نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 23-1-2022
السنة الخامسة عشر
العدد: 5258
مقتطفات كتاب
“الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” (1)
الباب الأول: “النظرية ومعالم الفروض الأساسية” (18)
مقدمة:
نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب، لعله الأهم، أن تُقْرأ نشرة اليوم التى سنقدم فيها ما تيسر من الفصل السابع، وأوصى بالبدء بقراءة نشرة أمس.
يحيى
الفصل السابع
جدل مستويات الوعى “التناص” (1)
مقدمة:
I : ليس المطلوب – ولا هو ممكن– لاستيعاب هذه النظرية وما يترتب عليها للإفادة منها هو أن يعرف من يحاول ذلك: كيف يمارس الحركة بين أجزاء الثوانى الآن، وبين بلايين السنين منذ بدء الحياة، لكن لعلّ تحمل مسئولية الوعى بذلك هو نقطة البداية!
II: إذا صحـَّـت هذه النظرية – ولو نسبيا – وصدَّقـْـنا هذا الاحتمال الصعب وأنّ كل خلية فينا وكل “دنا” DNA ينبض باستمرار، (وليس فقط القلب أو حتى المخ) فى وحدات زمنية متناهية الصغر إلى وحدات زمنية لا نهاية لها وهو يستعيد التاريخ مع كل نبضة!، فكيف بالله عليكم – بالله علينا – نستفيد من هذه المعلومات فى طريقة تحسين حياتنا المحدودة؟ والحفاظ على نوعنا مثلنا مثل زملائنا من الأحياء الذين بقوا معنا (ولن أمل من تكرار أننا واحد من الألف الباقية من كل الأحياء: أعنى نحن البشر وكل من استطاع من الأحياء أن يستمر حيا حتى الآن) (2).
III: نحن نعترف بهذه الصعوبة (الصعوبات) الواقعية، ونطمع أن يفيدنا هذا التنظير وهذه الفروض فى حياتنا الحالية، وبوجه خاص فى الممارسة الطبية ونحن نحاول أن نعلق عليها لافتة جديدة تشير إلى هذه الحقائق بشكل أو بآخر لافتة “الطبنفسى الإيقاعحيوى” وإذا كان كل الممكن من هذا التوجه هو تدعيم التفاؤل العلاجى، فهذا طيب.
IV: “هذا العمل هو جزء من محاولة فهم الطبيعة البشرية كما خلقها بارؤها حتى نعرف كيف انحرفت أو تشوهت فيما يسمى المرض”، ثم دعونا نأمل أن يساعد هذا الفهم فى أن نتعرف كيف نلحقها ونعيدها إلى ربها كما خلقها، ونحن نسعى إلى تجربة كل التطبيقات العملية التى يمكن أن تترتب عليها حتى نتشجع ونبذل المزيد من العمل لقبولها واستيعابها للإفادة منها؟.
إن تجربتى خلال ما يزيد عن عشرين عاما فى محاولة الإبلاغ الإلكترونى يوميا عبر موقعى الخاص، وقبلها أكثر من نصف قرن من ممارسة الكتابة والنشر فى حدود قدراتى البشرية، وما يحيط بى من واقع وفرص النشر، قد أكدت لى ندرة من يهتم بهذا الذى أتصوره حقائق جوهرية أو فروضا عاملة أو نظريات محتملة، ومع ذلك فقد زادنى هذا إصرارا على الاستمرار والتفاؤل.
اليوم أجد نفسى مجددا فى نفس المأزق فى هذا الوقت وأنا أكاد أتجمع مع فكرى وتاريخى أختم بهما مشوارى ربما لأبرئ نفسى من التقصير فى إعلان شهادة ما وصلنى، وأنا لا أنكر أن عددا قليلا من أصدقاء أعرفهم يصرون أن أواصل، وربما وجد عدد آخر مثلهم أو أكثر، لا أعرفه، ولا أظن أنه يزيد كثيرا عن من أعرفه، ولعل هذا يكفينى أن أواصل ونواصل – نحن البشر – معركة البقاء على الطريق الصحيح سواء سجلنا هذا الطريق كتابة فى نظريات أو جربناه فى فروض، أو حدسنا طريقنا بالوعى الصميمى الذى نجح زملاؤنا من الأحياء الواحد فى الألف أن ينشـِّـطوه فيخلقون لهم وعيهم الجمعى الذى يوجـِّـههم إلى الاتجاه الصحيح بفضل الله، إذا كان كل ذلك هو واقع من ناحية، تدعمه حقائق علمية من ناحية أخرى، فإن من تصله هذه الرسالة بعمق ما تعنى : سوف يكون أكثر قدرة على حمل الأمانة.
وبعد
أصبح الخلط بين الأمور واختزالها إلى ما سبق الفراغ منه أسهل الطرق للامتناع عن الإسهام فى تجديد الحياة، وإذا كان هذا يــُعزَى فى الحياة العامة والحياة المالية! والحياة السياسية إلى ألاعيب السلطة ومجموعات الضغط وآليات الدفاع Defensive Mechanisms ، فكيف يكون الأمر هو هو فى مجال يدعى أصحابه أنهم أكثر موضوعية وأقدر إبداعا، أعنى مجال الكشف العلمى والمعرفة؟
ممارسة الطبنفسى فى مجتمع فقير غير نام مثل مجتمعنا – وهو كذلك لحسن الحظ مع بالغ الأسف – يتيح الفرصة المعرفية الأخرى لإعادة النظر، وهو بذلك قد يحول دون اختزال هذا الفرض واختزال الإنسان إلى ما تسمح به وسيلة واحدة ، لها منهج محكم مغلق يسمى “العلم” (المؤسّسِى الكـمـِّـي المُحكم)، خاصة بعد ما آل إليه حاله من أغلب من تولوا أمره كميا وسلطويا.
إن الطب النفسى الحديث هو أحوج ما يكون إلى ما يكتمل به، قبل وبعد التفسير الكيميائى، وقبل وبعد التحليل النفسى، والمفهوم الدينامى، و لدينا فى ثقافتنا منطلق معرفى قد يكون مفيدا فى هذا المجال وهو قد يضيف إضافة متواضعة، لكنها قد تكون جذرية.
إن الاختلافات الثقافية أيضا تكمن فى التاريخ بقدرما تظهر فى الحاضر، والمريض النفسى هو -أيضا- مستودع للتاريخ يكشفه المرض، وإن كان الذى يكشفه المريــض هو أكثر مما يكشفه المرض، وذلك من خلال حركية الوعى بينه وبين المعالج، ولا أعنى بالتاريخ : التاريخ المسجل كتابة أو حكيا، وإنما أركز على التاريخ المرصود فى الدّنا DNA عبر ملايين السنين وأكثر، وهذا بُعدٌ تطورى آنىّ وهو يتجلى فى كل مجال له علاقة بأصل الإنسان، وما آل إليه واحتمال الإسهام فى وقف المضى إلى انقراضه.
………………
الطب النفسى الإيقاعحيوى يبدأ بفهم معنى العَرَض (لغة المرض)، أى ماذا يقول المرض، وأيضا ودائما: ماذا يقول المريض من خلال مرضِهِ إذْ هو يمرض، ثم العمل على أن يقوله بطريقة أسلم.
العلاج النفسى الإيقاعحيوى هو إكمال بسط نبضة نـمو (إيقاعحيوى) كادت تجهض، أو بدأت فعلا فى التراجع أو المشى فى طريق سلبى.
العلاج النفسى الإيقاعحيوى هو الاسهام فى تصحيح مسار، وإطلاق نمو
العلاج النفسى التكاملى هو احتواء متناقضات للإسهام فى مواكبة إعادة توجيه نبضة النمو المهددة بالاجهاض أو الانحراف إلى الجدل التشكيلى الخلاق “ربى كما حلقتنى”.
منطلقات أساسية:
(1) إن المخ البشرى هو أمخاخ متعددة، وتاريخ حى ممتد.
(2) إن المخ البشرى هو حديقة حيوان/أحياء: متراتبة ومتبادلة ومتجادلة.
(3) إن الوعى”الفردى ليس فرديا، حتى لو لم يوجد “آخر” يتبادل معه الحركية.
-
وهو ليس مجرد ما هو “ضد اللاوعى”.
-
ولا هو ما يترادف مع الصحو.
-
ولا هو مجرد خلفية نتعرف منها على المكان والزمان والأشخاص.
-
ولا هو مجرد مجمع نشاط لجهاز فسيولوجى تشريحى ممتد (3)
(4) إن الوعى يشتمل ليستوعب بطريقته: كلَّ شىء نفكر فيه أو ندركه أو نعيشه أو نستشعره دون ضرورة تحديدهِ ظاهراً اًو مرموزا.
(5) إن الوعى البينشخصى هو: كيان يتكون باستمرار خارجنا/داخلنا إذْ يتخلّق من حركية الجدل النيوروبيولوجى، ويظل متداخلا ومتفاعلا نابضا مع مستويات الوعى الشخصى لأى “نص” حىٍّ آخر.
(6) إن المراحل الأساسية التى تمر بها حركية الوعى فى العلاج الجمعى هى:
1- مرحلة التساؤل والتعارف والحذر والتردد،
2- مرحلة تنشيط الوعى البينشخصى الثنائى ثم المتعدد الأطراف
3- مرحلة تخليق الوعى الجمعى من كل هذا.
(7) إن هذا التواصل يستمر ويتنوع دون رصد محدد، ثم هو يتكاثف ويتصاعد حتى يتخلق وعى جدلىّ مشترك ضامّ للمجموعة ككل.
(8) ثم تتواصل حركية (برامج) “الدخول والخروج” من الوعى الشخصى إلى الوعى الجمعى المتكوّن، وبالعكس، مرورا طبعا بالوعى البينشخصى وتبادلا معه ويستمر ذلك طول الوقت.
(9) إن الوعى الجمعى لا ينمو على حساب أى من الوعى الشخصى والوعى البينشخصى، بل إن برنامج الدخول والخروج تتواصل فيما بين المستويات الثلاثة باستمرار،.. باستمرار .
(10) إن كل ذلك هو بمثابة نوع من “التناص” Intertexuality الذى هو تشكيل إبداع حيوى جديد: نصٌّ بشرىٌّ بديع وهو يتخلّـق: من إبداع حيوى يتجدد مع نص حيوى جديد”، وبالعكس: ذهابا وجيئه طول الوقت.
(11) إن التمسك المطلق (تقريبا) بمبدأ “هنا والآن” يساعد باستمرار على اضطراد هذه العملية فى مسارها الصحيح.
(12) مرة أخرى: إن كل ما يجرى فى البنود السابقة هو فى عمقه نقد إبداعى للنص البشرى، لا يقوم به المعالج كناقد والمريض كنص، وإنما تقوم به كل النصوص البشرية المشاركة فى إعادة تخليق بعضها البعض نقدا (إبداعيا) في علاقة متداخلة مع ما جاء في رقم (10) عن التناصّ..
(13) إن مجرد تكوين الوعى الجمعى يستحضر تلقائيا دوائر الوعى:
(14) الموجودة والممتدة داخل وخارج أفراد المجموعة إلى مركزها،
(15) ثم من مركزها إلى دوائر ممتدة من خلال وعبر شخوصها،
(16) ومن الوعى الجمعى المتكون جميعا منها وإليها ذهابا وجيئة، بشكل خفى، لكن متصاعد
(17) ويتواصل الامتداد باضطراد طالما المواجهة قائمة (وبعدها أحيانا).
(18) إن هذه العملية حين تبدأ انطلاقا مما تكون فى المجموعة، وبالمجموعة، تمتد تلقائيا إلى ما بعدها مما قد يمكن تحديده أحيانا فى دوائر متزايدة فى الاتساع والإحاطة بما فى ذلك أن يتواصل امتداد دوائر الوعى إلى دورات الإيقاعحيوى للطبيعة، فإيقاع الكون، إلى وجه الحق تبارك وتعالى.
وبعد:
فماذا إذن عن علاقة كل ذلك بالطبنفسى الإيقاعحيوى الذى ينبنى أساسا على الإيقاعحيوى والابداعية الحركية فيما بين البشر إلى أصلهم وغايتهم بما فيهم المريض والمعالج؟؟
…………….
…………….
(ونكمل الأسبوع القادم) بعرض “جدل مستويات الوعى”
[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث أبواب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2021) (تحت الطبع)
[2] – مرة أخرى: “من الممكن إدراك حجم عملية الانقراض المتواصلة، عندما نعرف أنه من بين “50 بيلون نوعا” من الحيوانات والنباتات التى ظهرت على الأرض لا يوجد حيا الآن إلا ما يقرب من (40 مليون نوعا). وهذا ما ترجمته نسبة انقراض الأنواع على مدى تاريخ الحياة: وهى 99.9 فى المائة”.
– دافيد م. روب “الانقراض جينات سيئة أم حظ سىء؟” ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمى، المشروع القومى للترجمة المجلس الأعلى للثقافة، 1998، (ص 6).
[3] – Ascending Reticular Formation
صباح الخير يا مولانا:
المقتطف : إن كل ذلك هو بمثابة نوع من “التناص” Intertexuality الذى هو تشكيل إبداع حيوى جديد: نصٌّ بشرىٌّ بديع وهو يتخلّـق: من إبداع حيوى يتجدد مع نص حيوى جديد”، وبالعكس: ذهابا وجيئه طول الوقت.
التعليق : ما تصفه هنا عن التناص كعملية إبداعية متبادلة متجددة ،يثير لدى التساؤل : ماذا لو حدث فى الاتجاه العكسى؟ أى أن يحدث تناص نكوصى ؟! أم لعلك ترى أن التناص فى ذاته هو عملية إبداعية فقط ؟ فإن كان كذلك فكيف تصف مانتبادله من أفكار مسمومة ومشاعر مشوهة ،وإن عدنا إلى تاريخ الحياة القابع فى داخلنا نجد وحوشا ضارية تتصارع لتأكل كل نبت بشرى بداخلنا ،يحدث ذلك أيضا دون أن ننطق ،بل لعله يحدث كذلك فى بعض العلاج النفسي ،أتراه أيضا تناص ؟
صباح الخير يا مولانا:
المقتطف : نقد إبداعى للنص البشرى، لا يقوم به المعالج كناقد والمريض كنص، وإنما تقوم به كل النصوص البشرية المشاركة فى إعادة تخليق بعضها البعض نقدا (إبداعيا) في علاقة متداخلة مع ما جاء في رقم (10) عن التناصّ..
التعليق : يا مولانا أرى فى هذا المقتطف معاناتك ورغبتك الصادقة الشريفة الأمينةالمسئولة فى توصيل علمك بما يحدث للأفهام ،لكن هون على نفسك ،إنه يصل بأمر الله إلى من يحضر معك فى ” الهنا والآن”،ولايسعنى إلا أن أذكر لك القول الذى لا أشك أنك تعيه جيدا : من ذاق عرف ،أو لعلك تفضل عليه قول مولانا النفرى : كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ،يا مولانا إن ما تحادثنا به هنا هو ” ” فى ذكر مالاينقال”،لكن سيظل لك فضل السبق أن نبهتنا إلى مدى : حقيقة وخطورة وقدرة وفاعلية ، ما نتبادله بيننا دون أن ندرك ودون أن نفهم ودون أن نعلم ،لكننا نعى ،وأظن أن هذا الوعى هو الذى نحاسب به يوم تنطق أيدينا وارجلنا وكل خليةفى الكون لتشهد بأننا قد وعينا لكننا آثرنا الغفلة( بالبلدى : استهبلنا) …أسأل الله العفو والعافية
ما هو موقفك من يوم القيامة ومن الجنة والنار وخالدين فيها ابدا
وما علاقة ذلك بالانقراض.
الآية الوحيدة التي تلمح الي الانقراض هي “” ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد “”.
ولكن يظل السؤال الملح هو الجنة والنار وخالدين فيها ابدا .
انا لا اطلب الاجابة ولكن اريد ان اعرف موقفك
شكرا.