نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 30-1-2022
السنة الخامسة عشر
العدد: 5265
مقتطفات كتاب
“الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” (1)
الباب الأول: “النظرية ومعالم الفروض الأساسية” (20)
مقدمة:
نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب، لعله الأهم، أن تُقْرأ نشرة اليوم التى سنقدم فيها ما تيسر من الفصل السابع، كما أوصى بالبدء بقراءة نشرة أمس.
يحيى
الفصل السابع
جدل مستويات الوعى “التناص: Inter-textuality (3)
…………….
حركية “التناصّ” العلاجى: فن الإبداع النقدى
آن الأوان لأقوم بتحديد مفهومى عن النقد الأدبى إيجازا مع إضافة ما يلزم شرحه للزملاء النفسيين الذين ليس لهم علاقة كافية بمصطلحات النقد عامة!
(1) إن النقد هو إبداع كامل: هو إعادة تشكيل النص
(2) إن مصطلح “النص البشرى” لا يقتصر على المريض باعتباره النص “المـَعْنـِى بالنقد” وإنما يمتد إلى المعالج باعتباره “نصًّا حاضرا” “مشاركا”: يسرى عليه ما يسرى على المريض كنص، مع الاختلاف فى نقطة البداية ومرحلة النضج ورحلة التكوين وفرص التسجيل طبعا.
(3) إن حركية الإبداع النقدى لهذين النصين هى حركية وعى مشتمل (يشمل معظم إن لم يكن كل مستويات الوعى) في توجّه إلى وحدة واحدية تتخلق نابضة باستمرار فيما يسمى “الوعى البينشخصى” فى حالة البداية أو العلاج الفردى.
(4) إن هذه الحركية بهذا المفهوم ومن هذا المنطلق تتسع فى العلاج الجمعى ثم فى علاج الوسط Milieu Therapy لتشمل كل المشاركين فى تخليق الوعى الجمعى، فالجماعى.
(5) إن إعادة التشكيل لكل من النصَّين (أو النصوص) تتم تلقائيا ليس أساسا من خلال الحوار اللفظى أو الإقناع العقلى أو التغيير السلوكى، وإنما أكثر وأعمق من خلال حركية المشاركة بين كل مستويات الوعى مع كل مستويات الوعى.
(6) إن امتداد هذه المستويات من منظومات الوعى “البينية” و”الجمعية” و”الجماعية” إلى مستويات الوعى “الطبيعية” و”المحيطة” و”الممتدة” و”الغيبية”: هو حاصِلٌ ومستمر ونابض برغم احتمال عدم رصده بشكل مباشر، أو تفعيله فى إجراءات سلوكية، أو صياغته فى مصطلحات لفظية (إلا تقريبا ورمزا وتجاوزا مما قد يفسد أو يخلط أو يشوه حقيقته أحيانا).
(7) إن علاقة الوعى الشخصى (والبينشخصى) بمستويات الوعى الممتدة باستمرار هى علاقة “إيقاعحيوية” “إبداعية” “منتظمة” “متمادية” “نابضة” بلا بداية مرصودة، ولا نهاية محددة.
(8) إن برامج التطور البقائية بما فى ذلك برنامج الدخول والخروج (بين مستويات الوعى وبعضها) وبرامج التخليق الجدلى الحركى لاحتواء التناقض، وبرامج دعم مستويات الوعى لبعضها البعض، كل هذه البرامج تواصِـل نشاطها الإيقاعحيوى ليل نهار: طول الوقت من واقع برامج البقاء بفضل خالقها.
(9) إن كل ذلك يجرى تحت، ومع، مستوى الوعى الظاهر ولا يحتاج إلى قرار إرادى وإن كان يحتاج إلى “سلامة موقف” و”سماحٍ مبدع“، و”نظامٍ محكم“، و”استمرارٍ منتظم” و”وعى ممتد ضامّ” و”حذق فنـىّ” .
(10) إن هذه المواصفات والعمليات (قبل وبعد المحتوى اللفظى والفكرى التنظيرى) تجرى – كمثال – فى العلاج الجمعى وفى علاج الوسط أكثر منها فى العلاج الفردى والتقليدى، وهى لا تـُكتب ولا تـُحفظ، لكنها تـُنشـَّـط، وتـُراجع، وتـَـنمو، وتـَتَجـَادل.
(11) إن نفس الخطوات والعمليات وما بعدها من تبادل حركية الوعى الحيوى بين الأفراد إلى تخليق الوعى الجمعى إلى التكامل مع مجموعات الوعى الأخرى إلى الوعى الكونى إلى الوعى المطلق إلى وجه خالق كل ذلك، أقول إن كل هذه الخطوات والعمليات تمثل برامج التطور التلقائية عند كل الأحياء، من بدء البدء إلى الكائن البشرى: إلى الكيانات البشرية: “إليه”.
(12) إن “النوع” من الأحياء الذى ينجح من هذه الأحياء أن يواصل الاستيعاب (التلقائى البيولوجى الحيوى) لحركية وقواعد تخليق وإعادة تخليق هذه المستويات متآلفة معاً “يبقى” ويستمر (لا ينقرض)
(13) إن الإنسان الذى أكرمه خالقه بخاصيةٍ فوقية، وتكريمٍ خاص، استطاع بعقله ولغته وتخطيطه ألا يكتفى بإطلاق وعيه يختبر قدرته على استيعاب البرامج تلقائيا، قد لاحت له فرصة أن يكون مساهما فى اختيار طريقه وحمل أمانة ما تميز به، لينقذ نفسه ونوعه من التمادى في الطريق السلبى حتى الاختفاء (الانقراض)
(14) إن من نجح من البشر حتى الآن هو من استطاع أن يواصل عمل الصالحات، ويتواصى بالصبر ويتواصى بالحق، وراح يمارس تزكية نفسه وهو يحتوى فجورها وتقواها معا ليبدع بهما مسئولية حمل الأمانة واستمرار التطور.
(15) إن من فشل فى ذلك أصبح مسئولا عن ما لحق فطرته من تشوُّه واغتراب، بما فى ذلك الجنون والمرض، وعلى المدى الطويل: ومسئولا عن مصير نوعه على المدى الطويل.
(16) إن جوهر ما يسمى العلاج:
هو أن تقوم النصوص البشرية الأقدر على حمل الأمانة بحفز تنشيط الوعى البينشخصى فالجمعى فالجماعى، مدعومة بكل ما توصل إليه العلم والإبداع والمعرفة، بحفز كل هذه التفاعلات خاصة بعد أن أعلنت الحقيقة العلمية التى تقول: “أن المخ يعيد بناء نفسه باستمرار”، نابضا بإيقاعحيوى، يتحدد توجهه بفرص النبض معا لاستعادة الفطرة وتصحيح الانحراف.
(17) إنه لكى يعيد المخ بناء نفسه باستمرار فلابد من إتاحة الفرصة له لإعادة التنظيم بما فى ذلك إعادة التشكيل بكل التواصل الحيوى وحركية الوعى البشرى المبدع القادر “معا” على “التناص” الإيجابى البناء: فى حالة التكامل مع النصوص البشرية: المتاحة بما هو وعى بينشخصى ثم وعى جمعىّ…إلى “المابعد”.
(18) مع اعترافى بصعوبة تقديم ما أريد للزملاء المعالجين النفسيين بمصطلحات منظومة خارج اهتمامهم لم أجد بديلا قد يعيننى على شرح ما يجرى فى العلاج الجمعى خاصة إلا تقديم ما هو تناصُّ بين النصوص الأدبية أملا أن يكون مفتاحا لشرح ما هو “تناص” بين النصوص البشرية.
(19) إن تناص النصوص البشرية فى العلاج بكل مستوياته هو تناص بين نصوص حالية “متعددة هنا والآن” وهذا هو أكثر تمثيلا لحركية الوعى البينشخصى والوعى الجمعى فى استعادة إبداعية الفطرة “ربى كما خلقتنا”، أما التناص فى الإبداع الأدبى والشعرى فإن النقد يتناول كشف تناص الأحدث مع الأقدم عادة (أنظر بعد).
…………….
(ونكمل الأسبوع القادم)
[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث أبواب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2021) (تحت الطبع)
تعليق عام :
وصلني ان التناص بين مستويات الوعي عامل علاجي مهم ربما لم يأخذ حقه في ادبيات التي تناولت العوامل العلاجية ..
.
) إن من نجح من البشر حتى الآن هو من استطاع أن يواصل عمل الصالحات، ويتواصى بالصبر ويتواصى بالحق، وراح يمارس تزكية نفسه وهو يحتوى فجورها وتقواها معا ليبدع بهما مسئولية حمل الأمانة واستمرار التطور
التعليق: شكرا د يحيي ،، احب دائما استمع لهذه اللغه في الطب النفسي الذي تعيد تشكيله كفن ..
انشغلت ايصا بتناص الامخاخ فينا وهي تتجادل محتوية تاريخنا. وكل امخاخنا مضيفه لها دون اان نغترب عنها او نغترب فيها
هذا طيب يا فؤاد، شكراً
تلقـّـيك يزداد إبداعاً
بارك الله فيك.
صباح الخير يا مولانا:
المقتطف :….وبرامج التخليق الجدلى الحركى لاحتواء التناقض
التعليق : أظن أن هذه العبارة بها قدر من الصعوبة على القارىء ،كما ألمح بها قدرا من الغموض ،فلم أستطع تصور عملية احتواء التناقض ،حيث يبدو الواقع لى كما لو أنه لا يوجد به تناقض ،نعم توجد مستويات ودرجات متعددة من الاختلاف ،لكن التناقض أظن أنه ليس إلا ” فرضا فلسفيا ” لوصف شدة الاختلاف .
المقتطف : …“أن المخ يعيد بناء نفسه باستمرار”، نابضا بإيقاعحيوى، يتحدد توجهه بفرص النبض معا لاستعادة الفطرة وتصحيح الانحراف.
التعليق : فرحت بصياغة هذه الفكرة هكذا ،ووجدت انها إحدى إبداعات واضافات the biorythmic evolutionary theory،حيث أنها قد أضافت إلى احدث ما توصل إليه الneuroscience،،وال epigenetic ،ثم جمعت بينهماوكأنها تبين عملية إعادة البناء والخلق هذه بشكل دقيق،ووجدت فى نفس النشرة ما يزيدها وضوحا بإضافته إليها ” كتقسيمة على اللحن الأساسى” وهو المقتطف التالى :
إن تناص النصوص البشرية فى العلاج بكل مستوياته هو تناص بين نصوص حالية “متعددة هنا والآن” وهذا هو أكثر تمثيلا لحركية الوعى البينشخصى والوعى الجمعى فى استعادة إبداعية الفطرة “ربى كما خلقتنا
عندك حق فى إدراك الصعوبة لكن ديعنى أذكّرك أن التناقض هو من أهم عوامل حركية النمو والإبداع، وهو ليس دائما تصادما أو صراعا، واستيعابه (استيعاب طرفيه) باحتارم كاف وجهد لازم هو من ضمن خطوات الإبداع الأعمق.
أشكرك يا د. ماجدة مرة أخرى، ولكن اسمحى لى أن أذكرك أن أغلب إن لم يكن كل ما جاء فى التناص وعن التناص جاء فى الإبداع الأدبى شعرا أو نثرا
أما هنا فهو التقاط لحركية الوعى البينشخصى فى حضور وضعى أو أكثر فى نفس اللحظة ونفس الموقع وهذه النقلة أضاءت لى طريقا فى قراءة النص البشرى (العلاج) كنت لا أعرف له اسما حتى عثرت على هذه الثروة الرائعة.
مولانا الحكيم هذا كلام يقرأ بالقلب فهو المؤهل لفقه هذا التناص البشري المبدع
شعرت و أنا اقرأ كيف انه بإمكاننا بهذا الوعي التواصل الشافي و الداعم ليس فقط للبقاء و لكن للتطور و الارتقاء و شعرت ان النظرية العلمية لا تؤتي ثمارها إن لم تكن بالمقام الأول نابضة بالانسانية على نحو ربي كما خلقتنا
ربما لو أحسنا هذا الوعي و أخلصنا التواصل به لم نعد بحاجة ضرورية للعقاقير
ربنا ما يحرمنا من نور فقه قلبك و نفع علمك يا حكيم و جزاك الله عنا بما تحركه فينا كل خير ……
أشكرك يا سحر وأوافقك من حيث المبدأ لكننى لا أوافقك على حكاية لم تعد بنا حاجة إلى العقاقير.
فالعقاقير رائعة إذا أتقن الإعداد لتعاطيها وتوقيتها، وتغييرها إذا لزم الأمر
وهى لا تحول دون الإلمام بفاعلية كل أنواع العلاج الأخرى، بل تكمّلة عادة.