الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “نبض المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (37) الفصل الحادى عشر أنواع ومستويات الصياغة من منظور: الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (1)

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الثانى: “نبض المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (37) الفصل الحادى عشر أنواع ومستويات الصياغة من منظور: الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (1)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 16-7-2022

السنة الخامسة عشر

العدد: 5432

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” [1] 

الكتاب الثانى: “نبض المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (38)

استهلال:

نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب وآمل أن تُقْرأ نشرة الأسبوع الماضى  قبل متابعة نشرة اليوم التي سنقدم فيها ما تيسر من الفصل الحادى عشر.

          يحيى

الفصل الحادى عشر

أنواع ومستويات الصياغة

من منظور: الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (1)

مقدمة:

فى هذا الفصل سوف يكون التناول للمريض أكثر من المرض، حيث أنه في هذا الطب: المريض“هو مركز التناول والتخطيط، أما “المرض” فهو ما طـَـرَأَ عليه:

 أولا: كما أشرنا: فى الطبنفسى الإيقاعحيوى يتراجع التشخيص: إلى مرتبة متأخرة فى الترتيب الهيراركى للأهمية، مقارنة بموقعه فى الصدارة فى الطبنفسى التقليدي السائد Mainstream Psychiatry، فالمريض النفسى هو الموضوع نفسه، وتعبير فلان “عنده مرض كذا”، فصام مثلا، هو أقل تداولا من القول بأن فلانا “فصامى”، ولعل في هذا ما يشير إلى الميل لاعتبار أن هذا المريض النفسى لم يُصَب بالفصام كما نقول أن المريض بالحمى التيفودية أصيب بعصابية التيفود Typhoid Bacillus ، من هنا يختلف التعامل مع المريض منذ البداية باعتباره كيانا كليا، اضطرب  تشكيله نيوربيولوجيا حتى ظهرت الأعراض سلوكيا ووجوديا فغيّرته كله، فمرضه ليس مجرد خلل جزئى فى هذه المنطقة بالذات، أو ذلك الناقل العصبى Neurotransmitter  تحديدا، أو فساد هذا العضو ونشازه.

هكذا منذ البداية نستشعر أننا نتعامل مع وحدة الكيان البشرى الذى ظهر عليه، هذا التصرف أو يعانى من تلك الظاهرة، التى يمكن أن تتجمع تحت اسم مرض بذاته لا ينبغى أن يحل محل المريض نفسه؟

يستتبع ذلك مباشرة أن يشترك المريض – بشكل غير مباشر، ومباشر أحيانا، وربما من البداية – فى إدراك طبيعة ما صار إليه، وليس فقط ما أصابه أو لحق به، وانطلاقا من هذه البداية نجد أنفسنا أمام فرض “دور المريض فى اختيار المرض”، وهو ما سبق أن أشرنا إليه مرارا، ويصبح الاقتراب من المريض من هذا المنطلق ليس اتهاما، بل احتراما  يمهـِّـد أن يتقبل المريض -حين تسمح العلاقة العلاجية المتمادية- أن يشارك فى إعادة  تشكيل نشاز النفسمراضية التي وصل إليها: إلى مسارها الطبيعي، أو بتعبير أدق: أن يتقبل المشاركة فى إعادة تشكيل تركيب صحّى بديل: أكثر توازنا وفاعلية كما خلقه بارئه ليحل محل ما آل إليه تشويها ونشازا، فيحقق بالعلاج عمق وأصل ما كان يتصور أنه سوف يحققه بالمرض.

الأبعاد العامة للتعامل من هذا المنطلق:

أولاً: قراءة الأعراض تمهيدا لقراءة المريض:

قراءة الأعراض فى هذا الطب الإيقاعحيوى تتجاوز رصدها ومطابقتها بتعريفها كما وردت فى الدليل الفلانى، أو المرجع العلانى، فالقراءة هنا توصى أن نستمع فيها للأعراض وكأنها تقول ما ظهرت من أجله، وهذه القراءة ليست عابرة أو مسطحه، بل إنها  تبحث بين سطور الأعراض، وخلف ظاهرها، عن معناها ووظيفتها مهما تميزت باسمها المرضى.

    • فلا يكفى – مثل العادة – أن نقرر أن المريض انسحب من الواقع، وإنما علينا أن نبحث -ما أمكن ذلك- عن: أى “واقع” ذلك الذى انسحب منه المريض، و”كيف انسحب”، ولماذا؟ ثم بعد ذلك: هل هو الواقع الذى خـَـلقـَه الله فيه، أم أنه الواقع الذى فرضه عليه الاغتراب المتزايد بفعل فاعل؟ ثم: هل المريض انسحب إلى رجعة، أم أنه ترك لنفسه خط رجعة…الخ؟

ومثال آخر، لا يكفى أن نقول إن المريض يتكلم لغة غريبة غير مفهومه “جـدْلـَـغَـة Neologism”، وإنما ينبغى أن نحاول أن ننتبه كيف فشلت اللغة العادية السائدة فى أن تقوم بوظائف اللغة الأساسية فى تسهيل التواصل، أو نقل الرسائل، أو السماح بالتعبير  ذى المعنى عن ما يدور فى أى من طبقات الوعى، مما دفع المريض أن يبحث عن لغة جديدة حتى لو كانت رُطانا.

ثانياً: صعوبة فهم ماهية الجارى، وخطورة اختزاله

مازال الهدف الأول للتخطيط لمسيرة العلاج هو البدء برسم‏ ‏صورة‏ ‏العلاقات‏ ‏التركيبية‏ ‏بين‏ ‏مختلف‏ ‏منظومات‏ ‏المخ (=حالات العقل = مستويات الوعى = مختلف الأمخاخ)‏ وما وصلت إليه علاقاتها ببعضها البعض “الآن” بسبب المرض، وهذا يعنى تشكيل “كيان شامل حى” للحالة المرضية الراهنة، وهو ما نسميه الصياغة (بأنواعها) وهى: الصياغة – تشمل: الصياغة الوصفية التي توجز المقابلة بعد إعادة ترتيب المعلومات حسب الأهمية العلاجية، ثم الصياغة النفسمراضية وهى من بعدين: الأول الصياغة “النفسمراضية السببية” التي تبحث فى أسباب وتاريخ المريض تفسيراً لما آل إليه الحال، ثم الصياغة “النفسمراضية التركيبية” وهى قراءة ما آلت إليه تنظيمات مستويات وعى المريض (وأمخاخه) بعد تغيير وتخبّط منظومات المخ وكيف اختلفت بعد أن أعلن المرض غلبته.

ثالثا: ملاحظات حول فن رسم الصياغة:

فى كل من الأمراض العصبية والنفسية على حد سواء، فإن قراءة ما آل إليه ترتيب الأمخاخ هي عملية دقيقة تحتاج مهارة خاصة؟ رجعتُ إلى خبرتى ومنهجى، وما أقوم به من تدريب للزملاء الأصغر، وما أمارسه من مشاركة وعى مع مرضاى، وخاصة الذهانيين منهم، وخاصة أيضا فى العلاج الجمعى، فوجدت أن المسألة تحتاج إلى وقفة جديدة دون ضمان الوصول إلى توضيح كافٍ.

وإليكم بعض ما خلصتُ إليه من معايشة هذه الخبرة:

      • الكلمات لا تنقل الخبرة، لكن النتائج هي التى تثبتها وتدعمها، وهى تكشف عن حضورها فتحفز لتصحيحها وتولـّد فروضا جديدة.

      • حركية الاستجابة مهما ضؤلت تــُـسهم فى تحديد عمق وجدوى الحوار ومعالم الطريق (المرحلى إلى المسار النهائي المفتوح النهاية).

      • المحكـّـات التى نقيس بها هذه النتائج ينبغي أن تتجاوز مجرد رصد شكل السلوك أو أسماء الأعراض، وبعض هذه المحكات المميزة نذكرها فيما يلى:

        • حركية ومرونة “المسافة” بين المتحاورين

        • الصمت الحىّ (تجاوزاً للغة الإشارة والرموز : خاصة الكلامية )

        • رصد تنشيط التعدد التركيبى (عند المريض والطبيب : حوار الأمخاخ)

        • رصد التغيّر النوعى (مهما كان طفيفا) فهو المَحـَـك الأوْلـَى بالرصد حتى لو لم تختلف الأعراض، فلابد من رصد أى تغيّر فى سائر المستويات.

        • المواكبة ومواصلة المشاركة، مع تعدد مستوياتها [2] -بالطول والعرض، بمعايير متنوعة طول الوقت تقريبا.

كل هذا تمهيدا لقراءة المريض بكل ما هو (= الصياغة) بديلا عن اختزاله في التشخيص.

الخطوط العامة:

إن من أهم ما نتعرف من خلاله على ماهية الصياغة انطلاقا إلى  التطبيق العلاجي هو: كمّ وحركية وغائية الطاقة الحيوية وغايتها وناتج توظيفها، وهذا يتضمن:

    • تقييم مواصلة حركية وفاعلية برامج الوعى بدءًا ببرامج النوم/فبرامج الحلم/ واللاحلم، (دون الاقتصار على محتوى الحلم أو الحرص على تفسيره) البرامج الممكن رصدها أو معايشة آثارها.

    • تقييم كفاءة نشاط برامج “الدخول والخروج” على كل المستويات

    • تقييم كفاءة برامج فعلنة المعلومات [3]  وبسطها وإعادة تشكيلها

    • فحص طبيعة تواصل برامج الإيقاعحيوى بكل مستوياتها ودوراتها بدءًا بدورات النوم واليقظة، والحلم واللاحلم، والتحصيل تناوبا مع التشكيل… (الإبداع).. إلى آخر برامج النقلات النوعية بالجدل الخلاق باشتراك العقل الوجدانى الاعتمالى [4]  طول الوقت.

وبعد:

هكذا يمكن تقسيم مستويات الصياغة عامة كالتالي: الصياغة الوصفية والصياغة النفسمراضية، وهذه تشمل الصياغة النفسمراضية السببية ثم النفسمرضية التركيبية.

………………….

………………….

 (ونواصل غدًا)

_____________________________

[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث كتب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، وهو (تحت الطبع) ورقيا، إلكترونيا حاليا بالموقع: www.rakhawy.net وهذه النشرة هي استمرار لما نشر من الكتاب الثانى: “نبض المقابلة الكلينيكية: بحث علمىّ بمهارة فنية”.

[2] – يحيى الرخاوى: “مقدمة فى: العلاج الجمعى من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق” منشورات جمعية الطبنفسى التطورى، 2019.

 – ويمكنك الرجوع لنشرات “الإنسان والتطور” بتاريخ (24-2-2008) & (25-2-2008) “تمهيدا لتقديم تجربة مصرية عن علاج أسميناه علاج: المواجهة – المواكبة – المسئولية:  م.م.م.، Confrontation Togetherness Responsibility Therapy CTRT، الفروق الثقافية والعلاج النفسى(1).  www.rakhawy.net

[3] – Information processing

[4] – Emotionally processing mind

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *