نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 21-8-2022
السنة الخامسة عشر
العدد: 5468
مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)”[1]
الباب الأول: “غريزة الجنس”(من التكاثر إلى التواصل) [2]
الفصل الرابع
الجنس، وتحرير المرأة..!! [3](2)
……………..
……………..
مظاهر معاصرة عن تفاقم الوضع الشيزيدى على الجانبين:
لعلنا نلاحظ أن رفض النساء المعاصرات، لا يظهر فى صورة صريحة دالة إلا فى بعض ما يسمى (خطأ) الأدب النسائى، أما فى الحياة العامة فإن رفض النساء وتفضيلهن حياة الأنفة، أو الانسحاب، أو الاستمناء، أوالاستقلال، فقد يأخذ أشكالا اجتماعية وسلوكية عديدة، ومن ذلك:
(1) تأخر سن الزواج للمرأة حتى تبلغ ما بعد الثلاثين، ليس فقط فى مصر ولكنه امتد ليشمل المثقفات (أو المتعلمات أو الجامعيات)، فى كثير من البلاد العربية دون استثناء الخليجيات، هذا إذا تزوجن أصلا.
(2) إرتفاع نسبة الطلاق الذى يتم بناء على طلب الزوجة، بالخـُـلع أو بغيره، وخاصة إذا صاحبه تنازلها عن حقوقها المادية، وأحيانا عن حضانة الأولاد.
(3) إرتفاع نسبة من يحاولن ممارسة علاقة فيها قدر أكبر من الاختيار، أو من أوهام الاختيار، وهى التى لا يسمح بها مجتمعنا عادة (إلا سرا، ونادرا) لدرجة لابد وأن تنقلب معها إلى ما يـدمغها باعتبارها فاحشة أو دعارة لا أكثر، ولا أقل: (الأمر الذى يتخفى حاليا تحت أسماء مثل زواج المتعة، وزواج المسيار، والزواج العرفى، وما شابه)
(4) ارتفاع نسبة الاستكفاء الذاتى (بالاستمناء وما يقابل)
(5) ارتفاع نسبة أنـَـفـَـة الاستغناء من سلبية الرجال (حتى ينقلب المثل الشهير إلى: “ضل حيطة ولا راجل طيطة” بديلا عن المثل الأصلى “ضل راجل ولا ضل حيطة”
(6) إرتفاع نسبة الشذوذ الجنسى (نتكلم عنه هنا بين النساء، وخاصة فى المجتمعات الغربية)، وهذا يبدو ردا بليغا، ويحتمل أن يواكب ما ذهبنا إليه من زعم أن المرأة حين تأكدت أن “عيب الرجال قلتهم” راحت تمارس، ولو بالتبادل دورهم لسد العجز فى أعداد الرجال الحقيقيين كما تراهم.
وحتى داخل المؤسسة الزواجية قد نجد أن الزواج أصبح يمر بأطوار نمطية تكاد تنتهى إلى أى شكل من اشكال الرفض السابقة.
وفى تأويل ذلك نقول:
ترتبط المرأة بزوج تتصوره كما تتمناه، أو كما ينبغى (رجلا يأبى أن يستعملها مناخا كما اكتشفت عاشئة القرطبية) ثم تأتى الممارسة فتثبت أنه لا يعدو أن يكون البغل زوج هند، أو الأسد المغرور والمرفوض أصلا طالما هو لا يريد لبوة شريكة، وإنما مناخا ومفْرخاً، أو يثبت أنه الكلب المرفوض ضمنا لموقعه الأدنى، وأيضا لاحتمال أن يكون مطلبه هو أيضا، حتى وهو الكلب، هو أن يركن فى دعه سلبية، وليس أن يجادل شريكا.
هذه الصور تتبدى فى مناخ في الزواج الذى تنتهى مدة صلاحيته بعد أجل مسمى
فالزوج الأعمى الذى يستحل زوجته لأنها هى أو وليها قد وقعا ورقة تسمح له بذلك، هو البغل الذى وصفته ”هند”
أما الزوج “الحمش” الذى يلغى زوجته أصلا اللهم إلا كمناخ له بعد تعبه (وهو ليس بالضرورة سى السيد) فهذا هو الأسد الذى ترفضه عائشة (لأنه لم يعد إلا فحلا)، ذلك المعنى الذى ترفضه الشاعرة “أم حكيم”، حين تأبى أن تسلم جرمها(جسدها) لرجل همه أن يضاجع، كما تقول:
وأكرم هذا الجرم عن أن يناله تورُّكُ فحلٍ هـَـمـُّـه أن يضاجعا
ثم يتبقى الزوج البليد الذى يعتمد عليها أو على أى مصدر آخر (أمه مثلا) فهو الزوج الأدنى الذى يرضى بالأدنى، ومع ذلك قد يمارس دور الحماشة الكاذبة، وهذا هو الكلب الذى ترفضه هند أيضا.
وقديما كان الزواج يستمر لأسباب أخرى لا علاقة. لها بالحرية ولا بالاختيار، أمَا وقد تطور الأمر وأصبح الاختيار واردا، فإن هذه الزيجات أصبحت تنتهى بمجرد انتهاء عمرها الافتراضى فى الظروف التالية:
(أ) حين يتبين للمرأة من هو زوجها على حقيقته وليس كما تخيلته،
(ب) حين يعجز الرجل أن يكون رجلا حاضرا محتويا متميزا مجادلا
(جـ) حين تأبى المرأة أن تستمر مناخا لغير ذى صفة.
مسئولية المرأة (وهى تتصور تحررها بالعزلة والحرمان):
أغلب ما سبق يوحى بأن المرأة ترفض الرجل لأن الرجل لم يستطع أن يكون رجلا إنسانا يمارس علاقة مع إنسان(ة) آخر مختلفا، وهذا صحيح، ولكنه صحيح جزئيا فقط، فالمرأة التى تفعل ذلك ربما تكون هى أيضا عاجزة عن أن تمارس دورها إنسانا ودورها أنثى تتكامل مع ذكورتها الكامنة.
وقد بالغ المجتمع الغربى فى إعطاء المرأة حق الرفض حتى لا تصبح “المناخ” الذى وصفته عائشة، ففى المؤسسة الزواجية يمكن للزوجة -عندهم- أن تقيم قضية اغتصاب ضد زوجها إذا أتاها دون رغبة منها، وهذا تماما عكس ما شاع (خطأ فى الأغلب) من أن على الزوجة المسلمة -تدينا- أن تطوف بسرير زوجها عدّة مرات قبل أن تنام، تعرض عليه نفسها -ضمنا- حتى تتأكد أنه لا يريدها هذه الليلة وإلا أصبحت آثمة (أو تلعنها الملائكة!!) وكذا وكيت، وأحسب أن كلا الصورتين هما مبالغة فى تصوير درجتين من البشاعة والتسطيح وسوء الفهم.
فبأى أسلوب يمكن أن تعلن المرأة قبولها لرجلها؟ بالألفاظ، أم بالتوقيع على لقاء يتجدد كل ليلة؟ أم بالتجاوب المبدئى؟ أم بالتجاوب الدائم؟
وبأى طريقة يمكن للرجل أن يفرق بين الرفض من باب أساليب الدلال والتمنع المبدئى، وبين الرفض الذى قالت به عائشة فى المقتطف (رفض أن تكون “مناخا” حتى لأسد).
وقد بدا لى أن الوعى الشعبى المصرى قد اقترب من هذه المشكلة فى أغنية بسيطة، لم أفهمها بحقها إلا بعد حين، حتى أنى استعملتها فى علاج بعض صعوبات الرجال الجنسية خاصة فى خبرة ليلة الزواج الأولى، تقول الأغنية:
ليه يانا يانا، ليه يا غرامى،
خايف أقولـّـك… ولا ترضيشى،
وان مارضيتيشى: لانزل وآيـس،
واحط عـِـيـِـنى فى وسط راسى،
….
أرضى لك إنت يا “سى العريس” مارْضاش لغيرك.
فرفـض العروس هنا هو رفض الخجل، وربما الدلال أو الدهشة، وحين يأخذ العريس هذا الرفض الظاهرى باعتباره عـُـزوفا عنه، وتقليلا من شأن رجولته، فإنه يصاب بما يصاب به المتزوجون حديثا ليلة الزفاف (ويقال أنه مربوط)، لكن هذه الأغنية (التى تقال عادة مع أغانى الفرح) تعلمه ألا يـَـعـْـتـَـدّ بهذا الرفض المبدئى، وأن ينزل و”يقايس “(يغامر أو يخاطر)، وأن يغمض عينيه إلا على افتراض أنها الرغبة المتبادلة التى تجمعهما، وليس فقط العقد أو الورقة، وإذ يصل هذا الاقتحام المحب إلى العروس فإنها تعلن القبول الخاص الذى يؤكد له تفرّده بالاختيار “أرضى لك أنت ياسى العريس مارضاش لغيرك”.
الخلاصة:
إن ما يبدو تحررا وإباء من جهة المرأة هو أمر محمود، وشكل تحرّرى، لكنه قد يخفى وراءه عجزاً إنسانياً عن عمل علاقة حقيقية، وهى صعوبة عامة لا تقع مسئوليتها على الرجل وحده، ولا على المرأة وحدها، ولا يوجد حل سهل لها، ولا بد أن توضع الأمور بترتيبها التصعيدى بشكل يسمح بتحديد البدايات الفارقة بين الرجل والمرأة، ومن ثم التدرج فى الممارسة، حتى ينجح الشريكان فى تأنيس وجودهما “معا”.
فبداية المرأة كينونتها وأنوثتها فعلا، وحين تقول عائشة القرطبية “أنا لبوة”، فهذه بداية صحيحة، فهى لم تدّع أنها أسد، وهى لم ترفض الأسد – فى عمق التفسير- لكنها رفضت أن تكون مناخا لأحد (أسدا أو غير أسد). وهذه المرأة المؤكِّدة لأنوثتها “أنا لبوة ” تريد أسدا يعاشرها لا يستعملها مناخا، أى أنها تريد رجلا يبدأ هو أيضا من رجولته، فالذى تريده المرأة حتى لا تغلق نفسها دونه هو رجل، مجرد رجل بِحق، وحين لا تجد، أو تقرر أنها لا تجد هذا الرجل، تبرر الانسحاب أو الحرمان أو الإباء أو الجنسية المثلية، وهكذا تقع المرأة فى مأزق جديد، فتكاملها لا يكون بأن تحل محل الرجل أو تمارس ما عجز هو أن يمارسه، ولكن يكون التكامل أوالتحرر بأن تعمق هى أنوثتها حتى تتفجر إنسانيتها متكاملة فتلتحم بها لتصبح إنسانا حرا يحتوى ويبادئ، يقتحم ويخلق، يعطى ويأخذ بوعى عميق وحوار متصل.
ويستحيل ذلك - بداهة - إلا إذا تم مع رجل يمارس نفس الدور، وإن كانت البداية مختلفة، ذلك أن الرجل يبدأ رحلة تحرره بتعميق رجولته أسدا لم يتخل عن أنوثته المبدعة الخلاقة، التى لا ترضى له أن يستعمل أنثاه الخارجية ـاللبؤة- مناخا بل رفيقا مواكبا يتحرر معه فى رحاب تحرره، وبالعكس.
………………..
………………..
(ونواصل الأسبوع القادم)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى، كتاب “الطب النفسى والغرائز (1) “غريزة الجنس” (من التكاثر إلى التواصل) و“غريزة العدوان” (من التفكيك إلى الإبداع) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2022) (تحت الطبع حاليا)
[2] – تحديث محدود لمحاضرة “الغريزة الجنسية” ألقيتها فى منتدى أبو شادى الروبى (15/12/1998) ضمن نشاط محاضرات لجنة الثقافة العلمية: المجلس الأعلى للثقافة.
[3] – يحيى الرخاوى: مجلة “الإنسان والتطور” الفصلية: عدد أكتوبر1998 – مقتطف وموقف: “تحرير المرأة بالحرمان”