الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطف من كتاب: دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى: الفصل‏ ‏الثانى: تقديم وتعريف، واعتبارات أساسية (2)

مقتطف من كتاب: دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى: الفصل‏ ‏الثانى: تقديم وتعريف، واعتبارات أساسية (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 19-2-2020

السنة الثالثة عشرة

العدد:   4554

الأربعاء الحر

مقتطف من كتاب:

دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى  (1)

 الفصل‏ ‏الثانى: تقديم وتعريف، واعتبارات أساسية (2)

إعتذار

آسف، حتى يتواصل الكلام أجدنى مضطراً

أن أعيد آخر فقرة في النشرة السابقة

بتاريخ: 12-2-2020

إن‏ ‏السبيل‏ ‏الحقيقى ‏لإعادة‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏تدريس‏ ‏هذين‏ ‏العلمين‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏نعطى ‏لك‏ ‏ما‏ ‏يفيدك‏ ‏أنت‏ ‏فى ‏فهم‏ ‏نفسك‏ ‏والآخرين‏، ‏فتنطلق‏ ‏فيك‏ ‏قوى ‏النمو‏ ‏الإبداع‏، ‏وأن‏ ‏نجعلك‏ ‏تلم‏ ‏بما‏ ‏يفيدك‏ ‏كطبيب‏ ‏سواء‏ ‏فى ‏معرفة‏ ‏نفوس‏ ‏مرضاك‏ ‏أم‏ ‏فى ‏شحذ‏ ‏ملكاتك‏ ‏الفنية‏ ‏الإنسانية‏ ‏التى ‏بوساطتها‏ ‏تصبح‏ ‏أكثر‏ ‏نجاحا‏ ‏وأعم‏ ‏نفعا‏، ‏نعلمك‏ ‏كيف‏ ‏تتعامل‏ ‏مع‏ ‏مرضاك‏ ‏من‏ ‏واقع‏ ‏معرفتك‏ ‏نفسك‏ ‏واحتياجك‏، ‏ونفوسهم‏ ‏وظروفهم‏ ‏واحتياجهم‏ ‏إلى ‏المعلومات‏ ‏الأولية‏ ‏عن طبيعة النفس ثم عن‏ ‏العلاجات‏، ‏وهذا‏ ‏مما‏ ‏أحاول‏ ‏تقديم‏ ‏إطار‏ ‏عام‏ ‏له‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏العمل، ثم إننى أعتقد ‏أن‏ ‏الزملاء‏ ‏الرافضين‏ ‏هم‏ ‏أول‏ ‏من‏ ‏سيدعونا‏ ‏لزيادة‏ ‏ساعات‏ ‏التدريس‏ ‏لو‏ ‏قدمنا‏ ‏ما‏ ‏يفيد‏، ‏كما‏ أن ‏زملاءك‏ ‏الطلبة‏ ‏المنتفعين‏ ‏هم‏ ‏أول‏ ‏من‏ ‏سيثورون‏ ‏على ‏أى ‏إعاقة‏ ‏تحول دون‏ ‏منفعتهم.

الطالب‏: ما هذه الخطبة العصماء، هل تتصور أن فرصة الحوار بيننا هكذا هى السبيل لتحقيق هذه الثورة التى وصلتنى من هذه الخطبة.

المعلم‏: أنا متفائل مزمن، وتفاؤلى يلزمنى أن أملأ كل ثانية بعمل يسهم فى تحقيق ما أراه الأفضل والأصدق وأن أخاطب كل واحد، وخاصة الأصغر فالأصغر باعتبار أنى اسلمه الأمانة.

الطالب‏: إعمل معروفا أنا لست حمل هذا الكلام ومع ذلك فأنا فرِح به بدرجة مـِا، لا أعرف لماذا؟ ‏ولكن‏ ‏إذا‏ ‏استمر‏ ‏الأمر‏ ‏كما‏ ‏هو‏ ‏الآن‏، ‏فأهون‏ ‏الأمور‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏يستمر تدريس علم النفس‏ ‏بنفس ‏ ‏حجمه‏ ‏المتواضع‏ ‏كما‏ ‏هو‏، ‏مع‏ ‏نفس‏ ‏الرفض‏ ‏والتهوين‏، ‏وإن‏ ‏تـَـغـَـيـَّـرنا‏ ‏نحن‏: ‏فلابد‏ ‏أن‏ ‏ما حولنا‏ ‏سيتغير‏ ‏بالضرورة‏ ‏وطبيعة‏ ‏الأشياء.

المعلم‏: هذا صحيح: لأنك شاب، ولأنك طالب علم ومعرفة، ولأنك ذكى

الطالب‏: لا أكاد أصدق أن كل هذا يمكن أن يخطر على بالك عن واحد مثلى ونحن بصدد الحديث فى علم ثانوى يسمى علم النفس

المعلم‏: أهكذا تقول ثانوى ولا تخشى أن يقل حماسى أو يفتر تفاؤلى

الطالب‏: أنا آسف، لكن دعنى ‏أسأل‏ ‏سؤالا‏ ‏مبدئيا‏ ‏عن‏ “‏ماهية‏ ‏النفس”‏، ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏نخوض‏ ‏فى ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏”علم”‏ ‏يتعلق‏ ‏بها‏؟

المعلم‏: ‏تختلف‏ ‏الآراء‏ ‏فى ‏تعريف‏ ‏النفس‏ ‏بدرجة‏ ‏لا ننصح‏ ‏معها‏ ‏بأن‏ ‏نتعرض‏ ‏لتعريفها‏ ‏أصلا‏، ‏ذلك‏ ‏لأنها‏: ‏

‏1- ‏لو‏ ‏اعتـُـبـِـرت‏ ‏مرادفة‏ ‏للفظ‏ ‏”الروح”‏ ‏كما‏ ‏كانت‏ ‏قديما‏ ‏لكانت‏ ‏من‏ ‏ألغز‏ ‏الأمور‏، ‏بل‏ ‏قد‏ ‏يجب‏ ‏تركها‏ ‏جانبا‏ ‏لخالقها‏، ‏بل‏ ‏قد‏ ‏تصبح‏ ‏دراستها‏ ‏حراما‏ ‏وعصيانا‏ ‏والعياذ‏ ‏بالله‏!! (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)‏

‏2- ‏ولو‏ ‏اعتبرت‏ ‏مرادفة‏ ‏لظاهر‏ ‏أفعالها‏ ‏وسلوكها‏، ‏لتضاءلت‏ ‏قيمة‏ ‏الإنسان‏ ‏وماهيته ‏حتى أصبح‏ ‏كيانا‏ ‏مسطحا‏ ‏لا‏ ‏نعرف‏ ‏منه‏ ‏إلا‏ ‏ظاهر‏ ‏حركاته‏ ‏ومنطوق‏ ‏كلامه‏، ‏والإنسان‏ ‏أعقد‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏وأعمق‏ ‏وأصعب‏ ‏معاً‏.‏

والأفضل‏ ‏لك‏ – ‏وأنت الذكى‏ – ‏أن‏ ‏تكتفى ‏بأن‏ ‏تسأل‏: ‏ما‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏المقصود‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الكلمة‏ “النفس” ‏يمكن‏ ‏إرجاعه‏ ‏إلى ‏نشاط‏ ‏عضو‏ ‏بذاته‏، ‏فأستطيع‏ ‏هنا‏ ‏أن‏ ‏أعرفها‏ ‏لك‏ ‏بقولى: ‏

‏ “‏إن‏ ‏النفس‏ ‏هى ‏النشاط‏ ‏الكلى ‏للمخ‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏ (ويسرى ‏هذا‏ ‏أكثر‏ ‏على ‏الانسان‏) ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏يتضمن‏ ‏ويشترك‏ ‏مع‏ ‏نشاط ‏ ‏سائر‏ ‏الأعضاء‏ ‏جميعا“‏.

 ‏‏من‏ ‏هذا‏ ‏المدخل‏ ‏أساسا‏ – ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏لدراسة‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏بـُـعـْـدٌ‏ ‏واقعى ‏متواضع‏ ‏يجذب‏ ‏الطالب‏ ‏ويسهم‏ ‏فى ‏إعادة‏ ‏تخطيط‏ ‏المناهج‏، ‏وبهذا‏ ‏تصبح‏ ‏دراسة النفس بمثابة دراسة‏ ‏وظيفة‏ ‏عضو‏ من ‏الأعضاء‏ ‏كأنها‏ ‏تندرج‏ ‏تحت‏ ‏”علم‏ ‏وظائف‏ ‏الأعضاء”،‏ ‏ولكن‏ ‏ينبغى ‏ألا‏ ‏يوحى ‏هذا‏ ‏بأى ‏مفهوم‏ ‏تجزيئىّ‏، ‏حتى لا‏ ‏تصبح‏ ‏دراسة‏ وظائف ‏النفس‏ ‏وكأنها‏ ‏دراسة‏ ‏إفراز‏ ‏الكلى، ‏أو‏ ‏تجرى ‏دراسة‏ ‏الاختيار‏ ‏الواعى (الإرادة‏) ‏والتفكير‏ ‏الرمزى ‏مجرى ‏دراسة‏ ‏إخراج‏ ‏الفضلات‏ ‏أو‏ ‏حركة‏ ‏الأمعاء‏، ‏إن‏ ‏التركيز‏ ‏على ‏أن‏ ‏النفس‏ ‏هى ‏النشاط‏ ‏الإجمالى ‏المعقد‏ ‏للمخ‏‏  (2)‏ ‏يضيف‏ ‏بعدا‏ ‏هاما‏ ‏لا‏ ‏غنى ‏عنه‏ ‏فى ‏الدراسة‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏المنطلق‏، ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يختزل‏ ‏ظاهرة‏ ‏النفس‏ ‏إلى ‏مفهوم‏ ‏ميكانيكى ‏مسطح (أو تشريحى محدد).‏

الطالب‏: ‏إذن‏ ‏ما‏ ‏هى ‏علاقة‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏بعلم‏ ‏وظائف‏ ‏الأعضاء‏ (‏الفسيولوجيا‏)؟

المعلم‏: ‏يمكن‏ ‏اعتبارهما‏ – ‏من‏ ‏واقع‏ ‏الشرح‏ ‏السالف‏ – ‏شديدى ‏الاقتراب‏ ‏بعضهما‏ ‏من‏ ‏بعض‏، ‏والفرق‏ ‏الجوهرى ‏هو‏ ‏أن‏ ‏محتوى ‏دراسة‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ (‏وهو‏ ‏نشاط‏ ‏المخ‏ ‏الكلى) ‏شديد‏ ‏التعقيد‏ ‏شديد‏ ‏التداخل‏، ‏أما‏ ‏علم‏ ‏وظائف‏ ‏الأعضاء‏ ‏فهو‏ ‏يتناول‏ ‏الأعضاء عضوا عضوا‏ ‏بالتفصيل‏ ‏وبالتجزئ‏ ‏الممكن‏ ‏المناسب‏.‏

الطالب‏: ‏هل‏ ‏معنى ‏النشاط‏ ‏الكلى ‏للمخ‏ ‏أنه‏ ‏نشاط‏ ‏واحد‏، ‏أم‏ ‏أنه‏ ‏يعنى ‏عدة‏ ‏نشاطات‏ ‏متآلفة‏، ‏أم‏ ‏ماذا‏‏؟

المعلم‏: ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏نميز‏ ‏بين‏ ‏طبيعة‏ ‏الظاهرة‏، ‏وبيين‏ ‏ضرورات‏ ‏الدراسة‏، “‏فالنفس‏ ‏هى ‏النشاط‏ ‏الكلى ‏للمخ”‏ ‏وهذه هى‏ ‏طبيعة‏ ‏الظاهرة‏، ‏أم‏ ‏دراستها‏ ‏فهى ‏تضطرنا‏ ‏إلى النظر‏ ‏إليها‏ ‏من‏ ‏زوايا‏ ‏متعددة‏، ‏ويصبح‏ ‏التقسيم‏ ‏ليس‏ ‏تقسيما‏ ‏للظاهرة‏ ‏وإنما‏ ‏تعددا‏ ‏لزوايا‏ ‏الرؤية‏، ‏فإذا‏ ‏درسنا‏ ‏التفكير‏ ‏فنحن‏ ‏ندرس‏ ‏المخ‏ ‏فى ‏كليته‏ ‏إذ‏ ‏يفكر،‏ ‏ثم‏ ‏نعود‏ ‏ندرس‏ ‏وظيفة‏ ‏التعلم‏ ‏وهى ‏وظيفة‏ ‏كلية‏ ‏أيضا‏ ‏تشمل‏ ‏التذكر‏ ‏وتسهم‏ ‏فى ‏النضج‏ ‏وكلا من التفكير والتعلم يرتبطان أشد الارتباط بما يدفعهما من دواقع وما يصاحبهما من وجدان وهكذا.‏ ‏

الطالب‏: ‏ولكن‏ ‏ألا‏ ‏يختص‏ ‏كل‏ ‏جزء‏ ‏من‏ ‏المخ‏ ‏بوظيفة‏ ‏نفسية‏ ‏بذاتها‏، ‏مثلما‏ ‏هو‏ ‏الحال‏ ‏ ‏فى ‏الأعضاء‏ ‏الأخرى؟‏ ‏أو‏ ‏حتى ‏مثلما‏ ‏هو‏ ‏الحال‏ ‏فى ‏الوظائف‏ ‏الحركية‏ ‏والحسية‏ ‏للمخ‏ ‏نفسه‏؟

المعلم‏: ‏لقد‏ ‏حاول‏ ‏كثير‏ ‏من‏ ‏العلماء‏ ‏هذه‏ ‏المحاولة‏ ‏بغية‏ ‏تحديد‏ ‏مكان‏ (‏أو‏ ‏مركز(‏Center  للذاكرة‏، ‏وآخر‏ ‏للتفكير‏، ‏وثالث‏ ‏للعواطف‏، ‏وكانت‏ ‏محاولات‏ ‏مجتهدة‏ ‏ومدعمة‏ ‏بالأدلة‏ ‏المبدئية‏ ‏النابعة‏ ‏من‏ ‏تجارب‏ ‏استئصال‏ ‏فى ‏الحيوانات‏، ‏أو‏ ‏من‏ ‏مشاهدة‏ ‏نتائج‏ ‏عمليات‏ ‏جراحية‏ ‏اضطرارية‏ ‏لإزالة‏ ‏أجزاء،‏ ‏أوشق‏ ‏فصوص‏، ‏فى ‏المخ‏، ‏ولكن‏ ‏لم‏ ‏يثبت‏ ‏بأى ‏دليل‏ ‏دامغ‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏التحديد‏ ‏ممكن‏ ‏مثلما‏ ‏هو‏ ‏ممكن‏ ‏فى ‏وظائف‏ ‏الحركة‏ ‏والاحساس‏ (‏والإدراك‏ Perception ‏ أحيانا‏)، ‏ومثال‏ ‏ذلك‏ ‏أنه‏ ‏ثبت‏ ‏مؤخرا‏ ‏أن‏ ‏الذاكرة‏ – ‏مثلا‏ – هى ممثله‏ ‏فى ‏كل‏ ‏أجزء‏ ‏المخ‏ ‏وخلاياه‏، ‏وليست‏ ‏فى ‏منطقة‏ ‏بذاتها‏، ‏وأن‏ ‏إزالة‏ ‏جزء‏ ‏كبير‏ ‏من‏ ‏المخ‏ (‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏لحاء‏ ‏المخ‏) ‏فى ‏أى ‏مكان‏ ‏لا‏ ‏يلغى ‏جزءا‏ ‏معينا‏ ‏من‏ ‏الذاكرة‏ ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏يحور‏ ‏قليلا‏ ‏من‏ ‏تفاصيلها‏.، بل لقد امتد الفكر الأحدث إلا أن الذاكرة تتجاوز المخ نفسه إلى الجسد بل وإلى المحيط من حولنا، وكذلك‏ ‏عجز‏ ‏العلماء‏ ‏عن‏ ‏تحديد‏ ‏مركز‏ ‏التفكير‏ ‏فى ‏الفص‏ ‏الأمامى Frontall Lobe ‏وهكذا‏.

 ‏وأخيرا‏ ‏فإن‏ ‏القول‏ ‏بأن‏ ‏الانفعال‏ ‏يقع‏ ‏فى ‏الجهاز‏ ‏الحرفى Limbic System ‏وما‏ ‏يتعلق‏ ‏به‏ ‏من‏ ‏أجزاء‏ ‏المخ‏ ‏القديم‏ ‏إنما‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏مراكز‏ ‏لسلوك‏ ‏بدائى ‏عدوانى ‏أو‏ ‏هروبى، ‏وكذلك‏ ‏ما‏ ‏يرتبط‏ ‏به‏ ‏من‏ ‏تفاعلات‏ ‏أتونومية Autonomic ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏العواطف‏ ‏الأرقى ‏المعقدة‏ ‏مثل‏ ‏العرفان‏ Gratitude ‏والمشاركة‏ ‏التعاطفية‏ ‏الانسانية‏ Humanistic empathetic associationism ‏إذ‏ ‏أن‏ ‏هاتين‏ ‏العاطفتين‏ ‏تستلزمان‏ ‏عمل‏ ‏المخ‏ ‏بأكمله.

‏ ‏خلاصة‏ ‏القول‏ ‏أن‏‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏الأرقى‏ ‏خاصة‏ (‏وليست‏ ‏البدائية‏ ‏المشتركة‏ ‏مع‏ ‏الحيوانات‏) ‏تستلزم‏ ‏عمل‏ ‏المخ‏ ‏بأكمله‏‏  (3)‏.‏

الطالب‏: ‏فما‏ ‏هو‏ ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏البدائية‏ ‏والوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏الإنسانية‏ ‏الأرقى ‏؟

المعلم‏: ‏إن‏ ‏ترتيب‏ ‏المخ‏ ‏من‏ ‏الأدنى ‏إلى ‏الأرقى ‏هو‏ ‏ترتيب‏ ‏معروف‏ ‏فى ‏علم‏ ‏التشريح‏، ‏وعلم‏ ‏الفسيولوجيا‏ ‏العصبية‏، ‏وهو‏ ‏نابع‏ ‏من‏ ‏فروض علوم‏ ‏التطور‏ ‏وعلم‏ ‏الأجنة المقارنة‏ ‏والتشريح،‏ و‏علم‏ ‏الفسيولوجيا‏ ‏النفسية‏ (4)، ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏يمكن‏ ‏تقسيم‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏ارتقائيا‏ ‏على ‏الأسس‏ ‏التالية‏: ‏

‏(‏ا‏) ‏كلما‏ ‏كانت‏ ‏الوظيفة‏ ‏انعكاسية‏ ‏ميكانيكية‏ ‏كانت‏ ‏أدنى ‏وأكثر‏ ‏بدائية‏، ‏مثال‏ ‏ذلك‏ ‏دافع‏ ‏الجوع‏ ‏وإرضاؤه‏ ‏بالأكل‏، ‏وأبسط‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏إدراك‏ ‏الألم‏ ‏من‏ ‏مثير‏ حسىّ ‏مؤلم‏ ‏للجلد‏ ‏وسحب‏ ‏اليد‏ ‏انعكاسيا‏ ‏ميكانيكيا‏ استجابة للغزّ ‏وهكذا‏.‏

‏(‏ب‏) ‏كلما‏ ‏كانت‏ ‏الوظيفة‏ ‏نابعه‏ ‏من‏ ‏عدد‏ ‏قليل‏ ‏محدود‏ ‏من‏ ‏النيورونات‏ Neurones ‏ كانت‏ ‏بدائية‏ أكثر، ‏والعكس‏ ‏صحيح‏، ‏ومثال‏ ‏ذلك:‏ ‏أن‏ ‏خفقان‏ ‏القلب‏ ‏عند‏ ‏الخوف‏ ‏يشمل‏ ‏مسارات‏ ‏نيورونية‏ ‏محدودة‏، ‏فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏التفكير‏ ‏للبحث‏ ‏عن‏ ‏تعريف‏ ‏شامل‏ ‏لماهية‏ ‏الحرية‏ – ‏مثلا‏ – ‏يشمل‏ ‏أغلب‏، ‏إن‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏كل‏، ‏خلايا‏ ‏المخ‏.‏

‏(‏حـ‏) ‏كلما‏ ‏كانت‏ ‏الوظيفة‏ ‏معبراً‏ ‏عنها‏ ‏بالتعبير‏ ‏الجسدى ‏أو‏ ‏الحشوى ‏أساسا‏ ‏كانت‏ ‏أكثر‏ ‏بدائية‏ ‏والعكس‏ ‏صحيح‏، ‏ومثال‏ ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏السلوك‏ ‏الانفعالى ‏الذى ‏يظهر‏ ‏فى ‏سورة‏ ‏الغضب‏، ‏وكذا‏ ‏احمرار‏ ‏الوجه‏ ‏أو‏ ‏القئ‏، ‏هو‏ ‏أكثر‏ ‏بدائية‏ ‏من‏ ‏سلوك‏ ‏الأسى ‏المؤلم‏ ‏والتوجع‏ ‏لقلة‏ ‏الوفاء‏، ‏والالتزام‏ ‏بين‏ ‏بنى ‏البشر‏.. ‏وهكذا‏ ‏ ‏نجد‏ ‏أن‏ ‏الوظائف‏ ‏تترتب‏ ‏تصاعديا‏ ‏حسب‏ “مدى” ‏ما‏ ‏تشمل‏ ‏من‏ ‏نيورونات مساحةً وتشابكاتٍ‏.‏

الطالب‏: ‏ولكن‏ ‏هل‏ ‏المدى ‏وحده‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يحدد‏ ‏ارتقاء‏ ‏الوظيفة‏ ‏أو‏ ‏بدائيتها؟

المعلم‏: ‏لا‏.. ‏بل‏ ‏يوجد‏ ‏أيضا‏ ‏النسق‏، ‏ولكن‏ ‏هذا‏ ‏أمر‏ ‏أشد‏ ‏تعقيدا‏، ‏ولم‏ ‏يستقر‏ ‏عليه‏ ‏العلماء‏ ‏بالنسبة‏ ‏لكل‏ ‏وظيفة‏، ‏ولا‏ ‏مجال‏ ‏فى ‏هذا‏ “‏الدليل‏” ‏للإفاضة‏ ‏فيه‏، ‏كل‏ ‏ما‏ ‏أرجو‏ ‏إيضاحه‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏الإنسانية‏ ‏الأرقى ‏بالذات‏ ‏يصعب‏ ‏تحديد‏ ‏موضعها‏ Locality ‏ فى ‏المخ‏، ‏لأنها‏ ‏منتشرة‏ ‏تماما‏ ‏وهى وظائف كلية‏ ‏لايربطها‏ “‏موضع‏” محدد ‏بل‏ “تنظيم”، ‏وعلى ‏نفس‏ ‏المبدأ‏ ‏فإن‏ ‏تحديد‏ ‏مواضع‏ ‏بذاتها‏ ‏للاضطرابات‏ ‏النفسية‏ ‏المختلفة‏ ‏يصبح‏ ‏أمرا‏ ‏منافيا‏ ‏لطبيعة‏ ‏ماهية‏ ‏النفس‏.‏

الطالب‏: ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏شأن‏ ‏ترتيب‏ ‏وظائف‏ ‏المخ‏، ‏أو‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏، ‏فما‏ ‏هو‏ ‏موقع‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏باللاشعور‏ ‏أو‏ ‏العقل‏ ‏الباطن؟‏ ‏هل‏ ‏هو‏ ‏أيضا‏ ‏فى ‏المخ؟

المعلم‏: ‏لاشك‏ ‏أن‏ ‏العقل‏ ‏الباطن‏ ‏ليس‏ ‏فى “‏البطن”‏، ‏وأن‏ ‏اللاشعور‏ ‏ليس‏ ‏مفهوما‏ ‏مجردا‏ ‏فى ‏الهواء‏ ‏الطلق‏، ‏وأن‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏يتعلق‏ ‏بالنفس‏ ‏هو‏ ‏فى ‏المخ‏ .. ‏والعقل‏ ‏الباطن‏ ‏أو‏ ‏اللاشعور‏ ‏هو أساسا‏ ‏نشاط‏ ‏تنظيم غائر فى المخ أيضا‏ ‏ ‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏وعى ‏الإنسان‏ ‏فى ‏لحظة‏ ‏بذاتها‏، ‏ولكن‏ ‏هذا‏ ‏النشاط‏ ‏قد‏ ‏يظهر‏ ‏فى ‏أحوال‏ ‏أخرى ‏مثل‏ ‏الحلم‏، ‏أو‏ ‏بالتنويم‏، ‏أو‏ ‏بتأثير‏ ‏بعض‏ ‏العقاقير‏، ‏وأحيانا‏ ‏بالإثارة‏ ‏الكهربية‏ ‏بقطب‏ ‏دقيق‏ Micro Elcctrode ‏لبعض‏ ‏أجزاء‏ ‏المخ‏ ‏لشخص‏ ‏واع‏ ‏متطوع‏ ‏ومخدر‏ ‏تخديرا‏ ‏موضعيا‏ ‏فقط‏، ‏والحقيقة‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏التجارب‏ ‏الأخيرة‏ ‏قد‏ ‏قام‏ ‏بها‏ ‏عالم‏ ‏جراح‏ ‏رائد ‏هو‏ “‏بنفيلد”‏ Penfield ‏واستعاد‏ ‏الشخص‏ ‏المتطوع‏ ‏بهذه‏ ‏الإثارة‏ ‏الكهربية‏ ‏الدقيقة‏ ‏ذكريات‏ ‏قديمة‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏يتصور‏ ‏أنه‏ ‏ممكن‏ ‏أن‏ ‏يتذكرها‏، ‏بل‏ ‏إن‏ ‏نفس‏ ‏الفكرة ألهمت‏ ‏عالما‏ ‏آخر‏ (‏إريك‏ ‏بيرن‏) ‏أن‏ ‏يثبت‏ ‏فرض‏ ‏وجود‏ ‏عدة‏ ‏تنظيمات‏ ‏فى ‏المخ‏ ‏تقابل حالات‏ ‏أشخاص‏ ‏متعددة‏ ‏فى ‏ذات‏ ‏الشخص‏ ‏الواحد‏  (5)‏.‏

الطالب‏: ‏كيف‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏المخ‏ ‏الواحد‏ ‏به‏ ‏أشخاص‏ ‏متعددين‏ ‏فى ‏ذات‏ ‏الشخص‏ ‏الواحد؟‏ ‏هل‏ ‏هذا‏ ‏كلام؟

المعلم‏: ‏لا‏ ‏هذا‏ ‏ليس‏ ‏كلاما‏، ‏ولكنه‏ ‏علم‏، ‏وليس‏ ‏هنا‏ ‏مجال‏ ‏تفصيل‏ ‏هذا‏ ‏الفرض‏، ‏وإن‏ ‏كانت‏ ‏الفكرة‏ ‏الأساسية‏ ‏فى ‏غاية‏ ‏البساطة‏، ‏وتفيد‏ ‏الطبيب‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏فى ‏تعامله‏ ‏مع‏ ‏مرضاه‏، ‏ولا‏ ‏أعنى ‏الطبيب‏ ‏النفسى ‏بل‏ ‏أى ‏طبيب‏، ‏ومايهم‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏النقطة‏ ‏هو‏ ‏عدة‏ ‏حقائق‏ ‏يستحسن‏ ‏إيضاحها‏ ‏فى‏:‏

‏ ‏إن‏ ‏وجود‏ ‏تنظيمات‏ ‏هرمية‏ (‏هيراركية‏) Hierarchieal ‏فى ‏المخ‏، ‏هو‏ ‏مفهوم‏ ‏عادى ‏يساير‏ ‏مفهوم‏ ‏التطور‏ ‏ويساير‏ ‏وجود‏ ‏نفس‏ ‏التنظيمات‏ ‏الهيراركية‏ ‏فى ‏الوظائف‏ ‏الأخرى ‏مثل‏ ‏الإحساس‏ ‏والحركة‏، ‏فإذا‏ ‏كانت‏ ‏الثالاموس ‏ Thalamus‏هى ‏مركز‏ ‏الإحساس‏ ‏البدائى، ‏وإذا‏ ‏كانت‏ ‏العقد‏ ‏القاعدية ‏ Basal Ganglia‏هى ‏المركز‏ ‏البدائى ‏للحركة‏، ‏فـَـلـِـمَ‏ ‏لايوجد‏ ‏مستوى (‏أو‏ ‏مستويات‏) ‏بدائية‏ ‏فى ‏التركيب‏ ‏النفسى؟

وكل‏ ‏مستوى ‏تنظيمى ‏فى ‏المخ‏ ‏يمثل‏ ‏كيانا‏ ‏متكاملا‏ (‏يمكن‏ ‏اعتباره‏ ‏شخصا‏)، ‏ولكنه‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏اليقظة‏ ‏يعمل‏ ‏ضمن‏ ‏الوحدة‏ ‏الكلية‏ ‏الممثـِّلة‏ ‏للشخصية‏ ‏أو‏ ‏للنفس‏.‏

وفى ‏الاحلام‏ ‏تتفكك‏ ‏هذه‏ ‏الوحدة‏ ‏وتظهر‏ ‏هذه‏ ‏التنظيمات‏ ‏فى ‏حركة‏ ‏مستقله‏ ‏ورمزية‏ ‏ومحورة‏.

وفى ‏الجنون‏ ‏تتفكك‏ ‏هذه‏ ‏الوحدة‏ ‏ويتعدد‏ ‏الوجود‏، ‏أى ‏تعمل‏ ‏التنظيمات‏ ‏المختلفة‏ ‏مزدحمة‏ ‏فى ‏تنافس‏ ‏وتصادم‏، ‏وذلك‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏اليقظة‏ ‏وليست‏ ‏أثناء‏ ‏النوم‏ ‏فى ‏الحلم‏ فقط، ‏وأظن‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الإشارات‏ ‏العامة‏ ‏تكفى ‏بما‏ ‏يسمح‏ ‏به‏ ‏حجم‏ ‏هذا‏ ‏الدليل‏ ‏وهدفه‏، ‏وهو أن‏ يدرك‏ ‏الطالب‏ ‏الذكى ‏أن‏ ‏المخ‏ ‏هو‏ ‏الحاوى ‏لكل‏ ‏هذه‏ ‏التعبيرات‏ ‏والمفاهيم‏ ‏من‏ ‘‏لاشعور‏’ ‏إلى “‏عقد‏” ‏إلى “‏عقل‏ ‏باطن‏” ‏التى ‏أسئ‏ ‏فهمها‏ ‏وأسئ‏ ‏استعمالها‏ ‏معا‏.‏

 ومرة أخرى: لتعلم يا بنىّ أننى ‏فى ‏قرارة‏ ‏نفسى ‏أرفض‏ ‏تعبير‏ “‏اللاشعور‏“‘unconscious هذا‏، ‏لأنه‏ ‏تعبير‏ ‏بالنفي‏، ‏وكنت‏ ‏أفضل‏ ‏أن‏ ‏نقول‏ ‏الشعور‏ “‏الأعمق”‏ ‏أو‏ “‏الأبعد”‏ ‏أو “الأخفى” ‏أو‏ “‏الآخر”‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الكلمة‏ ‏التى قد تحمل معان غامضة بل ملتبسة‏.‏

الطالب‏: ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏هى ‏علاقة‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏بعلم‏ ‏وظائف‏ ‏الأعضاء‏ ‏فما‏ ‏علاقته‏ ‏بعلم‏ ‏الكيمياء؟

المعلم‏: ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏تتغير‏ ‏وتتحول‏ ‏تحت‏ ‏تأثير‏ ‏الكيمياء‏، ‏حتى ‏فى ‏الأحوال‏ ‏العادية‏: ‏مثل‏ ‏تأثير‏ ‏المشروبات‏ ‏الكحولية‏، ‏فإنه‏ ‏من‏ ‏الطبيعى ‏أن‏ ‏ندرك‏ ‏للتو مدى ‏تداخل‏ ‏الكيمياء‏ ‏بنسب‏ ‏معينة‏ ‏فى ‏التوازن‏ ‏الوظيفى ‏الكلى ‏للمخ‏.‏ ‏والحقائق‏ ‏البسيطة‏ ‏التى ‏توضح‏ ‏هذه‏ ‏العلاقة‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نوردها‏ ‏كما يلى: ‏

‏(‏أ‏) ‏هناك‏ ‏عقاقير‏ ‏إذا‏ ‏أعطيت‏ ‏تفككت‏ ‏مستويات‏ ‏المخ‏، ‏فاختلت‏ ‏وظائف‏ ‏النفس‏ ‏لدرجة‏ ‏الهلوسة(6)Hallucination ‏ والخلط‏، ‏وتسمى ‏هذه‏ ‏العقاقير‏ ‏المـُـهـَـلـْـوِسات‏، ‏مثل‏ ‏الحشيش‏ ‏وعقار‏ ‏ل‏ ‏س‏ ‏د‏ 25 LSD 25.‏

‏(‏ب‏) ‏هناك‏ ‏عقاقير‏ ‏إذا‏ ‏أعطيت‏ ‏لمرضى ‏يعانون‏ ‏من‏ ‏مظاهر‏ ‏اضطراب‏ ‏النفس‏، ‏زالت‏ ‏هذه‏ ‏المظاهر‏، ‏فإذا‏ ‏كانوا‏ ‏يهلوسون‏ ‏مثلا‏، ‏كفوا‏ ‏عن‏ ‏الهلوسة‏ .. ‏وهكذا‏، ‏ومن‏ ‏هذا‏ ‏وذاك‏ ‏ظهرت‏ ‏نظريات‏ ‏تقول‏ ‏إن‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏هو‏ ‏نتيجة‏ ‏لزيادة‏ ‏هذه‏ ‏المادة‏ ‏الكيميائية‏ ‏أو‏ ‏نقص‏ ‏تلك‏ ‏المادة‏، ‏والحقيقة‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏استنتاجات‏ ‏متعجلة‏ ومختـَزِلة، ‏فوجود‏ ‏مادة‏ ‏بالزيادة‏ ‏أو‏ ‏النقص‏، ‏لا‏ ‏يعنى ‏أن‏ ‏ذلك‏ ‏هو‏ ‏السبب المباشر‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الاضطراب‏ ‏أو‏ ‏ذاك‏، ‏بل‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏نتيجة‏ ‏للاضطراب‏ ‏ذاته‏، وغالبا يكون السبب هو خلل فى التنظيم الكلى نتيجة هذه الزيادة أو ذلك النقص.‏

وكل‏ ‏الفروض‏ ‏المتعلقة‏ ‏بالأسباب‏ ‏الكيميائية‏ ‏البحتة‏ ‏للأمراض‏ ‏النفسية‏، ‏وهى ‏فروض‏ ‏متواضعة‏، ‏لاينبغى ‏التسرع‏ ‏فى ‏الاستناد‏ ‏اليها‏ ‏وحدها‏ ‏كحل‏ ‏استسهالى ‏مباشر‏ ‏يفسر‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏وعلاجه‏ .‏

الطالب: واحدة واحدة، لقد بدأت المعلومات تزدحم فى مخى، فقل لى بهدوء ما علاقة النفس بالمخ.

المعلم‏: ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏النفس‏ ‏هى ‏النشاط‏ ‏الكلى ‏للمخ‏، ‏فإن‏ ‏تركيب‏ ‏المخ‏ ‏له‏ ‏علاقة‏ ‏مباشرة‏ ‏بوظيفة‏ ‏النفس‏، ‏ومخ‏ ‏ضعاف‏ ‏العقول‏ ‏مثلا‏ (‏الدرجة‏ ‏الشديدة‏ ‏منهم‏) ‏أقل‏ ‏وزنا‏ ‏وأقل‏ ‏فى ‏عدد‏ ‏خلايا‏ ‏اللحاء‏ ‏من‏ ‏مخ‏ ‏الشخص‏ ‏العادى ..‏

الطالب: وما علاقة كل ذلك بحكاية البدائى والأنضج التى تلوح فى معظم كلامك أعنى بالتطور.

 المعلم: إن‏ ‏علم‏ ‏التشريح‏ ‏المقارن‏ ‏وعلم‏ ‏الأجنة‏ Embryology ‏المقارن‏ ‏هما‏ ‏من‏ ‏أهم‏ ‏العلوم‏ ‏التطورية‏، ‏وهما‏ ‏يؤكدان‏ ‏نظرية‏ ‏التطور‏ ‏التى ‏هى ‏أساسية‏ ‏فى ‏فهم‏ ‏الترتيب‏ ‏الهرمى ‏للمخ‏، ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏للوظائف‏ ‏والمستويات‏ ‏النفسية‏، لكن تؤجل تفصيل ذلك الآن، ثم ‏دعنا‏ ‏نؤكد‏ ‏ثانية‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏توجد‏ ‏منطقة‏ ‏بذاتها‏ ‏أمكن‏ ‏تحديدها‏ ‏تماما‏ ‏لوظيفة‏ ‏بذاتها‏ ‏من‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏.‏

الطالب‏: ‏وهل‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏مفهوم‏ المخ والوظائف النفسية ‏عبر‏ ‏التاريخ‏ ‏؟

[1] –  يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)، (من ص 66- إلى 73)، والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982 ) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

[2] – ثبت مؤخراً من علوم التطور والنيوروبيولوجيا ما يسمح بالحديث عن عدد من الأمخاخ مرتبة ترتيبيا هيراركيا تطوريا، تتبادل وتتجادل وتتكافل معا ليظهر من هارمونيتها السلوك الذى تتصف به ما يسمى النفس عادة دانيال دينيت (مثلا):

Kinds of Minds Towards Understanding of Consciousness  Daniel C. Dennet 1996

الكتاب المترجم صادر عن “المكتبة الأكاديمية” ترجمة: د. مصطفى فهمى إبراهيم، نشر بعنوان: “تطور العقول!!” “نحو محاولة  لفهم الوعى”  – القاهرة  2003

[3] – بل الأمخاخ جميعاً

[4] – هذا التعبير الفسيولوجيا النفسية Psychic physiology غير التعبير الشائع عن علم النفس الفسيولوجى Physiological psychology آخذين فى الاعتبار المفهوم الخاص الذى قدمناه هنا باعتبار علم النفس هو جزء لا يتجزأ من علم الفسيولوجيا أو هو أرقى فروع الفسيولوجيا بالمعنى التطورى.

[5] – ولاحقاً أصبح الحديث باعتبار أنها عدة “أمخاخ” أو “عقول” وليس فقط “حالة ذات” أو “حالات ذوات”، أنظر هامش رقم (10)

[6] – سيأتى تعريف الهلوسة فيما بعد.

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *