الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ماهية الحرية، والصحة النفسية (13) : حركية الطبيب (المعالج) النفسى والمريض النفسى بين الحرية والأيديولوجيا

ماهية الحرية، والصحة النفسية (13) : حركية الطبيب (المعالج) النفسى والمريض النفسى بين الحرية والأيديولوجيا

نشرة “الإنسان والتطور”

6-7-2011

السنة الرابعة

 العدد: 1405

29-6-2011-1

الأساس:الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (36)

 الصحة النفسية (29)

 ماهية الحرية، والصحة النفسية (13)

حركية الطبيب (المعالج) النفسى والمريض النفسى

بين الحرية والأيديولوجيا

 مقدمة:

إلى أى درجة يتمتع الطبيب النفسى بالدرجة الكافية من الحرية التى تسمح له بممارسة مهنته بكفاءة تتناسب مع بعض ما قدمنا (وما لم تقدم) من مفاهيم حول إشكالة الحرية وعلاقتها بالصحة النفسية؟

هذا ما سنحاول أن نتناول مجرد مدخل إليه فى هذه النشرة.

أولا: عن الأيديولوجيا

يختلف تعريف (أو حتى التعرف على) ما يسمى أيديولوجيا، وفيما يلى بعد الملاحظات والإشارات المساعدة:

  • الأيديولوجيا هى الموقف الفكرى المتكامل الذى يميز تفكير شخص ما أو جماعة ما
  • الأيديولوجيا هى تنظير واقعى أو متخيل لمنظور للحياة
  • الأيديولوجيا هى منظومةمن المعتقدات والأهداف والأفكار، وخاصة فى السياسة
  • الأيديولوجيا هى رؤية متكاملة تتحكم فى كيف ننظر إلى الأمور
  • الأيديولوجيا هى جسد من المعتقدات ينتمى إليه الفرد أو المجموع
  • الأيديولوجيا هى مجموعة أفكار تعكس احتياجات وطموحات اجتماعية للفرد أو للجماعة، أو لثقافة عامة أو فرعية
  • الأيديولوجيا تشير إلى الطريقة التى نفهم بها العالم الذى نعيش فيه، وهذا الفهم يشمل التفاعل بين منظورنا النفسى الخاص وبين التركيب الاجتماعى الذى يحيط بنا
  • الأيديولوجيا هى أن ترجح وجهة نظر بذاتها عن كل وجهات النظر الأخرىوأن ترتبط بوجهة النظر المرجحة هذه، وبالتالى فإن الايديولوجيا تجعلك ترى الدنيا (والآخرة) من زاوية خاصة تفسر العالم وتسهم فى محاولة تغييره
  • الأيديولوجيا هى منظومة من مفاهيم تتعلق بماهية الحياة الإنسانية والثقافة البشرية والحياة
  • الأيديولوجيا هى طريقة أو محتوى فكرى تميز فردا أو جماعة أو ثقافة
  • الأيديولوجيا هى التأكيدات والنظريات المتكاملة التى يتألف منها “برنامج ثقافى” معين
  • من الشائع أن الأيديولوجيا هى من محتويات وخصائص الحياة الشعورية، ويبدو أن هذا ليس صحيحا تماماخاصة إذا ما ركزنا على رصد الأفعال والسلوك أكثر من استماعنا إلى النظريات والمفاهيم، ومن عمق  آخر فإن الميكانزمات المسئولة عن تشكيل أيديولوجيا ثابتة ومتماسكة ليست إلا تفعيل لما هو أيديولوجيا، وهذه الميكانزمات ليست شعورية كما نعرف (من واقع التعريف الأساسى لها)
  • الأيديولوجيا تطلق عادة على برنامج سياسى اقتصادى، وقد يكون ذلك صحيحا بدرجة ما إذا امتد مفهوم ما هو سياسى إلى ما هو علاقات اقتصاديية وسياسية وثقافية ومعتقداتيه معا
  • أكثر فأكثر يتباعد ما يسمى العلم (العلم المؤسسى بالذات) عن الموضوعية الحقيقية، فيتحول إلا أيديولوجيا متماسكة، يساهم فى ذلك ضيق المناهج المسماة علمية،وحبكتها الخاصة، واحتكارها للمعرفة، حتى وصل الأمر إلى إدراج كثيرا مما يسمى “علما” تحت ما هو “أيديولوجيا خفية”
  • تشمل اللغة، أى لغة، طريقة خاصة فى التواصل، والوجدان، والمعتقدات، بما يؤثر على الأيديولوجيا الخاصة بمجموعة من الناس فى ثقافة معينة، ويصل أحيانا إلى أن يكون مكونا مشاركا فى أيديولوجيا أصحاب هذه الثقافة.

الدين والأيديولوجيا

الأبعاد الثلاثة لأى دين التى لابد أن تتكامل لتصف دين بذاته هى: المعتقد والسلوك (بما فى ذلك العبادات) وحركية الإيمان، وينقلب الدين إلى أيديولوجيا محكمة حين يقتصر على المعتقد ثم السلوك دون الإيمان، أى دون أن يشمل حركية الإبداع فى الإيمان ويترتب على ذلك نتيجة لعمق الجذور الدينية عبر التاريخ، وأيضا نتيجة لمساحة انتشار ما هو دين عبر العالم، أن يمثل الدين كما شاع وامتد: أيديولوجا متينة على مستوى الشعور واللاشعور معا

الأيديولوجيا والمال

 لم يعد المال هو الأداة التى ترمز إلى، أو تستعمل فى، تنظيم التعاملات، فحسب، ولا هو الوسيلة الأولى أو الأساسية لتحديد الطبقات بين البشر، ولكنه أصبح معتقدا راسخا يصبغ االحياة الإنسانية كلها بمنظومة فكرية سياسية سلوكية تخدم قيماً مالية مطلقة معلنة أوخفية، بغض النظر، عن جدوى ذلك ونفعه فى معركة التطور والبقاء، وتعلن  المحاولات المعولمة الأخيرة لتوحيد العملة، وعولمة الاقتصاد، واحتكار الإدارة المالية عالميا، تعلن كل ذلك، كيف تحول المال إلى إله، تماما مثل تحول العلم المؤسسى إلى دين سلطوى حديث

الأيديولوجيا والمدارس النفسية

كما عرضنا سالفا، (مدارس ومدارس) تمثل كل مدرسة من مدارس علم النفس أو نموذج لممارسة التطبيب والعلاج النفسى، تمثل كل واحده من هذه وتلك منظومة متكاملة تحدد أبعاد ما هو “إنسان” ثم ما هو  “صحة نفسية “، وما هو “مرض“، ثم عند التطبيق العلاجى: أى ما هو “علاج“، وكل مدرسة تفعل ذلك بوثقانية ويقين يؤثر فى فهم المرض والإمراضية، ومن ثم يرسم يرسم طريق العلاج، كما يقوم بتحديد محكات الشفاء بشكل أو بآخر

أيديولوجيا اللاأيديولوجيا

إن الزعم بممارسة المهنة انتقائيا بلا نظرية هو فى ذاته نظرية  أو أيديولوجيا خفيه.

خلاصة مرحلية، ومهرب مشروع

يبدو أن كل ما علينا، كأطباء ومعالجين، ولو مرحليا هو أن نكتفى بالتركيز على “ماهية محكات ظاهرة للصحة النفسية” دون التعرض “لماهية الإنسان“، أو حتى “لنوعية الحياة“، (إلا فيما يتعلق بمنع النكسة)، وذلك حتى إشعار آخر

فلماذا إذن كل هذا الحديث عن الحرية والأيديولوجيا؟؟

أعتقد أن ذلك يمكن أن يفيد فى أن نحذر من تلك الأيديولوجيات التى تفرض علينا، تحت عناوين تبدو أحيانا تنويرية إنسانية مثل ما شاع عن “حقوق الإنسان” (المكتوبة) وليست حقوقه الحقيقية أو الكاملة..إلخ، وأيضا مثل ما تشيعه مؤسسات العلم السلطوى (دون المعرفة)

 علينا أن نحذر من  كل ذلك، من حيث أن  أغلبها قد تكون أيديولوجيات منحازة إلى القرش لا إلى الحياة ولا إلى الإنسان.

نحن – كبشر أيا كان موقعنا معالجين أو مرضى– مسئولون عن ذلك بشكل أو بآخر أمام ضمائرنا، ومن ثم أمام الله إلى غاية الوجود، إليه.

الإيمان بالغيب والأيديولوجيا المفتوحة:

رؤية أخرى خطرت لى من خلال هذه الحيرة تنظيراً أو مراجعة، وقد سبقت الاشارة إليها، لكننى سوف أعيدها لأهميتها وهى كالتالى:

 كنت دائما أفهم  الإيمان بالغيب، وأوصل فهمى هذا لمن يريد، باعتبار أنه الباب الواسع لتجدد الإبداع، وليس كما شاع، للتسليم بالخرافة

خطر ببالى الآن أن الإيمان بالغيب يشمل كذلك ما يمكن أن يسمى “الأيديولوجيا المفتوحة“، حتى لو بدا فى التعبير مغالطة أو تناقضا، فأنا أعنى به ما يلى:

  • ما دام أى إنسان لا يمكن أن يعيش إلا وفى داخله (يتجلى او لا يتجلى فى خارجه) ، برنامجٌ ما، يحدد خطواته وأهدافه وطريقه فى مرحلة ما،فعليه أن يقبل ذلك ويجتهد فى التعرّف عليه دون تعسف أو تعصب أو جمود، وهذا ما يخص الكلمة الأولى “الأيديولوجيا
  • وما دام الإنسان – فى نفس الوقت – كائن ينمو باستمرار، ومن ثم يتغير باستمرار، فعليه أن يسمح لموقفه السالف الذكر (تحت اسم الأيديولوجيا) أن يتحرك بمسئولية لا تقل أبدا عن ما يسمى الحرية أو الاختيار، أن يتحرك فاتحا وعيه لكل الاحتمالات وهذا ما يخص الكلمة الثانية “المفتوحة

وقفة ودعوة:

أعيد التذكرة لما سبق نشرة فى نشرة 24/3/2008 بعنوان “مدارس ومدارس“، وأدعو القارئ للرجوع إليه ولو إلى عينات منه، ثم أضيف التذكره بما يسمى “نماذج الممارسة” فى التطبيب والعلاج النفسى، مجرد عناوين، وكل منها يمثل أيديولوجيا قد تعود إلى تفصيلها)

Medical Model (limited & Comprehensive)

النموذج الطبى المحدود، والشامل

Psycho-Socio-Biological Model

النموذج النفسى الطبى الاجتماعى

Behavioral Cognitive Model

النموذج السلوكى المعرفى

Psychoanalytic Models

النموذج التحليلى النفسى

Religious Models

النموذج الدينى (العلاجى)

Growth oriented Model

النموذج من منظور نمائى

Evolutionary Rhythmic Model

النموذج الإيقاعى التطورى

Lay experiential therapist Models

النموذج الشعبى الخبراتى

الخلاصة الختامية:

تظل نفس تساؤلات المقدمة بلا إجابة، وحتى نعود نتذكر:

  • إن الأيديولوجيا على كل مستوياتها هى قيد جيد على الحرية،
  • إذا كانت الحرية هى المجال الذى يستعيد فيه المريض فرص نموه، ومن ثم شفاءه، فلا بد أن يكون هو هو نفس المجال الذى يمكن أن يخطو فيه المعالج خطوات نموه،إنسانا وحرفيا وعالما عارفاً.
  • تتناسب الأيديولوجيا (الداخلية خاصة) تناسبا عكسيا مع الحرية المتاحة للمريض والمعالج على حد سواء
  • إن المهرب من مواجهة جرعة الحرية الضرورية لاستمرارية حركية النمو هو مهرب جيد ومشروع، لكنه ليس مبررا لادعاء حرية غير موجودة، ولا لإنكار افتقارنا إلى مزيد من الحرية، ومن ثم مزيد من الحركية
  • إن الحذر واجب من الاستسلام لأيديولوجيات تفرض علينا من خارج ثقافتنا حتى لو كانت بلغة علمية (سلطوية) أو لغة مالية (شركات دوائية) أو حتى بلغة مذهبية سياسية أو دينية
  • إن تناول “مسألة الحرية “تنظيرا” لا يقيد كثيرا فى توسيع دائرة الحرية للمريض أو للطبيب معا
  • إن ممارسة العلاج من منظور نمائى (تطورى) قد يعلمنا أكثر فأكثر ضبط جرعة الحرية البناءة للمريض والمعالج على حد سواء
  • إن الحرية كقيمة ساكنة ليست شرطا للتمتع بالصحة النفسية، بل قد تكون العكس إذا اصبح الحديث عنها هو بديل عن ممارستها، حتى تكاد تنقلب إلى أيديولوجيا خفية (تحت شعار مثل: الحرية هى الحل، قياسا على “الديمقراطية هى الحل” أو حتى “الإسلام هو الحل”)
  • إن قوانين حركية النمو، وبالذات الإيقاع الحيوى، والجدل الخالقى، وبرامج الدخول والخروج المفتوحة النهاية، هى الأولى بأن تكون دعائم ما هو حرية مطلوبة للممارسة الطبنفسية البناءة للمريض والمعالج على حد سواء
  • إن تنظيم المهنة وما يسمى حقوق الإنسان أو حقوق المريض أو حتى حقوق الطبيب أو  المعالج عاجزة عن أن تحتوى كل  أبعاد ومستويات الحرية الحقيقية لكل من المريض والطبيب (المعالج) مهما بلغت دقتها، ولمع بريقها، ومهما أفادت فى تصور إمكانية تطبيقها إلا على مستوى التنظيم الظاهرى للتعاملات السلوكية المختزلة.
  • إن الحرية الحقيقية التى تتم من خلال التعاقدات العرفية المتعددة المستويات المختبرة بالنتائج الإمبريقية لنقع كل من المريض والطبيب على حد سواء ينبغى وضعها فى الاعتبار آملين أن نجد لها تنظيما عمليا يقننها فى وقت لاحق من تطور العلم والقانون والمعرفة والإبداع الإيمانى
  • إن المسألة صعبة جدا جدا

وللحديث بقية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *