نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 9-11-2022
السنة السادسة عشر
العدد: 5548
مقتطف من كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه
الكتاب الخامس الحالات: من (81) إلى (100)
تذكرة:
ننشر اليوم، وكل أربعاء، – كما ذكرنا – عملاً أقل تنظيرا وأكثر ارتباطا بالممارسة الكلينيكية العملية وخاصة فيما هو “العلاج النفسى”، فنواصل نشر الحالة (84) من الكتاب الخامس من سلسلة الكتب الخمس التي صدرت بعنوان “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه”، ولا يحتاج الأمر إلى التنويه إلى أن أسماء المتعالجين ليست هي الأسماء الحقيقية، وأننا حورنا أى معالم قد تدل على صاحبها احتراما لحقوقه وشكرا لكرمه بهذا السماح بما يفيد من قد يمر في مثل محنته، أو خبرته أو علاجه!
الحالة: (84)
عن مشاعر المعالج واحتياجه (خصوصا المبتدىء) [1]
أ.أمال: طب هو ولد عنده 19 سنة فى تانية تجارة جامعة سينا
د.يحيى: جامعة إيه
أ.أمال: جامعة سينا
د.يحيى: جامعة خاصة؟
أ.أمال: أيوه، هوّا التالت من أربعة أشقاء كنت قدّمته قبل كده، والده بيشتغل فى السعودية مدير مبيعات، ووالدته ست بيت معهد خدمه أجتماعية، هو الولد ده من لمّا كان فى إعدادى كان بيشرب حشيش ولما دخل الجامعة يعنى من سنتين بدأ يشرب بانجو وحشيش وأستروكس، فى مرّة أهله كلموه لقوا إن صوته متغير، وبيقولهم إن أنا تعبان وكده، راحوا له لقوا انه شارب حاجة مش عارفيين هيه إيه، المهم رجعوا القاهره بدأ يقول إن بباه فرعون ومامته كليوباترا، وزادت حركته وما بينامش، وبعدين الولد أتحجز فى المستشفى
د.يحيى: إنتى قدمتيه قبل كده يوم أحد
أ.أمال: لأه يوم تلات([2])
د.يحيى: تلات!! صعب أنك تقدمى حاله يوم التلات وتكمليها يوم الأحد عشان زملاتنا بتوع التلات يتبعونا واحدة واحدة، يبقى لو سمحتِ تختصريها دلوقتى لو سمحت
أ.أمال: وبعدين همّا لما راحوا له لقوه ساحب السكينة وفضل يصرخ، ويقول إنه هو خايف وعايز يقتل أخوه
د.يحيى: سحب السكينة وعمل أيه؟!!
أ.أمال: كان عاوز يقتل أخوه، بس عمال يقوله أنا خايف منك، وماسك السكينه عاوز يحمى نفسه منه، لو هو اتعرض له يعنى، وبعدين الولد الأعراض ديه أتحسنت يعنى لما أتحجز فى المستشفى شهر وأسبوع وبعد كده طلع من المستشفى من شهر وأسبوعين، شوفته 4 مرات كانت الأعراض ديه اختفت أغلبيتها فى المستشفى، بس كانت المشكلة ساعتها يا دكتور لما قلتلك يروح جامعة سينا ولا لأه، والمشكلة التانية لما قلت لحضرتك إن عندى مشاعر ناحية الولد وإن فيها حب وخوف بزيادة وكده، وده كان موتـّرنى وأنا قاعدة وبعدين أول ما شوفته المرة اللى فاتت دى على طول أنا لاحظت إن أنا أهدى، وماكنتش حاسة بمشكلة زى قبل كده، وكنت قابله الحاجات والمشاعر بتاعة الخوف والحب دى، وكانت الدنيا بالنسبه ليا أهدى عن اللخطبة اللى قبل كده، وبلغته عن الحوار بتاع جامعة سينا اللى انتهينا له يوم التلات، وإن هو الأفضل ندور على جامعة قريبة هنا، واتفقنا أن احنا حانجيب أسماء الجامعات اللى ممكن تقبله، ونفكر فيها قبل بدايه الترم التانى عشان نعرف حاجة أفضل من جامعة سينا
د.يحيى: إنتى فاكرة قلتلك إيه يوم التلات
أ.أمال: حضرتك قلت لى حاجات وحشة أوى
د.يحيى: وحشة يعنى إيه؟
أ.أمال: زى ما تكون حضرتك نبهتى إنى أشتغل مع نفسى زى ما باشتغل مع المريض
د.يحيى :إنتى مبتدئة لسه، انتى عندك كام حالة علاج نفسى
أ.أمال: دى أول حالة
د. يحيى: مش احنا قلنا أربعة على الأقل
أ.أمال: أيوه ما انا بادية أهه
د. يحيى: وقلت لك إيه كمان؟
أ.أمال: حضرتك قولتلى بتقعدى أد أيه مع العيان، ومين أذن لك تقعدى معاه، وبتقعدى ساعه كاملة؟ وبتتكلموا فى إيه، ولما حكيت عن مشاعرى عن الخوف والحب، قولتلى ديه مشاعر مقبوله بس لازم تطلع فى وقت معين، وبكمية معينة، وحاسبى لتستخدمى العيان عشان يديكى إنت احتياجاتك، وإوعى تكونى مبسوطة عشان العيان بيغذى عندك حاجات انتى محتاجاها، وده مقبول لو عرفنا نستخدمه لصالحه أولا، ولصالحك فى نموك وخبرتك
د.يحيى: ويا ترى بتعملى كده ولا لسه؟
أ.أمال: ما باعملش كده بصراحة، أصلى مش فاهمة قوى
د.يحيى: عندك حق، ما هو انت لسه فى سنة أولى، واحدة واحدة يا بنتى انتى مالك مستعجلة كده؟
أ.أمال: أنا مش مستعجلة، حضرتك اللى قولتلى مين اللى هايديكى مشاعر القبول والأهتمام والحاجات ديه من اللى حواليكى، فأنا كنت شادة مع أهلى فقعدت كام يوم كده، وبعدين روحت كلمت أهلى وقعدت أتكلم معاهم عشان آخد احتياجى منهم
د.يحيى: يا بنتى خللى بالك، المشاعر والاحتياجات دى مش بتشتغل بزِرّ كده، تضغطى عليه يطلع اللى انت عايزه.
أ.أمال: معالشى، بس مامتى لما كلمتها رضيت تيجى، وجت القاهرة من الصعيد وقعدنا مع بعض كذا يوم
د.يحيى: يعنى بعد ما أنا قولتلك كده روحتى مصالحه مامتك، عشان تعرفى تعالجى العيان؟ كدة توموتيكى؟!
أ.أمال: مش قوى كده، مامتى هى اللى رضيت تيجى
د.يحيى: هى صالحتك
أ.أمال: انا كلمتها فا هى رضيت أنها تقابلنى
د.يحيى: وهى ماكنتش راضيه تقابلك
أ.أمال: كانوا حاطيين شروط معينه عشان يقبلونى
د.يحيى: طيب وبعد ما أتقابلتوا رضيوا بشروطك
أ.أمال: لأه أنا اللى رضيت بشروطهم، أنا اللى قلت حاضر، بس وحاسيت نفسى هاديه وكويسة
د. يحيى: وبعدين
أ.أمال: اللى خلانى أعيد عرض الحالة دلوقتى هو إنى أنا أول مرة قابلت العيان ده، كنت أهْدَى وماكنتش حاسة أن انا متوترة أوى واتفقنا على حوار، وبعدين خفت من مشاعر الخوف والحب ده اللى ظهرت نحوه زى ما قلت لحضرتك حالا.
د.يحيى: فيه أسئلة جديدة تانى غير اللى طرحتيها بتاعة يوم التلات، وجامعة سينا
أ.أمال: لأه مافيش أسئلة أنا محتاسة
د.يحيى: مش ده يا بنتى برضه شئ طبيعى، وانت صغيرة كده
أ.أمال: أنا أعمل إيه دلوقتى؟
د.يحيى: من حيث المبدأ، ومش لك أنت لوحدك، إن لم يكن عندك مصدر تروى بيه احتياجاتك الإنسانية والعاطفية حاتبقى عرضة إنك تستعملى مرضاك غصبن عنك، لازم يكون فيه مصادر بره مهنتك بتغذى الاحتياجات دى، بدءًا، من الاحترام، للرؤيه، للشوفان، بما هو أنتى لا أكتر ولا أقل، حدّ يعترف بيكى ويشوفك، سيبك بقى من الكلام البلدى بتاع بيحبك وعايزك والكلام ده، الناس مش واخدين بالهم يعنى إيه الشوفان والأعتراف الأحترام، وكثير بيتصوروا إن ده معناه التقدير والتسقيف، وعليهم شوية حب على شوية عك، يا بنتى إن لم يكن عندك مصادر مشروعه كافية من كل ده يبقى عيانينك حا يبقوا هما مصدر الحاجات دى، وده مسموح به جزئيا بس مش على حساب العيان، مش إحنا بنى آدمين برضه، ولما تلاقى عيان بيسقفلك، وعيان بيحبك حاتقولى له لأه، “ماتحبنيش بالشكل ده”، “زى الغنيوة ما بتقول؟: ولاّ حاتنبسطى؟ ولاّ حاتحبيه انتِ كمان وانت مش واخدةْ بالك، ولا حاتخافى وتوقَفِى،
أ.أمال: مش عارفة
د. يحيى: ما هو انتِ لازم تفرقى بين الحب بأمارة إنه بيدفع فلوس، ولاّ هو محتاج عواطفك، ولا رعايتك وإنت إن لم يكن عندك مصادر طبيعية بره شغلك حاتتعطلى وحاتضربى لخمة، أنا فاكر أنا قولتلكوا على الراجل الخواجه الناصح اللى زار المؤسسه ديه سنة 1976 ولقانا عمالين نجرى مع العيانين ونعزق ومش عارف ايه، فسألنى هيا إيه خطة العلاج هنا، قولتله والله ماعندناش خطة واحدة، أحنا بتوع كله، قالى أزاى؟ قولتله كل عيان له خطته من أول ما يصحى لحد ما ينام، وهذه الخطه قابله للتغير كل يوم، وساعات على آخر النهار تكون أتغيرت، الراجل اتخض خضه ظهرت عليه وقال لى مين اللى بيتبع بقى العيانيين كل يوم وكل ساعة كدا، وده عايز كذا وده كفاية عليه كيت، وده يجرى وده مايجريش، وكده، قولتله “أنا”، قالى انت لوحدك؟ قلت له لأ طبعا أنا وزملائى وتلامذتى بنتعلم من بعض واحدة واحدة، وبعدين دخلت علينا مراتى فعرّفته بيها وأنها بتشتغل معايا، قالى بتشتغل معاك هنا؟ قولتله أه، قال لى: ومين بيديك إنت أحتياجاتك لما تروّح، قولتله: الست دى برضه، قالى ودا ينفع بالذمة؟ بقى ده ينفع وانت عمال تحرك كل ده، وده ينزل وده يطلع زى ما بتقول، قلت له ما هو نافع أهه، والظاهر أنا صعبت عليه ويمكن شك فيا، وبعدين بعد مدة قعدت أفكر فى كلامه تبينت إن عنده كل الحق، وإن أنا إن ما حصلتش على حقى من مصادره الطبيعية، يبقى مشكوك فى أحكامى، وإنى لازم أشوف لى مصدر طبيعى أرتوى منه، من ساعتها انتبهت لضرورة الوعى إن الطبيب النفسى لابد يحترم كل مستويات الطبيعة البشرية فى المريض والمعالج طول الوقت، روح يا زمان تعالى يا زمان بقيت أحط ده جزء لا يتجزء فى ممارستى، وإنى لازم أشوف وأتطمئن على حصولى على حقى بعيد عن العيانين، وبقيت انتبه طول الوقت للى أنا بادرّبْهم وباشرف عليهم من نفس المُنَطلق طبعا فى مراحل بعد كده اتحسنت علاقتى بربنا، بس خلى بالك المسألة مش بهذه البساطة، اللى بياخد أحتياجاته من ربنا أصعب من كل البشر، رغم إن هو أقرب وأجهز من كل البشر.
اللعبة:
أ.أمال: ما دام كلنا محتاجين كده بقى يا دكتور حضرتك كنت قولتلنا إن فيه لعبة فى الجروب بتظهر موقفنا ده، هل ممكن حضرتك نجربها هنا
د.يحيى: ما فيش مانع، يا للا نجرب، كل واحد حايقول لحد مننا أنا مش محتاج ولا حاجة حتى لو محتاج (ويكمل أى كلام) يمثّل يعنى…
أ.أمال: أنا اللى حابتدى: أنا مش محتاجة ولا حاجة، حتى لو انا محتاجة أنا حاستحمل
د.يحيى: تدى الكوره لمين
أ.أمال: لنادية
نادية: أنا مش محتاجة ولا حاجة، حتى لو انا محتاجة أنا باعرف أوصل للى أنا عاوزاه كويس
سعاد: أنا مش محتاجة ولا حاجة، حتى لو انا محتاجة أنا مش حا أقول
ثريا: أنا مش محتاجة ولا حاجة، حتى لو انا محتاجة أنا حا اعمل ايه
أ.إيمان: أنا مش محتاجة ولا حاجة، حتى لو انا محتاجة أنا حا اطب عادى ولا حا يهمنى
د.يحيى: أنا مش محتاج ولا حاجة، حتى لو انا محتاج ملعون ابوهم ولاد كلب
*****
التعقيب والحوار:
د. رضوى العطار
تعليق عام: العزيز جدا د. يحيى، أنا قريت الحالة مرتين ووقفت عند تعليق الأستاذ الفرنساوى وأمانتك وسماحك مع المتدربين وبصراحة أنا بقيت بقرأ حالات الإشراف دون عقلنة، ودون حتى نقد وتشغيل عضلات مخى اللى تعبت، بصراحة لو اتكلمنا عن الإحتياجات فأنا حالات الإشراف بتملأ حاجتى للونس مش بس العلاجى لأ الونس فى الإنسانية، فى الجمال، وأكثر فى الأدب…
د. يحيى:
هذا كرم منك يا رضوى، وهو يطمئننى على مثابرتك واجتهادك وصدقك
“الحياة قصيرة، والمعرفة ممتدة، والفرصة هرابة، والتجربة تحتمل الصواب والخطأ، والحكم على الأمور من أصعب الأشياء”
هذه بعض كلمات أبو الطب: “أبقراط” وهى تتصدر موقعى
د. نجاة انصورة
المقتطف: “ومن ساعتها انتبهت لضرورة الوعى إن الطب النفسى لابد يحترم كل المستويات الطبيعية البشرية فى المريض والمعالج طول الوقت…. الخ، وأتطمن على حصولى على حقى بعيدا عن العيانين”
التعليق: الهمتنى بشكل أعمق الى التوجه نحوى وربما لدرجة الاعتراف بإعاقاتى على أكثر من مستوى وليس فقط إحتياجاتى، وعلى مستوى وجودى “الفاعل” “فاقد الشئ لا يعطيه”، وما قد ينتج عنه من خدشٌ للـ “التكيفية” والتى غالباً ما يعبر عنها بعدم القبول من أحد الطرفين للآخر “المريض والمعالج”.
د. يحيى:
هذه رؤية مفيدة
أرجو أن تكون وجدانية وتأملية معاً
د. جون جمال
ازاى ناخد احتياجاتنا الانسانية من ربنا؟ وليه أصعب؟
د. يحيى:
هى أصعب لأنها حقيقية وعميقة ولا توصف بالألفاظ حتى لمن صدق فى السعى إليها ولمن يزعم أو يتصور الحصول عليها.
وهى أقرب لأنها من ضمن رحمته وحبه لنا،
وهو موجود طول الوقت، وفى كل مكان وكل ذرة من الوجود
ما رأيك؟.
أ. مريم عبد الوهاب
المقتطف: يا بنتى إن لم يكن عندك مصادر مشروعه كافية من كل ده يبقى عيانينك حا يبقوا هما مصدر الحاجات دى، وده مسموح به جزئيا بس مش على حسابهم،
التعليق: هل تلبيه الاحتياجات من مصادرها المشروع مرنة المصادر.. يعنى ولادى مثلا أو اصحابى أو أقاربى يلبوا ده مكان الزوج والحب العاطفى مثلا؟
واكون شبعانه ومرتاحه؟
د. يحيى:
نعم
جزئيا
ومرحليا
رحمن رحيم.
أ. مريم عبد الوهاب
المقتطف: د: يحيى: روح يا زمان تعالى يا زمان بقيت أحط ده جزء لا يتجزء فى ممارستى، وإنى لازم أشوف وأتطمئن على حصولى على حقى بعيد عن العيانين
التعليق: …. فكرة أن أطمئن على حصولى على حقي.. يدفعنى لسؤال يبدو ساذج… ماهو حقى الذى يجب أن احصل عليه.. وكيف ادركه فضلا عن طرق اشباعه؟
د. يحيى:
الإجابة على هذا التساؤل يشمل كل ما كتبت وما لم أكتب عن علاقتى بالوجود، وبالإبداع، وبالكدح، وبالإيمان، وبالمحاولات وبالخطأ، وبالناس، وبالأمانة (المسئولية)… وغير ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – نشرة الإنسان والتطور: 19-1-2019
[2] – الإشراف يجرى مرتين أسبوعيا: الأحد مجموعة صغيرة اختياريا، والثلاثاء كل العاملين قبل المرور الأكلينيكى أسبوعيا.
قرأت النشرة مرتين وسجلت كلام حضرتك عندي أرجعله تالت ورابع بتروي وطمني ونبعني تعبير حضرتك” بقيت أحط ده جزء لا يتجزء فى ممارستى، وإنى لازم أشوف وأتطمئن على حصولى على حقى بعيد عن العيانين”
وحفزني للتساؤل والبحث تعبير حضرتك”وده مقبول لو عرفنا نستخدمه لصالحه أولا، ولصالحك فى نموك وخبرتك”