ‏الكاتب‏ المبدع هنا ‏أن‏ ‏يلتقط‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الذى ‏يدب‏ (‏ينشط‏) ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏من‏ ‏نوع‏ “‏ما‏ “، ‏فهو‏ ‏ليس‏ ‏مجهولا‏ ‏كل‏ ‏الجهل‏، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏محددا‏ ‏بعد‏. ……………

ثم‏ ‏يعود‏ ‏الكاتب‏ ‏ليجهِّـل‏ -‏بمنتهى ‏اليقين‏ ‏المعرفى- ‏طبيعة‏ ‏هذه‏ ‏الحركة‏ ‏فى ‏أنها‏ “‏أى ‏شيء‏” ‏أو‏” ‏لا‏ ‏شىء‏ ‏بالذات‏” ‏على ‏نحو‏ ‏يتحقق‏ ‏معه‏ ‏الفرض‏ ‏الأصلى ‏الذى ‏أوردناه‏ ‏هنا، والذى‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏الخطوات‏ ‏الأولى ‏للإبداع‏ ‏تتميز‏ ‏بحركيتها‏ ‏وتوجهها‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏تتميز‏ ‏بمضمونها‏ ‏أو‏ ‏هدفها‏ (‏المحدد‏). ‏وتعبير‏ “‏لاشىء‏” ‏هنا‏ ‏لايمكن‏ ‏أن‏ ‏يؤخذ‏ ‏إلا‏ ‏بما‏ ‏لحقه‏: “‏لاشىء‏ ‏بالذات‏”.‏

والفرق‏ ‏بين‏ ‏هذه‏ ‏الظاهرة‏ ‏كما‏ ‏تبدت‏ ‏هنا‏ ‏وبين‏ ‏التفكير‏ ‏العِهنى ‏فى ‏الجنون‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏التفكير‏ ‏العهنى ‏غير‏ ‏المحدد‏ ‏هو‏ ‏بداية‏ ‏ونهاية‏، ‏فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏يقابله‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏مجرد‏ ‏بداية‏ ‏يتعهدها‏ ‏الكاتب‏ ‏بحرص‏ ‏حتى ‏يتولد‏ ‏بها‏ ‏ومعها‏ ‏ومنها‏ ‏ماتطلقه‏ ‏من‏ ‏طاقة‏ ‏ومادة‏ ‏فى ‏تضفر‏ ‏جدلى ‏مع‏ ‏سائر‏ ‏المستويات‏.

‏‏يوسف‏ ‏إدريس‏:

‏”.. ‏الإبداع‏ ‏عندى ‏أشبه‏ ‏مايكون‏ ‏بخلق‏ ‏الكون‏..، ‏سديم‏ ‏من‏ ‏الإحساس‏ ‏يتكون‏ ‏داخلى، ‏ثم‏ ‏يبدأ‏ ‏حركة‏ ‏هائلة‏ ‏الضخامة‏، ‏بطيئة‏ ‏الوقع‏. ‏وتتخلق‏ ‏الأفكار‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الحركة‏ ‏السديمية‏ ‏للأحداث‏ ‏والشخصيات‏.. ‏وبتوقف‏ ‏الحركة‏ ‏تكون‏ ‏القصة‏ ‏قد‏ ‏تخلقت‏ ‏فيما‏ ‏أسميه‏ ‏القصة‏ -‏الكون‏ – ‏الحياة‏ ‏التى ‏هى ‏أعلى ‏مراحل‏ ‏السديم‏ “.‏

‏كذلك نلاحظ‏ ‏هنا‏ ‏تعبير‏”‏السديم‏” ‏الذى ‏هو‏ ‏أقرب‏ ‏عندى ‏إلى ‏صورتين‏ (‏معجميتين‏ ‏أصلا‏)، ‏الأولى “‏السديم‏: ‏الضباب‏ ‏الرقيق‏”، ‏والثانية‏: “‏السديم‏: ‏مجموعة‏ ‏نجوم‏ ‏تظهر‏ ‏بعيدة‏، ‏تظهر‏ ‏كأنها‏ ‏سحابة‏ ‏رقيقة‏”، ‏وكلا منهما‏ ‏يبدو ‏أقرب‏ إلى ‏مايتفق‏ ‏مع‏ ‏تعبير‏ “‏أريتي‏” ‏عن‏ ‏المعرفة‏ “‏الهشة‏” (‏بما‏ ‏قابلناه‏ ‏بالعربية بلفظين‏ ‏معا‏: “‏الضبابية‏ ‏المدغمة‏”). ‏ووصف‏ ‏إدريس‏ ‏لهذا‏ ‏السديم‏ ‏بأنه‏ ‏من‏ “‏الإحساس‏” ‏هو‏ ‏تقريب‏ ‏غير‏ ‏ملزم‏، ‏فالإحساس‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏مرادف‏ ‏للإدراك‏ ‏الأولى، ‏وللحفز‏ ‏الغامض‏، ‏وللانفعال‏ ‏المعرفى، ‏وللتوجه‏ ‏العام‏ ‏جميعا‏.‏

‏(‏ب‏) ‏ثم‏ ‏نلاحظ‏ ‏كيف‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏السديم‏ ‏ليس‏ ‏مثولا‏ ‏ثابتا‏، ‏بل‏ ‏هو‏ ‏حركة‏ ‏أساسا‏ (‏الحركة‏ ‏السديمية‏)، ‏ومع‏ ‏أنه‏ ‏ألحق‏ ‏بها‏ “‏للأحداث‏ ‏والأشخاص‏ “، ‏إلا‏ ‏أنها‏ ‏فى ‏مرحلتها‏ ‏السديمية‏ ‏تلك‏ ‏ليست‏ ‏أحداثا‏ ‏بذاتها‏ ‏أو‏ ‏أشخاصا‏ ‏متميزين‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏هى ‏تنبئ‏، ‏وتجزم‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏نفسه‏، ‏بأحداث‏ ‏وأشخاص دون تحديد.

‏(‏ج‏) ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏الأفكار‏ ‏تتولد‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الحركة‏، ‏وكأن‏ ‏الأفكار‏ ‏هنا‏ ‏هى ‏التى ‏تنشيء‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الضباب‏ ‏الرقيق‏ (‏أو‏ ‏تكثفه‏ ‏إلى‏) ‏ما‏ ‏تمثل‏ ‏به‏ ‏فى ‏المستوى ‏المفاهيمى ‏للمعرفة‏، ‏فهى ‏ليست‏ ‏ترجمة‏ ‏الإحساس‏ ‏إلى ‏مفاهيم‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏هى ‏تخليق‏ ‏لمفاهيم‏ ‏قادرة‏ ‏على ‏استيعاب‏ ‏حركة‏ ‏السديم‏ ‏المنبعثة‏.‏

‏ (‏د‏) ‏و‏لا‏ ‏يخدعنا‏ ‏تعبير‏ “هائلة‏ ‏الضخامة‏ ‏بطيئة‏ ‏الوقع‏ “، ‏فنتصور‏ ‏من‏ ‏خلاله‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏تحدث‏ ‏فى ‏وحدة‏ ‏زمنية‏ ‏كافية‏ ‏لرصدها‏ ‏هكذا‏ ‏بأى مقياس‏، ‏فارتباط‏ ‏هذه‏ ‏السديمية‏ ‏بالكونية‏، ‏إنما‏ ‏يتواكب‏ ‏مع‏ ‏عملية‏ ‏إيقاف‏ ‏الزمن‏ (‏العادى‏) ‏على ‏نحو‏ ‏يجعل‏ ‏الجزء‏ ‏من‏ ‏الثانية‏ ‏يحمل‏ ‏هذا‏ ‏الإيقاع‏ ‏البطىء‏ ‏إلى ‏حد‏ ‏الإيحاء‏ ‏بالتوقف‏، ‏كما‏ ‏أن‏ ‏هائلية‏ ‏الضخامة‏ ‏هنا‏ ‏إنما‏ ‏تشير‏- ‏فى ‏الأغلب‏ – ‏إلى ‏تمدد‏ ‏الذات‏ – ‏فى ‏الكون‏- ‏دون‏ ‏فقد‏ ‏لحدودها‏ (‏بما‏ ‏يميزها‏ ‏عن‏ ‏الجنون‏).

وبعد

أكتفى بهذا القدر اليوم، وأمل أن أضيف الأسبوع القادم “خبرة شخصية” أشعر أننى مضطر لإضافتها فى هذه المرحلة ونحن فى موقع بين التفكير الإبداع والاضطراب الجوهرى فى التفكير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *