الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” الفصل الأول: “بدايات فن اللقاء، ومعالم البحث” (2)

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” الفصل الأول: “بدايات فن اللقاء، ومعالم البحث” (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 13-3-2022

السنة الخامسة عشر

العدد: 5307

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” (1)

الكتاب الثانى: المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (2)

استهلال:

نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب وآمل أن تُقْرأ نشرة أمس قبل متابعة نشرة اليوم التي سنقدم فيها ما تيسر من الفصل الأول.

          يحيى

   الفصل الأول

بدايات فن اللقاء، ومعالم البحث (2)

……………

……………

الخطوات‏ ‏العملية‏ ‏الواجب‏ ‏اتباعها‏ ‏فى ‏المقابلة‏: ‏

‏1- ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏تجرى ‏المقابلة‏ ‏فى ‏مكان‏ رسمى مريح، إلا فى الضرورة القصوى، وليس لأهمية شخصية المريض (يفضل ألا تجرى فى المنزل أو مكان العمل لشخص مهم – مثلا–  إلا فى الضرورة القـُصْوى).

‏2- ‏قدّم‏ ‏نفسك‏ ‏للمريض وخاصة إذا كان اللقاء فى مستشفى عام ولم يحضر لك بالاسم بوجه خاص‏، ‏ويستحن‏ ‏أن‏ ‏تبدأ‏ ‏بتحيّته،‏ ‏أو‏ ‏ترد‏ ‏تحيّته‏ ‏فورا‏ ‏إن‏ ‏كان‏ ‏قد‏ ‏بدأ‏ ‏بها‏، ‏ونادِه‏ ‏باسمه‏، ‏أو‏ ‏بكنيته‏ (‏أنظر‏ ‏بعد‏)، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏هناك‏ ‏ثالثُ‏ ‏يحضر‏ ‏المقابلة‏ ‏فاستأذِنٍ‏ ‏المريض‏ ‏أن‏ ‏يحضر جزءا‏ ‏من‏ ‏المقابلة‏، ‏إن‏ ‏رأيت‏ ‏ذلك‏ مطلوبا  منك أو منه.

‏3- ‏إحرص‏ -ما‏ ‏أمكن‏ ‏ذلك‏- ‏أن‏ ‏تعطى ‏المريض‏ ‏فرصة‏ ‏أن‏ ‏يختلى ‏بك‏ ‏فى ‏جزء‏ ‏آخر‏ ‏من‏ ‏المقابلة‏.

‏4- ‏حاول‏ ‏أن‏ ‏ترسى ‏علاقة‏ ‏مهنية محيطة ‏ ‏بإظهار‏ ‏اهتمام‏ ‏حقيقى، ‏لا‏ ‏هو‏ ‏عاطفى ‏مثالى ‏تماما‏، ‏ولا‏ ‏هو‏ ‏حـِرَفِى ‏بارد‏ ‏مقـنـَّن‏ ‏جداَّ.‏

‏5- ‏لا‏ ‏تسارع‏ ‏بإصدار‏ ‏أحكام‏ ‏أخلاقية‏ (‏أو‏ ‏قِيَمِيّة‏) ‏حتى ‏ولو لم‏ ‏تعلنها، واعلم أنها قد تظهر عليك وأنت لا تدرى.

‏6- ‏لاحظ‏ ‏بد‏قة‏ ‏مناسِبة‏ ‏تعبيرات‏ ‏المريض‏ ‏غير‏ ‏اللفظية‏، ‏مثل‏ ‏تعبير‏ ‏الوجه ونظرات العينين‏، ‏ووضع‏ ‏الجسم‏، ‏ولون‏ ‏الجلد‏، ‏وحركات‏ ‏اليدين‏ ووضع الساقين وتصفيف الشعر ..‏إلخ.

‏7- ‏تجنّب‏ ‏أن‏ ‏تكتب‏ ملاحظات‏ ‏كثيرة‏ ‏والمريض‏ ‏يتحدّث‏، ‏حتى ‏لا‏ ‏يظن‏ ‏أنك‏ ‏لا‏ ‏تصغى ‏إليه‏ ‏بدرجة‏ ‏كافية‏.‏

‏8- ‏لا‏ ‏تُستدرَج‏‏ ‏إلى ‏مناقشات‏ ‏نظرية‏ (‏ذهنية‏/‏عقلانية)، خاصة إذا كانت تتعلق بالمسائل أو المشاكل العامة، بديلا عن الموقف العلاجى الأوْلى بالاهتمام والوقت‏.

‏9- ‏حددّ‏ ‏الوقت‏ ‏المسموح‏ (‏أو‏ ‏المفترض‏) ‏من‏ ‏البداية‏، ‏وهو عادة يختلف حسب خبرتك، وحسب النظام المعلن للمقابلة، وأيضا ‏ ‏حسب‏ ‏الغرض‏ ‏من‏ ‏المقابلة‏ وحسب نظام المؤسسة التى تعمل بها.‏

‏10 – ‏إستعمل‏ ‏طريقة‏ ‏الأسئلة‏ ‏المفتوحة‏ ‏النهاية‏ ‏فى ‏بداية‏ ‏اللقاء‏، ‏وذلك‏ ‏حتى ‏تحث‏ ‏المريض‏ ‏أن‏ ‏يخبرك‏ ‏أكثر‏ ‏فأكثر‏ ‏عن‏ ‏حالته‏ ‏[‏حاول‏ ‏أن‏ ‏تحفز‏ ‏المريض‏ ‏على ‏الإكمال‏ ‏بعبارات‏ ‏داعية‏ ‏أو‏ ‏إيماءات‏ ‏مشجعة‏ ‏مثل‏ “‏مْممْممْمْمـــ‏ (‏؟‏) ‏أو، ‏وماذا‏ ‏أيضا؟‏، ‏ثم ماذا؟ وكيف كان ذلك؟، ‏وهكذا‏..]‏.

‏11- ‏إستعمل‏ ‏الأسئلة‏ ‏المغلقة‏ ‏النهاية‏ ‏(الإجابة عن أغلبها بـ: “نعم”، “لا”) حين‏ ‏تصل‏ ‏إلى ‏منطقة‏ ‏البحث‏ ‏عن‏ ‏أعراض‏ ‏بذاتها‏، وذلك عندما تصل إلى فقرة توصيف ‏الحالة‏ ‏العقلية‏ ‏الراهنة‏، ‏أو‏ ‏تحديد‏ ‏مستوى ‏الكفاءة‏ ‏الوظيفية‏ ‏العامة..الخ.

وبصفة‏ ‏عامة‏ ‏تتصف‏ ‏المقابلة‏ ذات‏ ‏الأسئلة‏ ‏المفتوحة‏ ‏النهاية‏ ‏بأنها:‏

(‏أ) ‏أكثر‏ ‏سلاسة

(‏ب‏) ‏تستغرق‏ ‏وقتا‏ ‏أطول‏

(‏جـ‏) ‏أقل‏ ‏إحكاما‏

(‏ء‏) أقل‏ ‏ثباتا‏ ،.

(‏هـ‏) ‏أقل‏ ‏إحاطة‏

‏وبالتالى ‏أقل‏ ‏قدرة‏ ‏على ‏جمع‏ ‏مختلف‏ ‏المحكات‏ ‏اللازمة‏ ‏للوصول‏ ‏إلى ‏”تشخيص”

               (و) لكنها تظل أقرب إلى الطبيعية على شرط ألا تنقلب إلى “دردشة”

أما‏ ‏المقابلة‏ ‏ذات‏ ‏الأسئلة‏ ‏المغلقة‏ ‏فإنها‏:

(أ‏) ‏أقل‏ ‏طبيعية إذ تبدو رسمية أكثر‏

(‏ب‏) ‏أكثر‏ ‏توفيرا‏ ‏للوقت

(‏جـ‏) ‏أكثر‏ ‏إحكاما‏

(‏د‏) أكثر‏ ‏ثباتا

(‏هـ‏) ‏أكثر‏ ‏قدرة‏ ‏على ‏جمع‏ ‏معلومات‏ ‏محددة‏ ‏مما‏ ‏يعطى ‏الفرصة‏ ‏لتحديد‏ ‏المحكَّات‏ ‏اللازمة‏ ‏للوصول‏ ‏إلى ‏تشخيص‏ ‏مميز‏.‏

لذلك فالتنقل بين نوعَىْ المقابلة مفيد في كل حالة!

الملاحظات والتعقيب: (تحديث)

أولا: ملاحظات عامة (لاحقة):

 (1) انتبهت أننى منذ البداية كنت أحاول أن أقدم البعد  الفنى فى الممارسة الطبية حين عنونت هذا الفصل بهذا العنوان الفرعى “بدايات فن اللقاء” ربما مؤتنسا بالتذكرة بمقولة تقول:  الطب النفسى هو أكثر العلوم فنا، وأكثر الفنون علما“، ومع ذلك فقد افتقدت تقديم طريقة توصيل الجرعة الفنية بقدر قابل للتطبيق، فالقدرات الفنية لا تكتب بالألفاظ، لكنها تشحذ بالممارسة والنقد والإشراف.

(2) لم أستطع أن أميز بين “القواعد العامة” وبين “الخطوات‏ ‏العملية‏ ‏الواجب‏ ‏اتباعها‏ ‏فى ‏المقابلة”، ولكن من البديهى أنهما متكاملتان، والجمع بينهما‏ مطلوب.

(3) لاحظت غلبة لهجة التدريس للمبتدئين بأوامر محددة وتعليمات محكمة، أكثر من روح التدريب وعرض مساحة من الحركة التى تتحكم فيها الاختلافات الفردية لكل فاحص.

(4) لاحظت غياب التوصية بتلقائية تقمص المريض (وأحيانا أهله) من البداية، الأمر الذى يتم تلقائيا من المعالج المتمرس الواعى بطبيعة الحوار الذى يتقن المواجدة Empathy وذلك من خلال الوعى البينشخصى (أو الجمعى إن حـَضـَر آخرون) وهو من مميزات الطبنفسالإيقاعحيوى.

ثانيا: ملاحظة عن الهدف من الاستشارة:

جاء فى هذه الفقرة تركيز على توصية الطبيب بتحديد أهدافه من المقابلة، إلا أننى  افتقدت الإشارة إلى تحديد هدف المريض من نفس المقابلة، ولعله أحيانا يكون أهم من تحديد هدف الطبيب المعروف بداهة، وهو التصنيف فالعلاج، علما بأن هدف المريض ليس دائما هو ما يعلن عنه المريض أو أهله، فقد يكون الهدف الحقيقى خافيا حتى عن المريض نفسه، بل وعن أهله، صحيح أنه من  البديهى أن يكون الهدف هو العلاج، أو الحصول على تقرير أو  أى مما يقوله المريض أو يتصوره، فهو الذى حضر، وهو الذى يعرف لماذا حضر، وغالبا أنه حضر للعلاج، لكن الفحص المتأنى – دون أى ميل للاتهام – قد يظهر أن بعض الذين يحضرون للاستشارة قد تكون لهم أهداف أخرى، إن لم تتضح للطبيب من البداية فقد يثبت أنها فى واقع الأمر ليست فى صالحهم، فمثلا: إن تعليق لافتة المرض على أى تصرف سلبى، (مثلا: غير أخلاقى) مهما كانت لها من أوصاف،  قد تصلح أن تسمى  أعراضا أو أمراضا، قد يكون هو هدف المريض من الاستشارة: وبالتالي للتمادى فى هذا التصرف تحت ذريعة المرض.

أحيانا أسأل المريض (أو أهله) عن ما ينتظره أو يتوقعه من هذه المقابلة أو تلك الاستشارة، أى عن تصوره للخدمة التى يمكن أن أقدمها له من المقابلة، ولا أجد أنه استعد للإجابة بقدر موضوعىّ كاف، وإن كانت أغلب الإجابات تتراوح بين: “عشان أستريح” أو “عشان أحكى” وأحيانا “عشان أطلـّع إللى جوّايا”، ومع احترامى لكل هذه التوقعات (أو سمّها الحقوق إن شئت) فإننى كثيرا ما أنبـِّه المريض من البداية أننى طبيب أعالج أمراضا، وأخفف أعراضا، ولست “مريّحاتى“، ولا العيادة هى مَحْكى للفضفضة لمجرد الفضفضة، ولا هى متخصصة فى حل المشاكل، اللهم إلا ما يكون ناتج مرض أو عرض بذاته، وكثيرا ما يرفضون اعتراضى هذا، ثم يتقبله أغلبهم حين أشرح أكثر أو مع تطور العلاقة، هذا مع التذكرة بالأساس العام الذى اهتدينا إليه من الممارسة، وهو ما أسميناه “علاج : المواجهة المواكبة المسئولية” (م.م.م) (2) وهذا يتطلب أن يشعر المريض منذ البداية أننا، معا: “مشاركون” فى ما آل إليه حاله فـَـمــرضَ (مواكبة) لا  مجرد أوصياء أو مصدرى أحكام، وأن علينا أن نواجه الموجود “هنا والآن” (المواجهة) بدءا  بالإعاقة دون الاكتفاء بالتركيز على الأعراض، وأن يشارك كل مريض فى تحمل “مسئولية” ما صار الأمر إليه حتى وصل إلى المرض، ومن ثَـمَّ  مسئولية مواجهته والتعامل معه، حتى لو لم يكن مسئولا فى الظاهر عن حدوثه، إلا أنه أصبح مسئولا – مشاركا على الأقل – عن الخروج منه، والبدء من جديد: البدء “هنا والآن” بمشاركة الطبيب الذى يقاسمه المسئولية.

ثالثا: من منطلق  الطبنقسى الإيقاعحيوى أيضا فإن الكشف عن هدف المريض من المرض فالمقابلة إنما يفيد فى التعرف على توجّه المريض أساسا فى موقف المرض، فالأصل –مهما كان خافيا- أن المريض(في قرارة نفسه على الأقل) له هدف من لجوئه إلى المرض (قبل لجوئه إلى الطبيب)، وهذا يتطلب الإنصات إلى المرض وليس فقط إلى المريض: بمعنى: ماذا يريد أن يقول المريض بمرضه؟ فكما أن لكل مرض سببا، فإن لكل مرض هدفاً وهو ما نعبـــر عنه أحيانا بـ “ماذا يريد المريض أن يحقق بمرضه إذْ يبلغـّه لنا، أو لأهله أو للمجتمع أو حتى يقوله لنفسه من خلال لغة هذا المرض”؟ وماذا يمكن أن يحققه له المرض مما لم يستطع تحقيقه بالأساليب العادية فى الظروف العادية؟”، العلاج فى الطبنفسى الإيقاعحيوى مبنى على فكرة البدء باحترام المرض والمريض معا، ومحاولة تحقيق حقوقه المشروعة بلغة أنجح وأكثر سلامة.

رابعا: ثم إنى افتقدت أيضا فى هذا المتن القديم كيف ينبغي أن يتضح  للمتدرب أن المقابلة الكلينيكية – مهما كانت فنَّا إبداعيا- هى بمثابة بحث علمى كامل الأركان ، يجرى فى ذهن الطبيب بنفس تسلسل خطوات البحث العلمى، تماما كما يحدث للطفل ذى السبع سنوات حين ينمو تفكيره إلى ما يسمى التفكير الفرضى الاستنتاجى  Hypothetico-deductive thinking(3)، وهو هو نفس نوع التفكير الذى يتطور حتى يلتزم به أعلم العلماء، (4) فمنذ دخول المريض (ومن معه) حجرة الكشف، يقفز فى بؤرة إدراك الطبيب احتمالات (فروض) عن  الطبقة الاجتماعية المنتمى إليها، والثقافة الفرعية كذلك، وأحيانا التشخيص من مجرد تعبير الوجه، أو نوع المِشية أو نوع الملابس وطريقة ارتدائها، وهو بعدُ على الباب، ثم – دون أن يدرى الطبيب أو يقصد بوعى كامل – يتسلسل تحقيق هذه الفروض الواحد تلو الآخر، أو نفيها، ومع استمرار المقابلة تتولد فروض بديلة (وهذه هى أهم نتائج البحث العلمى الجيد) ثم يتوالى تحقيقها بتسلسل الحوار ومزيد من المعلومات وهكذا، حتى نصل فى النهاية إلى أقرب احتمال من بين سلسلة الفروض، وليس بالضرورة إلى حقيقة يقينية غير مهزوزة، ويظل البحث العلمى مفتوحا طالما التفكير الفرضى الاستنتاجى نِشطا.

 (المتن 1986):(5)

كما أشرنا: ينبغى ‏أن‏ ‏نعتبر أن‏ ‏المقابلة‏ ‏الكلينيكية ‏هى ‏بمثابة‏ ‏بحث‏ ‏علمى  وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏، ‏فإن‏ ‏عملية‏ ‏إجراء‏ ‏المقابلة‏ ‏ليست‏ ‏إلا‏ ‏مهارة‏ ‏فنّية‏ ‏خاصة‏ ‏تماما‏ -كما ذكرنا أيضا- وسوف يغلب هذا البعد الأخير فى هذا الباب. ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏جمع‏ ‏المعلومات‏ ‏اللازمة‏، ‏ثم‏ ‏تنظيمها‏ ‏حسب‏ ‏الأولويات‏ ‏المناسبة‏ ‏فى ‏إطار‏ ‏الهدف‏ ‏الخاص‏ ‏بكل‏ ‏مقابلة‏ ‏على ‏حدة‏، ‏هى‏ ‏من‏ ‏أدق‏ ‏المهارات‏ ‏الفنيّة‏ ‏التى ‏تحتاج‏ ‏إلى ‏دراية‏ فنيه ‏وتدريب وإشراف‏.‏

 التحديث:

يبدو أن مقولة أن “الطب النفسى هو أكثر العلوم فنا، وأكثر الفنون علما”، هى دليل على أهمية التأكيد على ما يشغلنى، ويشغل الكثيرين ممن يرون فى هذه الممارسة ما تستحق أن تكون فنا فعلا، وعلى من يأخذ ما أقدمه ليحفظه فيطبقه حرفيا أن يحذر لأنها فى النهاية مهارة فنـّـية مركبة تـُصقـَـل بالممارسة والإشراف والمتابعة  لا بالحفظ والتسميع.

من أهم مبادئ الطبنفسى الإيقاعحيوى أن تشعر مهما طالت الممارسة، بالفروق الفردية لأى مريض بين آلاف أو عشرات الآلاف من المرضى مهما تماثلت الصفات أو اتفقت الأعراض أو توحــد التشخيص، من هنا وجب التنبيه أنه فى الطبنفسى الإيقاعحيوى لا يوجد تقدير خاص لما يسمى “الأبحاث المقارنة” ذات العينات التى يزعمون أنها “متماثلة” مهما بلغ الاحتياط بما يسمى “التعمية المزدوجة” Double- Blind ، وكما أن كل مريض له معالمه الذاتية جدا، فإن كلٌ فاحص أيضا له معالمه الذاتية جدا، وبالتالى فإن مجرد التطبيق الحرْفى للتعليمات، ليس هو المطلوب تماما، وإنما هى علامات على الطريق، تـُستوفـَى تماما، كلُّ بطريقته.

ثم إن اقتصار وصف المهارة على “كفاءة جمع المعلومات اللازمة ثم تنظيمها حسب الأولويات” لا يكفى، وهو ليس ما يقابل ما يعنيه الطبنفسى الإيقاعحيوى من “نقد النص البشرى”، إن الإبداع النقدى يتواصل مع استيعاب حضور المريض واعتباره النص البشرى المتاح للقراءة، ثم النظر فى كيف انحرف أو تشوَّه أو تَشَرْذَم، ثم احترام كل ذلك ورسمه كما هو للبدء فى جدلية العلاقة العلاجية من خلال التفاعل البينشخضى إلى ما هو نص فريد تقريبا لكل من المريض والمعالج مهما كان ذلك غير ظاهر فعلا، أو حالاً. (6)

……………

……………

 (ونكمل الأسبوع القادم)

بعرض “الدراسات والملاحظات المستعرضة‏”

 

[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث أبواب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2022) (تحت الطبع) www.rakhawy.net

[2] – يمكنك الرجوع لموقع المؤلف نشرات “الإنسان والتطور” (علاج المواجهة – المواكبة – المسئولية) (24-2-2008) (1) & (25-2-2008) (2) & (26-2-2008)(3). www.rakhawy.net

[3] – التفكير الفرضى الاستنتاجى يظهر عند الطفل حول سن السابعة هو تفكير نقدى بالدرجة الأولى؟ 

Hypothetic-deductive thinking

[4] – وهذا ما سوف يأتى بالتفصيل لاحقا .

[5] – إشارة إلى الأصل المكتوب إلكترونيا (حاسوبيا) سنة 1986.

[6] – وسيأتى بعض تفصيل ذلك لاحقا.

 

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

2 تعليقان

  1. شكرا على هذا الوصف الدقيق لفن دراسة الطلب على الخدمة النفسية. جاء سهلا ممتنعا لا يفقهه الا الممارس الرصين في المجال نرجو الحصول على النص كاملا لانه مهم ومفيد. بوركتم وبوركت مجهوداتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *