الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية”(14) الفصل الثالث: “التاريخ المرضى السابق” (5)

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية”(14) الفصل الثالث: “التاريخ المرضى السابق” (5)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 24-4-2022

السنة الخامسة عشر

العدد: 5349

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”([1])

الكتاب الثانى: المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (14)

استهلال:

نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب وآمل أن تُقْرأ نشرة أمس قبل متابعة نشرة اليوم التي سنقدم فيها ما تيسر من الفصل الثالث.

          يحيى

 الفصل الثالث

التاريخ المرضى السابق (5)

(مع إشارة إلى المرض العضوى، والشخصية قبل المرض)

أولا: التاريخ المرضى السابق

………………

………………

ثانياً: المزاج‏ ‏الغالب‏: ‏            

وهذا‏ ‏أمر‏ ‏مرتبط‏ ‏بسمات‏ ‏الشخصية‏ ‏فى ‏أغلب‏ ‏الأحيان‏،  ‏ولكن من‏ ‏المفيد‏ ‏السؤال‏ ‏عن‏ ‏المزاج‏ ‏الغالب‏ ‏مستقلا‏ ‏عن‏ ‏سمات‏ ‏الشخصية‏ ‏الأخرى، ‏فيقال‏ ‏كان‏ ‏مزاجه‏ ‏متقلّبا‏، ‏أو‏ ‏مرحا، ‏أو‏ ‏متذبذبا ‏أوغير‏ ‏ذلك‏.

التحديث:

مع أن المزاج الغالب هو من أهم السمات التى تساعدنا فى تصنيف الشخصية، إلا أننا كنا نفضل ألا نضع للمزاج تصنيفا محددا باسم معين، فما يهمنا فى وصف المزاج الغالب فى الشخصية قبل المرض هو ما حدث لهذا المزاج من تغير أو تحول مع المرض، فنرصد مثلا أن مريضاً كان يغلب عليه قبل المرض (أو طول عمره) مزاج المرح، أو التفاؤل وكان جاهزا غالبا للمشاركة،  ثم جاء يشكو وقد اختفى كل ذلك ليحل محله غيره أو عكسه. إن هذه المقارنة إنما تساعد على التعرف على نوع المرض وطبيعته، والعكس صحيح: فمن كان المعروف عنه التزمت والجـدِّية والميل إلى التشاؤم، ثم انقلب إلى عكس ذلك أو غيره له دلالته أيضا.

وقد يكون التغير فى زيادة حدة نفس المزاج فى نفس الاتجاه ولكن بدرجة مفرطة فيتضاعف المرح مع زيادة الحركة، وربما الأرق فى الشخص المرِح، وعلى نفس القياس: قد يتفاقم الحزن والتشاؤم والعزوف لدرجة مزعجة وملحوظة فى شخص معروف عنه المزاج المعتدل (العادى) قبل المرض .

من كل ذلك نقول إن رصد المزاج الغالب –كمَّا و كيفا– قبل المرض يعتبر نقطة انطلاق مهمة نتعرف من خلالها على حجم وطبيعة ما طرأ على المريض.

المتن:

ثالثاً: ‏العادات‏ ‏الخاصة‏: 

‏وتشمل‏ ‏أى ‏عادات‏ ‏فى ‏المجال‏ ‏السلوكى العادى (مثل ‏طريقة‏ ‏الأكل‏، ‏طقوس‏ ‏النوم‏، و‏وقته‏.. ‏إلخ‏) ‏كما‏ ‏تشمل‏ ‏أى ‏عادة‏ ‏خاصة‏ ‏مميزة‏ ‏فى ‏أى ‏مجال‏ ‏من‏ ‏مجالات‏ ‏الاهتمامات الخاصة، مثل المشى المنتظم أو الترحال، أو أى عادة مميزة تملأ وقت “اللاعمل”: للشخص قبل المرض.

التحديث:

يعتبر رصد العادات الخاصة مكملا لكثير مما جاء فى بند المزاج السائد، وأيضا لبعض ما جاء مع العلاقات الاجتماعية، ونوع الشخصية وترصد هنا بوجه خاص العادات الخاصة جدا بالمريض، ومدى ثباتها وإلحاحها لأن ذلك ربما يكون مرتبطا بسمات وسواسية “عادية”، قد تتضاعف فى حالة المرض لتصل إلى درجة “زملة الوسواس القهرى”.

 ولكن ربما يفاجأ المريض وأهله أن هذه العادات أو غيرها مما هو معروف عنه قد توقفت فجأة مع بدء الحالة أو قبيل بداية المرض، وذلك دون قرار واعٍ من صاحبها، ولا ينبغى اعتبار ذلك علامة إيجابية دون تحفظ، فمن الجائز أن يكون هذا الوسواس العادى نوعا من الدفاعات الناجحة التى تحول دون ما هو أخطر مثل الهوس أو التفكيك الفصامِى.

 طبعا لا توجد قاعدة لذلك، لكن من منطلق الطبننفسى الإيقاعحيوى الذى يَعْــتَــبِـِـر أغلب الأعراض آليات دفاعية ضد تمادى التدهور، يُنظر إلى هذا التغير فى العادات من نفس المنظور التطورى الذى لابد معه أن يبحث عن الأصل والمعنى والدلالة، وبالتالى فإنه يُرصد أى تغيُّر فيها ويوضع فى إطاره الصحيح، جنبا إلى جنب مع ما  يصاحبه من ظهور أى  سلوك آخر مواكِب، أو أعراض بادئة حتى لو كانت لم تصل إلى حدة مرضيّة.

رابعاً: ‏القيم‏ ‏الشخصية‏ ‏والمواقف‏ ‏الذاتية‏: 

هذه‏ ‏الناحية‏ ‏يصعب‏ ‏استنتاجها‏ ‏من‏ ‏السؤال‏ ‏المباشر‏ ‏عنها‏، لكن يمكن الوصول إلى خطوطها العريضة من معلومات المقابلة عموما، ‏و‏‏هى ‏تشير‏ ‏إلى ‏الموقف‏ ‏الأخلاقى، ‏والدينى، ‏والسياسى، ‏والأيديولوجى ‏عامة‏، ‏مع‏ ‏تذكر‏ ‏احتمالات‏ ‏التغيير‏ ‏على ‏مسار‏ ‏النمو‏.‏

 التحديث:

مناقشة هذا النص فى المتن (وتحديثه الآن) سوف تجرنا إلى استطراد لازم لأنه من منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى – وعموما– يكاد يستحيل تقييم قيم الآخر دون النظر فى منظومة القيم الذى يتبعها ويلتزم بها المقيّم (هنا الطبيب) وبصراحة ثمة إشكالة فى هذه المنطقة أعتبرها منْ أشكل المناطق التى عايشتُها وأعايشها سواء فى الممارسة أو فى التدريس، وهى إشكالة استحالة فصل موقف الطبيب (والفاحص) الشخصى عن التدخل فى تقييم قيم مريضه سواء حالة كونه مريضا أو قيمه الشخصية قبل المرض، والموقف الحيادى هو ما يُوصَى به عادة، وهو هو ما يُعلن عنه ظاهرا، لكن واقع الحال، خاصة ونحن ننطلق فى الطبنفسى الإيقاعحيوى من منطلق التأكيد على محورية التواصل عبر الوعى البينشخصى والجمعى، فإنه يصعب الاكتفاء بهذا الاعلان الحيادى، وعلينا أن نفحص الأمر بكل أبعاده الأعمق([2]):

من الواجب بداهة أنه على الطبيب (الفاحص) أن يفصل طول الوقت بين موقفه الشخصى ومعتقداته وبين موقفه المهنى ما أمكن ذلك، ولكن برغم تكرار التذكرة بضرورة ذلك فإن علينا أن نعترف أن هذه المسألة تحتاج إلى نضج كافٍ ومسئولية بالغة، وبصيرة نافذة، وليس مجرد إعلان الحياد أو تصوره كما ذكرنا .

ولكن: كيف يعرف المعالج أوالطبيب حقيقة وعمق ما ينتمى إليه هو شخصيا وما هو منغرس فيه من أيديولوجية غائرة؟ (خاصة إذا ارتبطت بموقف دينى تقليدى جاهز لم يختـَرْه، وغالبا لم يَخْتبَـِرْه)؟

وكيف يمكن التوفيق بين موقفه الأيديولوجى المعلن (وهو يعـْلن عادة  أنه: على يقين أنه على الحياد تماما) وبين الموقف الأيديولوجى الشخصي الكامن الفعّال (الذى لا يعرفه غالبا) طول الوقت، ولكنه لا يمارس غيره!!!

وكيف يمكن أن يحدد ما يريده  من مريضه، أو ما يرجوه له،  دون أن يتعرف على حقيقة موقفه هو من ماهية المرض ومعناه وأحيانا عن ماهية ما هو “إنسان” وجدوى الحياة: وإلى أين؟

ومن الذى يضمن قدرة الطبيب على مقاومة ما يحاط به أو يحاك له من زرع قيم خفية ومنظومات مغتربة فى عمق وعيه  لخدمة أغراض تجارية مشبوهة؟

بالرغم من صعوبة، بل ربما استحالة، الحصول على أجوبة لهذه الأسئلة إلا أن مجرد طرحها قد يخفف من تأثير الأيديولوجيا الغائرة عند الطبيب بدرجة ما، أو على الأقل تجعله ينتبه إلى العمل على  الحذر من  تلك الأيديولوجيات المستوردة التى تـُـفرض علينا، حتى من منطلق تقديس مؤسسات شبه علمية أو من غلبة تفسيرات لفظية وراثية ثابتة، أو سلطات تراثية ليست بالضرورة موضوعية أو مفيدة.

أود الآن أن أوضح كيف يختلف التفكير إذا تبنى  الطبيب فكرة استمرار الحركة، فلا يدرس الماضى على أنه ماضٍ صرف، وإنما يدرسه على أنه  “حاضر كامن يمكن أن يتكرر”، وكما سبق التنبيه إلى أنه “لا يُصلح العطار…ما أفسد الدهرُ”، لكن “يصلح الدهر .. ما أفسد الدهر”، فإننا يمكن تطبيق هذه المقولة على فكرة “مواكبة الحركة” لتعديل مسارها “فى دوراتها اللاحقة”، وخصوصا الآنية منها (هنا والآن) ، بالمشاركة الجدلية بين مستويات الوعى([3]) (الأمخاخ) المتعددة بالعرض، والممتدة فى الطول، وهكذا يصبح دور الطبيب جزءًا من حركية الطبيعة وإيقاعات الدهر الإيجابية، وشتان بين ذلك وبين الطبيب صاحب سوبر ماركت العقاقير، مهما حَسُنْتْ بضاعته.

………………

………………

(ونواصل الأسبوع القادم)

________________________________

[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث كتب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، وهو (تحت الطبع) ورقيا، إلكترونيا حاليا بالموقع: www.rakhawy.net وهذه النشرة هي استمرار لما نشر من الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمىّ بمهارة فنية”.

[2] – لم أُسْتدرج إلى ما آلت إليه منظومة القيم فى مصر فى العشرين سنة الأخيرة مثلما فعلت وأنا أقدم العلاقات الاجتماعية لأنها سوف تشمل استطرادات مزعجة قاتمة فى كثير من جوانبها، وقيم جديدة وفضائل ماتت ورذائل أصبحت فضائل ولمن يريد معرفة تفاصيل رأيى في ذلك ذلك أن يرجع –مثلا- إلى “ملف القيم والأخلاق” في موقعى نشرات المؤلف وهى: (15/10/2007)، (16/10/2007) و(17/10/2007)   www.rakhawy.net

[3] – هذا يتضمن فى تناول ظاهرة “التناصّ”   Intertexuality بين الطبيب والمريض.

 

2 تعليقان

  1. صباح الخير يا مولانا:
    المقتطف : كيف يختلف التفكير إذا تبنى الطبيب فكرة استمرار الحركة، فلا يدرس الماضى على أنه ماضٍ صرف، وإنما يدرسه على أنه “حاضر كامن يمكن أن يتكرر”
    التعليق : أبهرتنى رؤية الماضى ك “حاضر كامن يمكن أن يتكرر ” حين برقت فيها إجابة على تساؤل أحمله فى وعيى منذ زمن بعيد حين طرحه عمنا الشاعر : سيد حجاب قائلا : يا ترى اللى بيعيش الزمن إحنا ؟ واللا الزمن هو اللى بيعيشنا ؟ الآن فقط تلمع الإجابة أمامى ،الماضى حين يحتل الحاضر ويكرر نفسه من خلاله يبقى ” هو اللى بيعيشنا ” ،وإذا ربطنا مع ما يحدث كل يوم أربعاء فى القصر العينى من الساعة سبعة ونص إلى الساعة التاسعة فى جلسة العلاج الجمعى مع مولانا الرخاوى ،يبقى احنا اللى بنعيش الزمن فى : أنا وأنت وهنا ودلوقتى من غير سؤال ولا نصيحة .. لا أعرف مدى صحة ما وصلنى ،لكننى فرحانه به ” الآن”

    • هو صحيح مادام قد وصلك بهذه الدقة
      وأشكرك أنك نبهتنى إلى هذا القول البديع لهذا الشاعر المبدع “سيد حجاب”، وعلى رَبْطك هذا بما يحدث كل أربعاء مما أثلجنى وجعلنى أشعر أن عمرى لم يضع هباء والحمد لله.
      بارك الله فيك
      وعليك السلام، وكل عام وأنت بخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *