نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 6-3-2022
السنة الخامسة عشر
العدد: 5300
مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” (1)
الكتاب الأول: “النظرية والفروض الأساسية” (30)
مقدمة:
نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب، ونوصى بالبدء بقراءة نشرة أمس قبل قراءة هذه النشرة.
يحيى
الفصل الثامن
هامش: عن الطاقة والوعى والصرْع!! (4)
…………..
…………..
(5) يوليوس قيصر: ولد سنة مائة وتوفى عام 44: قبل الميلاد
وهو أحد أكثر الرجال نفوذا فى التاريخ كان أيضا من المصابين بمرض الصرع، وقيصر كان سياسيا ورجل دولة داهية، وخطيبا بارعا وقائدا محنكا، وفى 15 مارس 44 ق.م، اغتيل «قيصر» على يد بعض أعدائه القدامى وآخرين كان يعتبرهم من أصدقائه.
تعقيب:
فى مسرحية “يوليوس قيصر” لشكسبير، اختلفت الآراء حول دور “العراف” هل هو الذى فسر حلم زوجة قيصر أن “ماء ينهمر من تمثاله والرومان يغسلون أيديهم بدمه فى نشوة والسعادة وتغمرهم“، أم أنه هو ذلك الذى كتب له رسالة لم يقرأها وأعطاها له أحدهم وهو فى طريقه إلى مجلس الشيوخ، وأنها من صديقه، فلم يفتحها، وبدا لاحقا أنها كانت تحذيرا من المؤامرة التى تنتظره فى مجلس الشيوخ، وهى المؤامرة التى تمت بنجاح وانتهى بسببها أجله فعلاً.
(6) الملك ألفريد العظيم:
ولد فى عام 849 ، وتوفى فى عام 899 والملك ألفريد الأكبر هو الذى مهد للوحدة الإنجليزية، وتصدى لهجمات قبائل «فايكينج» المتتابعة على شمال أوروبا، كان مصابا بالصرع ورغم ذلك لم ينقذ بريطانيا من الإبادة سوى عبقريته.
تعقيب:
وهذا الأسم هو أكثر بعدا عن معارفى، لكن ربما دفعنى إلى إدراجه هنا ذكر قبائل “الفايكينج”، ثم لاحظ استعمال كلمة “عبقريته” برغم أنه ليس مبدعاً، مع التذكرة بأننى تجنبت استعمالها كما ذكرت فى البداية.
(7) ليوناردو دا فينشي: ولد فى عام 1452، وتوفى فى عام 1519م
وهو مَنْ أبدَعَ أعظم اللوحات الدينية وقد برع ليس فقط فى التشكيل ولكن فى العديد من التخصصات الأخرى كذلك.
تعقيب:
ولا يحتاج الأمر إلى التذكرة بأنه هو الذى أبدع لوحة الموناليزا.
(8) مايكل أنجلو: ولد فى عام 1475 ، وتوفى فى عام 1564
وهو النحات لعديد من التماثيل الدينية الأكثر شهرة فى كل العصور. ومن إبداعاته رسومات سقف كنيسة سيستينا وكاتدرائية القديس بطرس المشهورة بايطاليا وتمثال خلق آدم، وتمثال داود.
(9) لويس الثالث عشر ملك فرنسا: ولد فى عام 1601 وتوفى فى عام 1643م
وقد حكم فرنسا عام 1610م وعمره أقل من 9 سنوات، كان يعانى بشدة من مرض الصرع، والملك لويس تولى مقاليد الحكم عقب اغتيال والده هنرى الرابع، وعينت والدته الإيطالية الأصل مارى دى مديتشى وصية على العرش.
وبالفعل نجح فى استعادة السيطرة على معظم المدن البروتستانتية المحصنة، وأحكم قبضته على مقاليد السلطة فى البلاد، وكان يقول للمحيطين به إنه نجح فى التعايش مع مرضِهِ الصرع.
تعقيب:
بصراحة لا أعرفه بشكل يبرر لى رصده ، لكن يبدو أننى أثبته للإشارة إلى مغزى صغر سنه، وقد التقطت تعبير المحيطين به أنه: “نجح فى التعايش مع الصرْع”، لما لهذا من علاقة بموضوعنا هنا.
(10) إسحق نيوتن: ولد فى عام 1642، وتوفى عام 1727م
السير إسحق نيوتن، كان من أعظم علماء القرن 18فى الرياضيات والفيزياء، كان يفقد الوعى لمدة ثوانى قليلة بسبب نوبات الصرع، وكان يحس برعشة حول عينه وفمه، كما كان يشعر بشرود ذهنى متقطع.
تعقيب:
فوجئت أن نيوتن كان صرعيا، وعلاقتى بنيوتن هى انتباهى إلى ذكر اسمه طول الوقت كمرحلة فارقة لتطور الطبيعة والرياضة، بالذات، والتركيز على التفرقة بمرحلة إنجازاته بين المرحلة النيوتنية وما بعد نيوتن.
(11) نابليون الأول: ولد فى عام 1769 وتوفى فى عام 1821
وقد عانى من الإصابة بمرض الصرع طوال حياته، وهو إمبراطور فرنسا وصاحب الانتصارات المتعددة، الذى وصفه البعض أنه “أعظم عبقرية عسكرية عرفها التاريخ”
وقد عرف عن «بونابرت» أنه كان غريب الأطوار، وعاشق للنساء، وفاشل فى حياته الزوجية وذو ذكاء نادر،
تعقيب:
فهل يا ترى كان لذلك علاقة بصرْعه؟
أما علاقته بمصر وبتطوراتها فى حملته ونقلاته قبلها وبعدها فهى أقرب إلينا من أن يعاد ذكرها أو حتى الإشارة إليها.
(12) اللورد بايرون: ولد فى عام 1788، وتوفى فى عام 1824
وكان شاعرا حكيما ثائرا حرّا، انضم إلى حركة “محبة الإغريق” ليقاوم الحكم التركى المتغطرس فى اليونان.
وتشير السيرة الذاتية المتاحة أن اللورد بايرون عانى من نوبات الأرجح أنها كانت نوبات الصرْع، وأنه كثيرا ما كان يكتب فى مختلف المقاطع عن أعراض أشبه بالصرْع بشكل أو بآخر.
تعقيب:
أعترف أننى أعجبت به لكننى لم أعرف كيف أصنفه، فقد أحببت كل ما وصلنى منه، ورأيت الشعر حتى فيما نقلوه عنه أنه “حكمة”، وتعجبت كثيرا أنه كان انجليزيا مع أن برنارد شو كان انجليزيا وبرتراند رسل كان انجليزيا وأنا أحبهما (يبدو أن انجلترا ليست بلدا واحدا، وأن فكرتى كمصرى عن الإنجليز تعميمية خاطئة).
(13) تشارلز ديكينز: ولد فى عام 1812، وتوفى عام 1870م،
وهو صاحب الروايات الطويلة وأحد أكثر الأدباء الإنجليز تأثيرا، كان مصابا أيضا بالصرع، وتجلى تأثره بإصابته فى رواياته التى أظهرت أعراض الصرع وأسبابه على بعض شخصياته، حتى أن أطباء العصر الحديث عجبوا لوصف «ديكينز» للمرض الذى لم يكن معروفا سببه آنذاك.
وهو روائى إنجليزي. يُعدّ بإجماع النُّقّاد أعظم الروائيين الإنكليز فى العصر الفكتوري، ولا تزال الكثير من أعماله تحتفظ بشعبيّتها حتى اليوم. تميَّز أسلوبه بالدُّعابة البارعة والسخرية اللاذعة.
(ومن أشهر رواياته المترجمة لدينا “قصة مدينتين”، و”أوليفر تويست”)
تعقيب:
يحرك اسم تشارلز ديكينز عندى الحنين لما كنا ندرسه فى شهادة الثقافة العامة (ما يقابل الثانية ثانوى اليوم) كان المقرر علينا روايتان “الحرب بين العوالم” The War of the Worlds، ومؤلفها هـ. ج ويلز H.G Wells، ورواية “مستر بيكويك” وهى النسخة الميسرة الموجزة من رواية تشارلز ديكينز الأصلية باسم “أوراق بيكويك”Pickwick Papers وقد احبيت هذه الرواية حبا شديدا وكأنها هدية شيقة جميلة وليست مقررا مفروضا، ومازلت أذكر منظر مستر بيكويك بكرشه المستدير أمامه وهو يقبل أطفال الناخبات وهو مرشح لمجلس نيابى ما، وحين أصبحت طبيبا نفسيا بعد سنوات طويلة ربطت بين منظر مستر بكويك وبين التركيب الجسدى البدين المستدير المسمى بالانجليزية Pyknic الذى تتميز به الشخصية الدورية (أو الفرحانقباضية كما أسماها جاهين) وعرفت احتمال مصدر الاسم عند ديكينز.
المهم: حتى أنت يا ديكينز كنت صرعيا؟!
(14) ديستوفيسكى: ولد فى عام1821 وتوفى فى عام ١٨٨١م
هذا الروائى الروسى العظيم «ديستوفيسكي»، كان يعانى من نوبات الصرْع فعلا، وقد تأكدت من ذلك لعلاقتى به وبأعماله وقد اشتد عليه الصْرع فى عام 1854، وكان – كما عرفت ضمن سيرته” قد حكم عليه بالإعدام لنشاطه السياسى لكن الحكم خفف إلى الحكم بالسجن مع الأشغال الشاقة، وبعد خروجه من السجن سمح له بالعودة إلى بطرسبورج وفيها تابع نشاطه الأدبى ونشر فيها كثيرا من رواياته مسلسلة، وظلت نوبات الصرع تلاحقه دون أن تحول دون مواصلة إبداعه، بل لعلها ساعدته ودفعته.
تعقيب:
علاقتى بأعمال ديستوفيسكى علاقة طويلة زاخرة، وقد قمت حتى الآن بنقد كثير من أعماله (وأنوى الاستمرار)، وقد نشر نقدى له لكلٍّ من: “عالم الطفولة من ديستويفسكى“، “حركية العلاقات البشرية جدلا وامتدادا فى الإخوة كارامازوف” (2)،
معرفتى بحالة ديستوفيسكى من سيرته ونقدى أعماله هى التى سمحت لى أن أجزم أنه كان صرعيا بكل ما يعنيه الصرْع، وقد وصلنى ذلك من وصفه لنفسه لما يحدث له وبالذات: وصفه لإرهاصات النوبة (aura) كأدق ما يوصف به بدايات الصرْع، وأيضا من رواياته ، ليس فقط الأبله، كما لاحظت أنه كان كثير الاستعمال للفظ “نوبة” لوصف الكثير من أحوال شخصياته، لكنه لم يكن يعنى بذلك نوبة صرعية بصفة خاصة وقد أشرت إلى ذلك فى بعض نقدى له.
(15) فريدريك نيتشه: ولد فى عام 1844 وتوفى فى عام 1900 م
فيلسوف «القوة» فريدريك نيتشه، عانى من الصرْع أيضا وقد عُرف بإلحاده وموقفه ضد السلطات جميعا، وضد الحريات الزائفة، وكان من أكثر من دعوا إلى العنف والدكتاتورية، ويعتبر من أكثر الفلاسفة الأكثر شيوعا وتداولا بين عامة الناس، وخاصة بين الشباب الناقمين على مبادئ الدين والثائرين على السلطة، وقد عجز عن عمل علاقة مستقرة مع شخص قريب واكتفى باعتماده على أخته التى لم تحترم حالته قرب نهايته وراحت تبيع للناس الراغبين فى رؤيته بطاقات لزيارته فى المستشفى العقلى فى آخر حياته.
تعقيب:
حياة نيتشه وإنكاره وعنفه ونوباته واقتحاميته كلها تتفق مع فروض فرط الطاقة وزخمها التى اعتبرتها أساس الصرْع والإبداع والجنون على السواء، وتاريخ نيتشه هو تاريخ بارانويا ايجابية قوية متماسكة، ولم أعثر على ما يدل على علامات ضعف أو نوبات إلا قرب آخر حياته، وقد انتهت حياته فى مصح عقلى مهانا حتى من أخته.
أما عن تشخيص حالته حتى بعد دخوله المستشفى فقد تحيرت فيه ما بين احتمال مضاعفات ذهانية للزهرى الذى اصابه فنتج عنه ما يسمى الشلل الجنونى العام General paralysis of insane، بما يصاحبه من خلل فى قدرة الإبصار حتى عمى تماما، وبين ذهان تدهورى ربما له علاقة بصرع كامن أو متناوب وربما نتيجة لفرط علاجه بمضاداته إن كانت قد وجدت آنذاك، وقد توقفت رافضا عند تشخيص “الخرف” Dementia المحتمل فى سن 45 (3) وكل ذلك يمكن أن يحدث معه أو أثناؤه تغير فى الوعى وتدهور فى القدرات المعرفية كما قد يكون السبب فى ذلك صرْع ظاهر وليس فقط كامنا.
(16) فنسنت فان جوخ: ولد فى عام 1853، وكانت وفاته فى عام 1890
وهو غنى عن التعريف بكل معنى الكلمة، وهو ضمن الفنانين العظماء الذين عانوا من الصرْع أيضا، وقد تزايد تواتر حدوث نوبات الصرْع عليه مما جعله يفقد رغبته فى الحياة فانطلق ذات يوم إلى أحد الحقول المجاورة وأطلق الرصاص على نفسه ولم يلق حتفه على الفور، حيث تم نقله لأحد المستشفيات التى مكث بها يومين قبل أن يفارق الحياة وهو مازال فى مرحلة الشباب فلم يكن يتعدى الـ37 من عمره، وقال قبل وفاته: “من أجل الخير للجميع، تركت لوحاتي”.
تعقيب:
نهاية فان جوج فى هذه السن الباكرة (37 عاما) بعد كل هذا الانجاز الفائق، وبهذه الطريقة الفاجعة تجعلنا ننظر بألم إلى نزواته الفجائية (الذهانية أو الصرعية) التى كانت سببا فى قطع أذنه ليهديها لمحبوته، فربما كانت هذه التصرفات ضمن نوباته الصرعية التى أودت إحداها بحياته فى النهاية، كل هذا يشير إلى بعض تجليات الصْرع .
وبعد
أختم بثلاثة ليسوا مبدعين بالضرورة بنفس نمط الإبداع الذى تميز به من سبق ذكرهم حالا:
(17) ثيودور روزفلت: ولد فى عام ١٨٥٨، وتوفى فى 1919
وهو من مشاهير المصابين بالصرْع وهو الرئيس الأمريكى الخامس والعشرين، ورغم أنه أصغر رئيس تولى حكم الولايات المتحدة حيث أصبح رئيسا وعمره 42 عاما، إلا أنه من أبرز من شغل هذا المنصب، وقيل إنه كان يعانى من مرض الصرْع، بالإضافة إلى ضعف البصر.
تعقيب:
ليس عندى تعقيب معين، إلا أننى عايشت مواقفه فى الحرب العالمية الثانية، وبالنسبة لمصر لاحقا، ولم أتصور أبدا أنه يمكن أن يكون صرعيا، لكنه كان كذلك على ما يبدو!.
(18) ألفريد نوبل: ولد فى عام1833 وتوفى فى عام1896
هو صاحب جائزة «نوبل» ومخترع الديناميت السويدى كان مصابا أيضا بالصرع، وذكر ويليام جوردن لينيكس فى كتاب ألفه عن «نوبل» أنه «عانى فى طفولته من أمراض الشقيقة والتشنجات، كما أنه عانى من مرض الصرْع الذى ظهرت أعراضه عليه وهو طفل لكنه كان غير معروف آنذاك»، ومعاناة نوبل من أمراضه وآلامه دفعته لأن يدونها فى قصيدة أضافها «لينيكس» فى كتابه عن العالم السويدى الشهير.
تعقيب:
لعل هذا الموقف الإبداعى له علاقة بالوجه الإيجابى للصرْع أيضا؟
(19) مارجو همنغواى: ولدت فى 1955 وتوفت فى فبراير عام 1996 م
هى الممثلة الاميركية التى ظهرت واشتهرت فى أفلام عدة وهى شقيقة الممثلة مارييل همنغواي، وهى حفيدة الكاتب ارنست همنغواي. وقد عانت من مجموعة متنوعة من الاضطرابات، بالإضافة إلى الإدمان على الكحول، بما فى ذلك الشره المرضى والصرع.
تعقيب:
أوردتُ مارجو همنغواى وهى ممثلة أساسا، وليست مبدعة بالضرورة وقد أضفتها لأبين أن النظر فى الوراثة بالنسبة للصرع يمكن أن يمتد للأجيال اللاحقة بل للأحفاد وليس فقط الأجيال السابقة.
……………
……………
أنتهى عرض الكتاب الأول: “النظرية والفروض الأساسية”
(ونكمل الأسبوع القادم)
بعرض مقتطفات الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية”
[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث أبواب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2022) (تحت الطبع)
[2] – يحيى الرخاوى: “تبادل الأقنعة” (دراسة فى سيكولوجية النقد) – الهيئة العامة لقصور الثقافة (2006)
كما لم ينشر بعد (الأبلة، مذلولون مهانون، قرية ستيبانتشيكوفو وسكانها، والمقامر) وسوف يتم نشرها قريبا.
[3] – مثلا زملة أداسيل Adasil