نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 30-7-2022
السنة الخامسة عشر
العدد: 5446
مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)” [1]
الباب الأول: “غريزة الجنس” (من التكاثر إلى التواصل)
الباب الثانى: “غريزة العدوان” (من التفكيك إلى الإبداع)
مقدمة الكتاب:
محتويات العمل الحالى ليست مترابطة بشكل محكم، ولا هى كتبت بنفس المنهج ولا فى ظروف متشابهة، ذلك لأن الخبرة ممتدة ومتواصلة طوال نصف قرن (على الأقل) بما يحتم المراجعة وإعادة النظر طول الوقت، من هنا فإن لكل جزء ملابساته وظروفه، مع محاولة ربط متواضع كلما أمكن ذلك.
بحسب التسلسل التاريخى، فإن جذور هذا المدخل يمكن أن يرجع إلى انتماء الكاتب إلى ما سـُمـِّى لاحقا “الطب النفسى التطورى”، وهو ما طوّره الكاتب إلى ما صار يسمى: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”، علماً بأن الكتاب الأم “دراسة فى علم السيكوباثولوجى”(1979)([2]) ثم النظرية الأساس “النظرية الإيقاعية التطورية” (1980) يمثلان البنية الأساسية لفكر المؤلف.
الباب الأول هنا هو عن “غريزة الجنس: من التكاثر إلى التواصل“، وترجع أصوله إلى محاضرة ألقيتها فى منتدى أبو شادى الروبى، وهو بعض نشاط لجنة الثقافة العلمية، إحدى لجان المجلس الأعلى للثقافة حين كنت عضوا فيها.
ثم يأتى الباب الثانى يعرض موجزاً عن “غريزة العدوان: من التفكيك إلى الإبداع”، وقد كتبت أصول هذه الأطروحة ابتداء سنة (1980) ([3])، ثم أعيد نشرها بعد تحديثها المحدود فى مجلة فصول (1986) ([4]).
وقد حاولت أن أبدأ باحترام هذه الغرائز باعتبارها نعمة ضرورية توارت إيجابياتها بعد أن بولغ فى التركيز على سوء استعمالها واختزالها وانحرافها.
.. هذا، وقد ألحقتُ بكل باب ملحقاً مناسباً من نشاطى فى النقد الأدبي، ذلك لأبين مارحت أكرره مؤخرا من أننى أمارس مهنتى فنًّا علاجيا أسميته “نقد النص البشرى”، فرأيت أن ألحق بتنظيرى العلمى/المهنى عن مـَادتـَىْ هذا العمل “الجنس والعدوان”، هذه الملاحق، وهى دراسة نقدية لروايتين: الأولى: “ليالى ألف ليلة”: لـ نجيب محفوظ، والثانية: “بيع نفس بشرية”: لـ محمد المنسى قنديل.
وسوف تتواصل السلسلة لتكون الغريزة التالية فى كتاب مستقل أكثر إشكالا فتصدر أملاً فى أن تنال أحقيتها فى الاهتمام والتوظيف على مسار النمو والإبداع الذاتى والتطور، وسوف يصدر الكتاب بعنوان: “الغريزة الإيمانية والفطرة”.
يحيى الرخاوى
المقطم: 15 مايو 2022
******
الباب الأول
“غريزة الجنس”(من التكاثر إلى التواصل) [5]
الفصل الأول
أصول ومنهج التعرف على ماهية الجنس
مقدمة:
كان هذا اللقاء من بعض نشاط منتدى أبو شادى الروبى لأصدقاء الثقافة العلمية([6]) (فاللجنة هى: لجنة الثقافة العلمية)، وهذه محاضرة فى المجلس الأعلى للثقافة، عن الجنس: ما هو وما إليه، فما هو الفرق بين ما يجوز أن يُلقى فى هذا المجتمع بهذه الدرجة من الثقافة المتميزة، وبين ما يمكن أن يلقى فى نفس الموضوع فى المجمع العلمى، أو مركز الأبحاث، أو فى كلية الطب، أو كلية الآداب، أو لطلبة الثانوية العامة.
ظللت طوال السنوات الخمس الماضية (وأنا أشْـرُفُ بعضويتى لهذه اللجنة)، وأنا ألح إلحاحا متصلا، لأفهم أولا، ثم لأحاور ثانيا، ثم لأسوّق ثالثا ما هو “ثقافة علمية”، وقد وضعت لذلك تعريفات كثيرة، ونشرت رأيى فى أماكن عديدة، وخلاصته تبدأ بنفىٍ يقول:
إن الثقافة العلمية ليست هى العلم،
وليست هى المعلومات،
وليست هى تبسيط العلوم،
وليست هى تسويق العلوم،
وإن كان كل ذلك من أدواتها ([7])
وأضيف بهذه المناسبة عرض موقفى بألفاظ أخرى تقول: إن الثقافة العلمية:
(1) هى تفعيل المعلومة العلمية لتصبح فى متناول الوعى العام لغالبية الناس المنتمين إلى ثقافة خاصة لها موقعها المتميز.
(2) ومن ثَمَّ : هى الإسهام فى تشكيل هذا الوعى.
(3) وَهى ترويج لاتباع منهج فرضى إستنتاجى فى التفكير، وهومنهج مفتوح النهاية بالضرورة.
(4) وهى تسعى لتدعيم الموقف النقدى الموضوعى فى معظم أمور الحياة فى الفعل اليومى.
ومن هنا كنت كلما حَضَرت محاضرة “علمية” فى هذا المنتدى أتساءل:
1- هل هناك فرق يميز هذا اللقاء عن لقاءات “علمية” أخرى.
2- هل استطاع اللقاء (أوالمحاضرة) أن يوصل المعلومة بطريقة مختلفة بحيث تكون “فعلا “/”وعيا”، يمتزج بالوعى العام ويغير السلوك، وليست مجرد إضافة معقلنة تُحفظ وتـُـنسى أو لا تُـنسي.
3- هل كان المخاطـَـب فى المقام الأول هو:الوعى ليتشكل، أم العقل ليتمنطق؟ (باعتبار أن الثقافة العلمية تخاطب الوعى من خلال العقل ولا تكتفى باستعمال الوعى خلفية يقظة لتشحذ به العقل الطاغى سيد المواقف برغم قصوره)
4- وعن ما تبقى بعد هذا اللقاء -إن تبقى شىء-: هل هو تبقى فى وعى الحضور أم فى ذاكرتهم؟ وما الفرق؟
5- وهل سينتقل ما تبقى – تلقائيا ما أمكن- إلى أصحاب المصلحة ؟عامة الناس؟
وكنت أجد الإجابات على كل ذلك: مشكلة وغير حاسمة، وأحيانا: قاسية، ومؤلمة، وأحيانا أقل: متواضعة وآمـِلة .
وحين جاء دورى، وقدمت محاضرتى الأولى فى هذا المنتدى عن ”الصحة النفسية والتطور، والإيقاع الحيوى”، لم أستطع أن أحسن الإجابة على هذه الأسئلة إجابات تبرر إصرارى على تمييز ما هو ثقافة علمية عن أية نشاطات “علمية أخرى” لا تذكر كلمة ثقافة ([8]) قبلها. بل إننى فى تلك الندوة السابقة عن الصحة النفسية والإيقاع الحيوى حين ربطت بين رقصة التنورة، وبين الذِّكر، وبين ضربات القلب، وبين دورات الجنون ودورات الكون ودورات العبادة، قوبلت باستهجان شديد من زملائى باللجنة من المنهجيين التقليديين من حيث اعتراضهم على خلط “العلم” “بالميتافيزيقا ([9])
كل هذا أعاقنى وأنا أحضّر لهذه المحاضرة التى أعترف أننى السبب فى تورطى فيها: ذلك أننى تابعت حدثين هامين على مدار الستة أشهر السابقة للمحاضرة، حدثين ليس لأى منهما علاقة مباشرة بالآخر، الأول طبى علمى، والثانى سياسى فضائحى (إعلامى)، الأول هو اكتشاف عقار الفياجرا، والثانى هو مسلسل حياتى/سياسى/واقعى (ليس تلفزيونيا) مسلسل “كلينتون/مونيكا”، وقد لاحظت أن استقبال ناسنا لهذين الحدثين يختلف اختلافات جذرية عن استقبال ثقافات أخرى، سواء فى بلد المنشأ (منشأ الحدثين: الولايات المتحدة) أو حتى عبر الأطلنطى، إذن فكل ثقافة من الثقافات قد عايشت (قرأتْ، وانتقدتْ، وشجبتْ، وحبذتْ، وتفرَّجتْ على..إلخ) الحدثين معايشة مختلفة، فتساءلتُ: أى المواقف كان أكثر موضوعية؟، أكثر علمية؟ وأى الثقافات أقرب إلى ما ندعو إليه مما يسمى الثقافة العلمية؟ وبما أن الحدثين يربطهما موضوع “الجنس”، فماذا يعلم ناسنا عن هذا الذى إسمه “الجنس”؟ أين يقع فى إطارمعارفنا النظرية، ثم أين يقع مانعرف عنه -صوابا أم خطأ- من ممارساتنا اليومية وسألت زملائى فى اللجنة عن دورنا فى كل هذا، فكان ما كان من ورطة ترتـَّـب عليها تكليفى بهذه المحاضرة، ومن ثَمّ: موقفى هنا بينكم الآن.
………………..
(ونواصل غدًا)
______________________
[1] – يحيى الرخاوى، كتاب “الطب النفسى والغرائز (1) “غريزة الجنس” (من التكاثر إلى التواصل) و“غريزة العدوان” (من التفكيك إلى الإبداع) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2022) (تحت الطبع حاليا)
[2] – يحيى الرخاوى “دراسة فى علم السيكوباثولوجى (شرح ديوان سر اللعبة)”، (1979). ويعاد طبعه حاليا بعد التحديث فى أربعة أجزاء.
[3] – يحيى الرخاوى: “العدوان والإبداع” مجلة الإنسان والتطور (1980)، المجلد الأول العدد الثانى (ص49-80).
[4] – يحيى الرخاوى “جدلية الجنون والإبداع” مجلة فصول المجلد(6) العدد(4) (يوليه، اغسطس، سبتمبر1986)، (ص30-58)
[5] – تحديث محدود لمحاضرة “الغريزة الجنسية” ألقيتها فى منتدى أبو شادى الروبى (15/12/1998) ضمن نشاط محاضرات لجنة الثقافة العلمية: المجلس الأعلى للثقافة.
[6] – أنظر الهامش السابق.
[7] – سبق أن حاولت تعريف الثقافة العلمية لتتميز عن العلم فى كتابى “مراجعات فى لغات المعرفة” سلسلة أقرأ، دار المعارف 1997، ثم فى سلسلة مقالات فى الأهرام فى سنة 1996.
[8] – مازالت كلمة ثقافة، وما يقابلها فى الإنجليزية culture تثير إشكالية عند الخاصة والعامة على حد سواء، وفى حديث قريب مع أ.د. جابر عصفور سأله د. عمرو عبد السميع: (الأهرام العربى العدد 90 بتاريخ 12 ديسمبر 1998)
دعنى أسألك سؤالا مباغتا..لماذا وزارة الثقافة، فالموسوعة الفرنسية - مثلا- تعرف الثقافة بوصفها لفظا كليا مرادفا للحضارة يشتمل على العمل المهنى والمجهود البدنى، ومن ثم فإن وزارة الثقافة هى تعنى فى أحد مفاهيمها وزارة ككل الوزارات، وبالتالى دعنى أكرر السؤال لماذا توجد وزارة للثقافة،
ورد د.عصفور قائلا: “هى الوزارة المعنية بالتربية الإبداعية لقدرات الأمة” …إلى أن قال “الثقافة هى الرؤية الشاملة للحياة، على نحو يستلزم أن ينتقل الإنسان من مستوى الضرورة إلى مستوى الحرية”….الخ.
وعندى أن الثقافة هى جماع وعى مجموعة من الناس فى وقت بذاته فى بقعة بذاتها، والمثقف هو من يستوعب ويمثل هذا الوعى بقدر أكبر.
فثمة ثقافة تسمى ثقافة الخرافة، وثقافة الكلمات دون الفعل (ربما أكثر ثقافة العرب حالياً) والثقافة السلفية والثقافة العلمية، وكل هذا كان وما يزال يشغلنى وأنا أحاول أن أمارس دورى فى هذا المجلس الأعلى للثقافة
[9] – لا أظن أن استعمال كلمة “الميتافيزيقا ” أصبح يستحق نفس المشروعية التى كان يتمتع بها سابقا بعد أن امتدت الفيزيقا إلى كل ما بعدها !!! فهل عاد شيء إسمه “ميتا” “فيزيقا “؟
شكرا ليك د/ يحيي.
الثقافات المختلفه قد تشكل طبيعه التفكير و التطور. الثقافه مسؤوله علي توضيح تفكيرنا و تفكير الاخرين سواء كان سوي او مختلف. التفكير نفسه يعود الي الثقافه سواء الانفتاح او الحدود في العلاقات او السلوك عامه.
عندي ان الجنس الجنس في بعده الوجودي الحيوي الخلاق هو اكبر ما يعري نوع الوجود الشائه الذي يعيشه اغلب ما يسمي انسان العصر الحديث.
فهو ١)
اما مسخ مشوه باستعمال البشر انفسهم النساء لتسويقه بغباء شديد وبابتذال بشع لاغراض اغلبها شديدة النذالة وباستعمال فرط غباء اغلب النساء الذين يستدرجون في هذا المسخ. دون اي استعمال حقيقي لوظيفة الجنس لتعميق الحضور الحيوي الخلاق ( عذرا لتكرار المصطلح ).
او ٢) او هو يمارس بخلفيات بشعة من قهر وحضور الذنب في خلفيات من يمارسونه حتي عند ما يسمي المتزوجون .
او ٣) او انسلاخه عن وظيفته الحيوية باستعمال الغريزة نفسها لتفريغه في فراغ وجودي صارخ .
اذن من بعد معين فاستطيع ان اقول ان الحيوانات اشرف من الانسان في هذا الصدد لانه في حد علمي تمارس هذا الجنس دون مواربة او حتي تشويه او احتيال.
ابتلي الانسان بحتم الوعي وحتم الكدح الي المعني والي الحضور الحيوي وكان وما زال الجنس هو مظهر من مظاهر هذا الابتلاء.
لغات الحضور بين البشر شديدة التعقيد واغلبها غير منطوق اصلا ويطل الجنس الحيوي الخلاق كاداة من ادوات التواصل التي حتما لا تكتمل الا فيما ندر. للاسف.