الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” الفصل الأول: “بدايات فن اللقاء، ومعالم البحث” (6)

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” الفصل الأول: “بدايات فن اللقاء، ومعالم البحث” (6)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 27-3-2022

السنة الخامسة عشر

العدد:  5321

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” (1)

الكتاب الثانى: المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (6)

استهلال:

نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب وآمل أن تُقْرأ نشرة أمس قبل متابعة نشرة اليوم التي سنقدم فيها ما تيسر من الفصل الأول.

          يحيى

   الفصل الأول

بدايات فن اللقاء، ومعالم البحث (6)

……………

……………

المتن: (1986)‏

وهكذا‏ ‏تشمل‏ ‏هذه‏ ‏الفقرة‏ ‏كلا‏ ‏من‏ ‏الشكوى ‏وما‏ ‏جاء‏ ‏عفو‏ ‏الخاطر‏ ‏من‏ ‏وصف‏ ‏لبعض‏ ‏مظاهر‏ ‏المعاناة‏ ‏أو‏ ‏الإعاقة أو اضطراب العلاقات‏، ‏وعلى ‏الطبيب‏ ‏ألا‏ ‏يتمادى ‏فى ‏الأسئـلة‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏عن‏ ‏أعراض‏ ‏بذاتها،‏ ‏اللهم‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏سمح‏ ‏السياق‏ ‏عفوا‏، ‏وعليه‏ ‏أن‏ ‏يلجأ‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏إلى ‏الإيماءات‏ ‏والأسئلة‏ ‏المفتوحة‏ ‏النهاية‏ ‏كما‏ ‏ذكرنا‏ ‏قبلا‏ (‏مثل‏: ماذا‏ ‏تعنى ‏بقولك‏ ‏كذا‏ ‏وكيت؟‏ ‏أو:‏ ‏ثم‏ ‏ماذا؟‏ ‏أو:‏ ‏إذن‏ ‏ماذا؟‏ ‏وماذا‏ ‏أيضا؟‏ ‏وهكذا‏”).‏

التحديث:

فى المقابلة التقليدية يكون الحرص من البداية، وبطريقة شبه آلية على ترجمة كل عبارة وكل شكوى وكل وصف إلى عرض بذاته له تعريف (متفق عليه ما أمكن ذلك) والطبيب بذلك، سواء بقصد أو وهو مُـبـَرْمـَجٌ تلقائيا بطريقة تعـَلمه، إنما يجمع الأعراض ويرصد اضطراب الوظائف النفسية ليصنفها ويعيد ترتيبها بحثا عن مكان لها متفق عليه لتكوين منظومة مرضٍ بذاته، فهو يجمع ويطرح أكثر مما يفهم ويبحث، وأغلب همه أن يصل إلى تشخيص معين متفق عليه ومثبت فى دليل تشخيصى عام محلى أو قومى أو عالمى، ومما لا شك فيه أن هذا إنما يسهل أن يتفق الفاحصون فى مختلف المراكز العلاجية، والممارسة عامة، على ما يميز هذا المصطلح التشخيصى أو ذاك، وهذا الأسلوب يحقق درجة عالية مما يسمى الموثوقية أو الثبات (Reliability)، ولكنه عاجز تماما عن توضيح الفروق الفردية الحتمية بين المرضى وبعضهم، وأيضا هو يعجز عن توصيل معنى متفق عليه لمِاَ تحت لافته تشخيص معين، وهو ما يسمى المصداقية Validity.

فى الطبنفسى الإيقاعحيوى -قبل ومع كل ذلك- يظل المـُنـْطـَلـَق هو تفرد كل حالة بخبراتها عن أية حالة أخرى مهما حملت نفس الاسم والتشخيص أو ظهرت عليها نفس الأعراض.

ثم ينتقل الفاحص –فى الطبنفسى الايقاعحيوى – من هذه المرحلة إلى قبول العـَـرَض ليس كظاهرة مرضية مسلم بسلبيتها فحسب وإنما كاحتمال حق مشروع للدفاع عن الذات سواء ضد أمراض أخطر (مثلا: إمراضيا: قد يكون الوسواس دفاعا ضد التهديد بالفصام) أو كلغة تمثل برنامجا تطوريا كان ضروريا نافعا فى أحياء أقدم (منطلقا من بعض مفاهيم الطب النفسى التطورى) وأخيرا يتجمع كل ذلك فى فرض محتمل، ثم تبدأ الصحبة (المعيّة / المشاركة) تبحث عن نقلة نمائية أُجْهِضَتْ فى  صورة مرض بذاته لنستكمل الطريق، وبالتالي يمكن مساعدة المريض في تحقيق ما أراد ببديل علاجىّ بدلا من اختزال كل معلومة أو حركة وترجمتها إلى أعراض شائعة ثم إلقائها فى سلة التشخيص المـُحـْـكـَـمة.

وهنا يثار تساؤل: هل يحول البحث عن الأعراض وتسميتها وترتيبها دون محاولة فهم لغتها ومعناها وغائيتها؟

الإجابة: الأرجح أنّ: هذا محتمل، فى كثير من الحالات: فبمجرد أن تتحول شكوى المريض بالألفاظ بواسطة الترجمة الفورية الجاهزة: إلى أعراض، تتراجع الفكرة الأولى فى الطبنفسى الإيقاعحيوى ويصعب التعامل مع الأعراض باعتبارها حقيقة معيشة تقول أمرا ما، وتهدف لغرض محدد، وليست مجرد شكاوى، وأنها جزء لا يتجزأ من مستوى من مستويات الوعى البشرى وليست مجرد خطأ فى تقييم الواقع ومعاملته باللغة السائدة.

المُنطلق الجديد (القديم) حسب الطبنفسى الإيقاعحيوى هو أن نصدِّق المريض ابتداءً، نصدق أنه يعيش ما يحكيه: مختارا محتجا فى البداية، ثم مضطرا بعد التمادى فى ورطته، وأنه يحتاج إلى رفيق يصاحبه ليخرج من الورطة وليس لينكر عليه حق المحاولة وإن فشلت مبدئيا، أما عملية الترجمة  النمطية الجاهزة الفورية لكل ما يشكو منه أو يقوله إلى ألفاظ رصينة اسمها “أعراض” محددة: لها مكانها فى مصطلح تشخيصى بذاته، فهذا قد يعطل الانتقال إلى هذا المستوى فى البحث عن المعنى لمحاولة المعيـّة والخروج “معا” إلى لغة أخرى دون التنازل عن البحث عن الغاية من المرض: التى قد تكون مشروعه فى البداية ثم ضلـّت الطريق  فلجأت إلى الحل المرضىّ، وما العلاج إلا محاولة تحقيق نفس الغاية إن كانت مشروعة، عن طريق سلوك سبيل سليم مشارَكٌ فيه “معا”: بالعلاج.

المتن: (1986) (2)

وتؤخذ‏ ‏الشكوى ‏والحالة‏ ‏البادية‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏من‏:  ‏المريض‏، ‏والمرافق‏، ‏ومن أى ‏مـُـبـَـلـِّـغٍ‏ ‏عن‏ ‏المريض‏ ‏يمكن أن يدلى بأية معلومات لازمة عنه أو عن مرضه.

وعلى ‏الفاحص‏ ‏أن‏ ‏يثبت‏ ‏وصفا‏ ‏مختصرا‏ ‏‏عن‏ ‏شخصية‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏المرافق‏ attendant ‏وأيضا عن كل‏ ‏مبلّغ‏informant ، ‏ (حتى لو تعددت مصادرالإبلاغ) وخاصّة‏ ‏فيما‏ ‏يتعلق‏ ‏بعلاقته‏ ‏بالمريض‏، ‏وطريقة‏ ‏حكيه‏، ‏بما‏ ‏يسمح‏ ‏بالحكم‏ ‏على ‏مصداقيته‏، ويشمل‏ ‏الوصف‏ ‏المختصر‏ ‏لشخصية المرافق‏: ‏تحديد‏ ‏السن‏، ‏والجنس‏، ‏والعمل‏، ‏والسمات‏ ‏الغالبة‏ ‏على ‏الشخصية‏، ‏والعلاقة‏ ‏بالمريض: ثم أى‏ ‏ أية معلومة تحدد مستويات أخرى للعلاقة بالمريض سواء من حيث علاقة الدم أو الإقامة معه أو رؤيته أحيانا، أو الإبلاغ من ثالث مقيم معه، أو غير ذلك.

التحديث:

وهنا علينا أن نتذكر أن المرافق برغم أهمية كل حرف يقوله، له موقفه الخاص من المريض من حيث القرب، أو البعد عنه، أو حبه، أو الغيرة منه، أو ثقته فيه، أو خوفه منه، فهو يحكى عن ظاهر السلوك، وينقل بعض الكلام عن المريض مباشرة أو عن من سمعه من شخص أقرب، وهو حسب الثقافة الشائعة، اللهم إلا في بعض التفسيرات الشعبية!!، لا يعرف للمرض معنى ولا غاية، بل قد يحسبها من وجهة نظره بل ربما أحيانا من خلال مخاوفه الشخصية من عدوان المريض أو التشهير بسمعة العائلة …الخ.

 وقد يبالغ المرافق فى وصف شكوى المريض أكثر مما يقوله المريض نفسه، وفى هذه الحالة علينا أن نفرق بين نقل الصورة السلوكية بموضوعية ولو نسبية، وبين وصف الصورة السلوكية من وجهة نظر الحاكى شخصيا بدوافع  خاصة.

وأخيرا علينا أن نفحص مدى حرص المرافق على خروج المريض من مأزق المرض فى مقابل احتمال ميله لا شعوريا لتثبيت المرض دون أن يدرى (وهذا من أخفـَـى العوامل المُدِيمةَ) Perpetuating factors وهذا يتطلب الغوْص – دون اتهام– للنظر فى المكاسب الظاهرة والخفية التى تعود على المرافق من مرض المريض وإعاقته، فى مقابل المخاطر والمضار التى  قد يتعرض لها. (3)وتسمى هذه المكاسب بالمكاسب الثانوية، وهذه المكاسب ليست قاصرة على المريض فحسب.

ومهما وصل الفاحص إلى الاقتراب من معنى المرض واستطاع ترجمة لغة العرض إلى لغة الحقوق المنسية أو التعويض المرضى الخائب (من منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى) فإن عليه أن يحرص ألا يوصل هذه الرسالة – هكذا – إلى المرافق مباشرة لأنه عادة سوف ينكرها ابتداءً، أو قد يفهمها باعتبار أن المريض يتصنع المرض، أو قد يتعجب لمخالفتها لما يعتقد أنه مرض، وأنه لابد أن تزول مظاهره وفورا بالعقاقير أو بقدرة الطبيب جدا، وذلك طلبا للسلامة الظاهرة.

……………

……………

 (ونكمل الأسبوع القادم)

بعرض الفصل الثانى: “التاريخ العائلى”

  [1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث أبواب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، الناشر: جمعية الطب النفسى التطورى (2022) وهو (تحت الطبع) ورقيا، إلكترونيا حاليا بالموقع: www.rakhawy.net

[2] – نعيد اثبات التاريخ أحيانا للتذكرة.

[3]  – وقد نرجع إلى ذلك فى مجال ما يسمى بالذهان المُقْحَمْ imposed insanity حين يكون المريض مَسْمَعاً لنفسمراضية شخص قريب طاغٍ، يقوم عنه بإظهار المرض، فى مقابل أن يظل هذا الشخص متماسكا على حساب تفكك المريض.

 

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *