الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات كتاب “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الباب الأول: “النظرية ومعالم الفروض الأساسية” (5)

مقتطفات كتاب “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الباب الأول: “النظرية ومعالم الفروض الأساسية” (5)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 11-12-2021

السنة الخامسة عشر

العدد: 5216

مقتطفات كتاب  

“الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” (1)

الباب الأول: “النظرية ومعالم الفروض الأساسية” (5)  

مقدمة:

نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب، لعله الأهم، ولعل ذلك يعطى فرصة للقراءة البطيئة (والمراجعة والنقد). وآمل أن تُقْرأ نشرتى الأسبوع الماضى قبل متابعة نشرة اليوم التي سنقدم فيها ما تيسر من الفصل الثانى.

      يحيى

الفصل الثانى       

مراحل تشكيل النظرية

……………..

…………….

وبعد

سوف أبدأ الآن بتقديم محدود عن: نقاط الاتفاق بين ما وصلنى عن الطب النفسى التطورى (بالذات ممثلا فى كتاب أنتونى ستيفن وجون برايس) وبين الطب النفسى الإيقاعحيوى التطورى لأعود فيما بعد إلى الأهم وهو بيان: الفروق الجوهرية بينهما.

(1) كلاهما يحترم ويحاول استثمار العلاقة بين الفيلوجينيا والإنتوجينيا.

(2) كلاهما يرى الإنسان الفرد جُمّاع تاريخ الحياة

(3) كلاهما يرى المريض متعدد المستويات فى حدود ما احتوى وعيه (وخلاياه) من شخوص حياته ثم من كل الأحياء عبر تاريخ الحياة

(4) كلاهما يرى أن أعراض المرض – على الأقل  فى بداياته – هى دفاع مشروع من حيث المبدأ، ولا يُسمىَّ المرض مرضا إلا بعد فشل هذا الدفاع وانحراف مساره عن الإبداع إلى الإعاقة والإضرار، والمعاناة حتى التفسخ بلا رجعة.

(5) كلاهما يقرأ الأعراض باعتبارها لغة لها غاية وبها معنى هادف، أكثر من اعتبارها نتيجة لأسباب سابقة محددة (مع عدم إهماله لهذا الاحتمال).

(6) كلاهما يرى أن استيعاب ما جاء فى (4)، (5) هو الأساس الجوهرى لمسيرة العلاج ليحتفظ المريض بحقه فى إعلان موقفه، وممارسة رفضه، ولكن بطريقة صحيحة وصحية، وهو ما يحاول العلاج أن يقدمه له.

وبعد

 أقر واعترف أن معلوماتى عن الطبنفسى التطورى التقليدى محدودة، وخاصة فى جانب التطبيق العملى العلاجى، وأن اعتمادى على كتاب ستيفن وبرايس  ليس كافيا – مع أنه مرجع أساسى -، وقد خشيت أن انتظر حتى استكمل معارفى فتضيع منى فرصة تقديم الطبنفسى الإيقاعحيوى بعد طول انتظار، وربما ما يسمح بذلك أن الكتاب الحالى هو كتاب تطبيقى أكثر منه تنظيرى، وهو تنظيم واستلهام عرْض ما نمارسه – تقريبا – منذ خمسين عاما (دون تسميته كذلك!) مستعملا كل وسائل العلاج المتاحة لنا معتمدين على فروضنا التى تتحقق تدريجيا، وتُرَاجع وتُنقَد وتُعدّل أولا بأول باستمرار.

لكل ذلك أرجو أن يكون ما أقدمه هنا هو مجرد إشارات للفروق بين النوعين، دون تفاصيل هذه الفروق وتطبيقاتها (2).

بعض الفروق الأساسية بينهما:

(1) الطبنفسى التطورى يقبل الخطوط العامة للقانون الحيوى (نظرية الاستعادة: إرنست هيكل) فهو يكاد يقتصر على أن “الأنتوجينى تعيد الفيلوجينى” (3)

  • الطبنفسى الإيقاعحيوى (4) ينطلق من هذا القانون – قياسا– إلى أبعاد أصغر فأصغر، فى أزمنة ونبض أقل فأقل: حتى يصل إلى المغامرة بالنظر للاستعادة عبر “الميكروجينى” وهى أصغر نبضة استعادة قد تصل وحدات زمنها إلى أجزاء الثوانى، على أن هذا التمادى فى تطبيقات “القانون الحيوى” “هنا والآن”، يجعل التشبيه الذى أورده ستيفن أبعد حتى عن مجرد التخيـُّل، مثلا: إذْ كيف تحضر كل الأحياء إلى حجرة الكشف، ثم نأمل فى ترتيب أدوارها  – بالعلاج- كما قال ستيفن فى تشبيهه لمدرب فريق كرة القدم وهو يقسم الأدوار ويشحذ المهارات ليؤدى كلُّ دوره فى موقعه لصالح الفريق كله، وعلى ذلك لابد من وضع فروض أشمل تتعلق بحركية الوعى العلاجى للقيام بهذه المهمة بعملية نقدية إبداعية مشارِكـَـة مع الأخذ فى الاعتبار:  حــالة كون المخ يعيد بناء نفسه، وذلك بتطبيق كل الفروض النابعة من هذا المنظور فى حدود الواقع العملى المتاح بما فى ذلك اختصار ضمنى تلقائى لحضور الأحياء إلى “مستويات وعى” (أمخاخ) قليلة لها حضورها الكلينيكى فى المرض، حتى يمكن التعامل معها من خلال التّـناص العلاجى Intertextuality والتداوى الانتقائى وذلك: لترويضها وتنظيمها بالقدر الممكن؟

 (2) الطبنفسى التطورى يبدأ من استلهام أساسيات برامج التطور عبر ملايين السنين أو ربما بلايين السنين، لفهم معنى الأعراض والمرض، ووظيفتها، ومن ثم إعادة توجيه المسار.

  • الطبنفسى الإيقاعحيوى يبدأ من الممارسة الكلينيكية “هنا والآن”، فهو يمارس التعرف على المريض ليس من لافتة تشخيصه أساسا، وإنما من خلال النفسمراضية التركيبية Structural Psychopathology الدالة على تنوّع حركية شحن مستويات المخ المتصاعدة الممثـّـِلة لتطور كل من الفيولوجينى والإنتوجينى، وذلك بعد أن أصبحت – فى المرض- غير متآلفة فى واحدية تحقق توازن الوجود، وهى بذلك تصبح عاجزة عن دفع عجلة النمو إلى ما تعد به، وهو فى ذلك يستعين بعلامات وأعراض محددة لتدل على ترتيب تغير نسبية نشاطات الأمخاخ بعد المرض، من خلال تحديد مستوى الوعى (=المخ) الناشز المُغِير أو الساحب المحتج …الخ: فى علاقة وثيقة بمواقع النمو (الانتوجينى) التى نقرأها ابتداءً من خلال إسهامات وفروض مدرسة العلاقة بالموضوع (على الرغم من أنها لم تزعم منظورا بيولوجيا تطوريا خاصا لها).

 (3) الطبنفسى التطورى يتعامل أساسا مع أمخاخ ثلاثة: المخ الحديث Neocortex والمخ الحوفى Limbic Brain والمخ الزواحفى Reptilian Brain، وقد حددها تشريحيا وفسيولوجيا، كما اقترح لها أدوارا متميزة فى مختلف الأعراض.

 11-12-2021_1

11-12-2021_2

 الطبنفسى الإيقاعحيوى يتعامل مع مواقع (أطوار) مستويات وعى أساسية (=أمخاخ) محدودة ابتداءً، لكنها غير محددة تشريحيا بقدر ما هى مستنتجة غائيا وإمراضيا، ومتوازية مع فروض مدرسة العلاقة بالموضوع وهى: مستوى المخ البدائى أحادى الوجود (الشيزيدى) والمخ الكرّفرّى (القتالى البارانوى التوجسى) والمخ العلاقاتى الجدلى (الاكتئابى: التواصلى المتحمِّل القُرب رغم الصعوبة المتجددة) وهذا التوصيف لا يكتفى بذلك بل هو يقوم بتفسير الأعراض بترجيح نشاط هذا المستوى أو ذاك، وكذلك بالغوص إلى العلاقات بينها وناتج ذلك، وهو لا يتجاوز إلى أكثر من ذلك إلا استنتاجا عادة: لاستحالة الإلمام بكل التوافيق والتباديل بين كل الأمخاخ!.

(4) الطبنفسى التطورى يرصد الأعراض ويصنف الأمراض انطلاقا من برامج التطور فمثلا: هو يقسم الأمراض على هذا الأساس “إلى:” أمراض التعلق والترابط Rank Spacing disorders (مثل الاضطرابات الوجدانية والقلق) وأمراض التباعد Disorders of attachment (مثل البارنويا والفصام)…الخ.

* الطب الإيقاعحيوى يبدأ من الإمراضية التركيبية بما فى ذلك اضطراب الإيقاعحيوى الآن ومدى نشاط، وما آل إليه، النبض المرضى (السيكوباثوجونى psychopthogeny) وطور هذا النشاط وحدّته، وآثار نشازه واندفاعه، ثم آثاره الاندمالية  والتنشيطية على بعض الأمخاخ دون البعض الآخر، وذلك من خلال وضع فروض مُسْـتَـلْهَمَة من الأعراض والمواقف والسمات التى استجدت بالمرض ومن نوعية الاستجابة للعلاجات المناسبة الدوائية، فالعلاج كلينيكيا، وكذلك يقوم برصد حركية التفكيك ومدى التعتعة وسلوكيات النكوص والدفاعات النشطة الفاشلة والناجحة المشتركة فيها كل الأمخاخ، والمتغيرة حسب تطور العلاج.

11-12-2021_3

 

11-12-2021_4

باعتبار أن تعرى المريض الذهانى بالذات قد كشف عن التاريخ التطورى وما آل إليه عند المريض “الآن”، ثم إن هذا الطب يقوم بتخطيط كل العلاجات على هذا الأساس، مهتما “بالتوقيت” و”التحريك الموازى لتطور العلاج”، وليس فقط “بتصعيد أو تنقيص” الجرعة لتسكين الأعراض، فهو يبدأ من رصد خلل نبض دورات الانتوجينى وما طرأ عليها من ربكة وتشتت وإعادة ترتيب، ويدعمها بما يتيسر من رصد نشاط برامج التطور (الفيلوجينى)، آخذا فى الاعتبار الثقافة الخاصة والتاريخ الأسرى، كل ذلك من خلال الحضور الكلينيكى “هنا والآن”، بمعنى أنه يرصد تاريخ الأنتوجينى المتاح وما طرأ على دورات الإيقاعحيوى لكل المستويات من جسامة أو انحراف أو إغارة أو تفكيك حتى انقلب الماكروجينى إلى السيكوباثوجينى (5)

11-12-2021_5

وهو (السيكوباثوجينى) نبض فاشل، وفشله هذا يعرّفنا توجه الطاقة التى أصبحت إمراضية، وهى التى علينا أن نواجهها لنعيد توزيعها، فهذا التوجه  يجتهد لتحديد مدى نشاط كل مخ، يحددها كلينيكيا وهو يواكب حركية الأعراض وحركية سلوكيات المريض بما يقابلها من خلال حركية الوعى البينشخصى مستعملا كل المتاح للعلاج: بما فى ذلك استعمال العقاقير انتقائيا للحد من نشاط المخ الناشز أو المغير حسب حركية الاستجابة كلينيكيا.

 (1) ليهدّئ ما ثار مستقلا ناشزا)،

(2) وينشّط (بالتأهيل والعلاجات الجماعية والعمل) مستوى الوعى (المخ) الذى نرجو أن نسلمه القيادة للعودة إلى تناوب الحركية الخلاّقة للأمخاخ حول مشروع منظم واحد فى لحظة بذاتها،

(3) ويستمر العلاج فى مواصلة إعادة بناء النظام كله بالايقاعحيوى المتناسق التبادلى المستمر (أنظر بعد).

(5) الطبنفسى التطورى لا يتكلم مباشرة عن دور الوعى ومستوياته وحركيته وتصعيده وامتداده إلى المطلق ولا إلى المابعد.

* الطبنفسى الإيقاعحيوى مرتبط بثقافة حركية الوعى البينشخصى فالوعى الجمعى==>  فالوعى الجماعى ==> فالوعى الكونى  ==> فالوعى المطلق ==>  إلى “الغيب ==> إليه” مع تواصل النبض الحيوى والإيقاعحيوى ليل نهار.

 وكل هذا من واقع “ثقافة الإدراك” الأعمق وعلاقة الإنسان بأصله ابتداءً وبالكون امتدادا، وهى الثقافة الإيمانية الإبداعية التواصلية النابضة المسئولة ضمنا عن بزوغ هذه النظرية أساسا.

(6) الطبنفسى التطورى – فى حدود ما اطلعت – لا يشير إلى فروض محددة لترتيب وتنظيم وتغيير استعمال العقاقير المناسبة.

  • الطبنفسى الإيقاعحيوى يضع فروضاً لفاعلية العقاقير، ويرتبها ترتيبا هيراركيا، بما يقابل هيراركية مستويات الوعى (الأمخاخ) التصعيدية، وهو يرى أنه يمكن التحكم بالعقاقير المناسبة انتقائيا فى تثبيط نشاط المخ الأقدم فالأقدم، فى نفس الوقت الذى ينشّط المخ (الأمخاخ) الأحدث بالتأهيل ليعود الكل للتناسق والتبادل مع بعضه البعض، وبالتالى هو يسهم فى استعادة تناسق كل مستويات المخ حتى يعيد بناء نفسه فى مواكبة وعى المعالج وإبداعه ومهاراته النقدية، وعلى ذلك فإن الطبنفسى الإيقاعحيوى يمارس التدخل بالعقاقير بهدف ضبط النشاط الزائد بطريقة التعرج (زجزاج Zigzig) حتى يعمل على تنشيط أو تثبيط المستويات المختلفة للمخ فى تناسق وتبادل، وبالتالى زيادة الفرصة أمام جـُـمـّـاع المخ لاستعادة بناء نفسه، وتناغم إيقاعه فى واحدية متكاملة متبادلة.

  • الطبنفسى الإيقاعحيوى – كما نمارسه – يرى – ويستعمل هذا العلاج باعتباره الأقرب إلى فكرة إحداث نبضة “ميكروجينية” محسوبة يمكن أن تعطى فرصة لتناغم وتكامل الأمخاخ – مع إعادة التأهيل وضبط تناسب النشاط – فهى فرصة “إعادة تشغيل” قادرة على السماح بإعادة تنظيم المخ لاستعادة تناوب القيادة من خلال انتظام الايقاعحيوى بما يسمح بدور رائد للمستويات الأحدث المدعومة والمنشطة بالعلاج: دون إلغاء أو تعطيل أو إزاحة كاملة للمستويات (الأمخاخ) الأقدم فهو يسعى لاستعادة الهيراركية السليمة، الأمر الذى يتوقف على التوقيت والإعداد بالعقاقير والتأهل والعلاقات العلاجية البناءة: لإعادة التشغيل، آخذا فى الاعتبار أيضا: شدة المرض، ونوعه، والاستجابات المرحلية وتبادل الأعراض والمواكبة العلاجية!!

11-12-2021_6

 11-12-2021_7

………..

(ونكمل غدًا)

بعرض جدول مقارنة بين “الطبنفسى التطورى” و”الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”

 

 [1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث أبواب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2021) (تحت الطبع)

[2]- كما أشرت سابقاً وبدءًا من هنا سوف يجد القارئ المتابع لإنتاجى مؤخرا إعادة حرفية لصفحات ليست قليلة من كل من الطب النفسى التطورى والطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى نشرت فى كتابى “الطب النفسى بين الأيديولوجيا والتطور”، وقد فضلت أن أعيد إثباتها لضرورة الربط المباشر بما بعدها، وذلك حتى يتواصل الشرح بدلا من الإحالة إلى هذا النشر السابق، فعذرا.

[3] – بدءاً من هنا سوف استعمل كلمتى “الانتوجينى”و”الفيلوجينى” بدلا من “الانتوجينيا” و”الفيلوجينيا”.

[4] – بدءًا من هذا سوف نستعمل أحيانا مصطلح الطبنفسى الإيقاعحيوى بديلا عن الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى للاختصار.

[5] – “السيكوباثوجينى”Psychopathogeny هى كلمة قمت بنحتها لتفيد التعبير عن نبضة المخ إذا انحرفت عن مسارها التوازنى، فأجهضت مما يترتب عليه النشاز المسئول عن ظهور المرض فهى دورة استعادة مرضية (متعثرة أو مُجهضة أو مفسّخة)

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)