الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطف من كتاب: الترحال الأول: “الناس والطريق” الفصل الرابع: “الحافة والبحر” (20)

مقتطف من كتاب: الترحال الأول: “الناس والطريق” الفصل الرابع: “الحافة والبحر” (20)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 28-10-2019

السنة الثالثة عشرة

العدد:  4440

مقتطف من كتاب:

الترحال الأول: “الناس والطريق” (1)

الفصل الرابع: “الحافة والبحر” (20)

(مازلنا فى الأربعاء 29 أغسطس 1984)

جعلت هذه الخواطر تسير جنبا إلى جنب مع السيارة،  الجبل على يمينك، والبحر على يسارك، وأنت تصاحب أفكارك، أعنى أفكارى، حتى لا يغالبنى النوم،  ظلَّت أفكارى تسبقنى كثيرا، و تلحقنى قليلا، هذاهو البحر الأبيض المتوسط، نعم، وأنا لا أعرف أصلا كيف أرد بصرى عن قديم، جديد، هو جديد لأننا على شاطئه الآخر، وقديم لأنه هو هو، وقد اعتدت أن أسير بجواره هناك فى طريقى إلى مرسى مطروح. كان هناك على يمينى وأنا على يساره، ثم هاهو على يسارى الآن رغم أنى متجه غربا أيضا، ويخيل إلىّ أنه يختال قائلا إنه بحر محظوظ، وربما أنا كذلك، وأكاد أفهم معنى أنه “متوسط” و”أبيض”، وأكاد ألوح بيدى إلى الناحية الأخرى، وكأنى أرد على همس آت من بعيد يقول: “لا تغب”. فأرد بفرحة المشتاق الواعد “أيوه جاى”.

 أنا أعرف همس الوطن. هو ليس مرتبطا تماما بمكان بذاته، وإنما يأتى من الحياة كلها، لكنه ينطلق ابتداء من حيث عرفتُـها (الحياة) أول مرة هناك،

معنى الوطن عندى هو تاريخ نبض الحياة، يذوب فى حياتى فردا على أرضٍ بذاتها، ففى كل مكان رمل وطين وماء، ولكن إذا تكلمتْ حبة الرمل ففهمتَ لغتها، وفاحت رائحة الطين فضمّتك إلى ذراعيها، وتلطفتْ موجة البحر فنمتَ فى حضن هدهدتها ليأتيك همسها الخاص وكأنه يخصّك شخصيا، فهذا وطنك،  يتردد فى عمق وعيى سيد مكاوى وهو يردد: “الأرض بتتكلم عربى”، فتجعل لـلهواء طعم خاص آت من هناك، هو نفس الطعم التى عرفتَ من خلاله أننى “حى” لأول مرة،

أثناء تراسلى المنتظم مع د. محمد شعلان وأنا فى فرنسا وهو فى الولايات المتحدة ثارت عندى مسألة الوطن فى مقابل الوجود الإنسانى غير المحدود.كتبت أخاطبه لاحقا فى نهاية “أغوار النفسى”: يا طير يا طاير فى السما، رايح بلاد الغُرّب ليه؟ إوعَى يكون زهقك عماك ، عن مصرنا، عن عصرنا ، تفضل تلف ّ تلف كما نورس حزين، حاتحط فين والوجد بيشدّك لفوق. الفوقْ فضاَ، الفوق قضاَ. وعنيك تشعلق كا مادا وتنسى ذين الأرض مصر. وحين سافر محمد ابنى إلى نيوزيلاندا فى مشروع هجرة لم تكتمل (أنظر بعد) عاودنى نفس التساؤل. وحللته فى آخر القصيدة العامية بأن اعتبرت كل الناس مصريين ، وضحكت على نفسى دنا لمّا بابُصّ جوّا عيون الناس، الناس من أيها جنس،  بالاقيها فْ كل بلد الله لخلق الله، وفْ كل كلام، وفْ كل سكاتْ، واذا شفت الألم الحب الرفض الحزن الفرحة فى عيونهم، يبقى باشوف مصر. وباشوفها أكتر لمّا بابص جواى.

تبيّنت أنه حتى لو كان للإنسان المعاصر أن ينطلق مثل الصاروخ ليحط حيثما يمكن، فإن لكل صاروخ قاعدة انطلاق، وأن الوطن هو بمثابة هذه القاعدة التى لها فضل إعداده للانطلاق،

لم يقنعنى هذا التفسير، مع أنه يحضرنى كلما سافرت، وأحببت كل الناس، هكذا، وفى نفس الوقت اشتقت لوطنى .

أنتبهُ فجأة، فأفاجأ أننا فى الأغلب فى مواجهة ليبيا أو الجزائر، وليس مصر. أنا لا أشعر بالائتناس أصلا بهؤلاء الأهل العرب، ربما لنقص فىّ، أو لعدم هضمى هذا الجمع بين جفاء البداوة وشوك آثار الاستعمار الفرنسى والإيطالى القبيحين، لست على حق فى الأغلب، لابد من زيارة، وأرض، وشعر، وثريد، وألم مشترك، قبل أن أحكم (زرت بعد ذلك الدارالبيضاء، وأسِفت على كل هذا الكلام، ما أسخف التسرع فى الحكم، صحيح “إللى ما يعرفك يجهلك”، أنظربعد).

حين هاجرت فى الداخل إلى رأس الحكمة فرِحتُ فرحا شديدا بمعاشرة البدو، وبأنى أترك بيتى هناك قرب الشاطئ (هو من القش تقريبا،وبعض المواد البدائية) مفتوحا بلا قفل فأرجع وأجد أن يدا لم تمسه، وكنت أتعجّب وأفخر من قوة احترام الكلمة الشفهية، وأن الأرض توزّع فيما بينهم بالاتفاق، حتى أننى حين اشتريت قطعة أرض اتبعت طريقتهم وأن تقاس الأرض بالارتفاع فالهبوط، فأرضك هى حتى تختفى قدميك (نعليك) عن الناظر لك وأنت تصعدها (إللى تشوفه عينك ليك !!)، وهم قد يحددون الحدود بالماء، فيسقطون بعض الماء على قمة تبّة عالية ويحدد انحدار الماء على كل ناحية أرض الجار من جاره،

تصوّرتُ آنذاك أننى عثرت فى رأس الحكمة على “ركنى القصى”، فى عقر وطنى، وأننى حين أبلغ من العمر ما لا يسمح لى بكل هذه الحركة، سوف ألجأ إلى هناك فى حضن البحر والتين والصحراء. رحت أتعرّف على الناس والمكان، وخيل إلىّ أننى وجدت ضالّتى،تأكد لى ذلك فى أول رمضان قضيت فيه بعض أيامى وحدى هناك.

حضر إلىّ روفة” قبيل المغرب وأنا جالس أتأمل، (روفة :هو اسم البدو لمن اسمه عبد الرؤوف، كما أن “رحومة” لعبد الرحيم، و”كُريّم” لعبد الكريم وهكذا)، وأصرّ أن أذهب لأفطر معه، وذهبت لأن الاعتذار كان مستحيلا، عرفت  أن تلك هى عادتهم وأن هذا الإصرار العنيد ليس لشخصى ولكن لمجرد أننى غريب، لا يصح أن أفطر فى رمضان وحدى، لكننى حين فطرت مع “روفة”  وحده سألته بتردد شديد عن أسرته خشية أن أكون قد حرمته بضيافتى من الإفطار معهم، وإذا به يتعجّب ويخبرنى أننى إن لم أحضر، فإنه كان سوف يتناول إفطاره فى نفس المكان (حجرة تكاد تكون خارج الدار)، وهم بالداخل، وخجلت أن أدخل فى التفاصيل،

بعد أن مضى علىّ عام وبعض عام أتردد كثيرا على كوخى هذا فى رأس الحكمة تأكد لى أننى وجدت ضالتى فعلا، وأن شروطى جميعا قد توفرت: ناس، وأرض، وشعر، وثريد، وألم مشترك “. رويدا رويدا تبينت لى الخدعة، لم يخدعنى أحد، أنا الذى كنت أحلم، اكتشفتُ العكس تماما، لا خصوصية إطلاقا، ولا ركن، ولا حرية، وثمة استحلال لما ليس لك بشروط معينة، وثمة شطارة تخترق حواجز خُـلـُقية كثيرة دون إحلال أخلاق بديلة، تصوّرت آنذاك أنه هكذا الأمور فى ليبيا فوجه الشبه لا يخفى على عابر سبيل. نحن قبالة ليبيا الآن يا أخ معمر. يالله!!

فى رأس الحكمة، خلال بضع سنوات، فى حضن بلدى، سُلبت منى حرّيتى رويدا رويدا: أولا باستعمالى- من كل الناس- طبيبا لكل الأمراض كل الوقت، ثم بعد ذلك باستيلاء الحكومة على بيتى، ثم إزالته بالبلدوزر، لصالح أمنِ كبيرٍ جدا، رغم حكم القضاء لصالحى، ماتت رأس الحكمة مثلما ماتت الحكمة. لست آسفا على ركنى فقد كان قد أزيل من نفسى قبل أن تزيله السلطة العليا ضدحكم القانون، أى والله. لكن هذه الخبرة جعلتنى أراجع نفسى فى مسائل أساسية، يحلم لها من لم يختبرها، ومازلت حتى الآن  أراجع معنى أحلام أحزاب الخضر، ومعنى الحرية البدائىة ، ومعنى الوطن،ومعنى الأمن،

شطحت بعد أن غُلب غلابى وتخيلت  أن الله سيلهمنى أن أحمل وطنى تحت جلدى، وأن أحتفظ بقوانين حريتى فى عمق وعيى دون إعلان، ولا أنكر أن الله استجاب لبعض ذلك، مما لست أذكره. فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر.

لم تكن هذه الطرق الساحلية التى نقطعها على “شاطئ الزير” (الكوت دازير) طرقا مكشوفة طول الوقت، فقد كان الطريق يتقطع باستمرار بسلسلة من الأنفاق، لا نكاد ننتهى من أحدهما إلا لندخل فى الثانى، ويتراوح طول النفق بين ما هو أقل من كيلو متر إلى بضعة كيلو مترات، وقد بدأت سلسلة الأنفاق هذه قبيل وصولنا إلى جنوه.. ولم أكن معتادا القيادة فيها أصلا، فأنا لم أعبر من قبل مثل هذه الأنفاق، اللهم إلا نفق “مونبلان” الشهيرالذى يخترق سلسلة جبال الألب بين فرنسا وإيطاليا عند فالورسين. ثم تلك الأنفاق القصيرة المتواضعة المحدودة فى جبال يوغسلافيا. أما هنا، فقد توالت سلسلة الأنفاق حتى حسبنا أن السير فى الطريق المكشوفة هو الاستثناء.

كنت كلما دخلنا نفقا واحتوانا الظلام فجأة قبل أن نتبين لمبات النور الصناعى، كنت أنقبض دون خوف ظاهر، ثم يغمرنى شعور بالضياع وكأنى لن أخرج أبدا، ثم يبهرنى نور النهار فجأة وكأنه مفاجأة غير محسوبة، (ليست سارة بالضرورة) وأخذت هذه النقلات تتكرر حتى ألفتُها، ولكنى لم آلفها لدرجة أن أنساها؛ فقد اعتدت أن يفاجئنى المألوف دائما أبدا مهما طال تكراره، حتى أننى أعتبر هذه المفاجأة المتجددة دليلا على طزاجة إدراكى، وهكذا لم أستطع فى كل دخلة وخرجة أن أطرد عن نفسى تجدد الشعور بالولادة، وإن إختلفت درجاته،

يستيقظ أحد الصغيرين، (أحمد رفعت) ليقول لى بعد أن يتمطى: “هل تعلم كم نفقا عبرنا”؟. يقولها ليقرر ويتحدى، لا ليسأل طلبا لإجابة. فأعجب للسؤال والموقف حيث إنى أرجح أنه كان نائما أغلب الوقت إن لم يكن طول الوقت، فأقول له “كم”؟. فيقول بثقة مفرطة “هذا هو النفق السابع عشر”، فأعجب أكثر لثقته الزائدة فأراجعه.. “وما ذا عن الأنفاق التى عبرناها وأنت نائم؟” فينتبه، ولكن يبدو أنه لا يتراجع، فيضيف اثنين ليصبح المجموع “تسعة عشر”، وأشعر أنه يجاملنى بهذه الإضافة – ليس إلا. إذ يبدو من لهجة صوته أنه يجارى منطقى “المعقول ” مضطرا.

هل نحن يا بنىّ – هكذا –  نيام طول الوقت؟  قد نفيق أحيانا فنلتقط بعض المعلومات، ونتصور – ثم نؤكد – أن هذه المعلومات هى “كل الدنيا والدين”، ثم نعود نغط فى نومنا الدائم. فإذا نبهنا أحدهم أن ثمة “موجودات، وآراء وأحداثا، تجرى أثناء نومنا هذا، رفضنا أصلا، فليس هناك، ولا يحدث أصلا، إلا ما نراه يقينا فى لحظات إفاقاتنا العابرة. وقد نوافق على الرأى الآخر (مثلما فعل صغيرى) مجاملة ظاهرية، ولكننا نصوغ العالم فى حدود لحظات اليقظة المحدودة، ومجال الرؤية المتاح فيها، وهات يا تعصب، ويا مذاهب، ويا أديان…و… ويا حروب!!.

ما زلنا فى اتجاه فنتميجليا Ventimiglia، ولست أدرى لم ابتدأ السهم منذ دخول جنوة يشير إلى “جنوة” ثم “فنتميجليا بالذات”، مع أن ثمة بلاداً أكبر وأوضح على الخريطة: مثلا: سالفونا Salvona، امبريا Imperia،  سان ريمو San Rimo إنما أبداً، ليس إلا “فنتميجليا”. أنتبه إلى أن المسألة ليست بحجم البلد أو شهرتها على الخريطة؛ فقد تشير الأسهم إلى أصغر البلدان، لأسباب لعلها تتعلق بموقعها على الحدود، أو قربها منها، وربما تاريخها، لست أدرى.

تعودت على الأنفاق أكثر، حتى سمحت لنفسى وأنا فى داخلها أن أتذكر لعبة الاستغماية الأوّلية، ولا أعنى بها تلك اللعبة التى نغمض فيها عين أحدنا ثم نختبئ منه، فيبحث عنا حتى يجدنا. وإنما أعنى بها تلك اللعبة التى تُخفى فيها الأم وجهها عن طفلها بملاءة أو ما شابه، (وكأنها تسأله أين أنا؟)، فيتصور – بمجرد اختفاء وجهها – أن الدنيا انتهت، ثم تكشف عن وجهها فجأة؛ فيطير الطفل فرحا، وكأن أمه قد عادت من المستحيل، وهكذا

 هذه اللعبة نفسها كنا نطورها صغارا حين نختار ركنا من الشرفة، أو من ملحق زاوية منسية فى حجرة مهجورة فنأتى بالبطانية أو ما شابه ونحيطها حولنا لنجعل منها كهفا أو مخبأ أو سرا أو ما لا نحتاج إلى تسميته أصلا، ونفرح بعملية الدخول والخروج، من الظلمات إلى النور وبالعكس، لا ليس ظلاما فنورا، ولكنه طوْر فطور.

بفضل الأنفاق الإيطالية المحكمة. ندخل فنختفى، ونخرج فنُوجد، ندخل فنهمس ونخرج فنرقص، ندخل فنـُرعب ونخرج فنبهر،..هذا هو.. هذاهو  يا سيدى.

نصل إلى فنتميجليا، وأعرف أنها آخر بلد إيطالى، إذ بعدها منتون Menton الفرنسية (عرفت ذلك لاحقا !) على الجانب الآخر من الحدود، ولا حدود، ولا حاجة، أى والله، ظللنا نزحف بانسياب لم نألفه بين اليونان ويوغوسلافيا، ولا بين يوغسلافيا وإيطاليا، لم يوقفنا أحد، ولم يسألنا أحد، رغم المكاتب والحراس والزى والجو الحدودى، ولم نستطع أن نميز حارس الحدود الإيطالى من زميله الفرنسى؛ فكلهم خواجات ظرفاء، يشيرون بإهمال طيب ويـَقـِظٍ فى آن، أو بترحاب فاتر وصادق معا، يشيرون إلى عربتنا أن “مُروا”، ونتلكأ خوف ألا نكون قد فهمنا، لكن الإشارة تأتى مؤكدة أنه “ماشى”، ونكاد نقول لهم: خلِّ بالك، الأرقام ما زالت مصرية عربية، وأحس أننا- بدون مناسبة،  وربما بدون استحقاق، أهل للثقة، ولكن ما دمنا كذلك فلماذا بهدلونا قبل المغادرة فى سفارة فرنسا فى مصر، ولولا خطاب الكلية الصورى للمركز الفرسى لانتظرنا واحدا وعشرين يوما للحصول على تأشيرة الدخول، وها نحن ندخل دون أن يتفضلوا ولو بنظرة على تأشيراتهم المبجلة. وبلغ غيظ أحد الأولاد الذين داخوا فى حكاية التأشيرة أن اقترح أن نسألهم” لماذا يثقون بنا هكذا ؟ “. بعد كل ذاك الشك و التأخير فى استخراج التأشيرة، و لكننا فضلنا اتباع المبدأ الجوهرى فى الغربة خاصة، وهو: ” ألا نسأل عن أشياء إن تـُبـْد لنا تسؤنا” فلم نسأل، ولم يسؤنا شئ ودخلنا إلى فرنسا دون توقف أصلا، و كأننا عائدون من الهرم إلى المنيل، بل عندك، فأحيانا ما يكون الاختناق بين محافظتى القاهرة والجيزة (مازلنا سنة 1984) عبر خطوط التماس أصعب من كل حدود دولية.

ما كدنا نصير فى فرنسا- و الشك مازال يداخلنا- حتى رجحنا أنها قد تكون مونت كارلو، أو موناكو، و لست أدرى أيهما عاصمة الأخرى، فالأسهم تقول مونت كارلو ثم نيس، و الحكاية إتلخبطت، ولكن؟.. نحن مالنا؟، اختفت مظاهر الحدود، وها نحن فى فرنسا، و ليس من المناسب أن نرجع لنقول لهم: يا عم والنبى تمسكنى أحسن أكون مزوغا، بل إننا مكثنا فى فرنسا أطول مدة فى الرحلة كلها، وخرجنا منها دون أن يسألنا أحد شيئا أصلا، بل إننى كدت أنسى أن جوازاتنا رأت الخاتم الفرنسى، لا فى الدخول، و لا فى الخروج. مما أكد لنا فى النهاية، أننا آخر تمام من حيث أهليتنا للأصدقاء الفرنسيين، وأبتسم حين تهاجمنى صيغة البيانات المشتركة بعد كل لقاء سياسى، لتعلن تماثل وجهات النظر فى كل الأمور فى كل لقاء سياسى بين القمم، ثم أبوك عند أخيك.

لم يبق على الغروب (بعد الثامنة مساء) إلا ساعة و بضع الساعة، و كنت أتمنى أن نصل إلى هذا المكان فى وقت أكثر تبكيرا؛ حتى أستطيع أن أترك الطريق السريعة إلى الطريق الوطنىة مخترقا القرى، مؤتنسا بالناس، إلا أن خشيتى من الظلام والمجهول جعلانى أرضى من الجمال بالبحر، وكنا قد نوينا- بناء على نصيحة زميل يعرف الحكاية – أن نقيم فى بلدة أصغر من نيس، و قبلها (فى اتجاه مونت كارلو). بلدة اسمها بو  ليو Beaulieu  والاسم يعنى: المكان/ البقعة الجميلة، فإذا عرفت أن اسمها بالكامل هوSur Mer  Beaulieu ،  أى المكان الجميل على البحر، فلابد أن ينطلق خيالك- مثلى- إلى احتمالات طروب، فما بالك إذا كانت أرخص- على زعم صديقنا الذى أوصى بها – فحدّث عن فرحة الأولاد وأيديهم على جيوبهم، قبل أن تكون عيونهم على البحر.

لست أدرى ما أصل علاقتى بحكاية الماء و الناس، و إن كنت قد أشرت إليها قبل ذلك فى بداية حكايتى مع السباحة و حماماتها، و لكنى أعرف أن للأمر أبعادا و أبعادا لاتصل إليها يقظة إدراكى بالدرجة التى تسمح لى أن أحكى عنها.

……………

ونكمل الأسبوع القادم

[1] –  المقتطف من الترحال الأول: “الناس والطريق” الفصل الرابع: “الحافة والبحر” (الطبعة الأولى 2000)، وتتضمن ترحالات يحيى الرخاوى أيضا (الترحال الثانى: الموت والحنين ) و(الترحال الثالث: ذكر ما لاينقال ) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب موجود فى الطبعة الورقية  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

admin-ajax-41admin-ajax-51

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *