الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (28) الفصل السابع: “التشخيص” (2)

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (28) الفصل السابع: “التشخيص” (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 12-6-2022

السنة الخامسة عشر

العدد: 5398

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”([1])

الكتاب الثانى: المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (28)

استهلال:

نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب وآمل أن تُقْرأ نشرة أمس قبل متابعة نشرة اليوم التي سنقدم فيها ما تيسر من الفصل السابع.

          يحيى

الفصل السابع

التشخيص

…………

…………

تطبيقات‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏التشخيص (إعادة وتوضيح)

…… أبدأ‏ ‏بالاشارة‏ ‏إلى ‏بعض‏ ‏الجوانب‏ ‏حول‏ ‏موقف‏ ‏المفهوم‏ ‏التقليدى ‏للمرض‏ ‏النفسى ‏فأقول‏:‏

‏ ‏إن‏ ‏للتشخيص‏ ‏وظيفتين‏ ‏أساسيتين‏ ‏على ‏وجه‏ ‏التحديد‏:‏

‏1 – ‏الاقتصاد‏: Economy ‏وهذا‏ ‏يعنى ‏أن‏ ‏نوجز‏ ‏فى ‏كلمة‏ ‏أو‏ ‏بعض جملة‏ ‏ما‏ ‏تعنيه لنا ‏مجموعة‏ ‏من‏ ‏الصفات‏ ‏المتلازمة‏ ‏والمعلومات‏ ‏المتجمعة‏ المسماة أغلبها “أعراضا” فى حالة المرض النفسى، ‏وذلك‏ ‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏عرض‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الصفات‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏مفصل‏ ‏لا‏ ‏يسمح‏ ‏به‏ ‏الوقت والمقام‏‏، ‏وحتى ‏يقوم‏ ‏التشخيص‏ ‏بهذه‏ ‏الوظيفة‏ ‏بكفاءة‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏”جامعا مانعا”‏([2]).‏

‏2 – ‏التواصل‏، Communication ‏وهو‏ يعنى ‏أن‏ ‏التشخيص‏ ‏يسعى ‏إلى ‏إقرار‏ ‏لغة‏ ‏مشتركة‏، ‏بحيث‏ ‏يصبح‏ ‏ما‏ ‏يعنيه‏ ‏أحد‏ ‏المختصين‏ ‏بهذا‏ ‏اللفظ‏ ‏هو‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يعنيه مختص‏ ‏آخر‏ فى نفس الفرع ‏دون أن‏ ‏يلتقيا‏، ‏ومن‏ ‏خلال‏ ‏هذا‏ ‏الاتفاق‏، ‏يمكن‏ ‏نقل‏ ‏الخبرة‏ ‏وتوفير‏ ‏الجهد‏ ‏وتقريب‏ ‏وجهات‏ ‏النظر وتنشيط التعاون‏ ‏وتحديد‏ ‏أوجه‏ ‏الاختلاف‏.(!!)

برغم تحفظاتى المبالغ فيها على إعطاء التشخيص أهمية كبرى، أو أهمية أولى إلا أن هذا لا يعنى أنه بلا لزوم.

وسوف أعدد ابتداءً اسهامات التشخيص عامة:

يفيد التشخيص في الممارسة التقليدية لتوضيح أبعاد لا غنى عنها، وأهمها:

(1) يفيد فى تنظم الأرشيف

(2) وهو يسمح بالإحصاء

(3) وهو معيار مبدئى فى محاولة تحديد نسبة الإعاقة أو العجز بما يسهل مخاطبات مؤسسات رسمية مثل شركات التأمين أو مواقع العمل.

 (4) وهو يحمى الطبيب عند المساءلة القانونية

 (5) وهو يفيد نسبياً فى التهكن بسير المرض،

                                        بل كل ذلك وغيره.

فوائد التشخيص:

وفى ما يلى تحديد المزيد عن فوائد التشخيص وأنواعه (مع الاعتذار لبعض الإعادة):

1- التسمية: فى نهاية النهاية لابد من اسم لكل ظاهرة بغض النظر عما إذا كان هذا الاسم يمكنه أن يحـْـتوِى مضمون الظاهرة بدقة كافية أم لا، والإنسان هنا ظاهرة بشرية حالة كونه مريضاً نفسيا يحتاج لتسمية ما به، وبالتحفظات السابقة!.

2- التقسيم: لا شك أنه لكى تقسم مجموعة من الأفراد، أو حتى الأشياء، إلى فئات متماثلة ما أمكن ذلك: فإنك تحتاج إلى أن تجمع مَنْ يتشابه منهم معا بدرجة كافية تحت مسمى واحد.

3- الأعمال الورقية الرسمية (الأرشيف والإدارة): لا يمكن مواصلة عمل جماعى نظامى إلا بنظام تسجيلى يُثْبَتُ فيه توصيف التفاصيل، وهذا بديهى، وبالتالى فلعل أهم ما يثبت فى هذه الأوراق (أو الحاسوب) فى مستشفى أو عيادة أو مركز تأهيلى هو ما يسمى “التشخيص”.

4- المتطلبات التمويلية: (التأمين والدعم الصحى)

لضمان الحصول على حق المريض فى التمويل المناسب اللازم للعلاج لا بد من إثبات التشخيص وإحكامه بما يتفق مع ما له من حقوق فى العلاج أو التعويض أو المعاش أو التأهيل، وتتعاظم هذه الأهمية وبمنتهى الدقة فى البلاد الأكثر تقدما التى تتوفر فيها مظلة تأمين صحى كافية توفر للمرضى حقوقهم فى ظل القانون واللوائح المحددة لها بما يحتاج إلى تشخيص تفصيلى وتوصيفى وتوقيتى عادة، فلكل تشخيص حقوق بذاتها تقدر حسب قيمة كل خطوة علاجية وكل إجراء لاحق، لمدة معينة، كما لابد من استعمال نفس ألفاظ التشخيص التى تـُخاطـَب به كل مؤسسة حسب نظمها الإدارية والقانونية والمالية وغيرها.

5- التكهن Prognosis 

عادة ما يساعد التشخيص فى الإشارة إلى مسار المرض وتوقعات العلاج، وإن كان ذلك قد يترتب عليه أحيانا مواقف سلبية إذا استسهل الطبيب أو الأهل الارتكان إلى الشائع عن الاسم، وكان الاسم سىء السمعة (فصام مثلا) وليس إلى الممكن المتاح لهذا المريض بالذات فى فرص الشفاء.

 6- الانتقاء المهنى والتأهيل المهنى:

أحيانا يوضع فى  الاعتبار بدرجات متفاوتة  الاسم المحدد لتشخيص مرض بذاته، مع ما يرتبط به فى تحديد لياقة المريض لمهنة بذاتها، وتزداد أهمية  ذلك فى المهن الحساسة مثل تلك التى ترتبط  بالأمن القومى، أو التى تحتاج إلى درجة خاصة من القدرات الخاصة بدرجة مميزة.

7- فى ساحة القضاء:

 بالرغم من أن التشخيص – كما بيَّنا –  لا يكفى وحده لتحديد المسئولية الجنائية من عدمها وإنما الذى يحدد ذلك هو  ما يترتب على أى تشخيص من وجود أو غياب أية إعاقة لازمة تمنع توفـُــّر “الركن المعنوى” لأية جريمة وهو: سلامة “التمييز” و”الوعى” و”الإرادة“. إلا أن بعض الأطباء الفاحصين قد يولون التشخيص فى ذاته أهميه مستقلة برغم ما فى ذلك من قصور، وأحيانا قد يقع التشخيص فى خلفية متطلبات قضائية أخرى، مثل القدرة على “الإدلاء بالشهادة” أمام المحكمة، أو مثل “كفاءه القدرة على التعاقد الرسمى”، أو “كتابة وصية”.

8- فى الإرشاد للتأهيل المهنى أو أية ظروف مماثلة: قد يؤثر فيها التشخيص بدرجات مختلفة حسب وعى وثقافة ونضج من يستعمله وذلك مثل الإرشاد الزواجى، والمشاركة فى مشروع، أو أى مجال آخر من الخلافات والاختلاف.

9- فى البحث العلمى:

 من أهم وأخطر مجالات استعمال التشخيص أنه لا يمكن بداهة عمل بحث علمى تقليدى (اللهم إلا بحوث تقرير حالة Case Report،  وهى بحوث أصبحت غير مرحب بها فى مجالات البحث العلمى التقليدى)، ومع ذلك فلا بد من التذكرة أنه  مهما اتفق التشخيص فى حالات البحث لمجرد أنها تحمل نفس الاسم فإن معظم الأبحاث تضع مواصفات أخرى بعد التشخيص ومعه فى محاولة تماثل عينة البحث على معظم المتغيرات إلا المتغير قيد البحث.

أنواع التشخيص:

بالإضافة إلى ما سبق من محاولة تعداد أشكال التشخيص حسب توظيف التشخيص  لصالح العلاج والتأهيل، توجد محاولات لتصنيف التشخيص بمواصفات فارقة كلينيكينا مثل ما يلى:

I– ‏التشخيص‏ ‏الكلينيكى ‏الوصفى إجمالا‏:

‏‏يقدم‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏وصفا‏ ‏كلينيكيا‏ ‏مجملا‏ ‏لكل‏ ‏فئة‏ ‏عامة‏ ‏ولفئاتها‏ ‏الفرعية‏، ‏ويتصف‏ ‏بالاهتمام‏ ‏بالبعد‏ ‏الوصفى والتاريخى ‏للسلوك‏ ‏الظاهر‏ ‏أساسا‏، ‏كما أنه‏ قد ‏يحتوى ‏قدرا‏ ‏مناسبا‏ ‏من‏ ‏المفهوم‏ ‏الدينامى والتفاعلى ‏ومن‏ ‏البعد‏ ‏الطولى ‏للعملية‏ ‏المرضية ([3])

II– ‏التشخيص‏ ‏ذو‏ ‏المحكات‏: ‏

فى أغلب هذه الدلائل الأحدث يجرى ‏التشخيص‏ ‏على ‏محاور‏ ‏متعددة‏ ‏تصف‏ ‏الشخصية‏، وتحدد محكات التشخيص، وترتبها ترتيبا تنازليا أو استبعاديا، وتحقق عادة قدرا مناسبا من “الاتفافية” Reliability ، ولكنها مازالت تفتقر غالبا إلى المصداقية Validity ، بدرجة كافية.

III– ‏التشخيص ‏ ‏المحدد‏ لمهمة بذاتها Task Oriented Diagnosis

وهنا‏ ‏تتراجع نسبيا أولوية‏ ‏إسم‏ ‏المرض التقليدى‏ ‏ليحل‏ ‏محلها ‏”طبيعة‏ ‏المشكلة‏ ‏المحورية” (أو الوحيدة)‏ ‏التى ‏يدور‏ ‏حولها‏ ‏الفحص‏ ‏والعلاج‏، ‏ويصبح‏ ‏التشخيص‏ ‏هنا‏ ‏غير‏ ‏ملتزم‏ ‏باسم‏ ‏متفق‏ ‏عليه‏ ‏فى ‏دليل‏ ‏بذاته‏، ‏و‏‏إنما‏ ‏يرتبط‏ ‏بموضوع‏ ‏الفحص‏ ‏والعلاج‏ ‏والهدف‏ ‏منه‏، ‏ورغم‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏التشخيص‏ ‏غير‏ ‏شائع‏ ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏من‏ ‏أهم‏ ‏الأنواع‏ ‏صلاحية‏ ‏للتطبيق‏ ‏العملى،

ويمكن أن يندرج تحت هذا‏ ‏‏التشخيص‏ ‏الهادف‏ ‏إضافات نوعية حسب توظيف التشخيص لأغراضٍ بذاتها ومن ذلك:‏ ‏مدى ‏كفاءة‏ ‏شخص معين لشغل مهمة بذاتها .

IV – ‏التشخيص‏ ‏العلّى العضوى:

‏ ‏وحتى ‏الأمراض‏ ‏العقلية‏ ‏قد تكون ناتجة‏ ‏من‏ ‏سبب‏ ‏عضوى، ومع ذلك فهى ‏لا‏ ‏تشخص‏ ‏عادة‏ ‏باسم‏ ‏سببها‏، ‏اللهم‏ ‏إلا‏ ‏نادرا‏ ‏مثل‏ ‏إضطرابات‏ ‏استعمال‏ ‏العقاقير‏، أو التهابات المخ أو الأورام المخية المحددة، لكن‏ ‏عادة‏ ‏ما‏ ‏تعرف أساسا ‏باسم‏ ‏مظاهرها‏ ‏وأعراضها كتشخيص كامل‏.‏

V– ‏التشخيص‏ التحليلى :

ويشير‏ ‏هذا المفهوم أساسا إلى معطيات‏ ‏‏التحليل‏ ‏النفسى ‏من‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ‏، ‏وهو‏ ‏لا‏ ‏يرتبط‏ ‏تماما‏ ‏بالتحليل‏ ‏الفرويدى ‏فحسب‏ ‏بل‏ ‏يمتد‏ ‏إلى ‏مدرسة‏ ‏العلاقة‏ ‏بالموضوع ‏ Object Relation Theory ‏وغيرها في نفس الاتجاه‏، ‏ويرتبط‏ ‏هذا‏ ‏التشخيص‏ ‏بالبحث عن أسباب ظاهرة أو غائرة فى الحاضر أو فى الماضى، مما يسمى أحيانا “العقد النفسية” كما يستعمل غالبا لغة دينامية تسهم فى توصيف غلبة حيل نفسية بذاتها فى فترة سابقة، أو حالية([4])، وقد يتحدث‏ ‏هذا‏ ‏التشخيص‏ ‏عن‏ ‏نقط‏ ‏التثبيت‏، ‏وغلبة‏ ‏آليات دفاعية‏ ‏معينة‏، أو عن ‏علاقات مستويات المخ ببعضها وبالواقع، ‏وهكذا، وهو إضافة مفيدة لهذا النوع التحليلى، وإن كان ذلك يـُـتضمن فى بند الصياغة وليس بالضرورة فى التشخيص‏. ‏وهذا وهو ما أضيف إلى التشخيص فى مستوى آخر وهو: الصياغة Formulation (انظر ص 227 الفصل الحادى عشر).

………………..

………………..

 (ونواصل الأسبوع القادم)

____________

[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث كتب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، وهو (تحت الطبع) ورقيا، إلكترونيا حاليا بالموقع: www.rakhawy.net وهذه النشرة هي استمرار لما نشر من الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمىّ بمهارة فنية”.

[2] – يشترط فى أي تعريف سليم أن يكون “جامعا مانعا”، وفى هذا المقام معنى “جامعا”، هو أنه تجمع أي فئة تنطبق عليها نفس المواصفات تحديدا، بحيث لا يخرج منه فرد واحد مادام استوفى الشروط، ومعنى “مانعا” أى أن حدوده لا تسمح بدخول أى فرد أو فئة من نوع آخر إليه: طالما لم يستوفِ شروط ما جاء فى التعريف.

[3] – وذلك مثل التشخيصات التى وصفها أدولف ماير رائد الطب النفسى الأمريكى الأول حين كان يطلق:

  على الفصام: تعبير نوع التفاعل الفصامى  Schizophrenic Reaction Type  

وعلى العصاب: نوع التفاعل النفسعصابى . Psychoneurotic Reaction Type  

[4] – بما في ذلك من علاقة وثيقة بما يسمى: “الصياغة النفسمراضية السببية والتركيبية”Etiological and Structural Psychopathological Formulation ، (انظر الفصل الحادى عشر أنواع ومستويات الصياغة، والصياغة النفسمراضية (بمستوياتها)، ص227

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *