اليوم السابع
الاثنين : 2-9-2013
محاكم عشوائية: ضد العدل
إذا كان الأمر قد وصل بالظلم أن تسن له قوانين تدعمه وكأنها ضمن منظومة العدل، وأن تفصًَّل قوانين أخرى جاهزة للتفسير والتطبيق لصالح ما هو ضد حقيقة العدل وضد العدل الرحمن الرحيم، فإن حركة أخرى تسود العالم الأقل قدرة على التحايل والبجاحة وفى نفس الوقت الأكثر بدائية، وأعنى بها تهميش أحكام القضاء المحكم لحساب محاكم العامة والغوغاء والجماهير المستثارة والثآر والحقد والانتقام.
استغنت هذه الحركات عن منظومة القوانين برمتها، بل وعن ساحات المحاكم، كما ظهر ذلك جليا فى حالتنا القريبة خلال السنوات الثلاثة الماضية، فبعد فرحة الشباب بانطلاقتهم، وفرحتنا بهم، وحمدنا الله على الفرصة، ساد جو من الاستعجال والاستسهال فى إصدار الأحكام مرة بالظن، ومرة بالإشاعة، ومرة بالاستنتاج الذى يبدو بديهيا دون أن يكون كذلك، ومرات كثيرة نتيجة لإزاحة الانفعالات البدائية فى اتجاه الأهداف (أو الضحايا) الأقرب فالأقرب، والأظهر فالأظهر وليس بالضرورة الأجرم والأخطر.
وهكذا راحت محاكم الميادين والشوارع تصدر الأحكام وبغير وجه حق غالبا، وأحيانا بحدس شعبى ثائر، وكثيرا بفعل فاعل معروف أو خفى، دون تردد أو تراجع أو حيثيات وكلما علا الصوت، وتكرر الهتاف، تأكدت الأدلة دون أدلة، ثم إن الحكم يصدر بلا دفاع أو توثيق أو مناقشة إذ يكفى الاجماع والترديد الذى تتزايد لفات سرعته من عموم الناس بكلمات مشحونة بانفعالات سابقة التجهيز عن الثآر، أو القصاص أو الدم، أو دموع الأمهات وينقلب المتهم مجرما ثم مُدانا سواء كان كذلك فعلا أم كان كبش فداء يتجمع حوله غضب الجماهير بما قد يسمح للمجرم الحقيقى أن يفلت من العقاب.
ولا تتوقف هذه المحاكم عند المرحلة الأولى لإصدار الحكم، بل هى تواصل انعقادها فى مواجهة القضاء الرسمى المنتظم، وكلما صدر حكم رسمى لا يتفق مع أحكام هذه المحاكم العشوائية الجاهزة، تنعقد هيئة هذه المحاكم الأخيرة من بضعة آلاف قاض شعبى فى الشوارع والميادين وأحيانا فى ساحة المحاكم نفسها أو أمامها، وبسرعة مذهلة تلتقط منطوق الحكم الصادر من جهة رسمية محترمة، تلتقطه دون سائر حيثياته، وتصدر حكمها الفورى الذى كثيرا ما يعارض الحكم الرسمى، وهات يا رفض، وهات يا إساءة، وهات يا إهانة، وكأنها محاكم استئناف أرقى وألزم بسماع أحكامها نفيا لما صدر من أحكام شرعية.
وبعد
آمل أن أواصل حتى أركز على ما هو عدل شخصى إلى العدل المطلق عدل الرحمن الرحيم، ثم أختم بإشارة إلى العدل العام المحتمل الصادر عن محكمة التاريخ مرورا بمحكمة الوعى العام ومحكمة نفع الناس!!