الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطف من كتاب: “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه” الحالة: (19) “هدف المريض وهدف المُعالج!”

مقتطف من كتاب: “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه” الحالة: (19) “هدف المريض وهدف المُعالج!”

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 7-7-2021

السنة الرابعة عشر  

العدد: 5058

الأربعاء الحر:

مقتطف من كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه (1)

الكتاب الأول الحالات: من (1) إلى (20)

تذكرة:

ننشر اليوم، وكل أربعاء، – كما ذكرنا – عملاً أقل تنظيرا وأكثر ارتباطا بالممارسة الكلينيكية العملية وخاصة فيما هو “العلاج النفسى”، فنواصل نشر الحالة (19) من الكتاب الأول من سلسلة الكتب الخمس التي صدرت بعنوان “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه”، ولا يحتاج الأمر إلى التنويه إلى أن أسماء المتعالجين ليست هي الأسماء الحقيقية، وأننا حورنا أى معالم قد تدل على صاحبها احتراما لحقوقه وشكرا لكرمه بهذا السماح بما يفيد من قد يمر في مثل محنته، أو خبرته أو علاجة!

جزى الله الجميع عنا خيرا

****

الحالة: (19)

هدف المريض وهدف المُعالج! (2)

د. مديحة: هو جه هنا المستشفى عشان يدخل بس أهله ماكانوش راضيين إن هم يدخلوه وهو كان جه لحضرتك قبل كده فى العيادة، وكان طالب الدخول وحضرتك برضه كتبت على الروشتة ما يدخلشى، هو بيجيلى الجلسات كل مره علشان أسهّله حكاية الدخول، عايز يدخل غصب عن عين أهله يعنى هو باباه ومامته أو أهله مش شايفين إن هو محتاج إنه يخش المستشفى شايفينه بيدلع وبيتمايص مع إن الأعراض جدّ، هو على طول بيشتكيلى إنه بيسمع أصوات فعلا.

د. يحيى: يابنتى هو دخل المستشفى أبدا قبل كده؟

د. مديحة: لأ مادخلشى.

د. يحيى: بيجى لك الجلسات للعلاج النفسى فى المستشفى؟!

د. مديحة: لأ بيجيلى العيادة.

د. يحيى: أنا حوّلته لك عشان جلسات علاج نفسى ولا جايلك من بره بره؟!

د. مديحة: لأ هو لما جه على أساس يخش المستشفى وبعدين أنا قلت له تعإلى أشوفك فى العيادة ما دخّلتهوش، أنا لما لقيت حضرتك كاتب فى الروشته مايدخلشى غير بموافقة الأهل هو كان فى الفترة بتاعة الكلية كان بيشرب حشيش ومخدرات كتير قوى، بعد الكلية حصلت نقلة، زودها شوية فى التدين كده يعنى، أول ماخلص دراسة أصحابه كل واحد راح فى سكة وهو بقى لوحده.

د. يحيى: فيه فى العيلة تاريخ مرض نفسى كبير أو صغير قريب أو بعيد؟

د. مديحة: باباه بيشرب حشيش وخمرة وحاجات كده، كتير، هما العيلة كلها بتشرب يعنى أبوه شايف وعارف، وشايف إن ده عادى يعنى.

د. يحيى: وهو عارف إن ابوه بيشرب؟

د. مديحة: آه عارف والعيلة كلها بتشرب أعمامه وولاد أعمامه ده عادى وشايفين إن العادى إن هو يشرب مش شايفين إنها مشكلة.

د. يحيى: شخـّصتيه إيه؟

د. مديحة: أنا ماعرفتش أشخصه لأن هو….

د. يحيى: (مقاطعا) بتقولى فيه هلوسة، وأصوات؟

د. مديحة: هو بيشتكى من الأصوات طول الوقت.

د. يحيى: طيب لما واحد يشتكى من الأصوات طول الوقت يبقى إيه؟

د. مديحة: فيه ذهان (3) بس ممكن يمكن فصام وجدانى أو حاجة كده.

د. يحيى: ما هو برضه ذهان ولا إيه؟ فيه حاجة تانية فى العيلة غير الشرب والكلام ده؟

د. مديحة: لأ.

د. يحيى: بيصلى؟

د. مديحة: دلوقتى لأ، بقاله فترة ما بيصليش.

د. يحيى: آخر مرة شوفتيه إمتى، بقالك أد إيه بتشوفيه؟

د. مديحة: هو جه من حوالى شهرين، بس هو مش منتظم على الجلسات، كتير قوى بيكلمنى فى التليفون بس ممكن ييجى جلسة ويغيب مرتين، مش منتظم.

د. يحيى: هو جالك كام مرة فى الشهرين دول؟

د. مديحة: يعنى يمكن أكون شفته أربع مرات.

د. يحيى: أربعة فى شهرين؟!

د. مديحة: آه.

د. يحيى: يعنى النص؟

د. مديحة: تقريباً.

د. يحيى: السؤال؟

د. مديحة: السؤال إنه هو دايماً زانقنى فى الحتة ديه إنه متخيل إنى هادخله المستشفى، ومُصر لحد دلوقتى ومتخيل الحل بتاعه إنه يخش المستشفى ومش بيسمع الكلام وحتى لما قعدنا وبدينا نشتغل وأنظم بعض أموره وأديله تعليمات ألاقيها كلها مش بتتعمل، هو مركز إنه يخش المستشفى.

د. يحيى: السؤال؟

د. مديحة: مش عارفه أعمل إيه معاه.

د. يحيى: (بلهجة فاترة، ربما ساخرة) دخليه المستشفى!

د. مديحة: هايجى أبوه، وأمه وأبوه هايعمل مشكلة وهايخرجه بالعافية.

د. يحيى: …. أنتى ما أخدتيش بالك إنى كاتب له على الروشتة من الأول “لا يدخل المستشفى إلا بموافقة أهله”، إيه اللى حايخلينى أغير رأيى دلوقتى؟! حبيت أقولك إنه بيلح على حاجة هُوَّا مش عارف إيه هيه، ساعات لما يخش الواحد من دول ولو يوم واحد، يقول لك لا يا عم حقى برقبتى ويبطل يلح فى طلبه ده، طبعا أنا ما كانش قصدى إنه يخش فعلا، بس حبيت أوريكى إنك تاخدى بالك عشان ما يجرجركيش فى موضوع فرعى هو مش عارف عنه حاجة، لازم تشوفى إيه اللى ورا إلحاحه ده، يمكن بيلوى دراع أبوه، يمكن بيهرب.. من الدنيا برّه، يمكن عايز يجرّب، ساعات بيتصوروا إن المستشفى استرخاء وتغير جو.

د. مديحة: يعنى أعمل إيه؟

د. يحيى: الظاهر إنك بطلتى تشوفيه لأنه أخل بالشروط اللى انت اشترطتيها فى العقد العلاجى المبدئى.

د. مديحة: لأ ما بطلتش.

د. يحيى: يبقى بتشوفيه ليه؟ سألت نفسك وانتِ بالمنظر ده بتشوفيه ليه؟ فيه سبب أو سببين علشان تشوفى واحد زى ده، الهدف الأصلى علاجه طبعا بس إنتِ شخصيا ليكى هدف برضه إنك تكسبى فلوس، أو إنك تكونى بتتعلمى، غير السببين دول مافيش، لو إنت مالكيش هدف واضح يمكن أحسن له ياخد حقن وحبوب وبتاع، ويجوز يتحسن وياخذ فرصته فى مكان تانى، بطريقة علاج تانية، مش معنى كده إنك تتخلى عن مسئوليتك لأ، لازم إنت قعادك مع العيانيين ووقتك يكون له هدف للعيان، وهدف واضح ليكى، زى ما يكون فيه عقد واضح وانت الطرف الأقوى فيه.. يعنى أنتى تقررى وتمسكى الدفـّة.

د. مديحة: هو فيه حاجات صغيرة حصلت.

د. يحيى: إنت فهمتى يعنى إيه يكون ليكى هدف؟ لازم يكون فيه هدف ليكى شخصيا، زى ماهو له هدف، ولأهله كذلك، هدفك عموما قلنا يا الفلوس يا التعلّم، أنا باتكلم بجد مش بهزار، مش إحنا يا بنتى بنتعلم ونخش كلية الطب ونتعب ونتخرج علشان نجيب فلوس؟ ونجيب فلوس علشان نتجوز ونخلف ومش عارف إيه ونبقى محترمين يعنى ونحتفظ بكرامتنا وحريتنا وحاجات كده، مش كده ولآ إيه؟ نقوم بالشكل ده نعالج الناس أحسن ونجيب فلوس أكتر وأنضف، المسألة ماهياش بقششة ولا مثالية.

د. مديحة: آه.

د. يحيى: التعلم ده نفسه من الممارسة مافيهوش استغلال للمريض، ده هوا البنية الأساسية اللى العيان بيتعالج من خلالها، وبعدين خبرتك منه تعود عليه وبعدين على كل العيانين بالخير، وعليكى بالنجاح والتوفيق، الواحد لازم يحقق الحاجة اللى هى إسمها “الضرورة” ويبقى واعى هوا بيعمل إيه وهو بيبنى نفسه؟ وبعدين يتنقل لحكاية الحرية، الحرية ما تجيش إلا بعد الوفاء بالضرورة مش كده ولا إيه؟ يعنى إذا ما اتحققشى لكِ هدفك من تخصيص وقتك لعلاجه، العلاقة هاتبقى مهزوزة.

د. مديحة: فيه حاجات على مستوى بسيط يعنى اتحسنت، مثلا مستوى اهتمامه بشكله وبمظهره، ده بلاحظ فيه تغير شوية شوية.

د. يحيى: إنتى بتحبيه أو هو بيحبك؟

د. مديحة: شوية.

د. يحيى: بقالكم شهرين بأربع مرات مش كده؟

د. مديحة: آه.

د. يحيى: طيب، أظن الخلاصة إنك تستنى شوية، ومافيش دخول مستشفى ولا كلام من ده، لكن ما تتخليش عنه إلا لو هو بيستعملك، يعنى بيستعمل العلاج عشان يضر بيه نفسه أو يبرر سلبياته، أو لو فيه حد غيره أوْلى بوقتك، إحنا مش شغلتنا ننفذ اللى بيطلبه المريض، والعقد هو شريعة المتعاقدين، ولما حدّ يخل بشروط العقد، يبقى من حقنا نفسخ العقد، وبرضه تراجعى حكاية الأصوات دى، لتكون حجة لدخوله المستشفى، وتشوفى مدى تأثيرها على سلوكه اليومى، وزى ما اتفقنا: المهم هوّا شغله، ونومه وعلاقاته، حتى لو الأصوات فضلت، وطلعت جد جد، ما هياش مبرر فى ذاتها إنه يخش المستشفى، حكاية أخش أغير هوَا، وأريح أعصابى دى ما تبقاش مستشفى تبقى منتجع، لوكاندة، حاجة كده.

د. مديحة: يعنى ما يدخلش؟!

د. يحيى: أيوه، وكمان لازم يلتزم بالمواعيد والتعليمات، الضغط هنا مهم، ضغط متصاعد مهم بجرعات مناسبة، وبالتدريج، كل ده يتوقف على العلاقة اللى بتتبنى بينك وبينه، أنا مش شايف إنه منتظم، دا زى ما يكون بيكتب على سطر ويسيب سطر، ده ما ينفعش فى العلاج النفسى، وزى ما قلنا قبل كده هو لمّا بيغيب مش ده برضه على حساب وقتك، إنت مش مفروض يعنى كل ما يفرقع معاد تقعدى حاطة إيدك على خدك الساعة اللى انت خصصتيها له، ولا هو دافع مقدما ولا يحزنون!! وبعدين إذا زودها ما تفسخيش العقد إلا بعد ما يمر علىّ إنت وهوه، أمال! إشراف يعنى إيه!

د. مديحة: حاضر، ربنا يسهل.

****

التعقيب والحوار:

د. محمد شحاته فرغلى:

“العقد شريعة المتعاقدين”، نعم، لكن ما هى المسئولية الاجتماعية والأدبية للمعالج تجاه مريض يجبره مرضه على كسر قواعد هذا العقد؟ هل يتركه لمجرد عدم انتظامه فى الحضور أو العلاج؟ أرى أنها نظرة علمية بحتة لا تأخذ فى الاعتبار باقى العوامل؟

د. يحيى:

الطبيب طبيب والمعالج معالج، والمرض غالبا لا يجبر أحداً على كسر قواعد شريعة المتعاقدين، وهذه الجملة جملة “قانونية” أكثر منها علمية، وهى لا تتعارض مع القيم المهنية المحترمة أو الإنسانية والأخلاقية.

عدم انتظام المريض هو حقه، بل رفضه العلاج أيضا هو حقه، واختراق حقه هذا أو ذاك ينظمه القانون فى الخارج فى حدود منع الأضرار الجسيمة بنفسه أو بالآخرين، كما ينظمه كل من القانون والعرف عندنا فى نفس الحدود، وأكثر، ولا أعرف ماذا تعنى أنت هنا “بالنظرة العلمية البحتة” ونحن نمارس مهنة لها قواعدها وآدابها وإلتزامها على أرض الواقع.

أما باقى القواعد فنحن ليس لنا هم ولا انشغال إلا بتحديد شروط التعاقد منذ البداية، الساعة، والعمل، وتعاطى الأدوية، وبعض التعليمات السلوكية، وكل ذلك يتفق فيه مع المريض وأهله منذ البداية عادة، وإذ أخلّ به يعاد النظر، ويعاد التعاقد، وهكذا حتى يتوقف العلاج أو يلتزم بالشروط.

د. نعمات على:

لنسأل لماذا يوافق الأهل اللى هما كده على جلسات العلاج النفسى لكنهم وفى نفس الوقت لا يوافقون على إدخاله المستشفى؟

وهل يعتبرون العلاج النفسى فى بعض الأحيان مسكنا مؤقتا لهم!!

ما هو هدف الأهل؟

د. يحيى:

يا شيخة!! هل نسيت أنها مستشفى خاص؟ أو لا يحتمل أن تكون الأسباب مادية تماما وأنهم لا يملكون مصاريفها ولا يقدر على القدرة إلا الله؟. أليس لهم الحق أن توضع وجهة نظرهم فى الاعتبار بنفس الموضوعية التى ننظر بها إلى طلب المريض المُلِح للدخول إلى المستشفى، وهو طلب غير مألوف؟

جلسات العلاج النفسى أرخص، وأطيب سمعة، حتى لو كانت تسكينا مرحليا؟!.

أ. أيمن عبد العزيز:

من الأشياء الهامة التى تستأهل وتضعنى على بداية علاج المريض هى معرفة هدف المريض وذلك بوضع سؤال ماذا يقول المريض بمرضه كما تعلمت.

لكن بخلاف الأهداف الواضحة المتعلقة بالعلاج، أهدافى الشخصية أنا لا أعرفها تحديدا، وأنا أراجع نفسى كثيرا بشكل غير مفيد عادة.

د. يحيى:

نحن نمارس مهنة أهدافها الأساسية هى العمل على شفاء المريض وعودته إلى فاعليته وإعطائه الفرصة لاستمرار مساره النامى فى الحياة ما أمكن ذلك، وأثناء ذلك نتقاضى مقابلا ماديا، ومقابلا آخر ليس له حدود، كل حسب وعيه وبصيرته حتى لو كان الهدف الشخصى – غير أكل العيش- غامضا فهو موجهنا، وكلما عرفناه أوضح أمكن تحقيقه أو تغييره أو تعديله.

د. أسامة فيكتور:

ماذا تقصد بالضرورة؟ فى فقرة (الواحد لازم يحقق الحاجة اللى إسمها الضرورة..)؟ قرأت ردك على د. نعمات فى بريد الجمعة ولكن ما زلت محتاجا لتفسير؟

د. يحيى:

“مستوى الضرورة” الذى أعرفه هو أنه لابد من الحصول على الحد الأدنى من المتطلبات اللازمة لاستمرار الحياة، مثل الأكل والشرب والسكن والعمل والمواصلات والعلاج، ثم يمكن أن تضيف ما يسمى “حقوق الإنسان” الحقيقية (لا الدعائية) مما نعرف ومما لا نعرف.

أما مستوى الحرية فهو المستوى الذى فيه اختيار حقيقى بين بدائل محتملة، وهى مرحلة ينبغى أن نهدئ الدعوة إلى تحقيقها لو أن مستوى الضرورة لم يتحقق بعد.

المسألة يصعب تحديدها بالمسطرة: نحن لا نعرف تماما، أو تعميما متى تتحقق كل متطلبات الضرورة قبل أن نتمكن من أن نمارس حياتنا فى مستوى الحرية.

أ. محمد المهدى:

إذن: على المعالج أن يراجع أهدافه من الاستمرار مع بعض المرضى غير المستجيبين أو غير الملتزمين بشروط التعاقد ، وإلا فقد يقع فريسة لاستغلال المريض له.

د. يحيى:

نعم ، لكن تعبير “فريسة لاستغلال” .. صعب، دعنا نضيف: وإلا كانت المسألة مضيعة للوقت، أو وإلا تواترت النتائج السلبية..الخ.

أ. عبده السيد:

وصلنى أنه لازم أحسب حساباتى الشخصية وموقفى من المريض بعيدا عن المثاليات،

د. يحيى:

أحسن طبعا.

أ. أحمد سعيد:

وصلنى أنه يمكن إلحاحه على دخول المستشفى علشان تكمل غائية المرض النفسى وهى أنه يحل مشكلته بالوسيلة اللى ماتحلّش حاجة، ويقنع نفسه إنه جرب لكن ما نفعش، وكمان يقنع اللى حواليه كمان.

د. يحيى:

هذا جائز، لكنه ليس القاعدة، وعلى فكرة، تعبير “غائية المرض” لا تنطبق على ما ذكرتُ لأنه تعبير يعنى هدف المرض الأعمق إمراضيا (سيكوباثولوجيا)

أ. علاء عبد الهادى:

أنا غير متأكد من صدق هذا المريض فى وجود الهلاوس، فربما يكون قد اصطنعها ليجد سبباً (مبرراً) من أجل دخوله إلى المستشفى؟

د. يحيى:

كل شئ جائز، وتوجد آليات ومحكات علمية للتفرقة بين الهلاوس، والأخيلة، والتصنع، ولكن أرجوك ألا تبدأ مع أى مريض بهذه الشكوك من الأول هكذا، فالمريض  – أى مريض– صادق وجاد حتى يثبت العكس.

أ. منى فؤاد:

من وجهة نظرى أن هذا المريض لو دخل المستشفى نقدر نضغط عليه ونعرف إلى أى حد هو جاد، ونضمن استمراره فى العلاج عشان نوصل لحاجة.

 د. يحيى:

ليس بالضرورة، وعموما هذه ليست وظيفة المستشفى الأولى على أية حال.

أ. منى فؤاد:

أنا محتاجة معلومات عن المريض باسلوب حياته وعلاقاته مع أهله والعلاقة بينهم؟

د. يحيى:

لا تنسى يا منى ما أكرره دائما من أن “الإشراف” يتناول نقطة واحدة هى التى يعرضها المعالج على المشرف، فهى ليست عرض حالة كاملة للمناقشة الشاملة.

أ. هالة حمدى:

مش فاهمة إصراره على دخول المستشفى؟

مش عارفة حكمى صح ولا لأ، لو أنا المعالجة أنا كنت حادخله المستشفى عشان أعرف إصراره ده ليه؟ ثانيا: يعنى أعرف لو كان ده دلع وطريقة للضغط على أهله، ولا هو يستاهل دخول بصحيح؟

د. يحيى:

بعد إذنك يا هالة، مثل هذه القرارات (دخول المستشفى) أخطر من أن نتخذها لمجرد الاستكشاف،

ثم لا تنسى أن أهله لا يوافقون، وعندهم أسبابهم.

د. شوقى كريم:

توقفت طويلا أمام هذه الفقرة:

“… أنت فهمت يعنى إيه يكون ليكى هدف؟ لازم يكون فيه هدف ليكى شخصيا، زى ماهو له هدف، ولأهله كذلك، هدفك عموما يا الفلوس يا التعلّم، أنا باتكلم بجد مش بهزار، مش إحنا يا بنتى بنتعلم ونخش كلية الطب ونتعب ونتخرج علشان نجيب فلوس ونجيب فلوس، علشان نتجوز ونخلف ومش عارف إيه ونبقى محترمين يعنى ونحتفظ بكرامتنا وحريتنا وحاجات كده، مش كده ولآ إيه، نقوم بالشكل ده نعالج الناس أحسن ونجيب فلوس أكتر، المسألة ماهياش بقششة ولا مثالية”.

 هذا المقطع من أفضل وأبسط واصدق ما قرأت لك أستاذى العزيز ويبدوا أن الإنسان يحتاج لمن يذكره بل ويعلمه بديهيات الحياة بين الحين والآخر التعلم ده نفسه مش إستغلال للمريض، ده هوا البنية الأساسية اللى العيان بيتعالج من خلالها، وبعدين يعود على كل العيانين بالخير، وعليك بالنجاح والتوفيق.

المقطع دا بقى فكرنى بأول ما بدأت أحضر الجروب من سنتين تقريبا…حيث قرأت لسيادتك أيامها فى كتاب ملامح من الحاضر وتحت عنوان :قياس‏ ‏نتائج‏ ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏للذهانيين‏ ‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏أعلن‏ ‏بدورى ‏أن‏ ‏أغلب‏ ‏الخطوات‏ ‏المشرقة‏ ‏والبهيجة‏ ‏التى ‏ظهرت‏ ‏فى ‏أول‏ ‏مراحل‏ ‏علاج‏ ‏الذهانيين‏ ‏فى ‏خبرتى ‏قد‏ ‏انتهت‏ ‏بالتتبع‏ ‏الأمين‏ ‏والتقويم‏ ‏الأعمق‏ ‏إلى ‏الإحباط‏ ‏بحق، وبالمناسبة منتديات كتيرة على النت واخدة الجملة دى من الموضوع وبتشهر بيها بمعنى يعنى إنهم بيقولوا دكتور يحيى بيقول الناس دول صعب يخفوا، لما قريت الكلام دا ساعتها قلت يا نهار أسود…لما الدكتور يحيى بيقول انهم مش حيخفوا..امال أنا باصحى الساعة ستة الصبح ليه يعني!…لغاية ما فيه مرة شفت حضرتك فى الجروب بتتكلم عن استحالة الممكن وإمكانية المستحيل وقلت حضرتك ساعتها جملة غريبة عن المريض محمود اللى كان غاوى يقعد جنب حضرتك..سيادتك قلت على ما أذكر: أنا عارف إن محمود احتمال كبير مش حايخف، لكن بشغلنا معاه وسعينا المتواصل ألف عيان غيره حايخف على حس مجهودنا معاه، وبعدين فهمت رأى حضرتك فى الجروب وإنت بتقول “إحنا مش عارفين إحنا بنعمل ايه…”

أنا فيه فكرة جت لى اليومين دول بس مش عارف أعبر عنها بالكتابة بس حكتبها وأمرى لله:

لاحظت فى كتابات حضرتك أن كلمة “الوعي” عندك ليها دلالة خاصة تختلف عن المعنى الشائع، ولما سألت حضرتك قلت لى على ما أذكر: يعنى “إنه حالة معينة أو نظام معين بيسرى فى كل خليه مفردة من خلايا الجسم وكل خليه لها وعيها”…ويبدوا أن الوعى دا وحركيته هى النمو الحقيقى لأى إنسان مش العقل زى ما الناس فاكرة…فريدريك نيتشة قال كلام عن الذات بيفكرنى بكلام حضرتك عن الوعى فى “هكذا تكلم زرادشت”…يعنى كان بيقول: إنك تقول “أنا” وتنتفخ غرورا بهذه الكلمة غير أن هنالك ما هو أعظم منها، شئت أن تصدق أم لم تشأ، هو جسدك، أداة تفكيرك العظمى، وهذا الجسد لا يتبجح بكلمة (أنا) لأنه هو أنا، هو مضمر الشخصية الظاهرة، إن ما تتاثر به الحواس وما يدركه العقل لا نهاية له فى ذاته، غير أن الحس والعقل يحاولان إقناعك بأن فيهما نهاية الأشياء جميعها، فما أشد غرورهما، ما الحس والعقل إلا ادوات وألعوبة، والذات الحقيقية كامنة وراءهما مفتشة بعيون الحس ومصغية بآذان العقل، إن الذات ما تبرح مفتشة مصغية، فهى تقابل وتستنج ثم تهدم متحكمة فى الشخصية سائدة عليها، فإن وراء إحساسك وتفكيرك يا أخي، يكمن سيد، أعظم منهما سلطأنا لأنه الحكيم المجهول، وهذا الحكيم إنما هو الذات بعينها المستقرة فى جسدك وهى جسدك بعينه أيضا“.

يمكن الكلام دا يفسر كلام حضرتك ليا إنى مافكرش كتير، وماشغلش عقلى كتير بالشكل ده،…كمان يفسر إن إبداعنا لا يخضع لإرادتنا الحرة حيث لا نستطيع التحكم فى وقت ولا مكان إبداعنا، فقط بدأت بالاعتقاد بأننا نعطى العقل أكثر بكثير من قيمته الحقيقية..فالأصل هو الذات والوعي، وربما هذا ما قصدته مقولتك “لا تفكر ولكن إستعمل التفكير”…….

 د. يحيى:

يا خبر يا كريم.

أشعر أن على أن أكتب كتابا بأكمله تعقيبا على تعقيبك . بل لعلى كتبته فعلا ونسيت، فأرجو أن تذكرنى به إن عثرت عليه كما تفعل الآن (4).

[1] –  يحيى الرخاوى: “كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه، ” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2018)، والكتاب موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

[2] – نشرة الإنسان والتطور: 5-10-  2008 www.rakhawy.net

[3]- Psychosis.

[4] – أعتقد أن كتابى “حكمة المجانين” الذى قمت بتحديثه مؤخرا فى طبعة جديدة فيه رد كاف، وهو سوف يصدر قريبا ويوجد فى مكتبة الأنجلو المصرية ودار المقطم للصحة النفسية.

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *