نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 1-4-2019
السنة الثانية عشرة
العدد: 4230
(مقتطفات متعلقة) من أعمال يحيى الرخاوى
النقدية والإنشائية والإبداعية
من كتاب “عندما يتعرى الإنسان” (1)
من حكاية:
“كبيرهم”
………
وهكذا يا سيادة الطبيب حطمتُ كل من يقترب منى لأشعر بالقوة وكان كل ذلك يزيد إيمانى بأن القرش هو السيد فعلا، رأيت تدهور التلاميذ النجباء فى خضم الحياة، ورأيت حيرتهم وارتباكهم أمام دراهم يقتطعونها من قوتهم ثم لا يعرفون كيف يتصرفون فيها، العلم لا ينفعهم لأنه كان جواز مرور للوظيفة ثم راح كل إلى حال سبيله، والمبادئ لا تصونهم لأنها سريعة التبخر حسب درجة الحرارة، وأفواه الأولاد، ومتطلبات العصر تحنى ظهورهم، وشئ فىّ لا يرحمهم، ومـَنْ يضحك أخيرا هو الأذكى، ولكنى لم أعرف الضحك أبداً، ربما كشرتُ عن أنيابى ولكنى لا أضحك، كنت أنتشى بلذة النصر، ولكنى لا أسعد.
قلت له:
= إذن ماذا فعلت بكل هذا الانتصار والتحطيم؟
قال:
- لم يبق أمامى شئ أحطمه، والمكسب لم يعد عندى مشكلة، ولكنى لم أفرط فى قرش واحد، ولم أسمح للناس أن يقتربوا منى أبدا، أنكرونى فأنكرتهم ولكنى كنت حاذقا فى استعمالهم.
قلت:
= والعواطف؟
قال:
- أية عواطف؟ أنا لا أعرف معنى لهذا اللفظ رغم كثرة استعمالى له، فإن كنت تقصد الجنس فقد اشتريت كل الأصناف، وربما كانت حكايتى معه هى التى جاءت بى إليك.
كنت أشتريهن بذكاء خبير، وكانت متعتى الحقيقية أن أستولى على عواطفهن بشبابى الذى كان يستمد قوته من قرشى الذى هو أنا، لا تتصور أنى اشتريتهن من سوق البغاء، إذ أن ممكلتى امتدت للبيوت والنوادى وكل مكان، كان يرضينى تماما أن أشعر أنى مرغوب فىّ، واستعملت كل الحيل والألاعيب لأثبت أنى ناجح خاصة فى هذا المجال، ونجحت فيه فعلا وحطمتُ قيما كثيرة، نجحت ونجحت.. ولكن لم تنجح امرأة أبدا فى أن تدخل قلبى، كنت أستولى عليهن استيلاء حتى تنمحى ذواتهن فى، وبعد ذلك أمارس اللذة الذاتية.
ومرت السنون.
وأخذ الحيوان فىّ يتكاسل، واضطررت أن أكمل هذا النقص بقروشى، فأنا وقرشى واحد، ونفعت اللعبة، ولكن بدأت المرارة تغص حلقى كل مرة.
وبدأ التساؤل الخبيث يثور فى عقلى: ثم ماذا؟ وكنت أطرد السؤال قبل أن يظهر فى دائرة يقظتى، ولكنى كنت أحس به يلف فى قاع جمجمتى ينثر الشك فى كل مكان، وعلى كل شئ.
ثم ماذا؟
وأخذت هرمونات ومنشطات ومنبهات، ولكنى كنت كحمار يجر عربة محملة بصابون الوحش، يحاول أن يصعد بها من تحت نفق شبرا، وتلوح له أتانٌ تتبختر فى النور من الناحية الأخرى، فألهب ظهرى بالمنشطات، لكننى لا ألحقها دائما، ثم أبدا، أعذرنى يا سيادة الطبيب ليس فى الطب حرج.
****
قالت وقد تراخت أو صور لى خيالى أنها تراخت.
- لا تبتئس مازلتَ سيد الرجال.
- هل أنتِ سعيدة معى ؟
- طبعا
- وهل أٌرضيك؟
- أنت سيد العارفين.
- أصبحت أشك فى نفسى، واختلطت على الأمور.
- هيا ولا تُضِعْ وقتك واطرد هذه الهواجس.
- هل أنت متعجلة.
- اخاف عليك أن تنتهى قبل أن تبدأ.
– لا تذكّرينى.
- آسفه.. ولكن قلبى عليك.
- وأنت؟
- اللمسة منكَ تكفينى…. أنتَ مفعولك أكيد.
وحين اهتزت وتراخت، تصورت أنى أرضيتها.. ولكنى لمحت يدها فى نفس اللحظة تعد رزمة النقود التى أعطيتها إياها.
أهكذا؟ ، لم أنبس
ولم يستيقظ ذلك الحيوان ثانية أبداً رغم محاولاتى المرهقة.
****
– ثم جئت إليك الدنيا سوداء ولا يوجد معنى لأى شئ، فقد القرش بريقه، وهمد الحيوان بلا رجاء فيه، وتحطمت كل الأصنام وراحت لذة التحدى، وأخذ مصباح الحياة يذبل شيئا فشيئاً، كنت أنتظر نهاية الجرى المستمر لأتفرغ للمتعة الخالصة وأجد الأمان، ولكن النهاية جاءت قبل أن أشعر بالأمان لحظة، وتذكرت قول عبد القوى ”منك لله..”
ولو كان الله أذن فى أمرى وأنا فى عنفوانى لِمتُّ مثال الناجحين المهرة. ولكن أن تموت قوتك الزائفة. قبل أن تموت خلاياك فهذا هو قمة الألم والضياع، لا غد لى… ولا أمل فى… وذكريات الأمس أصبحت مصدرا للعذاب لامجالا للفخر.
****
[1] – المقتطف من كتاب “عندما يتعرى الإنسان” (ص162- ص165) (الطبعة الأولى 1969 ط (2) 1979، ط (3) 2011، ط (4) 2017) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net وهذا هو الرابط