نشرت فى الدستور
13-8-2008
تعتعة
“…..لوددت أن أكون مصريا”
منذ كتبت تعتعة يوم 28 مايو، والرسائل تنهال على تطمئننى أننى لم أشطح، وأنهم اكتشفوا بدرجات متفاوتة أن هذا “الشى الـ ما”، لازال ينبض فيهم فعلا ووعدا وتحديا، ثم كتبت مقال الأسبوع الماضى بعنوان “إننى لو لم أولد مصريا” حاولت أن أنبه فيه – بعد حكم العبارة – أننا، هكذا، معرضون لفقد هذا “الـ شى الـ ما”.
رد واحد على المقال الأخير أزعجنى حتى الغضب، وآلمنى حتى الندم، جاءنى من إبن زميل يعمل طبيبا نفسيا فى الإمارات العربية، وهو قارئ جيد، وطبيب حاذق، ويكتب لى كثيرا مادحا، شاكرا، ناقدا، مشجعا، لكنه هذه المرة كتب ما أثارنى حتى كدت أندم على ما كتبت، فقررت أن أرد عليه، حتى أوضح موقفى، قال:
1) لاحظت أن المصرى يريد أن يأخذ أكثر مما يعطى
- … لا أحد يعطى للمصرى حقوقه، لا فى الداخل ولا فى الخارج، ومع ذلك، فهو يعطى بطريقته، مصر كلها تعيش من عرق أولادنا الذين يواصلون الليل والنهار وهم يحملون قصعات الخرسانة، ليبنوا بها قصور القادرين عندك يا إبنى، ثم يعودون بقروشهم الثمينة (إذا لم يغرقوا فى البحر الأحمر)، ليحركوا اقتصادنا دون فذلكة، أو منّ.
2) إن حكاية الكرامة التى يتغنى بها هى وهم، فهو يتنازل عنها فى سبيل تحقيق أى مكسب
- قل لى بالله عليك من الذى أعطى المصرى الكرامة فى بلده حتى يحافظ عليها وهو يعرق ليجمع قوت عياله أو ثمن علاجه
3) إن المصرى قد الف العيش فى القذارة وانظر الى الشوارع المصرية وأكوام الزبالة
- هل هذه مسئولية فردية حتى نحاسب الناس عليها وهم يعيشون بلا حكومة معظم الوقت فى معظم الأنحاء؟ المصرى لم يتعلم النظافة ثم تركها إلى القذارة، وعموما قذارة الشوارع أحسن من قذارة الذمم، وقذارة الضمائر.
4) ان المصرى مستكين يرضى بالذل والهوان ولايثور إلا ثورة القطيع
- لا يا شيخ، لا تجعلنى ألمز أبا يحيى رئيس التحرير وهو يقول مثلك، للمصرى طريقته الخاصة فى الثورة، تاريخا، ولتبدأ بنفسك، وأبدأ بنفسى.
5) إن المصريين أقل الناس إبداعا وهذا يفسر احتماءهم بالتدين الشكلى دون الجوهرى .
- هكذا خبط لصق، أقل الناس إبداعا؟ من أين لك بهذا الحسم والتعميم؟ وما هو تعريف الإبداع عندك، وماذا تتابع من إبداع كل المصريين، ثم خذ عندك إبداعات أخرى لا تخطر على بالك: المصرى يبدع قوت يومه، ويبدع كيف يتعايش مع البشر فى مجتمع بلا دولة تحميه، ويبدع أن يواصل عمله ، بأقل رعاية صحية، ويبدع العرف الذى يحل به مشاكله أحسن وأسرع من المؤسسات القضائية المعاقة، المصرى يصل إلى عندكم “طرزانا”، ينتقل من عمل إلى عمل مثلما ينتقل طرزان بين الفروع، مبيض محارة، ماشى، نجار مسلح ما يضرش، نقاش تحت أمرك، سباك نتعلمها، وهو سرعان ما يتقن أيا من ذلك…
6) إن المصرى لايقدر قيمة العلم فهو لايؤمن به ولايطبقه في حياته وانظر الى نسبة انتشار الالتهاب الكبدى التى لاتضارعها اى نسبة فى شعوب العالم
- بذمتك، وأنت النطاسى الماهر، هل انتشار الالتهاب الكبدى هو نتيجة لأن المصرى لا يؤمن بالعلم، وهل تحلف أنك قرأت بحثا واحدا يثبت أن هناك فيروس اسمه فيروس س، ألا تعلم أن كل هذه الضجة، والسرقة، والجرسة، لأنهم وجدوا جسما مضادا أسموه كذلك، لكنهم لم يجدو أبدا هذا الفيروس المزعوم..إلخ.
7) إن المصرى من أقل الناس انتماء لبلده وانظر الى سلوك الناس وتعاملهم مع الممتلكات العامة
- أليس علينا أن نبدأ بأن يكون لنا وطن، يحترم فيه من يقيم فيه، وطن يقام فيه العدل، وتتساوى الفرص، ثم نطالب المقيمين فيه بعد ذلك أن ينتموا إليه. كتبت مقالى السابق لأبين ذلك، برجاء مراجعته.
8) ان المصرى لا يتذوق الجمال وانظر الى شكل الارصفة في شوارعنا
- تذوق الجمال ليس فى أن تشاهد لوحة نادرة، وحكاية شكل الأرصفة ليست هى مقياس الجمال، تذوق الجمال ضرب من الإيمان، هو تناغم وارد، يحتاج وعيا نقيا، لا يتحقق لا للمصرى ولا لغير المصرى، بمجرد العناية بالشكل مع أهميته، وعندى أن استمرار هذا “الشىء الـ ما” فينا، برغم كل ما قلنا، هو لأنه ما زال فينا جمالا مؤلما غاليا لم يمت.
وبعد
أشكرك يا إبنى العزيز، إن قسوتك هذه جعلتنى أرجع فى كلامى:
إننى لو لم أولد مصريا لوددت – بجد- أن أكون مصريا رغم أنفك, وانفى.