اليوم السابع
الاثنين 30-12-2013
ماذا يقرأ المصريون؟: وكيف؟ ولماذا؟
مازلت بصدد الدعوة إلى الإسراع فى البدء فى إرساء دعائم بنية أساسية قادرة على استلام مشاعل مشروع الثورة، (التى أصبحت شماريخ نارية!) لكى تكون ثورة، فنهضة، فحضارة.
ألمحت فى مقال أمس إلى الحجة التى يرددها بعض المتعلمين أو بعض المثقفين: أن الديمقراطية قد لا تصلح لمصر، طالما نسبة الأمية بهذا الحجم! وأن هذه الحجة تحتاج إلى إعادة فحص، لأن الأمية الثقافية والأمية النقدية والأمية التاريخية ضاربة أطنابها عند كل من يتصورون أنهم يجيدون القراءة والكتابة حتى لو كانوا قد حصلوا على شهاداتهم العليا، المسألة ليست مسألة قراءة وكتابة، المسألة مسألة وعى القراءة ومسئوليتها، ماذا تقرأ؟ وكيف تقرأ؟ وأيضا: ماذا تسمع؟ وكيف تفهم، ثم كيف تفكر فيما تقرأه وتسمعه، وكيف تستنتج من كل ذلك ما هو صالح لك ولناسِكْ. وأضيف اليوم: وللناس كافة: فهى الحضارة.
أنبه اليوم مرة أخرى إلى أن مصدر معارفى عن الوعى العام المصرى هو عينات غير ممثلة من ممارستى العلاج الجمعى المجانى فى قصر العينى حيث يصلنى ممن لا يقرأون حتى لو كانوا مؤهلين، يصلنى ما هو أعمق وأكثر دلالة مما يصلنى من القراء الكتاب والمتحدثين فى الإعلام، إذا جاز للمواطن العادى أن يعتذر عن عزوفه عن القراءة بانشغاله بالأهم (لست أدرى ماذا، هل هو التليفزيون أم النوم أم “الشات” “فات فات”) فهل يجوز نفس الشئ لمن يتصدى رائدا أو قائد أو حتى مجرد مشارك فى العمل السياسى، خاصة بعد أن أصبحت مصر تضرب تقلب فى الثلاث سنوات الأخيرة، أنا لا أستثنى من هذا التساؤل الشباب، إذِ المفروض أنهم أكثر طزاجة، وقدرة على الدهشة، ورغبة فى تحريك الوعى وتقليب الساكن، كما لا أستثنى التيار الاسلامى فهو الأولى بالقراءة وأول آية كريمة نزلت على رسولنا صلى الله عليه وسلم كانت أمرا بالقراءة.
هل أبدأ يا ترى بالصفوة من المثقفين أم بالعلمانيين “السكلريين” أم بالأكاديميين بالغى التخصص؟ اسمحوا لى أن أبدأ بمن دعوت لهم – ولنفسى- بالهدايه والرشاد أول أمس (الإخوان)، وسوف أقدم عينات محدودة عن فائدة قراءة المحاكمات التاريخية، خاصة وكلمات “المحاكمة” والمحاكمات تتردد على أسماعهم وأسماعنا فى اليوم عشرات المرات: هل يا ترى قرأ زعماؤهم، أو محرضوهم، أو منظروهم، أو شبابهم، هل يا ترى قرأوا “محاكمة سقراط” او “محاكمة الحلاج” كأمثلة؟ وهل يا ترى لو قرأوا أيا من ذلك ماذا سيصلهم بالضبط؟ هل سيحكمون على سقراط من شائع ما يعرفون عنه قبل قراءتهم محاكمته؟ أم هل سوف تستسهل غالبيتهم أن يصنفوه من العلمانيين أو المناطقة ودمتم، وكيف يا ترى سوف يستوعبون التهمة التى حوكم وأعدم من أجلها، وهى أنه أفسد شباب أثينا، وجعلهم يفكرون!! وماذا سيكون موقف من لا يعلم منهم حين يعرف كيف رفض سقراط أن يستجيب لتلاميذه حين خططوا بإحكام أن يهربوه من السجن، بعد أن حكم عليه فعلا بالإعدام، فرفض حتى لا يهز القيم التى علمها للشباب، واستمر فى السجن مختارا يرحب بالموت العظيم الجميل، كجزء لا يتجزأ من شرف الوجود، واحترام القانون، مهما كان القائم على القانون ظالما!!.
طيب دع سقراط الآن ولنا عودة، نأخذ شيخا عارفا مسلما جميلا منيرا: كم منهم يا ترى قرأ تاريخ “الحلاج” بأمانة دون الإسراع إلى حكم مسبق؟ وكم منهم تعمق فى علاقته بربه وانحيازه للفقراء والمطحونين ضد الحاكم الظالم، أم أن أغلبهم اكتفى برأى مولانا ابن تيمية فيه، الرأى الذى لن أذكره هنا احتراما للإمام بن تيميه غفر الله له، وهل سيبذل بعضهم جهدا خاصا فى إعادة النظر؟ فإذا لم تكن لديهم وقت لنقده ناهيك عن نقد ابن تيميه، فهل يا ترى قرأوا كيف حل تاريخه وحبه لربنا فى وعى شاعرنا الراحل صلاح عبد الصبور فكتب مسرحية “مأساة الحلاج” يوقظنا ويهدينا إلى ما نسيناه من تاريخنا وروعة علاقتنا بربنا.
ليسمح لى هؤلاء وأولئك أن أختم اليوم بمقتطف محدود من شعر عبد الصبور فى المأساة، وكأنه الحلاج هو الذى قرضه:
– أترى نقموا مني أني أتحدث في خلصائي
وأقول لهم إن الوالي قلب الأمه
هل تصلح إلا بصلا حه
فإذا ولـيتــُم لاتنسوا أن تضعوا خمر السلطه
في أكواب العدل؟
…….
……
أن يعطوا الناس حقوق النا س على الحكام
فنجاوبهم بحقوق الحكام على الناس
وبعد
آفة قراءة ما فى أذهاننا بديلا عن ما يصلنا مما نقرأ(!!) ليست قاصرة على الإخوان، وسوف أعود غالبا إلى “السكلريين” (العَلْمانين) والمثقفين وغيرهم فى حديث لاحق.