الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ما معنى التعتعة، وما هو “الدستور”

ما معنى التعتعة، وما هو “الدستور”

نشرة  “الإنسان والتطور”

16-10-2010

العدد: 1142

 

ما معنى التعتعة، وما هو “الدستور”

وتوقف الدستور،

آسف هناك شىء ما زال يصدر فى أوراق ممتلئة “بكلام كثير”، و”إعلانات”، “كلام كثير”، و”إعلانات”  قياسا على مقولة سعيد صالح ،فى مدرسة المشاغين: (مارشات عسكرية، و……”)،  هذه الأوراق ما زالت تحمل اسم الدستور، ولا أعرف مدى قانونية ذلك، لكننى أعرف أنه عمل غير مشروع بالقياس الأخلاقى، ذلك  أن الدستور الذى سمحت لنفسى أن أكتب فيه منذ إصداره الأول سنة 1995 عام 1998 ثم عدت أكتب فيه فى الإصدار الثانى منذ  23 مارس 2005، توقف فعلا، وعلى هذا الذى يصدر أن يجد له اسما آخر،

أنا لا أريد أن أكتب فى هذا الموضوع لأسباب كثيرة، وسوف أعود للكتابة فيه لأسباب أكثر، وسأكتفى اليوم بذكر لمحات من تاريخى الشخصى معه، ومع رئيس تحريره بوجه خاص:

دعانى إبراهيم عيسى، دون معرفة خاصة، بصفته رئيس تحرير الدستور الأول سنة 1995 لكتابة عمود أسبوعى،  تلكأت حتى أتعرف على “ما هو هذا الدستور الذى سوف أكتب فيه”، وحين أطمأننت اقترحت عنوانا غير مألوف وهو الذى ظل محتفظا به حتى الآن، أعنى حتى توقف للمرة الثانية، “تعتعة”، وحين سألنى إبراهيم لماذا؟  “يعنى ماذا؟”،  كتبت أشرح ذلك على الوجه التالى:

التعتعة هى: الكتابة بقصد التحريك لا البلاغ، وقد استعرت لفظ “التعتعة” هذا من الحسن بن هانئ، وهو يقول (مازحا أو جادا):

وما الغرمُ إلا أن ترانىَ صاحيا      وما الغنمُ إلا أن تتعتنى الخمرُ

وقياسا أقول:

وما الغرمُ إلا أن ترانى ساكنا       وما الغنمُ إلا أن يتعتعنى الرأىُ

ثم اضفت شارحا:

(إن) آفة ناسنا الألعن هى الجمود المغلف بالكسل، التى يقابلها على الجانب الآخر الاندفاع المتسارع بالاستسهال، والتعتعة هى تحريك محسوب بين هذا وذاك. وفرق بين كتابة وكتابة، فكتابة الخبر المعلومة هى نوع من الإخبار والبلاغ، أما كتابة الرأى ووجهة النظر، فهى دعوة للحوار والمراجعة، والتعتعة هى من النوع الثانى: ولمزيد من الإيضاح:

  • هى دعوة للقراءة الثانية قبل التسليم بظاهر القول،
  • وهى حفز للنظر فى الجانب الآخر من المعنى الظاهر، لعله أهمّ، وأدل،
  • وهى رفض للمسارعة بـ “التعظيم سلام” لكل حروف مطبوعة،
  • وهى تحذير من هز الرأس بالموافقة حتى قبل أن تكتمل الجملة أو يتضح المراد،
  • وهى إغراء بإعادة النظر فى الشائع المتفق عليه، حتى لو كان بديهيا، أو مقدساً.

 (ملحوظة: وحين أغلق الدستور فى المرة الأولى، والثانية ، شعرت أنهم يعتبرون مثل ذلك بوجه خاص من الكبائر)

وكان من أوائل ما كتبت فى الدستور الأول، ربما لاختبر مدى تحمله الاختلاف، تعتعة بتاريخ 5-3-1997 بعنوان “دستور يا الدستور”  قلت فيها :

“…… وهكذا‏ ‏قبلتُ‏ ‏هذا‏ ‏الاضطرار‏ ‏الرائع‏ ‏حتى ‏أختبر‏ ‏نفسى ‏وأنا‏ ‏أتجاوز‏ ‏الحدود‏ (‏وسوف‏ ‏أفعل‏ ‏حتما‏، ‏فهذا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يدفعنى ‏عادة‏ ‏للكتابة‏) – ‏لكننى ‏لا‏ ‏أعرف‏ ‏ماهى ‏حدود‏ ‏صحيفه‏ ‏الدستور‏ ‏التى ‏علىّ ‏ألا‏ ‏أتجاوزها‏ (‏لأتجاوزها‏) ‏ولأبدأ‏ ‏بهذا‏ ‏الاختبار‏:‏”…. فى ‏بلدنا‏  ‏كانت‏ ‏كلمة‏ ‏دستور‏ “بفتح‏ ‏الدال” ‏تعنى: ‏ولا‏ ‏مؤاخذة‏، ‏أو‏: ‏بالإذن‏، ‏وكان‏ ‏الرد‏ ‏عليها‏ ‏دستورك‏ ‏معك‏، ‏ولم‏ ‏أحاول‏ ‏أن‏ ‏أسأل‏ ‏أبى ‏ماذا‏ ‏يعنى ‏هذا‏ ‏كله‏، ‏وما‏ ‏علاقة‏ ‏ذلك‏ ‏بدستور‏ 1923 ‏أو‏ ‏حتى ‏دستور‏ 1930، ‏ناهيك‏ ‏عن‏ ‏الدساتير‏ ‏اللاحقة‏، ‏فقد‏ ‏كانت‏ ‏دساتير‏ “كِـدا‏ ‏وكـِـدا‏”.‏

وحين‏ ‏صدرت‏ ‏صحيفة‏ “الدستور” ‏لم‏ ‏أحاول‏ ‏أن‏ ‏أسأل‏ ‏أو‏ ‏أتساءل‏ ‏عن‏ ‏معنى ‏اختيار‏ ‏كلمة‏ ‏الدستور‏ ‏اسما‏ ‏لها‏، ‏لأنها‏ – ‏أيضا‏- ‏مفهومة‏ ‏بالسياق‏، ‏ورحت‏ ‏كالعادة‏ ‏أقف‏ ‏حذرا‏ ‏أمام‏ ‏العدد‏ ‏تلو‏ ‏الآخر‏ ‏حتى ‏أتعرف‏ ‏عليها‏ ‏وأطمئن‏ ‏إلى ‏مصادر‏ ‏تمويلها‏، ‏وآنس‏ ‏بالأقلام‏ ‏على ‏صفحاتها‏، ‏وقد‏ ‏كان‏، ‏ثم‏ ‏نشرت‏ ‏فيها‏ ‏مقالا‏ ‏ثم‏ ‏مقالا‏، ‏وكان‏ ‏التحرير‏ ‏أمينا‏ ‏فلم‏ ‏يشطب‏ ‏حرفا‏، ‏ثم‏ ‏تلطف‏ ‏رئيس‏ ‏التحرير‏ ‏فطلب‏ ‏منى ‏المزيد‏، ‏وعادة‏ ‏ما‏ ‏أعتبر‏ ‏ذلك‏ ‏مجاملة‏، ‏وبعد‏ ‏حوار‏ ‏قصير‏ ‏جاءت‏ ‏فكرة‏ ‏هذا‏ ‏العمود‏، ‏وأنا‏ ‏ضد‏ ‏الإلتزام‏ ‏الراتب‏ ‏بالكتابة‏ ‏خشيه‏ ‏أن‏ ‏أضطر‏ ‏لأن‏ ‏أكتب‏ ‏والسلام‏، ‏لكننى ‏تذكرت‏ ‏أنى ‏لم‏ ‏أكتب‏ ‏فى ‏حياتى ‏علما‏ ‏أو‏ ‏رأيا‏ ‏أو‏ ‏أدبا‏ ‏إلا‏ ‏مضطرا‏ : ‏مضطرا‏ ‏من‏ ‏الداخل‏ ‏أو‏ ‏من‏ ‏الخارج‏، ‏فالاضطرار‏ ‏عظيم‏ ‏حين‏ ‏يكون‏ ‏دافعا‏ ‏للبدء‏، ‏فالإنجاز‏، ‏لكنه‏ ‏قبيح‏ ‏إذا‏ ‏شكل‏ ‏محتوى ‏الكتابة‏ ‏والعياذ‏ ‏بالله‏.‏

هذا ما كتبته ونشر بالحرف الواحد، ثم عددت فى نفس التعتعة ما تيسر من ملاحظات قاسية، ورفض صارخ لبعض ما جاء فى أعداد سابقة قريبة، لا مجال لتكرارها هنا الآن لأنها كانت بمناسبات مضت عليها حوالى خمسة عشر عاما

‏ونشرها الدستور هذه التعتعة دون تغيير حرف

وفى الإصدار الثانى عدت إلى عادتى القديمة ، وكتبت رأيى فما يكتبه رئيس التحرير سبا فى الشعب المصرى شخصيا، وأنا أعتبر نفسى – دون انتخابات ولا يحزنون- نائبا معينا من قبل ربنا للدفاع عن هذا الشعب الجميل، مهما رددوا ” ماذا حدث له ” “ماذا حدث للمصريين “، ناسيين أنهم منهم وبهم، المهم كتبت فى الإصدار التالى بتاريخ 25-1-2006 أراجع نفسى عن شعر كتبته وأنا فى الرابعة عشر (سنة 1949) أصف ناسى قائلا :

 ” وحتى المحاكات لا يتقنوها، مسوخ قرود بقايا بشر”،

 لأننى وجدت نفسى كما جاء فى تلك  التعتعة بذلك التاريخ أقول:

“…. بعد حوالى ستين عاما  توقفت عند هذا البيت أتساءل: من هم هؤلاء الذين كنت أصفهم، وأتصور أنهم لم يصلوا إلى مرتبة القرود فى التقليد، وأنهم : بقايا بشر”، يا ترى كنت أعنى ناسنا جميعا (الشعب)،  كما يفعل  أبو يحيى رئيس التحريرالآن حين ينزل على الشعب المصرى سلخا بلا رحمة، حتى أتصور أنه يعنينى شخصيا؟  هل كنت فى هذه السن أوجه الخطاب لحكام سنة 1949 ولهم كل الحق فى المحاكاة دون ادعاء؟ المهم أننى الآن انتبهت وهذا البيت الأخير يعاودنى أن المسألة تنطبق علينا جميعا: ناسا وحكاما، فلنركز على حكامنا تاركين الناس لأبى يحيى داعين أن يخفف جرعته علينا بعد حجه المبرور إن شاء الله.

بل إننى لم أكتف بأن أنبهه عن ما يكتبه فى صحيفته فحسب، بل رحت أتابع حماسه المندفع القاسى الجاهز للشجب  حتى فيما ينشره فى غير صحيفته مثما فعل فى “صوت الأمة”، فلم أتردد فى الرد  عليه، لا فى صوت الأمة، وإنما فى صحيفته شخصيا ، كتبت فى الدستور فى تعتعة 24 -8- 2006 بعنوان أدب التحريض والإبداع الثورى أقول:

لعله من المفيد فى البداية أن أذكر حوارا عابرا دار بينى وبين رئيس التحرير أثناء ذهابنا سويا إلى تسجيل برنامج ما فى قناة ما، منذ سنوات، كان الحوار حول النقد الأدبى، والرواية بوجه خاص، من حيث دورها السياسى الثورى تحديدا، وبلغ حماسه أنى فهمت أن رأيه أن العمل الأدبى الذى لا ينحاز إلى عواطف الجماهير الغفيرة ، ولا يحرك الناس تحريضا، لا يستحق أن يعد إبداعا هاما. بصراحة اختلفنا حتى كدنا نتشابك (وهذا من علامات الود والحميمية، أليس كذلك يا أبا يحيى). عاد لى هذا الموقف وأنا أقرأ رأيه الأخير فى صوت الأمة (عدد14الجارى) وهو يعلن غياب الأدب والأدباء عن المشاركة فى الاحتجاج والتحريك والتحريض والإثارة حتى قال: “وهكذا لم يعد للأدب أى دور ولم تعد للأدباء أية أهمية” ….إلخ

(مع أنه استدرك بعد ذلك)

وبعد

هذا هو الدستور الذى أغلقوه، وأقالوا إبراهيم عيسى، بل وأقالوا كل من يكتب فيه (على الأقل جيرانى فى صفحة الرأى التى كانت تستضيف تعتعتى، كم أوحشنى د. أحمد يونس يا ناس!!) نعم ، أقالوهم ليفسحو المساحة للإعلانات الحلوة جدا، جدا، التى سوف يتم من خلالها تحقيق الديمقراطية، والعدالة، وربما تشفع لقرائها لدخول الجنة، من يدرى، ولكن لماذا نعتب على هذا الواقع هكذا، برجاء مراجعة عدد أهرام الجمعة اليوم (14 الجارى)، فقد عجزت عن أعير حتى على مواقيت الصلاة لولا أنها فى أسفل الصفحة الأولى، ولا مؤاخذة

البقية فى حياة صحفكم التى تحاول (إن استطاعت أن تستمر أطول)

 ولا عزاء للشركات العابرة للقارات.

ولنا عودة، لأن دلالة الحادث أكبر من الدستور، ومن إبراهيم عيسى، ومن مصر التى فى خاطرى وفى دمى

أنتظرونا بعد التقاط الأنفاس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *