الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” الفصل الأول: “بدايات فن اللقاء، ومعالم البحث” (4)

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” الفصل الأول: “بدايات فن اللقاء، ومعالم البحث” (4)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 20-3-2022

السنة الخامسة عشر

العدد: 5314

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” (1)

الكتاب الثانى: المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (4)

استهلال:

نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب وآمل أن تُقْرأ نشرة أمس قبل متابعة نشرة اليوم التي سنقدم فيها ما تيسر من الفصل الأول.

          يحيى

   الفصل الأول

بدايات فن اللقاء، ومعالم البحث (4)

……………

……………

IIالسن‏:

المتن:

فى ‏البلاد‏ ‏العربية‏، ‏ومع‏ ‏عدد‏ ‏مناسب ‏ ‏من‏ ‏كبار‏ ‏السن‏ من الريفيين خاصة، والصعيد أكثر، ‏قد‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏تحديد‏ ‏السن‏ ‏بشكل‏ ‏د‏قيق‏. ‏وأحيانا‏ ‏ما‏ ‏لا‏ ‏يذكر‏ ‏بعض‏ ‏المرضى ‏يوم‏ ‏مولدهم‏ (‏إما‏ ‏نسيانا‏ ‏أو‏ ‏إهمالا‏ ‏أو‏ ‏عرضَا‏..‏إلخ‏) ‏وينبغى ‏الانتباه‏ ‏إلى ‏معنى ‏أى من ذلك‏. ‏ويمكن‏ ‏من‏ ‏البداية‏ ‏أن‏ ‏تلاحظ‏ ‏دلالة‏ ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏السن‏ ‏الذى ‏قدّرتَهُ‏ ‏للمريض‏ ‏أنتَ فور دخوله‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تسأله،‏ ‏وبين‏ ‏سنّه‏ ‏الحقيقى ‏بعد‏ ‏أن‏ عرفته، ‏فثـَـمَّ‏ ‏من‏ ‏يبدو‏ ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏سنّه‏، وثـَـمَّ ‏ ‏من‏ ‏يبدو‏ ‏أصغر‏، ‏ولكل من‏ ‏ذلك‏ ‏دلالاته عن المريض‏ ‏فى ‏تقدير‏ ‏حيويته‏ ‏وشخصيته ‏وأحيانا‏ ‏أعراضه، ‏وفى ‏جميع‏ ‏الأحوال‏ ‏يستحسن‏ ‏أن‏ ‏تؤجل‏ ‏أى ‏تعليق‏ ‏على ‏ما‏ ‏وصلك‏ ‏هكذا‏ ‏مبكرا‏.‏

وأحيانا‏ ‏يكون‏ ‏عليك‏ ‏أن‏ ‏تستنتج‏ ‏السن‏ ‏من‏ ‏مؤشرات‏ ‏أخرى، ‏فالفلاّحات‏ وبنات البلد – ‏فى ‏منتصف‏ ‏العمر‏ – ‏اللاتى ‏لا‏ ‏يذكرن‏ ‏سنّهن‏ عادة ‏قد‏ ‏تعرف‏ ‏سنّهن‏ ‏من‏ ‏انقطاع‏ ‏الطمث‏، ‏أو‏ ‏سن‏ ‏الإبن‏ ‏الأكبر‏(البِكرى)،  ‏وهكذا‏.‏

ثم‏ ‏إنه‏ ‏ليس‏ ‏مطلوبا‏ ‏الحصول‏ ‏على ‏معلومات‏ ‏شديدة‏ ‏الدقة‏ بالغة التحديد – ‏وأحيانا‏ ‏محرجة‏ ‏للنساء‏ ‏فى ‏منتصف‏ ‏العمر‏ ‏خاصة‏-، ‏وذلك‏ ‏على ‏الأقل‏ ‏فى ‏بداية‏ ‏العلاقة‏. ‏

التحديث:

حتى يذوب الثلج من البداية، كثيرا ما يكون السن مدخلا لبعث حرارة ما بين الطبيب والمريض وخاصة أن السن يكون عادة مُسَجَّلا مع البيانات القليلة التى يدخل بها المريض إلى الكشف فيلتقطه الطبيب، وقد يمزح مع المريض (المريضة بالذات) أن ثم تزويرا فى أوراق رسمية قد ضبطه لأنها سجـّلت سنا أكبر عشر (أو أكثر) مما تبدو عليه، وقد لاحظتُ أن هذا يرضى النساء فى منتصف العمر، مهما كانت السن الحقيقية، ويضحكن راضيات ويستمر اللقاء أسهل، ويصل الأمر أحيانا إلى انتهاز الفرصة لإذابة الثلج من البداية، مثلا: حين تدخل أمٌّ محتفظة بحيويتها مع ابنتها الشابة فيسأل الطبيب: مَنْ منكما البنت ومن الأم؟

IIIالعمل (المهنة/الوظيفة..):‏

المتن:

‏المقصود‏ ‏بالعمل‏ ‏هنا‏ ‏العمل‏ ‏الحالى ‏وقت‏ ‏الفحص‏، ‏ويترك‏ ‏تفاصيل‏ ‏تاريخ‏ ‏العمل وإبداله ومساره‏ ‏للتاريخ‏ ‏الشخصى (أنظر بعد)‏، ‏ولا‏ ‏يكفى ‏أن‏ ‏تكتب‏ ‏أمام‏ ‏خانة‏ ‏العمل‏ ‏نوع‏ ‏المهنة‏ ‏أو‏ ‏المهارة‏ (‏موظف‏/ ‏كهربائى‏، ‏مثلا‏) ‏ولكن‏ ‏يفضّل‏ ‏دائما‏ ‏إثبات‏ ‏نوع‏ ‏العمل‏ ‏بشكل‏ ‏واضح‏ ‏محدد‏ ‏ما‏ ‏أمكن‏ ‏ذلك.

التحديث:

بمتابعتى الورقة الصغيرة التى يملؤها مرضاى (وعموم المرضى غالبا) قبل دخولهم إلىّ: لاحظت إمكان استنتاجات كثيرة من مجرد مقارنة السن بالعمل (بالإضافة للحالة المدنية) (أنظر بعد) وسوف أضرب أمثلة للمفارقات الدالة التى أكتشفها من مجرد قراءة بيانات فى ورقة لا تزيد عن حجم الكف:

المثال الأول: بمجرد أن أقرأ فى خانة العمل “لا يعمل” وأنظر فى خانة “السن” وأجده – مثلا – “ستة وثلاثون” أو أكثر، ثم انتقل إلى خانة الحالة المدنية فأجده أعزب، أسأل عن المدة التى تحدد هذه الصفة: “لا يعمل” فإذا وصلنى أنها سنوات تصل إلى عشرة – دون سبب محدد – يبدأ حديثى – الذى يبدو هجوما أحيانا – لإظهار الصعوبة المنتظرة لعلاج “شاب”!!  فى العقد الرابع!!!  ولا يعمل طوال هذه المدة.

المثال الثانى: شاب عمره 27 سنة وفى خانة العمل كتب “طالب” وحين أستطلع موقفه أكثر، يقول فى “ثانوية عامة” فتصلنى رسالة أخرى تحدد بدايات أخرى، وتكون بداية لموقف تصنيفىّ أو علاجىّ يتأكد أو لايتأكد لاحقا

المثال الثالث: امرأة فى الأربعين متزوجة ولها أطفال ثلاثة (هذه أيضا توجد فى بيانات الدخول فى الورقة الصغيرة) وفى خانة العمل: أقرأ: “دراسة ماجستير فى القانون الدستورى” وكأنها تعتبر هذه الدراسة عملا،ً وأيضا لا تعتبر أن عمل ربة منزل وأم، يمكن أن يكون عملا كاملا يستأهل أن تنتمى إليه وأن تفخر به.

أكتفى بهذه الأمثلة لأوصى بأن تكون هذه الورقة الصغيرة هى فاتحة تعـَـرّف غير تقليدى، على المريض، ومن البداية وقبل الشكوى ومعها، ومنها تلوح مسالك بدايات مفيدة غالبا، ويعتبر العمل من أهم مسارات الطاقة الطبيعية على أرض الواقع.

(ثم نواصل التعرف على العمل كقيمة حياتية علاقاتية جوهرية):

خانة الوظيفة بما فى ذلك اثبات: “لا يعمل” هى خانة مهمة فعلا بصفة عامة،

 أما فى الطبنفسى الإيقاعحيوى فإن لها أهمية أعمق وأخطر، ذلك أن قيمة العمل، ومن حيث المبدأ، هى قيمة وجودية تطورية أساسا، والافتقار إلى العمل (خاصة مع ظاهر عدم الاهتمام بذلك) قد يكون مؤشرا بالغ الدلالة على التبعية أو النكوص، أو حتى على توقف حركية الوجود مع تزايد السلبية والاعتمادية.

ليس معنى هذا أن العمل فى حد ذاته هو دليل صحة أو وسيلة وقائية، وأنا لا أعرف نوعا من الأحياء لا يعمل مثلما انتهى إليه الحال عند  بعض “البشر” عندنا من القادرين المسترخين بعيداً عن القلق، والانتاج والتوقيع “حضور- وانصراف”!!

Screenshot (40)

ثم إن العمل هو من أهم ما يمكن أن يستوعب الطاقة الحيوية فى بناء الشخص، وحفز النمو، وفرص العلاقات، وكثيرا ما تكون بدايتى كما ذكرت حالا مع المريض فى منتصف العمر الذي  لم يذكر سبب عزوفه عن العمل، تكون البداية عن كيف يملأ وقته، وأحيانا أضيفَ: “إلزاماً”، وكثيراً لا أجد إجابة، بل عادةً ما يكون استغراب المريض للسؤال هو بداية حوار صعب.

ولكن علينا أن ننتبه إلى أنه فى بعض الأحيان، فى أيامنا هذه خاصة، وفى بلدنا أخص، لا يكون العمل ممكنا أصلا بسبب البطالة الغالبة التى لا ذنب للمريض فيها، ولكن لابد من فحصٍ موضوعىّ حول هذا التوقف.

IVالحالة‏ ‏المدنية‏:

المتن:

إثبات‏ ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏أن‏ ‏المريض‏ ‏أعزب‏، ‏متزوج‏، ‏أرمل‏، ‏مطلق‏، عدد‏ ‏الأولاد‏، ‏وجنسهم (ذكر/أنثى)‏ ‏منذ‏ ‏البداية‏، له أهمية مبدئية ودلالات مفيدة.

التحديث:

إن مجرد النظر فى الحالة المدنية مع ربطها بما سجل فى العمل، وربما بعدد أفراد الأسرة: قد يكون مفتاحا جيدا للتعرف – ومن البداية – على بعد اجتماعى بالغ الأهمية عامة، وأحيانا على الحالة العلاقاتية (العلاقة بالموضوع: الإنسانى خاصة). 

أما من المنطلق التطورى/الإيقاعحيوى فإن العزوف عن الزواج أو العجز عن الزواج وعن التكاثر هو ضد استمرار النوع وبقائه من حيث المبدأ، لكننى لا أفترض أن هذا فى ذاته يمكن أن يكون نقيصه فى أحد المرضى أو غير المرضى، ذلك لأن أسباب الانقراض حاليا قد أصبحت أكبر وأضخم وأجهز بكثير جدا من العزوف عن الزواج أو تكرار الطلاق، وعدم الإنجاب.

Vالعنوان‏ (محل الإقامة):

المتن:

‏ينبغى ‏مراعاة‏ ‏الدقّة‏ ‏الكاملة‏ ‏فى ‏إثبات‏ ‏العنوان‏ ‏لأسباب‏ ‏إدارية‏ ‏وعلمية‏، ‏فقد‏ ‏يحدث‏ ‏ما‏ ‏يُلزمك‏ ‏بمراسلة‏ ‏مريض‏، ‏أو‏ ‏البحث‏ ‏عنه‏ ‏لسبب‏ ‏أو‏ ‏لآخر‏، ‏وكثيرا‏ ‏ما‏ ‏تتطلب‏ ‏الأبحاث‏ ‏التتبعية‏ ‏الاتصال‏ ‏بالمرضى ‏بعد‏ ‏فترات‏ ‏قد‏ ‏تصل‏ ‏إلى ‏سنوات‏، ‏وينبغى – ‏لذلك‏ – ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏العنوان‏ ‏مكتوبا‏ ‏بشكل‏ ‏يسمح‏ ‏بالوصول‏ ‏إليه‏، ‏وليس‏ ‏مجرد‏ ‏ذكر‏ ‏البلدة‏ ‏أو‏ ‏المحافظة‏، ‏وفى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏قـُرَانا‏ ‏لا‏ ‏توجد‏ ‏أسماء‏ ‏للشوارع‏ ‏والحوارى، ‏وإن‏ ‏وجدت‏ ‏فقد‏ ‏لا‏ ‏يعرفها‏ ‏المريض‏، ‏ولكن‏ ‏الأسمآء‏ ‏والعائلات‏ ‏معروفة‏، ‏حتى أن أستاذى المرحوم أ.د. عبد العزيز عسكر كان ينبهنى، وأنا طبيب مقيم، أن أثبت‏ ‏إسم‏ ‏العمدة‏ ‏أو‏ ‏شيخ‏ ‏البلد‏ ‏التابع‏ ‏لها‏ ‏المريض‏ ‏لنفس‏ ‏الأغراض‏ ‏السالف‏ ‏ذكرها‏ (2)، هذا علما بأنه مع الانتشار الهائل للهاتف المحمول مؤخرا فإن أغلب المرضى أو ذويهم لديهم رقم محمول يسهل المهمة.

التحديث:

قد تـُجرَى أبحاث أحدث تعتمد بالكامل على الاتصالات الهاتفية مع وضع كل الاحتمالات والتحفظات فى الاعتبار، كما يحدث فى كثير من البلاد المتقدمة، كما قد يكون للعنوان دلالات ثقافية أخرى للفاحص الذى عليه أن يتعرف ولو من خلال مهنته على الفروق الممكنة فيما بين الثقافات الفرعية المختلفة، فمريض “نجع حمادى” من الصعيد غير مريض “دمياط“، ومريض “العريش” غير مريض “طنطا“، بل إن الفروق الثقافية بين الثقافات الفرعية قد توجد متجاورة فى نفس المدينة فمثلا إن مريض “حارة السكر والليمون” (مصر القديمة) غير مريض “الزمالك” أو “التجمع الخامس”، وكـِلاَهما في القاهرة!! ، وهذا ليس تقسيما طبقيا، بل هناك سمات ثقافية متميزة لكل ثقافة فرعية عادة ما تكون شديدة الأهمية.

والطبنفسى الإيقاعحيوى الذى يحاول أن يمتد حتى لواقع تطور الطفل فى علاقته بأمه إلى أصول إثنية: لابد أن يكون له اهتمامات خاصة نابعة من هذه الثقافات الفرعية المرتبطة بالموقع الجغرافى والأصل، بل إنى أتمادى أحيانا فى قبول فكرة التوريث الاجتماعى (الميمات) (3) من واقع خبرتى الممتدة.

ومن المهم أيضا ان نعرف بعد العنوان ومعه هل هو عنوانه الدائم منذ الطفولة مثلا أم انه عنوان حديث أم حديث جدا، وهكذا.

……………

……………

 (ونكمل الأسبوع القادم)

استكمال مناقشة فقرات المقابلة: VI – مصدر التحويل‏:

  

[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث أبواب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، الناشر: جمعية الطب النفسى التطورى (2022) وهو (تحت الطبع) ورقيا، إلكترونيا حاليا بالموقع: www.rakhawy.net

[2] – كان ذلك فى الخمسينيات

[3] – الميم Meme. الميم: هو مصطلح يقصد به فكرة أو تصرف أو أسلوب ينتقل من شخص لآخر داخل ثقافة ما، غالبا بهدف نقل ظاهرة معينة، أو معنى متمثلا فى سلوك بذاته. وهو يقابل الجين Gene الذى ينقل الصفات بيولوجيا بالوراثة ويعمل الميم كوحدة لحمل الأفكار الثقافية أو الرموز أو الممارسات، والذى يمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر من خلال الكتابة أو الحديث أو الإيماءات أو الطقوس أو أى ظاهرة أخرى قابلة للتقليد.

 

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *