نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 21-5-2022
السنة الخامسة عشر
العدد: 5376
مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”[1]
الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمى بمهارة فنية” (21)
استهلال:
نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب وآمل أن تُقْرأ نشرة أمس قبل متابعة نشرة الأسبوع الماضى التي سنقدم فيها ما تيسر من الفصل الرابع.
يحيى
الفصل الخامس
…عن تاريخ العمل بين الواقع والمعنى
مقدمة:
استثناءً أبدأ بالتحديث:
التحديث: بادئة هامة:
إن ما سيرد ذكره عن العمل هو مهم أن يكون فى وعـــى الطبيب (الفاحص) من أول لحظة، ولكنه لا يعنى أن يكون مطلوبا منه أن يناقش مع المرضى هذه التفاصيل ولا حتى بعضها، لكن إذا استوت المفاهيم الأساسية لهذه القيمة الحياتية الأولى – فى وعى الطبيب- بصورتها الموضوعية الصحيحة فإنها تصل للمريض عبر ما كررناه للتأكيد عليه وهو أهمية التواصل عن طريق الوعى البينشخصى، بما تسمح به المقابلة الهادفة بتلقائية طبيعية.
فى المقابلة الكلينيكية يأتى الاستقصاء عن العمل بكل تجلياته ووظائفه ودوره فى المقام الأول تقريبا، بينى وبينكم – بالنسبة لى – قبل الأعراض، إلا إذا كانت الأعراض (أ) تحول دون العمل أو (ب) تشوهه أو هى (ج) بسببه.
وفيما يلى بعض تجليات ما هو “عمل” صحىّ وقائىّ فعلا:
-
-
-
-
العمل كقيمة،
-
والعمل كواقع،
-
والعمل كمخرج ومصبُّ لحركية الطاقة الطبيعية
-
والعمل كمجتمع،
-
والعمل مصدراً للقمة العيش،
-
والعمل لملء الوقت.
-
-
-
أما من وجهة نظر الطبنفسى التطورى الإيقاعحيوى فكل ذلك مُتضمن فى قيمة العمل البقائية حتى أنه قد وصل بى الأمر إلى القول أن “البقاء ليس للأقوى، ولا حتى للأقدر تكافلاً”، لكن: “البقاء لمن يعمل”[2]
المتن: (1)
تختلف قيمة العمل فى البلاد العربية كمؤشر دال على الصحة النفسية، وإن كان العمل فى مصر يعتبر أساسيا وخطيرا، لأن من لا يعمل قد يجوع أو تعلن إعاقته، لكن الأمر فى بعض البلاد – العربية أيضا– أن المجتمع الأكثر ثراء يسمح للثرى ألا يعمل، دون أن يكون لذلك نفس الدلالة، وكذلك ثمة بلاد أخرى لا يكون فيها معنى العمل هو نفس المعنى الدال على العلاقة بالواقع والتنظيم اليومي.
ويمــكن تعريف العمل من وجهة نظر عملية على أنه: الالتزام اليومى المنظـَّـم بنشاط محدد، له ناتج، ومواعيد مـُـلزِمة، وله عائد، وله رئيس مع مشاركة مهنية و/أو اجتماعية مناسبة
طوّرت هذا التعريف الذى ورد فى المتن، كما رحت أبلـــِّــغ مرضاى دور العمل فى العلاج وأولويته وأنا أحدد العمل بهذه المحاور المحددة:
(1) ساعة:
أؤكد للمريض من البداية أن عملا بدون مواعيد ثابتة قد لا يعتبر عملا بالمعنى العلاجى إلا فى استثناءات نادرة .
(2) رئيس:
وأن عملا لا يجرى تحت رئاسة وإشراف من ينظمه ويتابعه: لا يستوفى شروط ما هو عمل، وأحيانا أشرح ذلك أنه حتى رئيس مجلس إدارة شركة خاصة يمتلكها فإن رئيسه الذى يفى بهذا الشرط هو: “سكرتيرته” التى تنظم مواعيده، وكثيرا ما تلزمه بالوفاء بها بالترتيب الذى سجِّل له، وأضرب تأكيدا لذلك المثل الشعبى المصرى الذى يقول: “اللى مالوش كبير يشترى له كبير“، وعادة ما أفضل أن يكون الرئيس غريبا بمعنى ألا يعمل المريض فى عمل يمتلكه أبوه أو يديره أبوه – مثلا – إنْ وَجَد بديلا.
(3) ناتج:
أعنى بالناتج هو أن تصل إلى وعى من يعمل إسهاماته الجزئية التى يشارك بها فى عمله لتحقيق هدف وناتج المؤسسة (العامة / الخاصة) التى ينتمى إليها، بل قد يمتد هذا الوعى إلى أن يصل إليه أحيانا فى ظروف إيجابية أن ناتج عمله مهما بلغت ضآلته فى ذاته هو إسهام فى تشغيل عجلة الانتاج للمؤسسة التى يعمل بها،ثم ربما للناتج القومى كله وبالتالى إسهام فى دفع أو رأب الاقتصاد، وأنه بهذا الاسهام المتواضع سوف يجد فى العمل معنى لوجوده شخصيا منتميا لمجتمعه فعلا، أمّا إذا لم يكن جو العمل ومحيط العمل مهتما بهذا ظاهراً وباطنا، فإن النتيجة سوف تكون اغتراب العامل عن عمله، ولعل هذا ما جسده فيلم شارلى شابلن فى فيلم “الأزمنة الحديثة“: من قديم
(4) عائد:
طبعا لا يوجد عمل بدون مقابل شخصى ومادى مباشر، صحيح أن هناك من يمارس العمل التطوعى عن رضا يغنيه عن المقابل المادى، خاصة إذا كان له دخل خاص من مصدر بعيد عن هذا العمل، لكن يظل الدخل المادى المحدد له دوره فى ربطه بالعمل وبالواقع، وبالعائد ولو بشكل رمزى، كما تظل وظيفة العائد النفسية التنظيمية بالغة الأهمية.
(5) مجتمع:
مثلما ذكرنا فى المدرسة فإن العمل هو مجتمع قبل وبعد أن يكون إسهاٌما فى إنجاز، أو أكل عيش أو مشاركة فى إنتاج، تماما مثلما أن المدرسة هى مجتمع قبل أن تكون تحفيظا وتلقينا وترغيبا وترهيبا، وكثيرا ما لا يصل للمريض معنى أن يكون العمل مجتمع، فأنبهه أن مجرد أن يكون له زملاء لهم مكاتب مجاورة، أو قريبة، ورؤساء ومرؤوسين، يصبّح عليهم بتحية الصباح، ويسألهم أو يسألونه عن درجة حرارة ابنه الذى أبلغهم بمرضه أمس، أو عن سلامة عودة زوجته من عند أمها، أو حتى عن أسعار الخضر اليوم!!، كل هذا وغيره ومثله يخلق هذا الوعى المشترك، حتى بعيدا عن موضوع وواجبات العمل الأصلى، فضلا عن أن هذه الخبرة فى بعض المؤسسات تكون العامل الأساسى فى توصيف العمل بأنه “الوعى المجتمعى” أساسا، وكثيرا ما أشرح للمريض أن الأعمال الحسابية، والحاسوبية التى يمكن أن يقوم بها كلها بالمنزل: لكنها تفتقر إلى هذا الشرط الأساسى (المجتمع) حتى لو كان عائد العمل المادّى بالمنزل أكبر منه فى موقع العمل[3].
………………..
………………
(ونواصل غدَا)
__________________
[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث كتب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، وهو (تحت الطبع) ورقيا، إلكترونيا حاليا بالموقع: www.rakhawy.net وهذه النشرة هي استمرار لما نشر من الكتاب الثانى: “المقابلة الكلينيكية: بحث علمىّ بمهارة فنية”.
[2] – “يعمل” فى اتساق مع أفراد نوعه والأنواع الأخرى والطبيعة على تتالى مستوياتها واتساع حلقاتها إلى الغيب نحوه!.
[3]- مع التطور بعد كتابة مسودة هذا العمل من سنوات إلى انتشار مضطرد ف العمل على الخط on-line فانتفت أكثر المواصفات التي قدمتها في هذه الفقرة لتوصيف العمل!!
صباح الخير يا مولانا::
المقتطف : أما من وجهة نظر الطبنفسى التطورى الإيقاعحيوى فكل ذلك مُتضمن فى قيمة العمل البقائية حتى أنه قد وصل بى الأمر إلى القول أن “البقاء ليس للأقوى، ولا حتى للأقدر تكافلاً”، لكن: “البقاء لمن يعمل
التعليق : من أجل هذا المقتطف ،أرى أن نظرية الايقاعحيوى التطورى ليست نظرية فى العلاج النفسى وحسب ،لكنها “فلسفة حياة”كأنها تفعيل للآية الكريمة ” ومن أحياها ….” لكن سؤالى هنا عن الام التى لديها أطفال صغار ،حضرتك تعلم أن الأم لا تملك حساب ساعات رعايتها لأبنائها ،كما أنها لا يمكن أن تعتبر أنها أما تحت رئاسة زوجها الذى ينفق عليها ،لقد حاولت أن أطبق هذا مع إحدى المريضات وفشلت ،أظن أن الموضوع بحاجة لصياغة محددة من حضرتك
طبعا يحتاج لصياغات “محددة” ليس فقط من حضرتى، لكن الصياغة مهما “تحددت” فهى لا توصل الرسالة التى أريد توصيلها لنتعاون فى نقدها وتطويرها، نعم نحدد الصياغة لكن نتعهدها بالتدريب والإشراف والنقد والتطوير والمتابعة
الطريق طويل، والمشوار صعب، وعلى الله قصد السبيل، ومنها جائر،
وعلينا أن نبدأ مهما كانت الصعوبات.