الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)” الباب الثانى: “غريزة العدوان” الملحق (2) “ليالى ألف ليلة” لـ نجيب محفوظ: القتل بين مقامَىْ العبادة والدم (9)

مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)” الباب الثانى: “غريزة العدوان” الملحق (2) “ليالى ألف ليلة” لـ نجيب محفوظ: القتل بين مقامَىْ العبادة والدم (9)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت : 19-11-2022

السنة السادسة عشر

العدد: 5558

مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)”([1])

الباب الثانى: “غريزة العدوان”(من‏ ‏التفكيك إلى الإبداع)‏ ‏([2])

 

الملحق (2) .. (عبر النقد الأدبى):

“ليالى ألف ليلة” لــ “نجيب محفوظ”([3])

القتل بين مقامـَـىْ العبادة والدم([4](9)

…………

…………

‏8 – 9 – ‏علاء‏ ‏الدين‏ ‏أبو الشامات‏، ‏و‏ ‏السلطان‏ ‏

‏ ‏مقام‏ ‏الحيرة‏ ‏بين‏ ‏مذهب‏ ‏للسيف‏، ‏ومذهب‏ ‏للحب‏ ‏

القتل‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الحكاية‏ ‏مؤلم‏ ‏غاية‏ ‏الألم‏، ‏هو‏ ‏استشهاد‏ ‏عجيب‏، ‏فالمقتول‏ ‏بريء‏، ‏والقاتل‏ ‏فاجر‏ ‏كاذب‏ ‏متسلط‏، ‏لكن‏ ‏من‏ ‏يقرأ‏ ‏الحكاية‏ ‏ويرى ‏كيف‏ ‏رجـح‏ ‏علاء‏ ‏الدين‏ (‏إبن‏ ‏عجر‏ ‏الحلاق‏) ‏مذهب‏ ‏الحب‏، ‏فاتــبع‏ ‏سبيل‏ ‏شيخه‏ ‏عبدالله‏ ‏البلخى ‏حتى ‏زوّجه‏ ‏الأخير‏ ‏ابنته‏، ‏ثم‏ ‏فجأة‏ ‏يـحاكم‏ ‏بلا‏ ‏جريمة‏، ‏ويقتل‏ ‏بلا‏ ‏ذنب‏، ‏من‏ ‏يراجع‏ ‏هذا‏ ‏التسلسل‏ ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏يعتصر‏ ‏قلبه‏ ‏الألم‏ ‏الحاني‏، ‏لكنه‏ ‏ألم‏ ‏قديم‏ ‏عادى، ‏مثل‏ ‏ما‏ ‏يثيره‏ ‏القصص‏ ‏القديم‏، ‏افتقدنا‏ ‏فيه‏ ‏التكثيف‏ ‏الرائع‏ ‏لتضارب‏ ‏الداخل‏، ‏كما‏ ‏كثرت‏ ‏حوله‏ ‏الحكم‏ ‏والمواعظ‏ ([5]) ‏وقصص‏ ‏الصوفية‏ ‏المعادة، ‏كما‏ ‏تكرر‏ ‏فيه‏ ‏النقاش‏ ‏الذى ‏يدور‏ ‏حول‏ ‏دعوة‏ ‏الثورة‏ ‏العنيفة‏ ‏التى ‏يمثلها‏ ‏فاضل‏ ‏صنعان‏، ‏ودعوة‏ ‏الإصلاح‏ ‏المسالم‏ ‏التى ‏تميل‏ ‏إليها‏ ‏نفس‏ ‏علاء‏ ‏الدين‏، ‏أى ‏بين‏ ‏من‏ ‏يمثلون‏ ‏جنود‏ ‏الله‏، ‏ومن‏ ‏يمثلون‏ ‏دراويشه‏، ‏بين‏ ‏سيف‏ ‏الجهاد‏… ‏والحب‏ ‏الألهى (‏ص‏201). ‏جسدت‏ ‏هذه‏ ‏الحكاية‏ ‏حيرة‏ ‏علاء‏ ‏الدين‏ ‏من‏ ‏البداية‏ ‏للنهاية‏ ‏و”لكنى ‏دائر‏ ‏الرأس‏ ‏فى ‏مقام‏ ‏الحيرة‏، ‏إنى ‏فى ‏مقام‏ ‏الحيرة‏” (‏ص‏195)، “‏حقا‏ ‏إنى ‏لفى ‏حيرة‏” (‏ص‏201) ‏ولم‏ ‏يـنــه‏ ‏علاء‏ ‏الدين‏ ‏هذه‏ ‏الحيرة‏ ‏باختياره‏، ‏وإنما‏ ‏بناء‏ ‏على ‏رأى ‏شيخه‏-‏ولو‏ ‏غير‏ ‏المباشر‏- ‏بأن‏ ‏يسلك‏ ‏طريق‏ ‏الحب‏.، ‏وما‏ ‏إن‏ ‏فعل‏ ‏حتى ‏قـــتل‏.‏

‏ ‏لتنتهى ‏الحكاية‏ ‏بأنه‏ ‏ربما‏ ‏يكون‏ ‏قد‏ ‏نجــاه‏ ‏الله‏ ‏من‏ ‏الموت‏ ‏بالموت‏ (‏ص‏202).‏

ماذا‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يقول‏ ‏لنا‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏بهذا‏ ‏القتل‏ ‏الجديد؟

‏ ‏أيريد‏ ‏أن‏ ‏يقول‏ ‏إنه‏ ‏لو‏ ‏لم‏ ‏يُـقتل‏ ‏علاء‏ ‏الدين‏ ‏هكذا‏ ‏لكان‏ ‏ثـَـمَّ‏ ‏احتمال‏ ‏أن‏ ‏اختياره‏ ‏لمذهب‏ ‏الحب‏ (‏دون‏ ‏مذهب‏ ‏السيف‏) ‏هو‏ ‏موت‏ ‏أخر؟

‏ ‏ولكن‏ ‏رمز‏ ‏الحق‏ ‏والحقيقة‏-‏الشيخ‏ ‏البلخي‏-‏هو‏ ‏الذى ‏شجعه‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏حتى ‏خطبه‏ ‏لابنته‏، ‏كما‏ ‏أن‏ ‏الرواية‏ ‏التى ‏أوردها‏ ‏الكاتب‏ ‏فى ‏نهاية‏ ‏الحكاية‏ -‏على ‏لسان‏ ‏البلخي‏-‏هى ‏رواية‏ ‏غاية‏ ‏فى ‏السلبية‏، ‏لدرجة‏ ‏أعترف‏ ‏بأنها‏ ‏نفّـرتنى ‏بلا‏ ‏موعظة‏.‏

‏ ‏وأخيرا‏ ‏فإن‏ ‏التحيز‏ ‏لمذهب‏ ‏السيف‏ (‏الذى ‏يمثله‏ ‏فاضل‏ ‏صنعان‏) ‏قد‏ ‏انهار‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بأخر‏ ‏حين‏ ‏تشوهت‏ ‏صورة‏ ‏صنعان‏ ‏بمجرد‏ ‏أن‏ ‏استطاع‏ ‏أن‏ ‏يستر‏ ‏ذاته‏ ‏الظاهرة‏ ‏عن‏ ‏عيون‏ ‏الآخرين‏ (‏بطاقية‏ ‏الاخفاء‏) ‏فاذا‏ ‏به‏ ‏يتورط‏ ‏فى ‏إطلاق‏ ‏عدوانه‏، ‏فجنسه‏، ‏فجنونه‏ ‏الفج‏، ‏بلا‏ ‏رادع‏ (‏أنظر‏ ‏طاقية‏ ‏الاخفاء‏).‏

إذن‏ ‏ماذا‏ ‏؟

حكاية‏ ‏أخري‏، ‏غلب‏ ‏عليها‏ ‏الأسلوب‏ ‏التقريرى ‏من‏ ‏جهة‏، ‏وأطلت‏ ‏منها‏ ‏ألف‏ ‏ليلة‏ ‏القديمة‏ ‏من‏ ‏جهة‏ ‏أخرى‏، ‏رغم‏ ‏ظاهر‏ ‏حداثة‏ ‏مقام‏ ‏الحيرة‏ ‏بين‏ ‏مذهبى ‏السيف‏ ‏والحب‏.‏

القصاص:

ويبدو‏ ‏أن‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏قد‏ ‏استاء‏ ‏مثلما‏ ‏استأنا‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏النهاية‏ ‏الماسخة‏، ‏فسرعان‏ ‏ما‏ ‏ألحق‏ ‏بها‏ ‏حكاية‏ ‏إصلاحية‏ ‏قصيرة‏، ‏ما‏ ‏كان‏ ‏لها‏ ‏أن‏ ‏تستقل‏ ‏أصلا‏، ‏فوظَّفها‏ ‏توظيفا‏ ‏مباشرا‏ ‏لينال‏ ‏الظالم‏ ‏جزاءه‏، ‏ومن‏ ‏خلالها‏-‏على ‏أى ‏حال‏-‏ رأى ‏شهريار‏ ‏نفسه‏ ‏فى ‏مغامرة‏ ‏إبراهيم‏ ‏السقا‏ الذى ‏عثر‏ ‏على ‏كنز‏ ‏أنفقه‏ ‏فى ‏تجسيد‏ ‏أحلامه‏ ‏بتنصيب‏ ‏نفسه‏ ‏سلطانا‏ ‏مسرحيا‏ ‏كل‏ ‏ليلة‏، ‏مع‏ ‏تنصيب‏ ‏أصدقائه‏ ‏من‏ ‏الحفاة‏ ‏والجياع‏ ‏وزراء‏ ‏وقادة هذه الحكاية ‏التى ‏تنتهى ‏بأن‏ ‏يدرك‏ ‏السلطان‏ ‏الحقيقة‏ ‏فيأمر‏ ‏بتنفيذ‏ ‏حكم‏ ‏تعلمه‏ ‏من‏ ‏السقا‏: ‏فيقتل‏ ‏ثلاثة‏، ‏ويعزل‏ ‏اثنين‏، ‏مع‏ ‏مصادرة‏ ‏أملاكهما‏.‏

وبهذا‏ ‏القصاص‏ ‏العادل‏ ‏الماسخ‏ ‏يتأكد‏ ‏تراجع‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏عن‏ ‏الجريمة‏ ‏المفككة‏ ‏التى ‏قدمها‏ ‏فى ‏حكاية‏ ‏علاء‏ ‏الدين‏.‏

‏ ‏وقد‏ ‏لاحظت‏-‏أيضا‏-‏أن‏ ‏دور‏ ‏المجنون‏ ‏أخذ‏ ‏يتوارى ‏فى ‏ضباب‏ ‏الأحداث‏ ‏المهزوزة‏، ‏فمرة‏ ‏يظهر‏ ‏فى ‏حلم‏ ‏علاء‏ ‏الدين‏ ‏ينصحه‏ ‏بأن‏ ‏يترك‏ ‏لحيته‏ ‏شبكة‏ ‏للصيد‏، ‏ولكن‏ ‏هذه‏ ‏النصيحة‏ ‏لا‏ ‏يتولد‏ ‏منها‏ ‏شيء‏، ‏ومرة‏ ‏يــنذر‏ ‏درويش‏ ‏عمران‏ ‏بمصير‏ ‏سلفه‏ ‏كبير‏ ‏الشرطة‏ ‏المعين‏ ‏بن‏ ‏ساوي‏، ‏ثم‏ ‏يفد‏ ‏على ‏فرح‏ ‏علاء‏ ‏الدين‏ ‏بلا‏ ‏دعوة‏، ‏ولم‏ ‏أكن‏ ‏أتوقع‏ ‏من‏ ‏النسيج‏ ‏المحكم‏ ‏لشخصية‏ ‏المجنون‏ ‏فى ‏بداية‏ ‏الليالى ‏أن‏ ‏يتسع‏ ‏ليسع‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ ‏بهذه‏ ‏الصورة‏.‏

………..

…………

(ونواصل الأسبوع القادم)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – يحيى الرخاوى،  كتاب “الطب النفسى والغرائز (1) “غريزة الجنس” (من التكاثر إلى التواصل) و”غريزة العدوان” (من التفكيك إلى الإبداع) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2022)

[2] – تحديث محدود لمحاضرة “الغريزة الجنسية”‏ ‏ألقيتها‏ ‏فى ‏منتدى ‏أبو‏ ‏شادى ‏الروبى (15/12/1998) ضمن نشاط محاضرات لجنة‏ ‏الثقافة‏ ‏العلمية: المجلس الأعلى للثقافة.

[3] – صدر هذا النقد فى عمل لى فى “قراءات فى نجيب محفوظ” الطبعة الأولى (1990) الهيئة العامة للكتاب، والطبعة الثانية (2005) والطبعة الثالثة (2017) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى. 

[4] – بدءًا من هذه الحلقة سوف أنشر الحلم مكتملا أولا، وذلك بعد ما وصلتنى رسائل متعددة، واحتجاجات منطقية، نأسف أنها لا تستطيع أن تتابع النقد دون الرجوع إلى “المتن الأصلى” فقررت أن أجرب اليوم أن أنشر المتن مكتملا قبل النقد.

[5] – التى ‏أخذت‏ ‏تتزايد‏ ‏بدءا‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الجزء‏.‏

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *