نشرة “الإنسان والتطور”
2-9-2009
السنة الثالثة
العدد: 733
الحلقة (26)
مش يمكن يطلع كل ده :”أنا” مش “هوّه”
لولا أننى أضفت الفقرة قبل الأخيرة لهذه القصيدة، لعدلت عن نشرها فى هذه الطبعة فى هذا السياق، إذْ ما علاقة خبرة شخصية أكثر منها مهنية بالعلاج النفسى، الذى هو موضوع هذا العمل فى صورته الجديدة؟ هل هناك سبيل لتصور ثمة علاقة دون تعسف؟
نبهت فى مقدمة هذا الباب الثانى أنه باب فيه قدر أقل من آليات العلاج النفسى، لكننى أعتقد أن فيه قدر أكبر من التعرية عموما، والحدس والإسقاط المحتمل، وبالرغم من أننى أكدت فى المقدمة هذا أنه لا توجد حالة واحدة – اللهم إلا حالتى الشخصية، هى حالة واقعية لشخص بذاته، وأن الصور الشعرية – فى نهاية النهاية- هى من نسج خيالى، برغم ذلك فإنى أجد نفسى أحتاج إلى تنبيه جديد يؤكد نفس التنويه ، بالنسبة لهذه القصيدة بوجه خاص
ربما يكون من الأفضل أن أقدمه على أنه صديق برغم أنه من نسج الخيال، وهو صديق من أعز من عرفت، كنا فى فورة الشباب برغم فارق السن، نحلم كما يحلم الشباب، ولكن للكلام نهاية محدودة، وقدرات مختنقة، ولا فائدة حقيقية منه قبل أن يُختبَر، ولم تكن فى الستينيات ثمة فرصة لاختبار كلامى أو كلامه أو كلام أى واحد أو واحدة، فقد تولت الحكومة أمر الناس أكثر من اللازم، وأخفت عنهم ما أخفت، ولم نكن قد دخلنا امتحان نهاية المرحلة يونيو 1967، قبل هذه الكارثة بعام أو أكثر، سافر صاحبى بكل ريفيته الأصيلة، وخواجايته المكتسبة، وتواصلت المراسلات بييننا بشكل حميم، لا نحن كففنا عن الحلم بمستقبل أفضل لنا ولبلدنا، ولا نحن اقتربنا من الحلم بشكل يبرر استمرار تكرار نفس الكلام.
سافرت بدورى للخارج بعد أن رسبت الحكومة، فى الاختبار السالف الذكر، فزادت المراسلات حِدة بيننا عبر الأطلنطى، وزاد محتواها شطحا وأحلاما، (لاحظ: مازلت أكتب من نسج خيالى، وحتى نهاية القصيدة).
سجلت القصيدة هذه المرحلة فى علاقتنا هكذا :
(1)
يَامَا قُـلْـنا ويامَا عِـدْنَا، ويَامَا أحْلامْنا خَـدتـْـنَا،
كـنّا بنخطط ونرسم، فى الرمال نِبْنى بيوتنا.
صاحبى سافرْ. خُـفـْنا نـِنْـسـَى،
قلنا نكتبْْ، حلم أيّـامنا اللى جايّةْ.
والكلامْْ فوق الورق: بيخطــط الدنيا اللى هيّهْ.
حِلْمِنا بالعدل كان دايما شاغلنا،
والوَلاَيَا والغلابَا كانوا وصْلةْ حب بينّا.
كل خلق الله تـَـبَـَعْـنَـاَ.
نشترى حتى اللى باعْــنـَا.
والسّمــاحْ، …. والمِـلاحْْ،
والشهاداتْ، والنجاحْ.
كل ده، قال و”احنا بــره”،
يعنى: بالحـلم المسرّة.
وحين لاحت لى إرهاصات أن صاحبى على وشك اتخاذ قرار هجرة دائمة، فزعتُ، ورفضتُ، وصارحتُه بذلك، وقد أعدت تفاصيل هذه المصارحة شعرا فى نهاية هذا الديوان حين قلت “يا طير يا طاير فى السما رايح بلاد الغُربْ ليه؟ إوعى يكون زهقك عماك، عن عصرنا، عن مصرنا، تقعد تلف تلف كما نورس حزين، حاتحط فين والوجد بيشدّك لفوق، الفوق فضا، الفوق قضا..إلخ (أنظر بعد) ، وعاد صاحبى حين سمحت له ظروفه بالعودة، و يبدو أننى تصورتُ أننى كنت أحد أسباب عودته، ولكن هذا كان مبالغة منى غالبا، فقد كان ارتباطه بناسنا، وطين أرضنا، شديدا طول الوقت.
(2)
قلت له: دى بلدنــا أوْلى،
ناسْنـا واخْدينها مِقاوله.
صبْر، والشغلِ ”عَلاَوْلــَـه”.
حَنّ قلبه وجانى طاير،
بالبشاير.
بعد عودته استمرت المحارورات على مستويات متعددة، عملية، ومهنية، ومادية، وتجريبية، وإبداعية، وكان ظهور هذا العمل بالذات، “ديوان سر اللعبة”، هو أحد مظاهر هذه الحوارات المتعددة المستويات، بالاشتراك مع آخرين، وثقوا فى جدية ما نحاول، واستصعبوه، لكنهم دعمونا بمشاركة صادقة حميممة، لكن ظلت العلاقة الثنائية بينه وبينى محورية، وأساسية معظم الوقت، وكانت الأمور قد تكشفت عن مصائب السياسة، وتضليل الإعلام، وتشويه المهنة، وتمادى الظلم والاغتراب، لكن لم تتبين لنا سبلا عمليا للإسهام فى التغيير العام، وإن كنا لم نكف، أو نتراجع عن المحاولات الذاتية، فرادى، وأصدقاء، ومع عمق الرؤية أكثر فأكثر، تأصل الألم أكثر فأكثر، ومع الاقتراب الفعلى بينى وبينه، تجسد الاختلاف الجوهرى، وكان صديقى يشبهه بالاختلاف بين موقف “لاو تسو” (هو) و”كونفووشيوس” (أنا) فى تاريخ الصين !! وبدأت أتبين أن الاختلاف بيننا ليس يسيرا ولا ثانويا، فأحلامى طينية، وأحلامه رقيقة طائرة:
(3)
قلنا يالله نغوص سوا فْ طين أرضنا،
واحدة واحدة نـِجْتِهِدْ على قدّنا.
وابتدينا من جديد،
حَطّ إيده ف إيدى، قلنا مش بعيد.
صاحبى راجع “حُرّ خالص”،
والكلام جاهز وهــــايص.
صاحبى لابس عـمّة خضره
بس يرطـن مالشمال، ولا عندهْ فكرةْ،
مش على بالـُـه اللى جارِى،
فى الزوايَا، فى التُّرَب، أو فى الحواري.
قلت اشوف مين اللى هلّ علىَّ يانى،
حين اقتربنا أكثر وجدت أن صدقه أبلغ، لكن أحلامه أكثر طموحا، وأكثر نعومة، ويبدو أن تربيته المدرسية الأجنبية، وطيبته الاجتماعية، ورقته الأخلاقية، قد غلبت على موقفه العملى الواقعى الإقدامى، أو هذا ما خيل إلىّ أنذاك: رحت أتساءل من واقع الاختبارات العملية إن كان هذا الصديق هو مَنْ عرفته طوال سنوات سلفت، مع طول الحوار، وصِدق المحاولة، أم أن السفر غيّره، أم أننى لشدة حاجتى إليه لم أعرفه أصلا كاملا متكاملا، وأننى فقط أكتشف بقيته مع تمادى الاقتراب والاختبار، والاختباروالاقتراب، وقد تبينت وأنا أعيد قراءة هذه الفقرة من القصيدة، أننى حين لم أجده “هو هو”، لم أجدنى أيضا “أنا أنا”، (مالقيتوش، ما لقيتى نفسى، “) :
هّوه هوّه؟ ولا جانى حدّّ تانى؟
قلت اجرّب،
قلت أقرّب،
ما لقيتوشْ. مالقيتْشى نفسِى،
قلت جوعِى بْيِعْمٍى حـسِّى.
يبدو أننى لم أيأس،
وتواصلت محاولاتى للقرب،
جنبا إلى جنب مع بداية القراءة فى العيون:
بسْ برضُهْ فْضِلـت ادَوَّرْ،
قلت أبص فْْ ْعينُـهْْ أكترْ:
مش يمكن الاقى البذره الناشفَهْ الخايفَه الضاَّيْعَه فْ بحر كلام:
عايزةْ تنّبت، مشْْ قادرةْْ؟
لا أحد يرتوى من داخله بنفسه لنفسه دون أن تخدعه ساقية مغلقة تصب ماءها فى بئرها ذاتها مهما دارت، لا بد من “آخر”، بالعنى الحقيقى لمن هو “آخر”، ولو بنسبة ما، لا أحد يرفض أن تتاح له فرصة أن يروى جوعه إلى “البسط”unfolding “ليكون” to be فـ”يصير” to become “إليه”، اللهم إلا مضطرا، أو موهما نفسه أنه مضطر.
هذه “البذرة الناشفة الخايفة” هى كامنة فينا جميعا، هى تجف حين يكون ما يصلنا من الآخرين غير كاف لإروائنا، إلا بقدر ما يجنون ثمارنا كما تصوروها. تجف بذرتنا بداخلنا، ثم يأتى الكلام مهما كان صادقا، وجميلا، ليعمل بمثابة غطاء يحمى هذه البذرة الجافة من الذبول حتى العفن، لكنه لا ينبتها، فلا تترعرع إلا باقتراب آخر.
هذا ما تصورت أنه قد حدث فى صاحبى، (وفى نفسى غالبا، أو لاحقا)، لم ننتبه بدرجة كافية، أو فى الوقت المناسب أن علينا أن نكف عن الأمل فى إبداع أنفسنا والناس بالكلمات والنوايا الحسنة.
حاولنا باقترابنا من بعضنا البعض، ومعنا بعض الأصدقاء أن يكون عائد ذلك ريا لبذورنا ولبذور البشر الجافة من حولنا، الجاهزة للإنبات لو وصلها تواصلنا بهم إليهم، أعتقد أن الأمل كان يتجسد فى هذا الاتجاه كلما التقينا أو حاولنا، أو هكذا كنت أحلم، وهو كذلك (غالبا).
مش يمكن نشرب شفطة حب تروينا بدال سيل الجوع ما يغرّقنا؟
مِش يمكنْْ شوفْــنا لْــنَاسْـنا يفوّقنَا؟
يبدو أن الشك ساورنى فى واقعية أحلامى هذه، ما دمنا بكل هذا الجفاف، وبكل هذا الجوع، ربما يكون العيب عيبه، أو عيبى، أو عيبنا كلينا.
واستمرت المحاولة بلا كلل أو ملل، وباضطراد متدرج، مع محاولة مزيد من الرؤية، ما أمكن ذلك حتى لا نهرب من بعضنا البعض إذا زادت الجرعة، لكن يبدو أن الإحباط كان ينتظرنى بشكل لا حل معه ، فواجهت السكون البعيد الخامد المغطى بعباءة الكلمات، وروائح حسن النية:
قلت أشوفُهْ، ماظْــْـلموشْ،
دُخْـت تدويرْ، مالْقيتوشْ،
قالُوا جوُه،.. لسـَّهْ حبَّــهْ
قلت أدخلْ، حـبّة حـبّة
(4)
ولاقيتْنِى جوّا بحور ضَلمَهْْ، مالْهاشْ شُطآن،
ولا حِسّ لْـمّـوج،
ولا نِسمهْ تلاعبْ قلع شْرَاع،
أو حتى تهزّ القشهْْ العايمهْ المنسيهْ.
ولا ضربةْ ديلْ سمكهْ، ولا طُحلبْ،
ولا قَوقْع ولا أَىّ حياهْ !!!
هـُـوَّا الهِوّ اتْــْــهـَـوَّى ازاى ؟
راح فين يابْـنى أنين الناى؟
وأنا أحدّث هذا العمل الأن جاءتنى الإفاقة التالية، وقد مرّ على كتابة القصيدة الأصل أكثر من خمس وثلاثين سنة، وهى ليست تراجعا، بقدر ما هى محاولة رؤية عادلة، ولو بأثر رجعى.
أظن أنها إفاقة صالحة لهدف هذا العمل بصورته الجديدة، أعنى توظيفه للإفادة فى العلاج النفسى: ذلك أننا كثيرا ما نحكم على مريضٍ ما أنه تبلّد حتى أصبح لا يشعر بنا، وربما نحن الذين لا نشعر به، أو نتهمه أنه “بعيد”، وربما نكون نحن المسئولون عن هذا البعد، من هنا جاءت هذه الفقرة تقول:
(5)
مش يمكن كان نِفسى أرمى حِملى عليهْ؟
مش يمكن جوعى صوّر لى حاجات مش فيهْ؟
مش أحسن أبص على اللى بيجرالى من جوّهْ؟
مش يمكن يطلع كل ده :”أنا” مش “هوّه”
سِوا كده أو كده أو كده، دى الدنيا بقت هـُسْ هـُسْ!
يبقى نسكت، أو ياللا نرجع نتكلم ونرص !!
حين نكتشف اغترابنا فى الكلام، لا يكون الحل هو أن نكف عن الكلام، بل لعل الكلام يكون هو الممكن المتاح فى كثير من الأحيان، وليس أمامنا إلا أن نستعمله بما هو حتى تدب فيه- فينا- الحياة، إذْ يلتحم بقنوات التواصل الأخرى،
هذا الاستسلام للكلام فى نهاية القصيدة، وبرغم أنه بدا يأسا كاملا، وكأننا نعلن موت الفقيد، إلا أنه غالبا نوع من تأجيل الحكم، ربما انتظاراً لبعث ما ، بشكل ما.
يا خبر يا جدع!! كدهُهْ؟ !!!
لا ياعَـمْ.
نتكلّم أحسنْ!
ما هو أصل المعزى:
”قهْوهْْْ سادهْْ، وكلامْ”.
*****
ثم نختتم النشرة بهذه القصيدة مجتمعة كما اعتدنا:
(أقدمها وأنا أعتذر لها، لعلها تغفر لنا ما فعلناه بها)
(1)
يَامَا قُـلْـنا ويامَا عِـدْنَا، ويَامَا أحْلامْنا خَـدتـْـنَا،
كـنّا بنخطط ونرسم، فى الرمال نِبْنى بيوتنا.
صاحبى سافرْ. خُـفـْنا نـِنْـسـَى،
قلنا نكتبْْ، حلم أيّـامنا اللى جايّةْ.
والكلامْْ فوق الورق: بيخطــط الدنيا اللى هيّهْ.
حِلْمِنا بالعدل كان دايما شاغلنا،
والوَلاَيَا والغلابَا كانوا وصْلةْ حب بينّا.
كل خلق الله تـَـبَـَعْـنَـاَ.
نشترى حتى اللى باعْــنـَا.
والسّمــاحْ، …. والمِـلاحْْ،
والشهاداتْ، والنجاحْ.
كل ده، قال و”احنا بــره”،
يعنى: بالحـلم المسرّة.
(2)
قلت له: دى بلدنــا أوْلى،
ناسْنـا واخْدينها مِقاوله.
صبْر، والشغلِ ”عَلاَوْلــَـه”.
حَنّ قلبه وجانى طاير،
بالبشاير.
(3)
قلنا يالله نغوص سوا فْ طين أرضنا،
واحدة واحدة نـِجْتِهِدْ على قدّنا.
وابتدينا من جديد،
حَطّ إيده ف إيدى، قلنا مش بعيد.
صاحبى راجع “حُرّ خالص”،
والكلام جاهز وهــــايص.
صاحبى لابس عـمّة خضره
بس يرطـن مالشمال، ولا عندهْ فكرةْ،
مش على بالـُـه اللى جارِى،
فى الزوايَا، فى التُّرَب، أو فى الحواري.
قلت اشوف مين اللى هلّ علىَّ يانى،
هّوه هوّه؟ ولا جانى حدّّ تانى؟
قلت اجرّب،
قلت أقرّب،
ما لقيتوشْ. مالقيتْشى نفسِى،
قلت جوعِى بْيِعْمٍى حـسِّى.
بسْ برضُهْ فْضِلـت ادَوَّرْ،
قلت أبص فْْ ْعينُـهْْ أكترْ:
مش يمكن الاقى البذره الناشفَهْ الخايفَه الضاَّيْعَه فْ بحر كلام:
عايزةْ تنّبت، مشْْ قادرةْْ؟
مش يمكن نشرب شفطة حب تروينا بدال سيل الجوع ما يغرّقنا؟
مِش يمكنْْ شوفْــنا لْــنَاسْـنا يفوّقنَا؟
قلت أشوفُهْ، ماظْــْـلموشْ،
دُخْـت تدويرْ، مالْقيتوشْ،
قالُوا جوُه،.. لسـَّهْ حبَّــهْ
قلت أدخلْ، حـبّة حـبّة
(4)
ولاقيتْنِى جوّا بحور ضَلمَهْْ، مالْهاشْ شُطآن،
ولا حِسّ لْـمّـوج،
ولا نِسمهْ تلاعبْ قلع شْرَاع،
أو حتى تهزّ القشهْْ العايمهْ المنسيهْ.
ولا ضربةْ ديلْ سمكهْ، ولا طُحلبْ،
ولا قَوقْع ولا أَىّ حياهْ !!!
هـُـوَّا الهِوّ اتْــْــهـَـوَّى ازاى ؟
راح فين يابْـنى أنين الناى؟
(5)
مش يمكن كان نِفسى أرمى حِملى عليهْ؟
مش يمكن جوعى صوّر لى حاجات مش فيهْ؟
مش أحسن أبص على اللى بيجرالى من جوّهْ؟
مش يمكن يطلع كل ده :”أنا” مش “هوّه”
سِوا كده أو كده أو كده، دى الدنيا بقت هـُسْ هـُسْ!
يبقى نسكت، أو ياللا نرجع نتكلم ونرص !!
يا خبر يا جدع!! كدهُهْ؟ !!!
لا ياعَـمْ.
نتكلّم أحسنْ!
ما هو أصل المعزى:
”قهْوهْْْ سادهْْ، وكلامْ”.
*****
وبعد
مرة أخرى: ما دخل هذه الصورة التى تبدو شخصية تماما بتوظيف النص الشعرى فى هذا الديوان فى الإرشاد إلى طبيعة العلاج النفسى؟
بالإضافة إلى ما ألمحت فيما سبق، فإن التعرف على الخبرة الشخصية للطبيب النفسى فى محاولته لتحقيق ما يدعو إليه مرضاه، يمكن أن يكشف جانبا إنسانيا فى خطوات الطبيب النفسى على درب النمو المضطرد.
لا يمكن فصل الخبرات الشخصية، المعلنة والسرية، للطبيب النفسى، صغيرا أو كبيرا، عن ممارسته مهنته، بل عن اختياره طرق علاجه، بل وعن مسار تنظيره ومبعث وضع فروضه إن كان قد وصل إلى مرحلة تسمح له بذلك، إن حياة سيجموند فريد شخصيا، وأحلامه، وعلاقاته، وتاريخه، وجذوره الدينية (اللادينية) والعرقية، قد أثرت جميعها ليس فقط فى ممارسته، بل أيضا فى تنظيره.
إن تعرية تعامل الطبيب، مع صعوباته الشخصية، داخل المهنة وخارجها، هى التى تمهد الطريق الذى يتعلم منه جوهرية احترام المريض، وهى أيضا التى تسمح للمريض أن يرى أن ما يسرى عليه، يسرى على من يعالجه.