الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطف من كتاب: الترحال الأول: “الناس والطريق” الفصل الثالث: “فى ضيافة المرأة المُهرة” (16)

مقتطف من كتاب: الترحال الأول: “الناس والطريق” الفصل الثالث: “فى ضيافة المرأة المُهرة” (16)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 30-9-2019

السنة الثالثة عشرة

العدد:  4412

مقتطف من كتاب:

الترحال الأول: “الناس والطريق” (1)

الفصل الثالث: “فى ضيافة المرأة المُهرة” (16)

…………

…………

رجعت إلى أولادى وهم فرحون بكل الناس، وكل الأشياء، وكل الألوان، وكل الأجواء، وذكرت لهم ماحدث من فضل الشاب والعجوز، فقالوا لى إنه يبدو أن الطليان من أحسن الناس، وأن بائعاً جرى وراءهم ليـرد لهم بقية خمسين ألف ليرة حسبوها ألفا أو مائة، فقلت لنفسى ـ مرة أخرى ـ إننى كنت على حق من أن أحذرها ـ نفسى ـ منذ البداية من مغبة التعميم ، ثم إنه يبدو أن أولادى يلتقطون الخير أسرع من واحد مثلى لا يكف عن المقارنة وإصدار الأحكام المتعجلة بالحق والباطل. وهكذا رحت أراجع هذه الإشاعات عن نصب وألاعيب الإيطاليين، وانتهيت كالعادة إلى أن كل بلد “فيها”، و”فيها”.

بمجرد أن عبرنا الجسر من ميدان روما إلى داخل فينسيا، بدأت رحلتى الخاصة، وأنا أستعيد الأماكن، والمشاعر، والروائح ، والوجوه.

 السائر فى فينيسيا، لايحتاج إلى أن يسأل عن أى مكان. فكل مكان مثل كل مكان، وهو فى سياحة مستمرة حيثما سار وحيثما توقف، وما عليه إلا أن يترك نفسه مع تيار الناس يميل كما يميلون، ويعتدل كما يعتدلون، وسوف يجد نفسه حيث يجدون أنفسهم، فيحقق ما لا يدرى مما ينبغى، هذا الشعور بالدفء والمؤانسة بمشاركة الناس فى “ماهو مشترك” بين الناس، هو جوهر الأسفار جميعا، بل ربما هو جوهر الوجود وأمل المستقبل. ولا أريد أن أزعج القارئ بأفكار تلح علىّ كلما امتزجتُ مع مثل هذا الجمع من كل لون وجنس ودين وعقيدة؛ حين أخاطب ربى متسائلا متفائلا واثقا فى عدله ورحابة ملكه وسعة فضله وفيض رحمته، يختفى كل تعصب. فإن لاح لى أى ظل من تعصب فى أى اتجاه بعد هذه المشاعر، فإنه يبدو لى من أغبى الجنون وأقبح الطبيعة، بل هو جريمة فى حق ووجدان عقل أى انسان ينتمى إلى شرف الحياة. وأتمنى لو ألبست شبابنا النقى المتمسك بدينه، المتحمس لفريقه، دون سواه، لو ألبسته عيونى فى هذه اللحظة. إذن لتفجر نقاؤه إبداعا يشمل الناس جميعا، ولترعرعت سماحته ثورة تحطم كل غباء متحوصل، ولاندفع الناس إلى الناس فى ود قوى يسحق قوى النشاز الكونى من بقاع العالم. راودنى هذا الخاطر وأنا أجلس على الأرض المبلطة بذلك البلاط القديم، إغاظة فى كل سيارات العالم؛ حيث إن الشارع- هكذابدون سيارات – هو ملكى الخاص، وأدعو بعض أولادى لمشاركتى الجلسة لنخرج ألسنَتَنَا معا لجميع أنواع السيارات، فَيَهُمُّ أحدهم أن يفعل، وإذا به يرفض ويشدنى كالملدوغ أن أقف من فورى، فأفعل مندهشا؛ حيث كنت فى حالة تصالح مع طوب الأرض، وعطن الماء، وروائح البشر جميعا، وأنظر إلى حيث يشير فأجده محقا. فآثار “الكلاب” مازالت تتحدى نظافة شوارع أوروبا جميعا، وفينيسيا ليست مستثناه. لا أشعر بالقرف الذى تصوره صاحبى الصغير، ولا أتمادى فى الجلوس .

نمضى مع موجات البشر حيث نصل إلى ميدان سان ماركو، فنجد الحمام فى انتظارنا، ولا أكرر ماسبق أن قلته فى الفصل الأول عن “الناس والحمام”، لمّا كنا أمام البرلمان (سينتاجما) فى أثينا. إلا أن حمام سان ماركو أشهر وأكثر من غيره، ويمسك ابناى (حفيداى، صديقاى) الصغيران- أحمد وعلى – يدىّ، ويجذبانها ليسألنى على- هامسا- متى سنرجع. وأتعجب ابتداء لـلسؤال، فأنا أتصور أنهم فى غاية المنتهى!! مثلى. وأجيب “وقتما تشتهيان”. وكنت – شخصيا – قد التهمت جرعتى المناسبة التى أستطيع أن أجترها بهدوء؛ فبعد مثل هذه الجرعات الدالّة أستطيع أن أصطحب هذه الدنيا بكل أبعادها وروائحها وأرضياتها ونبضها فى كيانى الجاهز للتلقى، تعودت أن مثل هذه الجرعة تكفينى وزيادة، بل إننى أتعمّد أحيانا ألا أتخم بغيرها بعدها حتى لا تضيع الأولى، الأوليات منى. وهكذا أصبحتُ على استعداد للانصراف دون حاجة إلى مزيد من البحلقة والتجوال، وأكتشف أنهما يريدان الرجوع إلى حمام السباحة فى المخيم قبل غروب الشمس، فأفرح سرا، وأتبين أن هذا هو ما يمكن أن أريده تحديدا، ومعهما بالذات دون الآخرين، وإن كنت لم أسمح لرغبتى هذه بالاقتراب من ظاهر وعيى؛ ربما خوفاً من البحث عن من يشاركنى بلا جدوى، لكن يبدو أن صديقىّ الأصغر قد سمعا نداء طـِفـِلى من ورائى. ونرتب الأمور مع بقية أفراد الرحلة، وأعود مع صغيرى محملين بأغلب المشتريات؛ حتى نترك لـلباقى فرصة أكبر فى التجوال الحر، خاصة وأن بعضهم كان يزور فينيسيا لأول مرة.

وصلنا المخيم بسرعة وسهولة، وفى ثوان كنا جاهزين لننطلق إلى المسبح، مثل هذا المسبح تماما لا يجذب الأولاد فى بلدنا، بل قد يقاوم أحدهم النزول إليه، ولكنه هنا- لسبب ما- يجذب ثلاثتنا بسحر خاص واعد بالبهجة والنكوص الطيب. أنا لا أعرف العوم (حتى ذلك الحين – عرفته بعد ذلك مضطرا بعد إصابة ركبتىّ من الجرى)

 حين حاولتُ صغيرا أن أتعلم العوم كنت قد كبرت على ذلك، واجتهد بعض أولاد عمى أكبر منى وأكثر شقاوة،أن يساعدونى فى هذا الأمر، هازلين ساخرين جادين صابرين فى آن، وأنا: ..”أبدا”، كنا نذهب إلى بئر ساقية، فيربطونى بحبل طويل سميك (سَلبَةْ) حول صدرى، ويلقوننى فى الساقية عاريا عريا كاملا، وأنا:… “أبدا !!”. كنت حول الرابعة عشرة على ماأذكر، ونجح أخى الأكبر فى تدريبات العوم الكلابى، وفشلت أنا (كالعادة)، بل إن أغيَظَ ماكان يغيظنى أن شيخا كفيفا طريفا (وفديا) كان يذهب معنا، ويقفز إلى بئر الساقية دون تردد وهو يبسمل ويحوقل، وهات ياعوم، وأنا مندهش منكمش أرتعش من البرد والخجل طول الوقت،

عموما: علاقتى بكل أنواع الألعاب صغيرا، هى علاقة واهية نتيجة لتلاحق هزائمى، قبل وبعد كل محاولة. ولعل السبب فى ذلك، أن أخى “محمد” الأكبر منى بسنتين اثنتين كان يحذق كثيرا من الألعاب بشكل يجعلنى دائما أختبئ فى ظله، بل فى جب عجزى وخجلى أساسا. ولم يكن لى أصدقاء فى مثل عجزى، ولا فى مثل سنى، أستطيع أن أبدأ معهم بالتدريج كما ينبغى، وحتى صداقاتى المحدودة جدا كانت تقتصر على تبادل الرسائل، والتوصية بقراءة قصّة،  أو المشى البطئ على جسر المصرف، أو طريق الزراعية فى بلدنا. ثم، فيما بعد، حول ضاحية مصر الجديدة (1945)، قبل أن تصبح هذا الأخطبوط ذا الألف ذراع، كنا نمشى ونتكلم، ونتكلم ونمشى،ثم نفترق لنتراسل، ونقرأ،ولا لعب، ولايحزنون.

أذكر ذات مرة أن ابن عمة بعيدة لنا جاء يزورنا فى بلدتنا، وكان يحذق لعب تنس الطاولة (البنج بونج)، وظل يلعب مع أخى الأكبر هذا مايقرب من أربع ساعات متواصلة، وأنا أنتظر أن يحن علىّ أحدهما ولو بشوط واحد، ولافائدة. وحين جرؤت على السؤال عن متى ينتهيان، لم يكلف أى منهما خاطره بالرد علىّ أصلا. ومازلت أذكر معنى “الانزواء من داخل” منذ ذلك الحين.

 ومرة أخرى فى صحراء مصر الجديدة (1947) ذهبت متطفلا مع أصدقاء أخى هذا لـلعب كرة القدم، وكنت حول الرابعة عشرة، وكانوا جميعا حول السادسة عشرة، وقد نسونى تماما عند تقسيم الفرقتين، فذكّرتهم بوجودى، فقال أحدهم: اذهب إلى أية فرقة “فوق البيعة”، وبلعتُها، وقررت أن أنضم إلى إحدى الفرقتين، ولكنى لم أخطِر أفراد الفريق الذى أقحمتُ ُنفسى عليه، وكيف أفعل؟. ظللت أجرى طوال الشوط الأول بجوار خط التماس دون أن أقترب من أى من الفريقين، أو تقترب منى الكرة أصلا، وانتهى الشوط وأنا لا أدرى هل كسبتُ أم خسرتُ؟. وكيف لى أن أدرى وأنا لست على يقين أصلا من قبولى فى الفرقة التى أنتمى إليها؟. وفى الشوط الثانى: انتقلت إلى الفريق الثانى- دون أن أخطر أحدا أيضا- وظللت أجرى على خط التماس المقابل طوال الشوط أيضا، دون أن يلحظنى أحد، أعنى دون أن يهتم بى أحد أو يفكّر فى سؤالى مع أى الفريقين ألعب، حتى انتهت المباراة وأنا لم ألمس الكرة.

 ثم فى إحدى سفراتى السابقة ـ أثناء مهمتى العلمية فى باريس (1969) ـ  حكيت هذه القصة لزوجة صديقى بيير برينتى، و هى إيطالية اسمها فرانكا، واسمه بيير برينتى وهو الذى أشرت إليه سابقا لمّا رسمت له اسمه بالحروف العربية. (وسيأتى ذكره كثيرا لاحقا)، كان دائم الفخر أنه جمع الحسنيين، فنصفه الأمومى من الميدى (وسط فرنسا)، والنصف الأبوى من تورينو (شمال إيطاليا)، وهو يعتقد أن هاتين المقاطعتين جمعا أنقى عناصر الشعبين. وكان بيير قد أخذنا إلى غابة فى جنوب باريس؛ حيث تسكن عائلة قريب له، فوجدناهم يلعبون كرة القدم كبارا وصغارا، فأصرّ بيير على أن أشارك فى اللعب، رغم تأكيدى له عن مدى تهبيلى العشوائى. وكانت كلما عثرت الكرة فى قدمى- بالصدفة طبعا- هلل وشجعنى كأنى قصدتُ شيئا،أو كأنى ألعب فعلا، حينذاك، بلغتنى عنى معلومة  شديدة الدلالة: وهى أنى لم ألعب حقيقة وفعلا “أبدا”، وذكرت لزوجته (فرانكا) علاقتى باللعب عامة، وبكرة القدم خاصة، وحكيت لها، دون تردد أو خجل،  حادث صحراء مصر الجديدة مع أخى وصحبه، فقالت مازحة إنه يبدو أنه كان يلزمنى أكثر من ثلث قرن من الزمان، ثم الحضور إلى غابة فى فرنسا شخصيا،  حتى أعرف إلى أى فريق أنتمى، وحتى تقترب هى وزوجها منى بكل هذه الرعاية فأطمئن. يومها قررت أن أعمل فى بلدنا عند عودتى غابة مثل هذه الغابة، وسطها ملعب (ملاعب) لمرضاى وعائلتى الكبيرة، لاننسى فيها طفلا،ولا نُـغْــفُلُ مبتدِئا.ولا نلهب عاجزا ، أو نتجاوز مريضا. وقد كان.

 كل ذلك خطر لى وأنا فى حمام السباحة مع أحمدرفعت  وعلى عماد . فارق السن بينى وبينهما يقترب من خمسين عاما، وأنا أتصنع أنى أرعاهم، وأحرص عليهم من الغرق، والواقع أنى كنت أعيش كل الخبرة الممكنة فى هذه اللحظة بشكل ذاتى أساسا، وبصحبة أقرانٍ أحرار، وتمر سحابة محملة بما تيسر، وتتوسط السماء فوقنا تماما، وترُخ رخة قصيرة، فأفرح فرحتين، وأنا أتمتع بمنظر الماء الهابط من السماء يتلألأ على الماء الصناعى بعض محاولات الإنسان الدائبة لتجميل الحياة، والإضافة إلى الطبيعة بكل ما أوتى من إبداع مثابر.

 هطول المطر فى بلدنا مصاحَب أبدا بذكريات فصل الشتاء، ومغامرات الأوحال، والحوادث، وأعطال المرور. أما أن يهطل المطر عليك فى جو منعش، وأنت فى حمام سباحة نظيف حالة كونك “تبلبط” طفلا مع الأطفال، فهذه نغمة أخرى عزفها رب الطبيعة والناس، حين ألهم الناس أن يحسّنوا وسائل متعتهم لتتناغم مع خلقهم. المسألة ليست حمام سباحة بديلا عن الطبيعة ،بل تنويعات مضافة تتكامل مع الطبيعة.

كانت حمامات السباحة فى بلدنا لا تمثل عندى شيئا ذا بال، بل إنى كنت أنفر منها نفورى من النوادى التى تحتويها. فأنا لا أعرف مجتمع هذه النوادى أصلا، ولست متأكدا على ماذا يجتمعون، و على أى شئ يفترقون. والمرة الوحيدة التى دخلت فيها نادى الجزيرة، كانت بدعوة من صديق اعتقد أن عندى ما أقوله بمناسبة عرض فيلم “ابنة ريان”، وكان لى فيه رأى منشور، وقد خرجتُ من هذه التجربة بخبرة لا تسر. فقد شعرت أنى أكلم ناسا لا أعرفهم، على موجة إرسال ليست فى أجهزتهم ما يستقبلها.

لم أتعرف على ما هو حمام سباحة (جدا) إلا فى خلوة لاحقة، وعلى مساحة رائعة من مياه فيروزية قابعة وسط صحراء الخليج العربى، تتحدى كل جفاف وجفاء، كل ذلك فى فندق “أبللى” فى رأس الخيمة. كنت أنزل فيه ذات أغسطس، والحرارة فوق54ْ، وتذوقت لأول مرة طعما فسّر لى ماكان يقال فى بلدنا عن أم كلثوم من أنها كانت تستحم باللبن الحليب، ربما تفسيرا لجمال ونعومة وقوة صوتها الرائق، أفهمنى حمام رأس الخيمة هذا معنى حمام أم كلثوم المزعوم، ليس فقط بسبب نعومة وقوة صوت أم كلثوم، ولكن يبدو أنى استشعرت فيه معنى الرضاعة أيضا حيث درجة حرارته تقترب من دفء حليب لبن الأم. وأذكر عاملا آخر شجعنى على أن أختلس نزول ذلك الحمام دون توتر- المرة بعد المرة – وهو أنه كان خاليا معظم الوقت، لم يكن يشاركنى فيه أحد إلا نادرا، ومن هؤلاء تلك الهيفاء التى لا يمكن أن تميّز إن كانت ترتدى لباس الاستحمام أم لا. كانت تنساب وهى تسيرحول الحمام قبل أن تنساب فى مائه وكأنها تعوم دون أن تحرك ذراعيها أو ساقيها، قشر بياض يؤكد ازدواجية أصل الإنسان ، إذ يبدو أن مثل هذا الحريم انتقل من مرحلة  السمك إلى مرحلة الغزال دون المرور بحلقات القرود والغوريللا التى اختص بها تطور الرجال الخناشير.  فى هذه الصحراء المحافظة جدا كنت أتأمل هذا الإبداع الخاص جدا حتى أنسى درجات الحرارة ، والرطوبة والسوْنا الطبيعية، ثم فجأة ، يهاجمنى  هذا الإلحاح المستمر فى التفكير فى الفقراء جدا، الذين لايجرؤون على مجرد تخيل أن يروا هذا أو بعض هذا.

حمام سباحة آخر مزّقنى بين المشاركة فى رفاهية ليست  فى معجمى، وبين  العجز عن  التخلص من إلحاح الهم العام وأنا مشغول بالناس الشديدى الفقر على بعد خطوات منه. كان ذلك فى هيلتون الخرطوم. كنت فى مهمة فحص متهم طبيب لتقدير مسئوليته الجنائىة فى جريمة ملتبسة، كان المسبح (والفندق) مليئا بناس تكساس ذوى القبعات العالية المخططة و العريضة  ذات الريش، وكأنى أشاهد النسخة المعكوسة من فيلم لرعاة البقر أو ادعاء تحرير العبيد فى ولايات الجنوب الأمريكية،  هؤلاء الرعاة  الباحثون عن البترول فى الأغلب يقومون بتعبيد الأحرار السود، وليس بتحرير العبيد. كان هذا الحمام يحتوى داخل الماء بارا يقدم كل المشروبات (فى الماء أيضا) وحوله كراسٍ صخرية أو رخامية يغطيها الماء يجلس عليها السباحون ويشربون، ثم يعاودون النكوص.

 ظللت أتساءل ، وحتى الآن: كيف لاتقتل كل هذه الرفاهية كل إحساس بالحاجة إلى العدل وضرورة اليقظة؟. وكيف يستطيع أن يذكر الناس فى هذه الحمامات، هكذا، ناسا آخرين على بعد أمتار أو أميال لايجدون مايسمح لهم بمجرد استمرار دخول نَفَسِ الهواء وإخراجه؟ وكيف لمن يدّعى- مثلى- أنه لاينسى الفقراء المحرومين، أن يستمتع بنعمة الله ونعم البشر، وهذه الأفكار لا تفارقه؟. وما حال من هو أصغر وأصغر ـمن أبناء الأكثر ثراء ـ ممن يتصورون أن الحياة هى كلها “هكذا” فهم لم يروا إلا ماهو “هكذا””، حتى لو كان كل مايكسبه أهلهم شريفا جدا؟ هكذا يزعمون جدا.

كيف تسربت هذه الأسئلة إلىّ الآن بهذه الصورة؟  هل هذا وقته؟ أسئلة كلها تجلب الغم فى وقت يُعتبر الغم فيه جريمة أو خطيئة لابد أن يحاسبنا الله عليها. وهل عدم قدرتى على الاستمتاع التى أشرت إليها سابقاً، هى التفسير الذى يجعل صورة المحرومين تقفز إلى ظاهر وعيى فى مثل هذا الموقف؟ وماذا سوف يفيد المحرومين إذا أنا حرمت نفسى من المتعة أسفا عليهم، ثم لا أعمل شيئا حقيقيا لهم؟

……….

ونكمل الأسبوع القادم رحلات الداخل والخارج

 

[1] –  المقتطف من الترحال الأول: “الناس والطريق” الفصل الثالث: “ فى ضيافة المرأة المُهرة ” (الطبعة الأولى 2000)، وتتضمن ترحالات يحيى الرخاوى أيضا (الترحال الثانى: الموت والحنين) و(الترحال الثالث: ذكر ما لاينقال ) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب موجود فى الطبعة الورقية  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

 

admin-ajax-41admin-ajax-51

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *